q

بقدر ما كانت الهزيمة متوقعة بالنسبة لحزب الرئيس التركي "اردوغان"... الا انها كانت قاسية على حزب العدالة والتنمية الذي ظل مسيطرا على المشهد السياسي التركي طوال سنين تجاوزت العقد من الزمن... ويرى مراقبون ان ما افرزته الانتخابات التركية الأخيرة، جاء كنتيجة طبيعية للسياسات "الخاطئة" التي اتبعها الرئيس التركي "اردوغان" في سنوات حكمة كرئيس للوزراء او كرئيس للجمهورية... سيما وانه خاض العديد من الصراعات الداخلية (المعارض غولن، الصحافة، الحريات العامة، البنوك، القضاء، المؤسسة العسكرية...الخ)، والصراعات الخارجية (سوريا، مصر، السعودية، الاتحاد الأوربي، الولايات المتحدة الامريكية، إسرائيل...الخ)، وهذه الصراعات التي ادارها اردوغان بشكل سيء... بحسب مراقبين، لم تبقي له الكثير من الحلفاء للوقوف الى جانبه... بعد ان تجاوزت طموحاته الرئاسية حدود تركيا وتحالفاتها نحو الشرق الاوسط والعالم.

الانتكاسة الأخيرة التي أربكت صفوف حزب العدالة والتنمية... وجعلته عاجزا عن تحقيق الأغلبية المطلوبة لتحقيق طموحات اردوغان "العثمانية"... بخلاف ما حققه في السابق من نتائج انتخابية كبيرة... ويرى الكاتب "عريب الرنتاوي" ان هناك "ثلاثة عوامل تقترحها القراءات والتحليلات لتفسير الفوز المتكرر لحزب العدالة والتنمية في جميع الانتخابات التي خاضها"

- الطفرة الاقتصادية التي لامست ضفاف "المعجزة".

- سياسة خارجية قائمة على نظرية "صفر مشاكل" و"القوة الناعمة".

- إصلاحات سياسية داخلية على خلفية التأهل لعضوية الاتحاد الأوروبي.

ويضيف ان "عناصر القوة والنجاح تلك، فقدت صلاحيتها في العامين أو الثلاثة أعوام الأخيرة، فالاقتصاد في تباطؤ إذ هبطت معدلات النمو من ذروة ١٢ بالمائة عام ٢٠١٢ الى ما دون ٣ بالمائة وفق تقديرات ٢٠١٥، كما تراجعت مؤشرات التصدير والاستثمار وارتفع مؤشر البطالة إلى ١١ بالمائة، السياسة الخارجية التركية قصة فشل بامتياز، حتى أن نظرية "صفر مشاكل" باتت مادة للتندر، أما عن الحريات فحدث ولا حرج: اكبر سجن للصحفيين، فساد طال كبار القادة وعائلة الرئيس، تحويل القضاء الى ملحق بسلطة أردوغان، قبضة حديدية في التعامل مع الخصوم والمعارضين منذ أحداث "جيزي" بشكل خاص".

وعجز حزب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالحفاظ على الأغلبية المطلقة بالبرلمان التركي التي كان يتمتع بها منذ 13 بعد تعرضه لنكسة كبيرة في الانتخابات التشريعية التي جرت مؤخرا، وبحسب نتائج رسمية شملت 98 في المئة من الأصوات، تصدر حزب العدالة والتنمية من دون مفاجآت هذه الانتخابات لكنه لم يحصل سوى على 41 في المئة من الأصوات، أي 259 مقعدا من أصل 550، ما سيجبره على تشكيل حكومة ائتلافية، في المقابل، تجاوز حزب الشعب الديمقراطي الكردي عتبة العشرة في المئة في شكل كبير (12,5 في المئة من الأصوات) ليدخل البرلمان ممثلا بـ78 نائبا، وقال أحد نواب الحزب سيري سوريا أوندر للصحافيين "نحن على وشك أن نكسب 80 مقعدا في البرلمان، هذه النتائج تمثل نصرا للحرية على الطغيان، للسلام على الحرب"، وكان لحزب الشعب الديمقراطي 29 مقعدا في البرلمان المنتهية ولايته، انتخبوا كمستقلين للالتفاف على عتبة العشرة في المئة الإلزامية.

وحصل أكبر حزبين منافسين للحزب الحاكم، وهما حزب الشعب الجمهوري (اشتراكي ديمقراطي) وحزب العمل القومي اليميني على 25,2 في المئة و16,5 في المئة من الأصوات على التوالي، وبذلك، فاز الأول ب131 مقعدا والثاني ب82 مقعدا، وهذا التراجع الانتخابي الأول لحزب العدالة والتنمية الذي فاز في كل الانتخابات منذ العام 2002، يشكل هزيمة كبرى لأردوغان الذي جعل من هذه الانتخابات استفتاء على شخصه وسعى عبرها إلى الفوز ب330 مقعدا في البرلمان على الأقل تمهيدا لتمرير تعديل دستوري يعزز سلطاته الرئاسية، وأثارت مشاركته القوية في الحملة الانتخابية لصالح حزب العدالة والتنمية جدلا واسعا في تركيا نظرا إلى أن رئيس الدولة يجب أن يبقى على المسافة نفسها من جميع الأحزاب، وكان أردوغان أقر أثناء الإدلاء بصوته في إسطنبول بأن الحملات الشرسة مثلت تحدياً في بعض الأحيان وقال "إن مؤشرات الديمقراطية القوية ستعزز الثقة في المستقبل في حال تحققت إرادة الشعب هذا المساء". بحسب فرانس برس.

وكثف أردوغان هجماته العنيفة على زعيم حزب الشعب الديمقراطي صلاح الدين دمرداش ووصفه بأهن "صبي تافه" يشكل مجرد واجهة لحزب العمال الكردستاني المتمرد، وصرح دمرداش أثناء إدلائه بصوته في إسطنبول "نأمل في أن نستيقظ على تركيا جديدة أكثر حرية في 8 حزيران/يونيو"، وشابت الحملة الانتخابية أعمال عنف حيث قتل شخصان وأصيب العشرات في هجوم على تجمع انتخابي لحزب الشعب الديمقراطي في مدينة دياربكر جنوب شرق تركيا، وقال رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو لدى الإدلاء بصوته في معقله في كونيا (شرق) "نريد أن يكون هذا اليوم احتفالا للديمقراطية"، واغتنم أوغلو المناسبة ليعلن توقيف مشتبه به في الهجوم في دياربك، ونشر أكثر من 400 ألف شرطي ودركي في كل أنحاء البلاد لضمان أمن الاقتراع وفقا لوسائل الإعلام التركية، وقال مراسلون إن العديد من جرحى هجوم دياربكر تحدوا إصاباتهم وتوجهوا إلى مراكز الاقتراع، وقال إيلكر سورغون (27 عاما) الناخب من أنقرة الذي حضر للإدلاء بصوته عند فتح مراكز الاقتراع "لست من أصل كردي لكنني قررت التصويت لحزب الشعب الديمقراطي من أجل أن يحصل حزب العدالة والتنمية على عدد أقل من المقاعد".

الانتخابات المبكرة

فيما أطلت احتمالات الاضطراب السياسي لأسابيع مقبلة برأسها على تركيا بعد أن فقد حزب العدالة والتنمية الحاكم أغلبيته البرلمانية في الانتخابات التي جرت مؤخرا ووجهت ضربة لطموحات الرئيس رجب طيب إردوغان للفوز بصلاحيات جديدة كاسحة، فبدلا من أغلبية الثلثين التي كان يطمح إليها لتغيير الدستور وإقامة جمهورية جديدة يكون نظامها رئاسيا أخفق حزب العدالة والتنمية حتى في تحقيق أغلبية بسيطة رغم أنه ظل أكبر الأحزاب، وتفتح هذه النتيجة الباب أمام أسابيع من الغموض السياسي مع تنافس الأحزاب على المشاركة في تشكيل ائتلاف بل ربما يصل الأمر إلى إجراء انتخابات مبكرة، كذلك من المحتمل أن تدفع هذه النتيجة حزب العدالة والتنمية وهو الحركة السياسية الغالبة في تركيا منذ أكثر من عشر سنوات إلى محاسبة ذاتية، وفي السنوات الأخيرة حقق المحافظون المتدينون بدعم من إردوغان مكاسب على حساب يمين الوسط والليبراليين. بحسب رويترز.

وبعد أن كان إردوغان حادا في انتقاداته لخصومه الذين اتهمهم في الماضي بخيانة تركيا بدت نبرته استرضائية في أول تعليقات له عقب الانتخابات في تناقض صارخ لما كان يبدو عليه من خيلاء الزهو بالانتصار بعد الانتخابات المحلية والانتخابات الرئاسية في الفترة الأخيرة، وقال إردوغان "رأي شعبنا فوق كل شيء آخر، أعتقد أن النتائج التي لا تتيح لأي حزب أن يشكل حكومة من حزب واحد ستقيم تقييما سليما وواقعيا من جانب كل حزب"، وكان الغموض السياسي سببا في انخفاض حاد في أسواق تركيا وجدد للبعض ذكريات الحكومات الائتلافية المفككة قصيرة العمر التي كانت سببا في إضعاف الاقتصاد في التسعينات وأدت إلى سلسلة من الانقلابات العسكرية في النصف الثاني من القرن العشرين، وتراجعت العملة التركية إلى مستوى قياسي فبلغ سعر الصرف 2.8 ليرة مقابل الدولار وهوى المؤشر الرئيسي لبورصة اسطنبول ثمانية في المئة وقفز عائد السندات العشرية القياسية مقتربا من عشرة في المئة.

وربما تثير هذه النتيجة مخاوف في العواصم الغربية التي تعتبر تركيا عضو حلف شمال الأطلسي جزيرة مهمة للاستقرار السياسي على أطراف الشرق الأوسط العاصف، وكان اردوغان أكثر زعماء تركيا شعبية في العصر الحديث يأمل أن يحقق نصرا كاسحا لحزب العدالة والتنمية يتيح له تغيير الدستور وإقامة نظام رئاسي على غرار النظام الأمريكي، وربما تكون لنتيجة الانتخابات أسباب عديدة، فمن المحتمل أن يكون بعض الناخبين قد خاب أملهم جراء نبرة إردوغان التي تكاد تأخذ طابعا عسكريا وأن يكون آخرون قد شعروا بالخوف من خططه لتركيز الصلاحيات في يديه أو أزعجتهم فضائح الفساد الأخيرة التي أحاطت بالحكومة وعزاها إردوغان إلى محاولات للاطاحة به واستند إليها في إطلاق حملة لتطهير القضاء، وكان نجاح حزب معارض مؤيد للأكراد حاسما بعد أن شن حملته على أساس برنامج يساري واسع ما سمح له بدخول البرلمان.

وقال نعمان كورتولموش نائب رئيس الوزراء التركي للصحفيين إن حزب العدالة والتنمية سيحاول تشكيل حكومة ائتلافية باعتبارها خياره الأول وإنه متفائل أن بإمكانه أن يفعل ذلك لكنه أضاف أن الانتخابات المبكرة ربما تكون مطروحة إذا فشل الحزب في ذلك، وأضاف أن من المستحيل تشكيل ائتلاف دون حزب العدالة والتنمية، والشريك المرجح لحزب العدالة والتنمية هو حزب الحركة القومية اليميني غير أن زعيمه دولت بهجلي استبعد تقريبا إبرام اتفاق وقال إن تركيا يجب أن تجري انتخابات جديدة إذا عجز الحزب الحاكم عن الاتفاق على تشكيل ائتلاف مع جماعات المعارضة الأخرى، وقال مسؤول كبير بحزب العدالة والتنمية قبل الاجتماع مع رئيس الوزراء أحمد داود أغلو وقادة الحزب لتقييم نتيجة الانتخابات "إمكانية ظهور حكومة من الوضع الحالي ضئيلة للغاية"، وأضاف " بهذه النتائج تبدو الانتخابات المبكرة حتمية"، كما قال مسؤولان آخران بحزب العدالة والتنمية إن إجراء انتخابات جديدة يبدو أمرا حتميا بينما حذر وزير المالية محمد شيمشك من أن أي ائتلاف لن يكون إصلاحيا بالقدر الذي ستكون عليه حكومة من حزب واحد.

ولم يظهر إردوغان بعد على الملأ في أعقاب نتائج الانتخابات لكن من المتوقع أن يلتقي مع داود أوغلو، ومن المنتظر أن يطلب من رئيس الوزراء تشكيل حكومة لكنه قد يدعو لإجراء انتخابات مبكرة إذا عجز داود أوغلو عن تشكيلها خلال 45 يوما، وقال مسؤول كبير ثان من حزب العدالة والتنمية "كل شيء من الاقتصاد إلى المشروعات الكبرى معطل حاليا ولا نملك رفاهية الاستمرار في حكومة ضعيفة... في وقت يواجه فيه العالم مخاطر اقتصادية كبرى"، ويمثل فشل حزب العدالة والتنمية في الحصول على أغلبية نهاية لأكثر من عشر سنوات من الحكم المستقر لحزب واحد ويعد انتكاسة لكل من إردوغان وداود أوغلو، فقد صور الرجلان الانتخابات على أنها اختيار بين "تركيا جديدة" والعودة إلى تاريخ تميز بحكوماته الائتلافية قصيرة العمر وعدم الاستقرار الاقتصادي وانقلابات دبرها الجيش الذي استطاع إردوغان كبح جماحه، وظل حزب الشعب الجمهوري العلماني ثاني أكبر مجموعة داخل البرلمان بحصوله على نحو ربع الأصوات، لكنه يعارض من الناحية الايديولوجية حزب العدالة والتنمية وقد استبعد تشكيل أي ائتلاف مع الحزب الحاكم.

ورغم أن هذه النتيجة لطمة لاردوغان فمازالت الحياة السياسية في تركيا تخلو من أي سياسي منافس يمكن للمعارضة أن تلتف حوله، فهو شخصية فذه يتمتع بولاء شديد خاصة في قلب منطقة الأناضول، وكان الفائز الكبير في الانتخابات حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد الذي تجاوز حاجز العشرة في المئة ليدخل البرلمان للمرة الأولى، وقد استبعد الدخول في ائتلاف مع حزب العدالة والتنمية، وقال زعيمه المشارك صلاح الدين دمرداش إن نتيجة الانتخابات وضعت نهاية لحديث إردوغان عن توسيع الصلاحيات الرئاسية، وقال مسؤول ثالث من حزب العدالة والتنمية إن من الممكن ابرام اتفاق مع حزب الحركة القومية وحذر من أن الفشل في ذلك قد يؤدي إلى إطالة أمد الغموض السياسي الأمر الذي قد يقضي على بعض المكاسب الاقتصادية التي حصلت عليها تركيا بشق الأنفس، وقال المسؤول "رغم أن هذا ليس خيارا قويا جدا فهو الخيار الوحيد لتشكيل حكومة مع حزب العدالة والتنمية، الشيء الوحيد الذي يمكنه أن يخفف عن الأسواق في هذا الوقت هو ائتلاف بين حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية."

حزب كردي يحبط طموحات اردوغان.

من ناحية أخرى منيت آمال الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في زيادة سلطاته بنكسة كبيرة بعد فشل حزب العدالة والتنمية الحاكم لأول مرة في الفوز بأغلبية صريحة في انتخابات برلمانية، وكان اردوغان يأمل بتحقيق فوز ساحق لحزب العدالة والتنمية يسمح له بتغيير الدستور وإنشاء رئاسة أكثر نفوذا على الطراز الأمريكي، ولفعل ذلك كان يحتاج للفوز بثلثي مقاعد البرلمان، وبدلا من ذلك أصبح حزب العدالة والتنمية غير قادر على الحكم بمفرده لأول مرة منذ وصوله إلى السلطة قبل 13 عاما تقريبا، ويواجه الحزب مفاوضات صعبة قد تستمر أسابيع مع أحزاب معارضة لتشكيل حكومة مستقرة واحتمال إجراء انتخابات أخرى مبكرة، وذكرت محطة تلفزيون (سي.إن.إن ترك) أنه بعد فرز 98 المئة من الأصوات حصل حزب العدالة والتنمية على 40.8 في المئة بتراجع عن نسبة 49.8 في المئة التي حصل عليها الحزب في الانتخابات البرلمانية السابقة في 2011، وقال رئيس الوزراء التركي احمد داود أوغلو وزعيم حزب العدالة والتنمية في تحد "يجب على الجميع أن يفهم ان حزب العدالة والتنمية هو الفائز وانه زعيم هذه الانتخابات.. يجب ألا يحاول أحد بناء انتصار من انتخابات خسرها". بحسب رويترز.

وأدى هذا الغموض إلى تراجع سعر الليرة التركية بشكل قياسي أمام الدولار في تعاملات ضعيفة بعد ساعات التداول مع تأهب المستثمرين لما هو متوقع أن تكون بداية مضطربة للتعاملات، ولكن بالنسبة للأكراد المبتهجين الذين تدفقوا إلى شوارع مدينة ديار بكر الواقعة في جنوب شرق تركيا مشعلين ألعابا نارية وملوحين بالأعلام فهناك الكثير الذي يستحق الاحتفال، وتعدى حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد حد العشرة في المئة اللازم لدخول البرلمان لأول مرة، وبعد أن أعطته النتائج الأولية نحو 13 في المئة استبعد صلاح الدين دمرداش الزعيم المشارك لحزب الشعوب الديمقراطي تشكيل ائتلاف مع حزب العدالة والتنمية وقال إن نتيجة الانتخابات وضعت نهاية للحديث عن تعزيز سلطات الرئيس الذي يؤيده اردوغان، وقال في مؤتمر صحفي في اسطنبول إن "نقاش إنشاء رئاسة تنفيذية ودكتاتورية انتهى في تركيا،" ووصف النتيجة بأنها انتصار "لمن يريدون دستورا تعدديا ومدنيا جديدا"، ويمثل اخفاق حزب العدالة والتنمية في الحصول على أغلبية شاملة نهاية لأكثر من عشر سنوات من حكم الحزب الواحد المستقر ونكسة لاردوغان وداود أوغلو.

وصور الرجلان الانتخابات على أنها خيار بين "تركيا الجديدة" وعودة الى تاريخ تميز بحكومات ائتلافية قصيرة الأجل وباضطراب اقتصادي وانقلابات من الجيش الذي كبح اردوغان نفوذه الان، وقال سنان أولجين وهو باحث زائر في معهد كارنجي أوروبا ورئيس مركز دراسات الاقتصاد والسياسة الخارجية الذي يوجد مقره في اسطنبول إن "اردوغان هو الخاسر الرئيسي في ضوء دفاعه عن فكرتين: إحداهما التحول إلى نظام رئاسي والثانية حكومة الحزب الواحد، وتشير النتائج الجزئية إلى أن حزب الشعوب الديمقراطي الذي له جذور قومية كردية نجح في توسيع شعبيته خارج النطاق الكردي ليستقطب عناصر من يسار الوسط والعلمانيين الذين يعارضون إردوغان، وبات من المرجح أن يلعب الحزب دورا مهما في البرلمان، وقال دمرداش في وقت سابق إن الحملة الانتخابية لم تكن نزيهة أو عادلة لاسيما بعد التفجير الذي وقع في وقت سابق وأسفر عن مقتل شخصين وإصابة 200 على الأقل خلال تجمع انتخابي في مدينة ديار بكر في الجنوب الشرقي.

وأظهرت النتائج التي بثتها محطة (سي.إن.إن. ترك) أن حزب الشعب الجمهوري سيكون من جديد ثاني أكبر حزب في البرلمان، وقال مراد كارايالجين رئيس حزب الشعب الجمهوري في اسطنبول إن النتيجة هي "لا بشكل واضح " للنظام الرئاسي الذي يسعى إليه إردوغان، وحصل حزب الحركة القومية اليميني الذي اعتبر لفترة طويلة الشريك المرجح لحزب العدالة والتنمية في حال تشكيل ائتلاف- على ما يقرب من 16 في المئة من الأصوات، وقال دولت بهجلي زعيم حزب الحركة القومية إنه يجب على تركيا إجراء انتخابات جديدة إذا لم يستطع حزب العدالة والتنمية الحاكم الاتفاق على ائتلاف مع حزبين معارضين آخرين في البرلمان، ويُنظر إلى حزب الحركة القومية على أنه الشريك الأصغر المرجح في حكومة ائتلافية مع حزب العدالة والتنمية الذي فقد أغلبيته البسيطة في الانتخابات، ولكن بهجلي استبعد ذلك تقريبا قائلا إنه يجب بحث خيارات أخرى أولا، وقال بهجلي "الاحتمال الأول بالنسبة لتشكيل ائتلاف يجب أن يكون بين حزب العدالة والتنمية وحزب الشعوب الديمقراطي (المؤيد للأكراد)، والنموذج الثاني يمكن أن يتألف من حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطي (المعارضين)، "لو كل هذه السيناريوهات فشلت يجب حينئذ إجراء انتخابات مبكرة."

فيما احتفل الاكراد في دياربكر، معقلهم في جنوب شرق تركيا، بدخول 80 من مرشحي حزبهم، حزب الشعب الديموقراطي، البرلمان نتيجة الانتخابات التشريعية، في مشاهد فرح تخللتها العاب نارية ومواكب سيارات، ففي شوارع "العاصمة" الكردية في البلاد، تقاطرت السيارات مطلقة ابواقها واطل ركابها من النوفذ، رافعين اصابعهم بعلامة النصر، كما اطلقت بعض العيارات النارية في الجو، وتوالت مظاهر الفرح هذه بعد يومين فقط من اعتداء بالقنبلة اوقع قتيلين واكثر من مئة جريح بين انصار حزب الشعب الديموقراطي الذين كانوا يشاركون في تجمع انتخابي لزعيم حزبهم صلاح الدين دميرتاش، ولدى اغلاق مراكز التصويت، كانت الاجواء ما زالت متوترة، خشية حصول عمليات غش وتزوير لدى فرز الأصوات، لكن فور الاعلان عن النتائج الاولية المؤقتة التي اكدت تخطي حزب الشعب الديموقراطي عتبة ال 10% من الاصوات الضرورية من اجل الدخول الى البرلمان، عمت البهجة دياربكر، وحصل الحزب بحسب النتائج النهائية على 13,3% من الاصوات ما يمنحه 80 مقعدا في البرلمان.

ونزل انصاره الى الشارع حيث رقصوا مطلقين الزغاريد ومرددين شعار حملة الحزب "نحن حزب الشعب الديموقراطي، نحن البرلمان"، وقال حسين درماز، وهو كردي في السابعة والاربعين من عمره، "هذه ليلة مهرجان"، واضاف "فجر الاكراد صناديق الاقتراع، لم نعد نؤمن بحزب العدالة والتنمية" الحزب الحاكم الاسلامي المحافظ الذي خسر الاكثرية المطلقة التي كان يتمتع بها منذ ثلاث عشرة سنة، وقال ايتباك بيرم (34 عاما) "هذه ليلة شبيهة بليلة احتفال دياربكر بتحرير كوباني"، ففي كانون الثاني/يناير الماضي، احتفل الاكراد في تركيا باستعادة المقاتلين الاكراد مدينة كوباني السورية التي كان يحاصرها عناصر تنظيم الدولية الإسلامية، واعتبر يلمان المناصر للحزب الكردي ان "بروز حزب الشعب الديموقراطي يرمز الى وحدة الاكراد، وهو مرحلة اضافية نحو الديموقراطية"، وقال "هذا انذار موجه الى حزب العدالة والتنمية وميوله الديكتاتورية"، وخالف الرئيس رجب طيب اردوغان الذي يهيمن بلا منازع على الحياة السياسية التركية منذ اكثر من عشر سنوات، واجب الحياد المفروض عليه كرئيس ليخوض بنفسه حملة الانتخابات من اجل ان يحصل حزبه على 330 مقعدا على الاقل من مقاعد البرلمان ال 550، حتى يتمكن من تعديل الدستور وتعزيز صلاحياته، واعتبر اورهان اكغون، وهو كردي من دياربكر، ان "حزب العدالة والتنمية اضر بنفسه بمصالح، لقد خسر ثقة الشعب"، موضحا انه كان يصوت لهذا الحزب في الماضي، وبتحفيز من اردوغان، منحت الحكومة في السنوات الاخيرة الاكراد حقوقا جديدة، ولاسيما استخدام لغتهم، لكن رئيس الدولة بدل خطابه في الفترة الاخيرة وجمد عملية السلام التي كان بدأها مع حزب العمال الكردستاني، وقال سلجوق اتاسيفير المسؤول في مكتب تصويت في دياربكر، ان "ممثلينا سيدخلون البرلمان، وسيدافعون عن حقوق الاكراد"، واضاف "ابتداء من اليوم، سيكون لنا وزن اكبر في عملية السلام".

سيناريوهات محتملة

من ناحية أخرى منيت طموحات الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في الحصول على سلطات بأكبر بانتكاسة كبرى عندما فشل حزب العدالة والتنمية الذي أسسه في الحصول على أغلبية حاسمة في الانتخابات البرلمانية للمرة الأولى، ويواجه الحزب الآن ما قد يكون أسابيع من المفاوضات الشاقة مع أحزاب المعارضة المترددة فيما يحاول تشكيل حكومة مستقرة أو قد يحاول أن يحكم منفردا بتشكيل حكومة أقلية قبل إجراء انتخابات مبكرة.

فيما يلي بعض السيناريوهات المحتملة:

1-ائتلاف يضم حزب العدالة والتنمية والقوميين

إذا كان الحزب سيدخل ائتلافا فان من المرجح أن يكون شريكه الأصغر في الائتلاف هو حزب الحركة القومية اليميني الذي يشترك معه بدرجة ما في الأيديولوجية القومية المحافظة، ومن المرجح أن يسعى زعيم حزب الحركة القومية دولت بهجلي الذي أبدى معارضته لطموحات أردوغان في إقامة نظام رئاسي في تركيا للحصول على تنازلات كبيرة في ظل هذا الترتيب بما في ذلك الحد من سلطات أردوغان، وحذر مع بداية ظهور النتائج من أن على أردوغان ألا يتعدى "حدوده الدستورية" وإلا فعليه التفكير في الاستقالة، كما قال إنه ينبغي أن تجري تركيا انتخابات جديدة إذا لم يستطع الحزب أن يتفق على تشكيل ائتلاف مع الحزبين الآخرين في المعارضة، وقد يوجه ائتلاف بين حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية ضربة لعملية السلام مع المتشددين الأكراد، ويعارض أنصار الحركة القومية المفاوضات مع حزب العمال الكردستاني، ولكن التحالف بين الحزبين سيعني ائتلافا له أكثر من 330 مقعدا في البرلمان المؤلف من 550 وهو ما يكفي لإجراء استفتاء في البلاد على دستور جديد.

2-تحالف واسع من المعارضة

إذا لم يستطع رئيس الوزراء وزعيم الحزب أحمد داود أوغلو أن يشكل حكومة مستقرة فإن العرف في تركيا جرى على أن أردوغان قد يطلب من ثاني أكبر حزب في البرلمان وهو حزب الشعب الجمهوري العلماني أن يقوم بذلك، لكن لا يوجد إلزام دستوري بذلك ومن غير المؤكد أن أردوغان الذي بنى مسيرته السياسية على معارضة الحزب العلماني سيتخذ هذا المسار، ووفقا للنتائج المبدئية فقد فاز الحزب العلماني بنحو 132 مقعدا، وقد يتحد الحزب في ائتلاف مع الحركة القومية وحزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد الذي تجاوز النصاب اللازم بحصوله على أكثر من عشرة في المئة ليدخل البرلمان للمرة الأولى بعد الانتخابات، ورغم أنه من غير المرجح أن ينحي حزب الحركة القومية وحزب الشعوب الديمقراطي الخلافات الجذرية بينهما فقد تحدى بولنت أرينج نائب رئيس الوزراء الأحزاب الثلاثة المعارضة لأن تحاول تشكيل ائتلاف قائلا إن حزب العدالة والتنمية على استعداد لسد الفراغ إذا فشلوا.

3-حكومة أقلية يقودها حزب العدالة والتنمية

قد يحاول حزب العدالة والتنمية أن يشكل حكومة أقلية بدعم عدد كاف من نواب المعارضة يتيح له الفوز في اقتراع بالثقة في البرلمان، ومن المتوقع أن يكون حزب الحركة القومية هو أكثر الداعمين لهذا التحرك لكنه مرة أخرى سيحاول الحصول على تنازلات مثل ضمانات بإجراء انتخابات مبكرة، ويرى محللون أن حزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطي ليسا مهتمين بدعم هذا التحرك.

4-اردوغان يدعو لإجراء انتخابات مبكرة

إذا لم يتم تشكيل ائتلاف فعال أو فشلت حكومة أقلية في الفوز باقتراع على الثقة خلال 45 يوما يمنح الدستور أردوغان سلطة الدعوة لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، وسيتعين إجراء هذه الانتخابات بعد الدعوة لها بتسعين يوما.

اضف تعليق