وفي ظل الخشية من أن يثير النزاع تدخلا خارجيا متناميا، فإنّ المشاركين في مؤتمر برلين اتخذوا عددا من الالتزامات، بينها الامتناع عن إرسال الأسلحة، وتعهدت هذه الدول أيضاً بتجنب أي تدخل في الشؤون الليبية وأي عمل من شأنه مفاقمة النزاع على غرار تمويل القدرات العسكرية أو تجنيد مرتزقة...
يبدو ان ليبيا التي غرقت في الفوضى والصراع المسلح منذ سقوط نظام الزعيم الراحل معمر القذافي في 2011، سوف تبقى وعلى الرغم من تحركات بعض الدول والحكومات من اجل وقف إطلاق النار تعاني ويلات الحرب والدمار، بسبب التدخلات والدعم الخارجي المقد لا طراف الصراع من اجل تحقيق مكاسب خاصة في هذا البلد المهم، وتتصارع على السلطة في هذا البلد وكما نقلت بعض المصادر حكومتان: سلطة تمثّلها حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج ومقرّها في طرابلس وتعترف بها الأمم المتحدة، وسلطة موازية في الشرق يمثّلها المشير خليفة حفتر الذي يشنّ منذ حوالى 10 أشهر هجوماً للسيطرة على العاصمة. ومنذ بدأ حفتر هجومه العسكري على طرابلس في 4 نيسان/أبريل لم يتمكّن مجلس الأمن من التوصّل إلى قرار يدعو إلى وقف لإطلاق النار والعودة إلى العملية السياسية، ذلك أنّ في المجلس أعضاء يدعمون، عسكرياً أو سياسياً، حفتر وآخرون يدعمون السراج.
وقال المبعوث الأممى لدى ليبيا غسان سلامة في جلسة لمجلس الأمن إن "الهدنة في ليبيا حبر على ورق وتم تسجيل 110 انتهاكات، ودعا غسان سلامة "كافة الأطراف إلى العمل على وقف إطلاق النار فى ليبيا وتنفيذ مخرجات مؤتمر برلين". واستضافت العاصمة الألمانية، برلين، في وقت سابق، مؤتمراً دولياً حول ليبيا بمشاركة قادة وممثلين عن كل من روسيا الاتحادية، والولايات المتحدة الأمريكية، ومصر، وفرنسا، وبريطانيا، والصين، وألمانيا، وتركيا، وإيطاليا، والإمارات والجزائر والكونغو، إلى جانب الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والاتحاد الإفريقي، والجامعة العربية.
وأصدر المشاركون بياناً ختامياً دعوا فيه لتعزيز الهدنة في البلاد، ووقف الهجمات على منشآت النفط، وتشكيل قوات عسكرية ليبية موحدة، وحظر توريد السلاح إلى ليبيا. وجاء مؤتمر برلين بعد أيام من اجتماع عقد في موسكو تناول الموضوع الليبي بمشاركة ممثلين عن روسيا وتركيا، بالإضافة إلى قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر و فايز السراج.
مسودّة قرار بريطاني
وفي هذا الشأن قدّمت بريطانيا إلى مجلس الأمن الدولي مسودّة قرار يدعو إلى "وقف دائم لإطلاق النار" في ليبيا ويطلب من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش تقديم مقترحات لمراقبة الهدنة تشمل خصوصاً "مساهمات من منظّمات إقليمية"، ومن المقرّر أن يعقد مجلس الأمن اجتماعاً حول ليبيا في وقت لاحق، لكنّ العديد من الدبلوماسيين استبعدوا إمكانية تبنّي القرار في تلك الجلسة بسبب الانقسامات التي ما زالت تباعد بين أعضاء المجلس بشأن الملف الليبي.
وجاء في مسودّة القرار التي ما زالت موضع تفاوض في أروقة مجلس الأمن أنّ الأخير "يقرّ" نتائج القمّة الدولية التي عقدت في برلين في 19 كانون الثاني/يناير حول ليبيا و"يدعو جميع الدول الأعضاء إلى الامتثال التامّ لحظر الأسلحة المفروض" على ليبيا منذ 2011. كذلك فإنّ المجلس "يدعو جميع الدول الأعضاء، مرة أخرى، إلى عدم التدخّل في النزاع أو اتخاذ تدابير تؤدّي إلى تفاقمه"، ويطالب طرفي النزاع "بالالتزام بوقف دائم لإطلاق النار"، بحسب النصّ.
وتنصّ مسودّة القرار أيضاً على وجوب "فصل القوات" المتحاربة وإرساء "تدابير لبناء الثقة" بين المعسكرين، وتطلب من الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيتريش تقديم اقتراحات بشأن الآليات الممكن اعتمادها لمراقبة وقف إطلاق النار بما في ذلك "مساهمات من منظمات إقليمية"، في إشارة ضمنية إلى الاتّحادين الأوروبي والأفريقي اللذين يمكن أن يرسلا طواقم لمراقبة الهدنة.
وفي ختام مؤتمر برلين الذي استمر بضع ساعات، تعهّدت الدول الرئيسية المعنية بالنزاع الليبي التزام الحظر الدولي المفروض على إرسال أسلحة إلى ليبيا وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية لهذا البلد. وفي أعقاب مؤتمر برلين دعا مجلس الأمن في بيان رئاسي طرفي النزاع في ليبيا إلى التوصّل "في أقرب وقت ممكن" لوقف لإطلاق النار يتيح إحياء العملية السياسية الرامية لوضع حدّ للحرب الدائرة في هذا البلد. وقال المجلس يومها إنّ "أعضاء مجلس الأمن يحضّون الأطراف الليبية على المشاركة بشكل بنّاء في اللجنة العسكرية المسمّاة 5+5 من أجل إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار في أقرب وقت ممكن".
ومن المفترض أن تتشكّل هذه اللجنة العسكرية التي تمّ الاتفاق في قمة برلين على تشكيلها، في ما اعتبر أحد إنجازات القمة، من خمسة ضبّاط يمثّلون القوات الموالية لحكومة السرّاج وخمسة ضبّاط يمثّلون قوات المشير حفتر. ومهمّة هذه اللجنة هي تحديد السبل والآليات الميدانية الرامية لتعزيز وقف الأعمال العدائية الساري بين الطرفين المتحاربين. بحسب فرانس برس.
ووافق كلّ من السراج وحفتر على المشاركة في مؤتمر برلين الذي عقد برعاية الأمم المتحدة، لكنّهما رفضا أن يلتقيا وجهاً لوجه، في انعكاس للهوة الكبيرة التي لا تزال قائمة بين المعسكرين. ويحظى حفتر بدعم من كلّ من روسيا والإمارات ومصر، بينما تدعم السراج كلّ من تركيا وقطر.
تدفق الأسلحة
على صعيد متصل تستمر دول في إرسال أسلحة إلى أطراف النزاع الليبي برغم الالتزامات التي اتخذت في مؤتمر برلين، وفق ما أعلنت الأمم المتحدة، مبدية القلق على مصير الهدنة الحالية. وقالت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا في بيان إنّها "تأسف أشد الأسف للانتهاكات الصارخة المستمرة لحظر التسليح في ليبيا" المفروض بالقرار 1970 الصادر عن مجلس الأمن الدولي في 2011، مضيفة أن ذلك يستمر "حتى بعد الالتزامات التي تعهدت بها البلدان المعنية" في برلين في 19 كانون الثاني/يناير.
وتابعت أنّه على مدار الأيام الماضية "شوهدت العديد من طائرات الشحن والرحلات الجوية الأخرى تهبط في المطارات الليبية في الأجزاء الغربية والشرقية (...) لتزويد الأطراف بالأسلحة المتقدمة والمركبات المدرعة والمستشارين والمقاتلين". وفي تعليق على هذا الإعلان، أعربت ألمانيا التي استضافت مؤتمر برلين عن "القلق"، وتحدثت عن تقارير "غير مؤكدة ولكنها ذات مصداقية تفيد بانتهاك الحظر من الجانبين". وقالت وزارة الخارجية الألمانية في بيان "ما يهم الآن هو التوصل إلى وقف إطلاق نار مستقر ستتفاوض بشأنه في الأيام المقبلة اللجنة العسكرية 5+5 التي تمت أخيرا تسمية أعضائها من الجانبين"، في إشارة إلى ابرز تقدّم ملموس تحقق بفعل مؤتمر برلين.
وفي ظل الخشية من أن يثير النزاع تدخلا خارجيا متناميا، فإنّ المشاركين في مؤتمر برلين اتخذوا عددا من الالتزامات، بينها الامتناع عن إرسال الأسلحة. وتعهدت هذه الدول أيضاً بتجنب أي تدخل في الشؤون الليبية وأي عمل من شأنه مفاقمة النزاع على غرار تمويل القدرات العسكرية أو تجنيد مرتزقة. وتقف الحرب عند أبواب طرابلس منذ 4 نيسان/ابريل، تاريخ إطلاق المشير خليفة حفتر الذي يلقى دعما من روسيا ودولة الإمارات ومصر، هجوما باتجاه العاصمة حيث مقر حكومة الوفاق المدعومة من تركيا. وقتل أكثر من ألفي مقاتل و280 مدنيا بحسب الأمم المتحدة التي تشير أيضا إلى نزوح ما يقارب من 150 ألف شخص.
وشدد البيان على أنّ "هذه الهدنة الهشة مهددة الآن بما يجري من استمرار نقل المقاتلين الأجانب والأسلحة والذخيرة والمنظومات المتقدمة إلى الأطراف من قبل الدول الأعضاء، من بينها بعض من الدول المشاركة في مؤتمر برلين"، من دون تحديد هوية هذه الدول. وحذرت البعثة الأممية من أنّ "الانتهاكات المستمرة" لاتفاق وقف إطلاق النار "تهدد بإغراق البلاد في جولة متجددة ومكثفة من القتال".
ووقّع نص اتفاق بين أنقرة وحكومة الوفاق في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر، على أن تقدّم تركيا دعماً عسكرياً إلى طرابلس، في وقت تتهم موسكو بدعم القوات الموالية لحفتر بالأسلحة والمال والمرتزقة، برغم نفيها المتكرر. ويخشى المجتمع الدولي في هذا السياق من تحوّل ليبيا إلى "سوريا ثانية". وإلى جانب احتمالات التصعيد، ثمة خشية من انهيار الاقتصاد بسبب توقف تصدير النفط مصدر الإيرادات شبه الوحيد. بحسب فرانس برس.
وفي 18 كانون الثاني/يناير، عشية قمة برلين، أغلقت قوات موالية لحفتر أبرز الموانئ والحقول النفطية في شرق البلاد وجنوبها، ما أدى إلى هبوط الانتاج بشكل حاد وتسجيل خسائر تقدّر بأكثر من 256 مليون دولار بحسب المؤسسة الوطنية للنفط. وكانت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي دعوا في الأيام الأخيرة إلى استئناف الانتاج "فورا"، محذرين في الوقت نفسه من تدهور الوضع الإنساني.
قلق اوروبي
من جانب اخر إذا سارت قمة برلين حول الأزمة في ليبيا وفقا لما هو مخطط لها، فان الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ستجد نفسها عرضة لضغوط لتأمين قوات للمساعدة في مراقبة أي هدنة محتملة. وأعلن جوزيب بوريل، كبير الدبلوماسيين في التكتل، بشكل لا لبس فيه أن بروكسل لن تقبل بأن يجري تهميشها بينما تتحرك موسكو وأنقرة بجرأة للإشراف على إنهاء النزاع بشروطهما.
لكن الاتحاد الأوروبي لا يملك جيشا خاصا به، كما أن دبلوماسيين أوروبيين حذروا من أن الدول الأعضاء في الاتحاد لديها وسائل محدودة لانشاء قوة سلام حتى على مقربة من سواحلها الجنوبية. وقال بوريل لمجلة دير شبيغل "إذا تم التوصل لوقف لإطلاق النار في ليبيا، فيجب أن يكون الاتحاد الأوروبي مستعدا للمساعدة في تنفيذه ومراقبته، وربما عبر قوات أيضا، كجزء من مهمة للاتحاد الأوروبي على سبيل المثال". وأضاف للأسبوعية الالمانية "خذوا حظر الاسلحة على سبيل المثال. نحن الاوروبيين عهدت الينا الأمم المتحدة لتطبيقه. في الواقع حظر الأسلحة غير فعال، ولا أحد يسيطر على أي شيء هناك".
وكان بوريل، وزير الخارجية الأسباني السابق الذي يشغل منصب ممثل السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، أبلغ البرلمان الأوروبي في وقت سابق انه يتعين على أوروبا أن تتعلم مما حدث في سوريا. وفي سوريا، كما هي الحال الآن في ليبيا، نشرت تركيا وروسيا قوات لدعم أطراف محلية منخرطة في النزاع، حيث تمارسان الآن نفوذا أكبر من الأوروبيين الأكثر حذرا. وقال بوريل لأعضاء البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ "نحن الأوروبيين، بما أننا لا نريد المشاركة في حل عسكري، بتنا أسرى الاعتقاد بأنه لا يوجد حل عسكري".
وحذّر بوريل "في سوريا الحل كان عسكريا فرضه الأتراك والروس، وهذا غيّر التوازنات في الجزء الشرقي من البحر الأبيض المتوسط". وأثار بوريل مخاوف السياسيين الأوروبيين من موجهة هجرة جديدة من شمال أفريقيا، عبر الايحاء أنهم سيخسرون نفوذهم على الساحل الليبي لصالح روسيا وتركيا. وعندما سأله مسؤول أوروبي رفيع حول مخاطر السماح لروسيا وتركيا بتولي الأزمة أجاب بوريل "هل تقترح أن ينخرط الاتحاد الأوروبي في دبلوماسية الزوارق الحربية في وسط البحر المتوسط؟". وأشار بوريل الى ان "هذا ليس في العادة عمل الاتحاد الأوروبي"، ومع ذلك قال دبلوماسيون ان عواصم الاتحاد الاوروبي تعارض السماح لروسيا وتركيا بالعمل وفق طريقتهما. وقال "انهم مثيرو المشاكل الذين فرضوا انفسهم بشكل متناقض كصناع سلام". بحسب فرانس برس.
ولفت دبلوماسي اوروبي آخر الى ان فرنسا منشغلة بمالي والساحل الافريقي حيث يقاتل جنودها الجهاديين، فيما المانيا تخشى على سلامة جنودها. وقد يكون هناك خيار آخر يتمثل في إعادة تنشيط "عملية صوفيا"، البعثة البحرية للاتحاد الأوروبي التي تتخذ من روما مقراً وأنشئت عام 2015 لمكافحة الاتجار بالبشر، لكن تم تعليقها بحكم الأمر الواقع عام 2019 عندما رفضت إيطاليا استقبال المهاجرين الذين يتم إنقاذهم. ولا يزال تفويض العملية ساريا لكن لم يتم تخصيص أي سفن حربية لها، وستكون هناك حاجة إلى اتفاق مع إيطاليا القوة الاستعمارية السابقة في ليبيا لتعزيزها.
اضف تعليق