بعد أشهر طويلة على انفجار مرفأ بيروت، الذي دمر الميناء ومعه أجزاء من العاصمة اللبنانية، وأودى بحياة أكثر من 200 شخص وتسبب بإصابة الآلاف بجراح، ما تزال تداعيات هذا الانفجار مستمرة وقائمة حتى اليوم، في بلد يعاني اساساً، من اضطرابات وصعوبات اقتصادية ومالية وزيادة الفقر والبطالة...
بعد أشهر طويلة على انفجار مرفأ بيروت، الذي دمر الميناء ومعه أجزاء من العاصمة اللبنانية، وأودى بحياة أكثر من 200 شخص وتسبب بإصابة الآلاف بجراح، ما تزال تداعيات هذا الانفجار مستمرة وقائمة حتى اليوم، في بلد يعاني اساساً، من اضطرابات وصعوبات اقتصادية ومالية وزيادة الفقر والبطالة التي تفاقمت بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد والتوترات والمصالح السياسية، التي ما تزال تعيق تشكيل حكومة وطنية تستطيع اصلاح الاوضاع وانقاذ البلد، كما أن لبنان يستضيف أعدادا كبيرة من اللاجئين السوريين والفلسطينيين.
يشار إلى أن الكارثة التي ألمت بمرفأ بيروت كانت قد أثارت وبحسب بعض المصادر، غضباً عارماً من اللبنانيين بوجه الطبقة السياسية، المنشغلة بمصالحها وتامين مصالح الدول الاخرى في هذا البلد المهم، وفيما يخص اخر تطورات الوضع في لبنان، قال مسؤول كبير في صندوق النقد الدولي، إن لبنان لا يمكنه إخراج نفسه من أزمته الاقتصادية من دون حكومة جديدة لتغيير البلاد وإطلاق إصلاحات متعثرة منذ فترة طويلة.
ولفت جهاد أزعور مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصندوق النقد الدولي إلى أن "تغيير الاتجاه لا يمكن أن يتم على أساس مجزأ. إنه يتطلب نهجا شاملا"، مشيرا إلى أن الإصلاحات يجب أن تركز على القطاع المالي والتمويل العام والحوكمة والفساد والمرافق الخاسرة التي ساهمت في زيادة الديون". وأضاف أزعور أنه "في ظل غياب حكومة جديدة قادرة على قيادة هذا التحول، من الصعب للغاية توقع تحسن الوضع في حد ذاته". وقال إن "حزمة الإصلاح هي نقطة البداية. ومن أجل ذلك تحتاج إلى حكومة جديدة ستقود تنفيذ برنامج الإصلاح هذا."
وشدد أزعور على أن "هناك حاجة إلى دعم دولي من خلال المنح"، وقال: "لبنان بحاجة إلى بعض التمويل الكبير من أجل تنشيط الاقتصاد مرة أخرى من أجل السماح للبنان أيضا بأن يكون على طريق الانتعاش الذي سيستغرق وقتًا ولكن هناك حاجة ماسة إليه". وأضاف أن لبنان بحاجة إلى إعادة بناء الثقة بين المواطنين والمستثمرين والمجتمع الدولي".
وتخلف لبنان عن سداد ديونه العام الماضي، ما أدى إلى انهيار العملة الوطنية. وقال صندوق النقد الدولي في تقرير إن اقتصاد لبنان انكمش بنسبة 25% في 2020. واشتد الخلاف بشأن تشكيل الحكومة الجديدة في الأشهر الأخيرة، ما أخر إحياء محادثات التمويل مع صندوق النقد.
عزلة دولية
وفي هذا الشأن قالت مصادر مطلعة إن بنوكا أجنبية من بينها إتش.إس.بي.سي وولز فارجو تقطع العلاقات مع مصرف لبنان المركزي، مما يسلط الضوء على عزلة دولية يعيشها البلد في خضم أزمة اقتصادية. كان رياض سلامة حاكم البنك المركزي حذر في خطاب للمدعي العام اللبناني من أن بنوك المراسلة الأجنبية تشرع في تقليص علاقتها بالنظام المالي المحلي، في حين أغلق ولز فارجو حسابا دولاريا للبنك المركزي، وأغلق إتش.إس.بي.سي حسابه بالجنيه الإسترليني، وذلك بحسب ثلاثة مصادر من القطاع المصرفي والقضاء.
وقال مصدر قضائي إن سلامة تحدث عن "صدمات سلبية" في العلاقة بين البنك المركزي وبنوك المراسلة الأجنبية، وهو ما قال إنه سيجعل من الصعب على لبنان تحويل المدفوعات الأجنبية واستيراد السلع الأساسية. ولم يرد البنك المركزي على طلب للتعقيب. وامتنع ولز فارجو وإتش.إس.بي.سي عن التعليق. وقالت مصادر مصرفية إن البنكين، إلى جانب بنك أوف أمريكا (NYSE:BAC) ودويتشه بنك، كانا من البنوك التي قلصت أيضا أنشطتها مع البنوك اللبنانية في مجالات مثل المدفوعات العابرة للحدود وخطابات الاعتماد.
لكن المصادر قالت إن بنوكا أخرى مثل جيه.بي مورجان وبنك أوف نيويورك ميلون وسيتي وكومرتس بنك مازالت نشطة. وامتنع دويتشه بنك (DE:DBKGn) وجيه.بي مورجان عن التعليق. ولم ترد البنوك الأخرى حتى الآن على طلبات للتعقيب. وتتوخى البنوك الأجنبية الحذر تجاه لبنان منذ تعثر الحكومة في سداد ديونها العام الماضي، وصاروا أكثر قلقا مع انهيار العملة وأزمة في تشكيل الحكومة الجديدة تفاقمت خلال الأشهر الأخيرة، مما يبدد الآمال في إنعاش محادثات تمويل مع صندوق النقد الدولي.
وقال أحد المصادر، وهو مصرفي كبير، "في هذه البنوك، عندما يبحثون في جوجل (NASDAQ:GOOG) عن ‘لبنان’ ويرون المستويات المنخفضة للاحتياطيات الأجنبية والتعثر في السداد... وتضرر السمعة والفساد وهذا الوضع المثير للاشمئزاز الذي نعيشه، فماذا عساهم قائلين؟ بالطبع يقولون إن من الأفضل عدم التعامل معهم". وتدور تقديرات المصرفيين لفاقد أنشطة البنوك الأجنبية منذ 2019 بين 20 و80 بالمئة. وتأتي تحذيرات سلامة في وقت يواجه فيه تدقيقا متزايدا سواء في الداخل أو في أوروبا بخصوص دوره في الأزمة المالية. وثمة تحقيق سويسري مرتبط بمصرف لبنان المركزي.
وفي كلمة ألقى الرئيس ميشال عون بالمسؤولية على البنك المركزي في الانهيار المالي وتعطل تدقيق جنائي ضروري للحصول على مساعدات خارجية. ولم يرد البنك المركزي على تصريحات عون. وأضاف مصدر قضائي أن خطاب سلامة أورد أن جيه.بي مورجان مازال يقدم خطابات اعتماد ضرورية لمساعدة لبنان على استيراد الوقود وسلع أخرى. وامتنع جيه.بي مورجان عن التعقيب.
لكن دعم السلع الأساسية، والذي تغذيه الاحتياطيات الأجنبية الشحيحة، غير مستقر بالفعل. وقال وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال إن الأموال المخصصة لتمويل واردات القمح والوقود والأدوية ستنفد بنهاية مايو أيار. وقال خالد عبد المجيد مدير صناديق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى شركة استشارات الاستثمار سام كابيتال بارتنرز في لندن "في ظل هذا الوضع، انسحاب بعض البنوك من لبنان ليس مفاجأة.
وتفيد أحدث البيانات من بنك التسويات الدولية أن ودائع البنوك اللبنانية لدى بنوك نشطة دوليا بلغت 16.7 مليار دولار في نهاية سبتمبر أيلول 2020، وهو أقل من نصف مستواها قبل ذلك بعامين. وأظهرت الأرقام أن الجزء الأكبر من الودائع تحتفظ به بنوك من سويسرا، ثم بريطانيا والولايات المتحدة وألمانيا. وتحاكي أزمى لبنان ما تعيشه فنزويلا التي تتخلى عنها البنوك الدولية أيضا في وقت يكابد فيه البلد أزمة اقتصادية وعقوبات.
وتُعتبر بعض بنوك البلاد منذ وقت طويل مكمن خطر بالنسبة للبنوك الدولية، إذ يواجه بعضها عقوبات أمريكية على خلفية التعامل مع إيران. وزاد الإحجام عن المخاطرة بعدما تدهور تصنيف لبنان الائتماني السيادي في السنوات الأخيرة، إذ يتنامى القلق حيال القدرة على خدمة الدين العام. وتحوم نسبة دين لبنان إلى الناتج المحلي الإجمالي قرب 200 بالمئة حاليا. ومنذ ذلك الحين، تتبادل الدولة المثقلة بالديون والبنك المركزي الاتهامات بالمسؤولية عن الأزمة، الأسوأ للبنان خلال عقود. بحسب رويترز.
وحالت البنوك المصابة بحالة من الشلل - وهي أكبر دائني الحكومة - بين المواطنين وودائعهم بموجب قيود غير رسمية على حركة رؤوس الأموال مفروضة دون تشريع منذ أواخر 2019، مما أضر بصورة القطاع المصرفي اللبناني كدعامة للاستقرار. وقال مصرفي كبير إن بعض البنوك الأصغر حُرمت من علاقات المراسلة المصرفية، مما جعلها تعتمد على بنوك لبنانية مازالت تحتفظ بمثل تلك العلاقات إذا أرادت، على سبيل المثال، تسوية تحويل دولي دولاري. وقال المصرفي نفسه إن بنوكا عديدة ممنوعة من فتح خطابات اعتماد مع البنوك الأجنبية، إذ يتعين عليها تقديم ضمانات مقابل كامل مبلغ التسهيل. وعلى الرغم من ذلك، قال مصدر بأحد أكبر البنوك اللبنانية إنه لا يواجه أي صعوبات مع بنوك المراسلة. وقال مصدر مصرفي آخر "نحن على ما يرام حتى الآن... لكن إذا توقف عدد كبير من بنوك المراسلة عن العمل مع البنوك اللبنانية، فسنواجه مشاكل خطيرة".
أزمة الخبز
يعاني لبنان عشية استقبال شهر رمضان في جميع مدنه وقراه أزمة خبز، مع استمرار توقف الأفران عن توزيعه وحصر بيعه في صالات الأفران. وشهدت بعض المخابز زحمة، فيما أغلقت أخرى لعدم توافر الطحين، وفي الأثناء يطالب المواطنون بإيجاد حل يحفظ كرامتهم ولقمة عيشهم. وقال نقيب أصحاب الأفران علي ابراهيم وكما نقلت سكاي نيوز عربية "حل الأزمة عند الموزعين المعتصمين في هذه اللحظة أمام الفرن الخاص بي هنا في ضاحية بيروت الجنوبية، والمشكلة بينهم وبين وزير الاقتصاد". ورأى إبراهيم أنه من حقهم الاعتصام لأن الوزير ألغى دور الموزعين ومشكلتهم مع الوزير.
بدوره كشف علي منصور، أحد كبار موزعي الخبز، عن تحرك يقومون به من هذه اللحظة يقضي بإقفال أبواب الأفران ومنعها من البيع، وقال: "إذا لم نستطع العمل وإطعام أولادنا لن نسمح لأحد بالعمل فنحن أكثر من 5000 عائلة نعيش من توزيع الخبز وقد ألغى وزير الاقتصاد دورنا بحصر بيع الخبز مباشرة بالأفران ومنعنا من التوزيع وأخذ حصة من ثمن ربطة الخبز". وتفاقمت المشكل أساساً بعد قرار أصدره وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الأعمال راؤول نعمة حدد بموجبه سعر ووزن الخبز اللبناني "الأبيض"، في الأفران والمتاجر إلى المستهلك على كافة الأراضي اللبنانية، وذلك استنادا إلى سعر القمح في البورصة العالمية، واستنادا إلى سعر صرف الدولار وسعر المحروقات، واستنادا لدراسة علمية لتحديد كمية المكونات المطلوبة لإنتاج أفضل نوعية من الخبز اللبناني للمستهلك.
وتم تحديد سعر ووزن الخبز اللبناني "الأبيض" وفقا لما يلي: ربطة حجم كبير: زنة 920 غراما كحد أدنى، بسعر 2500 ليرة لبنانية كحد أقصى وربطة حجم وسط: زنة 440 غراما كحد أدنى، بسعر 1750 ليرة لبنانية كحد أقصى. كما منع الأفران من تسليم الخبز للموزعين وحصر شراء الخبز مباشرة من الأفران من قبل المستهلك بدون وسيط، فألغى دور شركات التوزيع التي اعترضت على القرار بمظاهرات اعتراضية على أبواب الأفران مانعة حركة البيع والشراء.
وكأن المواطن اللبناني لا تكفيه مأساته مع فقدان البنزين وطوابير الانتظار الطويلة أمام محطات وقود تمعن في التلاعب بعدّاداتها مُستغلّة حاجة الناس لبضعة ليترات من البنزين، حتى سقط قرار الأفران، بحجبها ربطات الخبز عن محلات السوبرماركت والناس، كالصاعقة على المواطن الذي بات يضرب أخماساً بأسداس، ما الذي ينتظره بعد؟ وتوقفت أعداد من الأفران في شمالي لبنان عن توزيع الخبز الأبيض لنفاذ كمية الطحين لديها، ومن بينها أفران تغطي جزء كبير من مناطق الضنية وعكار. وفي السياق عينه، تعاني منطقة الهرمل وقرى البقاع الشمالي والأوسط والغربي من أزمة مماثلة، مع استمرار توقف الأفران.
ويقول منير الميس من البقاع لا خبز داخل المتاجر، فالموزّعون لم يحصلوا على الخبز، ومن مارس منهم عمله تكبّد خسائر كبيرة. ووفق أبو علي مكي، صاحب أحد المتاجر في بلدة حبوش الجنوبية، فإنه تسلّم الخبز من الموزع بسعر الـ2500 ليرة للربطة، أي وفق سعر البيع داخل الفرن، لافتا الى أن "الموزع أخبره عن نية الأفران رفع السعر، وأنّه سيصار إلى التسليم بـ2500 لتباع للسوبرماركت بـ2750 ليشتريها المواطن بـ3000 ليرة لبنانية"، معتبراً أن "هذه الحركة الخطيرة من قبل الأفران ما هي إلا خطوة نحو إذلال الناس أكثر".
وكثير من الأهالي لم يتمكّنوا من الشراء من داخل الافران، عشية حلول شهر الصيام نتيجة بُعد المسافة من ناحية وانقطاع البنزين من ناحية ثانية، هذا عدا أن هناك من لا يملك وسيلة نقل، وكان يشتري من بقالة بمحاذاة منزله. ويقول الرجل الخمسيني حسين إنّه لم يشتر ربطة خبز هذا اليوم لأنّه لا يملك سيارة، "شو ذنب المعتر؟"، وبحسب تعبيره "اعتادوا إهانة الناس في طوابير الذلّ، والناس تعوّدت، وإلى متى؟"
ويصف المحلل في شؤون الاقتصاد في مدينة طرابلس، الصحفي رائد الخطيب، الوضع في عاصمة الشمال بالقول: "الغموض يلف العملية السياسية في المدينة ويمكن للزائر إذا ما دخل هذه المدينة أن يلحظ أن جدرانها حزينة مثل وجوه أبنائها". وأضاف "اليوم مع أبواب الشهر الكريم هناك أزمة حقيقية لدى أبناء المدينة.. هذه الأزمة نابعة من أن القوة العمالية في طرابلس 50% منها تعتمد على المياومة وهناك هؤلاء وبسبب تعطل الانشغال وكورونا جلسوا في بيوتهم ينتظرون الإعانات التي تقوم بها الجمعيات الخيرية، أما البقية من الذين هم موظفون في القطاعين العام والخاص تراجعت مرتباتهم نحو 90% كقدرة شرائية هم سيستغنون عن الكثير من المواد الغذائية الاستهلاكية".
وتابع قائلا "إلا إن الأخطر أنهم قتلوا كل حلم طرابلسي في الانتقال من وضع مزر إلى وضع أفضل.. الآن على الدولة التدخل سريعاً لإنقاذ المواطنين في طرابلس من الهلاك والغرق لأن ذلك سيعني التفلت الأمني والوصول إلى أمور لا يحمد عقباها.. ربما السرقات والتعديات.. المطلوب من قادة المدينة عقد اجتماع عاجل ليس تأهبا للشهر المبارك فحسب إنما لجلاء المرحلة المقبلة خطرة".
صوامع الحبوب
الى جانب ذلك حذّر خبراء في تقرير من أنّ صوامع الحبوب في مرفأ بيروت التي تضرّرت بشدّة حين امتصّت الجزء الأكبر من عصف الانفجار الهائل الذي دمّر الصيف الماضي أنحاء واسعة من العاصمة اللبنانية يجب هدمها لأنّها بناء آيل للسقوط. وقالت "أمان إنجنيرينغ"، الشركة السويسرية التي قدّمت للبنان مساعدة بإجراء مسح بالليزر لإهراءات الحبوب في المرفأ في أعقاب الانفجار الكارثي الذي وقع في 4 آب/أغسطس، إنّ كتلة الصوامع المشلّعة هي اليوم "هيكل غير مستقرّ ومتحرّك".
وأضافت الشركة في تقريرها إنّ "توصيتنا هي المضيّ قُدماً في تفكيك هذه الكتلة" الخرسانية الضخمة، محذّرة من أنّه "كما أصبح واضحاً، فإنّ الركائز الخرسانية تعرّضت لأضرار جسيمة... سيتعيّن بناء صوامع جديدة في موقع مختلف". وكان وزير الاقتصاد راوول نعمة قال في تشرين الثاني/نوفمبر إنّ الحكومة ستهدم هذه الإهراءات التي كانت أكبر مخزن للحبوب في البلاد، وذلك بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة العامة. لكنّ السلطات لم تتّخذ حتّى اليوم أي قرار بهذا الشأن.
وبعدما كانت هذه الإهراءات، ببنائها الخرساني العملاق البالغ ارتفاعه 48 متراً وقدرتها الاستيعابية الضخمة التي تزيد عن 100 ألف طن، تعتبر أحد صمّامات الأمن الغذائي للبنان، أصبحت اليوم رمزاً للانفجار الكارثي. وفي الواقع فإنّ هذا البناء الخرساني العملاق امتصّ القسم الأكبر من عصف الانفجار المدمّر ليحمي بذلك الشطر الغربي من العاصمة من دمار مماثل لما لحق بشطرها الشرقي. بحسب فرانس برس.
وفي تقريرها قالت الشركة السويسرية إنّ" الوقائع تظهر أنّه ما من طريقة لضمان السلامة حتّى على المدى المتوسط إذ ما بقيت الكتلة الشمالية (من المبنى) على ما هي عليه". وأضافت أنّ الأضرار التي لحقت ببعض الصوامع كانت شديدة لدرجة أن هذه الصوامح تميل بمعدل خطر. وأوضحت أنّ هذه الصوامع "تميل بمعدل 2 ملم في اليوم، وهذا كثير من الناحية الهيكلية". وأضافت أنّه "على سبيل المقارنة، فإنّ برج بيزا في إيطاليا كان يميل بمقدار حوالى 5 ملم في السنة قبل أن يتمّ تثبيته" بإجراءات هندسية خاصة.
ويأتي هذا الحكم بالإعدام على صوامع الحبوب ليزيد من المخاوف المتعلّقة بالأمن الغذائي في لبنان، البلد الذي يتخبّط أساساً بأزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة. ويعتمد لبنان على الواردات في 85 بالمئة من احتياجاته الغذائية. وفي أعقاب الانفجار تلقّى لبنان تبرّعات من الحبوب والدقيق.
من جانب اخر قال مصدران إن ألمانيا ستعرض على السلطات اللبنانية خطة تتكلف مليارات الدولارات لإعادة بناء مرفأ بيروت في إطار مساع لحث ساسة البلاد على تشكيل حكومة قادرة على تفادي انهيار اقتصادي. ووفقا لمصدرين دبلوماسيين مطلعين على الخطة، فإن ألمانيا وفرنسا تسعيان لقيادة مساعي إعادة الإعمار. وقالا إن برلين ستطرح اقتراحا وافق بنك الاستثمار الأوروبي على المساعدة في تمويله وسيتم بموجبه إخلاء المنطقة وإعادة بناء المنشآت.
وقال متحدث باسم البنك إن البنك على علم بالمقترح الذي قدمه ميناء هامبورج وفريقه الاستشاري لإعادة بناء مرفأ بيروت والمناطق المحيطة به. وأضاف "لكن في الوقت الحالي لا يوجد أي عرض تمويل من بنك الاستثمار الأوروبي. أي تمويل من البنك سيخضع لمتطلبات الفحص الفني وسيتبع إجراءات البنك المعتادة في مثل هذه العمليات". وذكر أن التمويل يجب أيضا أن يمتثل لإرشادات التوريد الخاصة بالبنك والمعايير البيئية والاجتماعية.
وقال "البنك يقف على أهبة الاستعداد لدعم الشعب اللبناني وجهود إعادة الإعمار كجزء من فريق أوروبا بجانب شركائه والمجتمع الدولي وجميع الأطراف المعنية". وقدر أحد المصدرين أن تمويل بنك الاستثمار الأوروبي سيتراوح بين مليارين وثلاثة مليارات يورو. وأكد السفير الألماني في لبنان أندرياس كيندل أن هناك اقتراحا سيُقدم لتطوير مرفأ بيروت والمناطق القريبة. وأضاف أن الخطة وضعتها عدة شركات خاصة ستجري محادثات في بيروت لعرضها.
وذكر المصدران أن النخبة السياسية في لبنان تحتاج أولا إلى الاتفاق على تشكيل حكومة جديدة لإصلاح الميزانية واستئصال الفساد، وهو شرط يصر المانحون، بما في ذلك صندوق النقد الدولي، على تنفيذه قبل الإفراج عن مساعدات بمليارات الدولارات. وقال أحد المصدرين "هذه الخطة لن تأتي بدون شروط...ألمانيا وفرنسا تريدان أولا رؤية حكومة قائمة ملتزمة بتنفيذ الإصلاحات. لا توجد طريقة أخرى غير ذلك وهذا أمر جيد للبنان".
اضف تعليق