وجّه بايدن رسالة إلى إيران عبر صحيفة نيويورك تايمز أكد فيها استعداده للعودة إلى الاتفاق النووي، ووضع لذلك شروطا. وقال الرئيس الأميركي جو بايدن إن الولايات المتحدة لن ترفع العقوبات التي تفرضها على إيران، وذلك لحمل طهران على العودة إلى طاولة التفاوض لبحث سبل إحياء الاتفاق النووي...
ملف التفاوض بين امريكا وايران يعد احد اهم اهداف الإدارة الأميركية الجديدة، التي تسعى وبحسب بعض المصادر الى معالجة بعض اخطاء الادارة السابقة و العمل على فتح صفحة جديدة بخصوص التعامل مع ايران. وكان بايدن وجّه رسالة إلى إيران عبر صحيفة نيويورك تايمز أكد فيها استعداده للعودة إلى الاتفاق النووي، ووضع لذلك شروطا. وقال الرئيس الأميركي جو بايدن إن الولايات المتحدة لن ترفع العقوبات التي تفرضها على إيران، وذلك لحمل طهران على العودة إلى طاولة التفاوض لبحث سبل إحياء الاتفاق النووي، في حين تصر إيران على أنها لن تعود لالتزاماتها ما لم ترفع عنها العقوبات.
وبعد مفاوضات طويلة، توصلت الولايات المتحدة في 2015 إلى اتفاق مع إيران يحول دون حيازتها السلاح النووي، وقعته أيضا الصين وروسيا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا، قبل أن تصادق عليه الأمم المتحدة. لكن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب انسحب من الاتفاق في عام 2018، معتبرا أنه غير كاف على الصعيد النووي. وعاود ترامب فرض عقوبات على طهران كانت رفعت في مقابل الوفاء بالتزاماتها النووية، ما دفع طهران إلى تجاوز هذه الالتزامات. ووعد بايدن بالعودة إلى الاتفاق شرط أن تفي إيران أولا بالتزاماتها.
من جهته، شدد الزعيم الأعلى بإيران آية الله علي خامنئي على أن بلاده لن تعود للامتثال للاتفاق النووي قبل رفع العقوبات الاقتصادية عنها بالكامل. وقال خامنئي إن الولايات المتحدة يجب أن ترفع جميع العقوبات إذا كانت تريد من طهران العدول عن خطواتها النووية. وكتب على تويتر "إيران أوفت بجميع التزاماتها بموجب الاتفاق النووي لعام 2015 وليس الولايات المتحدة والدول الأوروبية الثلاث… إذا كانوا يريدون من إيران العودة لالتزاماتها فيجب على الولايات المتحدة أن ترفع جميع العقوبات أولا".
ويرى بعض المراقبين ان تقارب جديد بين ايران وامريكا، ربما سيكون صعباً بسبب وجود اطراف متشددة تسعى إلى فرض إرادتها والحصول على تنازلات اضافية، ويرى البعض ان الحل الوحيد للعودة الى التفاوض من جديد يكمن في منح واشنطن امتيازات اقتصادية لطهران قيمتها أقل من تخفيف العقوبات الذي نص عليه اتفاق 2015. وكان المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي بيتر ستانو قال إن الاتحاد ينسق بين واشنطن وطهران وكل الأطراف في ما يخص الاتفاق النووي.
اتفاق وتحديات
وفي هذا الشأن توجهت إيران إلى طلب المساعدة والدعم من الاتحاد الأوروبي في التفاوض على عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، وكان وزير الخارجية الإيراني قال إن الاتحاد الأوروبي يمكن أن يلعب دوراً في حل النزاع مع الولايات المتحدة. هذا الطموح الإيراني قد لا يكون مستبعداً، إذ ترى الولايات المتحدة الأمريكية في هذه الوساطة سبيلاً آخر للتقارب مع الاتحاد الأوروبي، فالطرفين كانا شريكين في الاتفاق النووي الإيراني حتى قرر ترامب الانسحاب، ولهذا فإن إشراك الاتحاد الأوروبي في المفاوضات، تعني بداية جديدة ونهج جديد لرئيس أمريكي جديد، كما يذكر موقع البرلمان الأوروبي.
وبالفعل كان المبعوث الأمريكي الجديد لإيران قد تحدث مع مسؤولين بريطانيين وفرنسيين وألمان، في بادرة توقع الخبراء أن يكون الخطوة الأولى في المشاورات التي من شأنها أن تجلب الصين وروسيا إلى الاتفاق لاحقاً. ودعا وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الاتحاد الأوروبي إلى التوسّط بين بلاده والولايات المتحدة لإنقاذ الاتفاق النووي المبرم بين الدول الكبرى والجمهورية الإسلامية والذي انسحبت منه واشنطن في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب.
وجاء في تصريحات أدلى بها ظريف لشبكة "سي.ان.ان" الإخبارية الأميركية أنه "يمكن أن تكون هناك آلية" إما لعودة "متزامنة" للبلدين إلى الاتفاق النووي، وإما "تنسيق ما يمكن القيام به". واقترح ظريف أن يحدّد وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل "التدابير التي يجب أن تتخذها الولايات المتحدة وتلك التي يجب أن تتخذها إيران".
ويرمي الاتفاق الذي أبرم في فيينا بين طهران والدول الكبرى (الولايات المتحدة والصين وروسيا وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة) وبوساطة من الاتحاد الأوروبي إلى منع الجمهورية الإسلامية من حيازة قنبلة ذرية، ويفرض قيوداً صارمة على برنامجها النووي ويحصر طابعه بالمدني والسلمي. في المقابل، رفع المجتمع الدولي كل العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة على الجمهورية الإسلامية.
لكنّ الرئيس الأميركي السابق اعتبر أنّ الاتفاق غير كاف على الصعيد النووي ولا يتصدى للبرنامج الصاروخي البالستي الإيراني وغيره من الأنشطة "المزعزعة" لإيران في الشرق الأوسط، وقرر سحب بلاده من الاتفاق في العام 2018 وأعاد فرض عقوبات على طهران ثم شددها. وتعهّد الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن العودة مجددا إلى الاتفاق شرط أن تعود طهران للتقيّد التام بالقيود المفروضة على برنامجها النووي، والتي بدأت تتحرر منها شيئا فشيئا ردا على الموقف الأميركي. وكانت الدبلوماسية الإيرانية تطالب الإدارة الأميركية الجديدة باتخاذ الخطوة الأولى على هذا الصعيد، وبرفع العقوبات أولا.
انتقادات الصقور
وموقف الجمهوريين الرافض لإعادة الاتفاق مع طهران، سوف يكون عقبة داخلية يجب على إدارة بايدن الطموحة تخطيها. ولعل هذا كان واضحاً في رسالة بعثتها مجموعة مؤلفة من 119 عضواً جمهورياً في مجلس النواب إلى بايدن في 8 فبراير 2021، تحثه على عدم الدخول في الاتفاقية النووية لعام 2015؛ دون معالجة بعض نقاط الضعف في الاتفاق الأصلي.
وتذكر الرسالة، التي نشرت صحيفة جيروزاليم بوست ملخصاً عنها، "إن هذا النهج الأمريكي يغض الطرف عن أنشطة إيران غير النووية، مثل "دعمها للإرهاب الدولي"، وتطويرها المستمر لترسانتها من الصواريخ البالستية". ويتوقع الخبراء، أن الجمهوريين سينتقدون أي تخفيف للعقوبات على إيران، دون عودتها الكاملة للاتفاق، باعتبار أن هكذا خطوة "ستهدر النفوذ" الذي اكتسبه ترامب بفرض عشرات العقوبات منذ عام 2018.
ورغم أن تعيينه لا يزال حديث العهد، إلا أن المبعوث الأميركي الجديد لإيران روبرت مالي، أحد مهندسي الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 ، لم يسلم من سيل انتقادات صقور اليمين المحافظ الذين يتهمون الديبلوماسي بالتساهل مع بلد عدو. وأكدت واشنطن الجمعة تسمية روبرت مالي صديق طفولة وزير الخارجية أنتوني بلينكن ورئيس مجموعة الأزمات الدولية، "مبعوثاً خاصاً لإيران".
وأعلن مسؤول في الخارجية الأميركية أن مالي "يضفي إلى هذا المنصب نجاحاته السابقة في المفاوضات حول القيود على البرنامج النووي الإيراني"، مؤكداً أن "وزير الخارجية لديه الثقة بأنه وإلى جانب فريقه، سيتمكن (مالي) من التوصل إلى هذه النتيجة مرةً أخرى". وعمل مالي كمسشتار في البيت الأبيض وكان أحد المفاوضين الرئيسيين في الاتفاق الهادف إلى منع إيران من تطوير قنبلة نووية والذي أبرِم في عهد باراك أوباما. ويبدو أن المفاوضات بشأن العودة إلى الاتفاق النووي ستكون صعبة إذ إن إيران تريد في المقابل أن تقوم واشنطن بالخطوة الأولى عبر رفع العقوبات. وحتى قبل تسميته رسمياً، حظي اسم روبرت مالي بترحيب العديد من الخبراء والدبلوماسيين.
لكن، وفي انعكاس للانقسام العميق في الولايات المتحدة بشأن هذه المسألة والعوائق التي ستظهر أمام الثلاثي بايدن-بلينكن-مالي في محاولتهم الوفاء بوعدهم العودة إلى الاتفاق دون إشعال النقاش السياسي، أثار اختيار مالي غضب أوساط الصقور من اليمين المحافظ. وكتب السناتور الجمهوري توم كوتون في 21 كانون الثاني/يناير في تغريدة "من المثير جداً للاستياء أن يفكر الرئيس بايدن باسم روب مالي لقيادة السياسة الإيرانية". وحذر السناتور من أن "مالي معروف بتعاطفه مع النظام الإيراني وعدائيته تجاه إسرائيل"، معتبراً أن المسؤولين في إيران "لن يصدقوا مدى حسن حظهم إذا ما عيّن" مالي.
واتخذت شخصيات أخرى مناهضة بشدة للاتفاق النووي الإيراني موقفاً مماثلاً أيضاً. وقال الأكاديمي الصيني -الأميركي زيويه وانغ الذي سجن في إيران عام 2016 وأفرج عنه أواخر عام 2019 في إطار تبادل للسجناء تفاوضت عليه إدارة ترامب، إن روب مالي "لم يلعب أي دور إيجابي" سعياً لإخراجه من السجن عندما كان في البيت الأبيض. واعتبر وانغ أن "تسميته ستعطي انطباعاً بأن الإفراج عن الرهائن الأميركيين في إيران لن يكون أولوية".
وبمواجهة هذه الانتقادات، تأخذ إدارة بايدن حالياً وقتها لإظهار أنها لن تقوم بأي خطوة متسرعة في هذا الملف الشائك. وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي "لن أعطي جدولاً زمنياً" لبدء المفاوضات بشأن الاتفاق النووي، ورفضت القول ما إذا كان بايدن مستعداً للقاء نظيره الإيراني حسن روحاني أو على الأقل التحدث معه هاتفياً كما فعل باراك أوباما في 2013. بحسب فرانس برس.
وحتى الآن، تبدي الولايات المتحدة غموضاً متعمداً بشأن نواياها في هذا الملف، مكتفيةً بالقول إن اتفاقاً حول الملف النووي، الذي يعدّ ضرورة طارئة، سيتطلب "بعض الوقت"، وسيشكل "نقطة انطلاق" للتفاوض على "اتفاق أكثر استدامةً وأقوى". وفي "توصياتها" للحكومة الأميركية الجديدة، قالت مجموعة الأزمات الدولية التي يرأسها مالي حتى الآن إنه يتعين "البدء بإلغاء المرسوم العائد لعام 2018 الذي ينهي المشاركة الأميركية" في اتفاق عام 2015، و"إطلاق عملية رفع كامل لعقوبات عهد ترامب فيما تعيد إيران برنامجها النووي إلى المسار الصحيح".
السعودية وإسرائيل
على صعيد متصل أثار احتمال عودة الولايات المتحدة للولايات المتحدة للاتفاق تحذيرات وانزعاج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحلفائه. وذكرت صحف إسرائيلية أن نتنياهو جمع فريقاً لوضع استراتيجية لإجراء أول محادثات مع إدارة بايدن حول البرنامج النووي الإيراني. وكان الكاتب الأمريكي إيلي ليك قد ذكر، في مقال له، أن إسرائيل تملك صوتاً حاسماً في أي اتفاق نووي مع إيران، ومع ذلك فإن بعض الأصوات الإسرائيلية تطالب حكومتها بلجم أي تهديدات ضد إيران.
إذ يشرح المحلل الإسرائيلي يحزقيل دورو لصحيفة هآرتس، أن تدخل إسرائيل في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الداخلية قبل الانتخابات الرئاسية في 2016، سوف يقلل من استعداد بايدن للإصغاء إلى الطلبات الإسرائيلية، ولهذا يتوقع المحلل أن تعود واشنطن إلى الاتفاق النووي دون الاستجابة لتحفظات نتنياهو.
في غضون ذلك ، قالت مصادر إعلامية إسرائيلية إن رئيس الموساد يوسي كوهين سيتوجه إلى الولايات المتحدة خلال الأسابيع القليلة المقبلة، وسيعرض أمام إدارة بايدن معلومات استخبارية، في محاولة لمنعها من العودة إلى الاتفاق النووي. ونقلت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية عن وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتز قوله إن أمام إيران 6 أشهر لإنتاج مواد انشطارية كافية لصنع سلاح نووي.
وقالت الصحيفة إن تصريحات الوزير الإسرائيلي تكشف عن أن أمام إيران وقتا أطول مما كان يعتقد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لإنتاج مواد لسلاح نووي. ونقلت أيضا عن شتاينتز قوله إن إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ألحقت بالفعل ضررا بالبرنامج النووي الإيراني. وأضاف أنه في ما يتعلق بالتخصيب فإن الإيرانيين في وضع يحتاجون فيه إلى نحو 6 أشهر إذا نفذوا كل المطلوب، أما بالنسبة للأسلحة النووية فإن ذلك يتطلب مدى زمنيا يتراوح بين عام وعامين.
أما بالنسبة للسعودية، فقد رفضت إيران إشراكها في المحادثات الجديدة، رغم مطالبة الرئيس الفرنسي بذلك. ويرى الكاتب الأمريكي جيف لامير، في مقال رأي بعنوان "لا ينبغي على السعودية أن تدفع السياسة الأمريكية تجاه إيران"، أن السماح للجهات الفاعلة الإقليمية بإملاء شروط الاتفاق الجديد قد يؤدي إلى شروط متطرفة ترفضها إيران ببساطة. ويشرح الكاتب قائلاً إن على واشنطن تشجيع السعودية والإمارات على تقديم مبادرات دبلوماسية خاصة بهم إلى إيران، كما دعا مسبقاً مستشار الأمن القومي جيك سوليفان.
اضف تعليق