q
سياسة - تقارير

السودان: ثورة لم تكتمل

على الرغم من اسقاط نظام الرئيس السوداني عمر البشير بعد حراك شعبي كبير حظي بمساندة الجيش السوداني، لتحرير البلاد من هيمنة البشير وحزبه الحاكم بعد أن حكم أكبر بلد أفريقي على مدى 30 عاما، ماتزال هذه البلاد تعاني الكثير من المشكلات والازمات السياسية والاقتصادية التي تهدد الامن والاستقرار...

على الرغم من اسقاط نظام الرئيس السوداني عمر البشير بعد حراك شعبي كبير حظي بمساندة الجيش السوداني، لتحرير البلاد من هيمنة البشير وحزبه الحاكم بعد أن حكم أكبر بلد أفريقي على مدى 30 عاما، ماتزال هذه البلاد وبحسب بعض المراقبين تعاني الكثير من المشكلات والازمات السياسية والاقتصادية التي تهدد الامن والاستقرار، وهو ما يعد اكبر تحديات السلطة الانتقالية التي تحاول ومن خلال بعض الاجراءات والقرارات معالجة بعض تلك المشكلات والعمل على تهدئة الشارع السوداني، الذي ما زال يطالب بالحصول على مكاسب ملموسة ومنها

معالجة الأزمة الاقتصادية عن طريق وقف التدهور الاقتصادي، وتفكيك هيكل نظام يونيو/حزيران 1989 لتمكين السلطة، وبناء دولة قوانين ومؤسسات.

وسعت الحكومة الانتقالية الى اصدار بعض القوانين المهمة ومنها إصدار قانون "تفكيك نظام الإنقاذ"، وحظر حزب المؤتمر الوطني (الإسلامي) ، ومصادرة أمواله وأصوله وممتلكاته، وتعليق النشاط السياسي لرموزه، وتفكيك كل البنية السياسية وشبكة العلاقات التي نسجها النظام، وألغت السلطة الانتقالية قانوناً آخر، كان يستهدف المرأة السودانية، ويحدّ من حريتها في اللباس والتنقل والعمل والدراسة، ويعاقب المخالفات منهن بالسجن والجَلد أمام الملأ. وتمثل هذه القوانين وبحسب بعض الخبراء إنجازاً مهماً.

من جانب اخر أدانت محكمة سودانية الرئيس السابق عمر البشير بالفساد وحيازة مبالغ بالعملة الأجنبية بصورة غير مشروعة وقضت بإيداعه "مؤسسة الإصلاح الاجتماعي" لمدة عامين. وهذا أول حكم قضائي على رجل السودان القوي السابق بعدما أطاح به الجيش في الحادي عشر من أبريل/نيسان الماضي. وكان من المتوقع أن يحكم على البشير (75 عاما) بالسجن لمدة قد تصل إلى عشر سنوات في هذه القضية التي تتعلق بأموال تلقاها من السعودية.

واعترف البشير بحصوله على 90 مليون دولار من حكام المملكة العربية السعودية، لكن القضية التي حكم بها تتعلق فقط بتلقي 25 مليون دولار من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قبل أشهر من سقوط حكمه . وقال القاضي الذي ترأس المحكمة إنه تقرر إيداع البشير مؤسسة الإصلاح الاجتماعي وليس السجن نظرا لكبر سنه. وأمر القاضي أيضا بمصادرة ملايين من اليورو والجنيه السوداني عثر عليها في مقر إقامة البشير بعد الإطاحة به. والبشير مطلوب أيضا لدى المحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت مذكرتي اعتقال بحقه في عامي 2009 و2010 لتهم تتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية في منطقة دارفور السودانية. واتهم البشير بالتحريض والضلوع في قتل المتظاهرين وجرى استدعاؤه لاستجوابه في دوره في انقلاب 1989 وأتى به إلى السلطة.

قوانين مهمة

وفي هذا الشأن قال وزير العدل السوداني نصر الدين عبد الباري إن السلطات الانتقالية أقرت قانونا لحل الحزب الحاكم السابق وألغت قانون النظام العام الذي كان مستخدما إبان حكم الرئيس السابق عمر البشير لتنظيم سلوكيات النساء والآداب العامة. والإجراءان استجابة لمطالب رئيسية للحركة الاحتجاجية التي ساعدت في الإطاحة بالبشير في أبريل نيسان. وسيكون تنفيذهما اختبارا مهما لمدى استعداد السلطات الانتقالية أو قدرتها على التخلص من حكم البشير الذي دام نحو ثلاثة عقود. ووصل البشير إلى السلطة في انقلاب عام 1989 واخترقت حركته الإسلامية المؤسسات السودانية.

وقال وزير العدل إن قانون حل حزب المؤتمر الوطني الذي كان يتزعمه البشير يسمح أيضا بمصادرة أصول الحزب. وذكر التلفزيون الرسمي أن ذلك القانون يستهدف ”تفكيك“ النظام السابق. ورحب تجمع المهنيين السودانيين، الذي قاد الاحتجاجات ضد البشير، بالقانون، قائلا إنه شمل حل الحزب الحاكم السابق ومصادرة أمواله وممتلكاته. وقال في بيان إن القانون ”خطوة جبارة في طريق تحقيق أهداف الثورة، وهزيمة حقة للثورة المضادة وفلول نظام البطش والظلم والجور“.

وتم إقرار القانون خلال اجتماع مشترك لمجلس السيادة والحكومة في السودان استمر 14 ساعة. وأبلغت مصادر مطلعة بأن الاجتماع شهد خلافات بشأن مادة تحظر على الأشخاص الذين تقلدوا مناصب قيادية في ظل النظام السابق ممارسة السياسة. وقال رئيس الوزراء عبدالله حمدوك على تويتر تعليقا على القرار ”قانون تفكيك النظام البائد وإزالة التمكين ليس قانونا للانتقام، بل هو من أجل حفظ كرامة هذا الشعب بعد أن أنهكته ضربات المستبدين وعبثت بثرواته ومقدراته أيادي بعض عديمي الذمة قصيري الخطو في مضمار القيم والشرف والأمانة والحقوق“. وذكر وزير الإعلام فيصل محمد صالح أن التأخر في إقرار القانون ”كان نتيجة لتجويد العمل“. وقال ”هذا القانون نرغب أن نؤسس به عهدا جديدا“.

وفي العاصمة الخرطوم أطلق بعض السائقين أبواق سياراتهم احتفالا بعد الإعلان عن هذه القرارات في وقت متأخر من الليل. وتشكلت حكومة حمدوك في سبتمبر أيلول بعد اتفاق لتقاسم السلطة بين الجماعات المناهضة للبشير والمجلس العسكري الانتقالي الذي حكم البلاد عقب الإطاحة بالبشير. ومن المقرر أن تتولى السلطات الانتقالية الحكم لما يزيد قليلا عن ثلاث سنوات قبل إجراء انتخابات.

وبحسب نصّ القانون "يُحلّ الحزب وتنقضي تلقائياً شخصيته الاعتبارية ويُحذف من سجلّ الأحزاب والتنظيمات السياسية بالسودان". كما ينصّ على "مصادرة ممتلكات وأصول الحزب لصالح حكومة السودان طبقاً لما تقرّره اللجنة" التي نصّ القانون على تشكيلها لهذا الغرض. ومن مهام هذه اللجنة أيضاً إعادة النظر بكلّ التعيينات التي تمّت في عهد البشير في إدارات عامة أو خاصة ولم تستند إلى معيار الكفاءة بل كان دافعها الولاء الحزبي أو السياسي أو القرابة العائلية، وهو ما اصطلح على تسميته بسياسة "التمكين" التي انتهجها الإسلاميون عقب تسلّم البشير السلطة لأنّ هدفها كان تمكين أنصارهم من مفاصل السياسة والاقتصاد والمجتمع في البلاد.

وسارع "تجمّع المهنيين السودانيين"، رأس حربة الحركة الاحتجاجية ضدّ البشير إلى الترحيب بإقرار القانون، معتبراً إيّاه "خطوة جبّارة في طريق تحقيق أهداف الثورة (..) وخطوة مهمة في طريق بناء الدولة المدنية الديموقراطية". ويتضمّن القانون الذي أقرّ مادّة باسم "العزل السياسي" تنصّ على أنّه "لا يجوز لأيّ من رموز نظام الإنقاذ أو الحزب ممارسة العمل السياسي لمدة لا تقل عن عشر سنوات" اعتباراً من تاريخه.

من جهته قال وجدي صالح، المتحدّث باسم "قوى الحرية والتغيير" التي قادت الاحتجاجات ضد البشير، إن القانون "يتضمن حلّ المؤتمر الوطني ومؤسساته وتنظيماته وكل واجهاته وتفكيك دولة النظام البائد". وأكّد صالح في منشور على صفحته في موقع فيسبوك أنّه سيتم "تفكيك النظام البائد صامولة صامولة".

وخلال الاجتماع أقرّ المجلس المشترك قانوناً آخر ألغى بموجبه "قانون النظام العام" المثير للجدل، ملبّياً بذلك أحد المطالب الأساسية للمنظمات الحقوقية والنسوية التي كانت ترى في هذا القانون انتهاكاً لحقوق المرأة وإذلالاً لها. وخلال حكم البشير، تعرضت النساء خصوصاً للعنف بسبب "قانون النظام العام" المطبّق منذ 1996 والذي يقيّد الحريات العامة والفرديّة وينصّ على عقوبات مشدّدة مثل الجلد والسجن لفترات تصل لخمس سنوات وغرامات مالية كبيرة بحق نساء أدنَّ بارتداء ملابس غير محتشمة أو شرب الخمر، على سبيل المثال.

وكان البشير أقرّ في خضمّ التظاهرات التي اندلعت ضد نظامه بأنّ "الذين خرجوا إلى الشوارع شباب، وغالبيتهم فتيات"، وبأنّ قانون النظام العام هو "واحد من أسباب تفجّر غضب الشباب". وبحسب منظّمات حقوقيّة، استخدم نظام البشير قانون النظام العام سلاحاً ضدّ المرأة خصوصاً، إذ كانت قوات الأمن تعتقل النساء لأسباب مثل حضور حفلات خاصة أو ارتدائهن سراويل.

من جانب اخر ندد حزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقا في السودان والذي كان يتزعمه الرئيس المعزول عمر البشير بقانون أصدرته السلطات الانتقالية بحله ومصادرة أصوله وتعهد بمواصلة إصلاحات داخلية. وقال حزب المؤتمر الوطني في بيان حول قانون حله ”هي خطوة إن اكتملت لا تزيد البلاد إلا احتقانا وغلوا مدمرا للحياة السياسية“. وأضاف ”نؤكد لشعبنا الأبي ولعضويتنا الممتدة في المدن والقرى والبوادي والفرقان (المناطق) في أنحاء السودان بأننا ماضون في استكمال طرح الإصلاح والتغيير الذي ابتدرناه قبل الآخرين سعيا لصون بلادنا وخدمة شعبنا“.

وقال بيان الحزب ”قوي الحرية والتغيير بهذه القرارات الطائشة تريد أن تعيد البلاد إلي الدائرة الجهنمية الخبيثة التي أقعدت الوطن طيلة 63 عاما الماضية“ في إشارة للفترة التي تلت إعلان استقلال السودان. وقال الحزب إن له الحق في ممارسة العمل السياسي وإن القوانين الوطنية والدولية تكفل له ذلك.

تحقيقات مستمرة

في السياق ذاته أكّد محامي الدفاع عن الرئيس السوداني السابق عمر البشير استدعاء موكله للتحقيق معه حول انقلاب حزيران/يونيو 1989 الذي قام به البشير بمساندة الإسلاميين ضد الحكومة الديمقراطية آنذاك. وقال المحامي محمد الحسن الامين للصحافيين خارج مبنى النيابة العامة وسط الخرطوم "تم استدعاء الرئيس السابق عمر البشير للتحقيق معه حول انقلاب 1989 كما يدعون".

وكان النائب العام السوداني تاج السر الحبر شكّل لجنة تحقيق في تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت حول انقلاب العام 1989 والذي اوصل البشير للسلطة. ووصل البشير إلي مقر النيابة ترافقه قافلة من السيارات العسكرية عليها جنود من الجيش ممسكين أسلحة رشاشة وارتدى البشير الزي السوداني التقليدي (الجلابية البيضاء والعمامة على رأسه). ومكث البشير داخل مقر النيابة حوالي ساعة. وخارج مقر النيابة، تجمهر عشرات المحتجين وهتفوا عند خروج البشير من مقر التحقيق "كوبر بس"، في اشارة للسجن المحبوس فيه البشير. كما رددوا " قتلت الناس يا رقاص"، في إشارة لعادة البشير الرقص بالعصا امام مؤيديه.

واضاف الامين "لا ندري ماذا حدث في غرفة التحقيق ولكن في رأينا هذه ليست قضية قانونية انها قضية سياسية حيث مضى عليها ثلاثين عاما وحدثت كثير من المتغيرات" مذاك. وأشار الي أن هيئة الدفاع طلبت من البشير عدم التحدث أثناء التحقيق. وقال "اتفقنا مع الرئيس البشير أن يقاطع لجنة التحقيق ولا يتحدث إليها".

ويقول آدم راشد نائب الامين العام لهيئة محامي دارفور إنه يجب محاكمة البشير "على جرائمه سواء كانت صغيرة أم كبيرة". وأكد أن محاكمته بشأن الفساد "قضية صغيرة جداً بالنسبة للجرائم التي ارتكبها في دارفور". واضاف أن "ضحايا جرائمه في دارفور لا يهتمون بهذه القضية، وهي ليست في حجم التهم التي يواجهها في المحكمة الجنائية الدولية". وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق البشير لدوره في النزاع الذي اندلع في دارفور عام 2003 عندما حملت السلاح مجموعات تنتمي لأقليات ذات أصول إفريقية ضد حكومة الخرطوم التي ناصرتها القبائل العربية تحت دعاوى تهميش الإقليم سياسيا واقتصاديا.

وكردة فعل لذلك استخدمت الخرطوم مجموعات اعتمدت سياسة الأرض المحروقة ضد من يظن أنهم يناصرون المتمردين "عبر حرق القرى ونهب المملكات واغتصاب النساء"، وفق مجموعات حقوقية. واتهمت المحكمة الجنائية الدولية البشير بارتكاب جرائم الابادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب لدوره في النزاع الذي خلف وفق الأمم المتحدة 300 ألف قتيل وشرد 2,5 مليون شخص من منازلهم . وعقب الإطاحة به طلب مدعي المحكمة الجنائية الدولية من السلطات الجديدة تسليمه ولكنها لم ترد على الطلب. بحسب فرانس برس.

ويرفض ضباط الجيش الذين أطاحوا به ويشاركون في الحكومة مع المدنيين تسليم البشير ذي الخمسة وسبعين عاما للجنائية الدولية. ويقتضي تسليم البشير أن توقع الحكومة الانتقالية المشتركة التي تشكلت بموجب اتفاق تم التوصل اليه في آب/أغسطس المصادقة على ميثاق روما الذي أنشئت بموجبه المحكمة الجنائية الدولية . وأكد تحالف الحرية والتغيير الذي قاد الاحتجاجات ضد البشير أنه لا اعتراض لديه على تسليم البشير الي الجنائية الدولية .

مهمة لم تكتمل

الى جانب ذلك أوضح عبد العزيز عبد الله أن الثورة أمامها شوط طويل تقطعه وهو يقف على رصيف المحطة التي انطلق منها هو ومحتجون آخرون في قطار مكتظ إلى الخرطوم خلال أبريل نيسان الماضي للضغط على الجيش السوداني من أجل تقاسم السلطة مع المدنيين. كان عبد الله عامل السكة الحديد الذي أصبح زعيما نقابيا من أوائل من خرجوا إلى الشوارع في عطبرة أحد معاقل الحركة العمالية في ديسمبر كانون الأول وأطلقوا شرارة انتفاضة وطنية أطاحت بالرئيس عمر البشير بعد ذلك بأربعة أشهر تقريبا.

واستغرق الجيش، الذي عزل البشير، أربعة أشهر أخرى للموافقة رسميا على تقاسم السلطة لفترة ثلاث سنوات مع حكومة مؤقتة بقيادة مدنية. ويؤيد الناس في عطبرة، التي تعد مركزا للسكك الحديدية يرجع إلى عهد الاستعمار، الحكومة الوطنية في العاصمة الواقعة على مسافة 350 كيلومترا إلى الجنوب. لكنهم يقولون إن بعض المظالم الرئيسية التي أدت للانتفاضة لا تزال قائمة ومنها ضآلة المرتبات والبطالة.

وقال عبد الله الذي تولى إدارة الاتحاد العمالي بعد الإطاحة بالبشير إن مرتبات ”عمال السكة الحديد من أقل المرتبات في الدولة“ إذ يحصلون على 1200 جنيه سوداني (26.67 دولار) في الشهر بينما لا تقل احتياجاتهم لتسيير أمورهم عن عشرة آلاف جنيه. ويريد العمال أيضا تخصيص أموال لإحياء مرفق السكك الحديدية الذي كان يمثل في فترة من الفترات أطول شبكة من نوعها في أفريقيا لكنها أصبحت مهملة. وهذه مطالب صعبة يواجهها رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الذي يحاول تحاشي انهيار اقتصاد عانى على مدى ثلاثة عقود من سوء الإدارة ومن العقوبات الأمريكية.

وسيكون مدى قدرته على تلبية توقعات ألوف العاملين بالسكك الحديدية اختبارا للبلاد كلها إذ أن عطبرة من المدن التي انطلقت منها الاضطرابات منذ الاستقلال عن بريطانيا في 1956. وشكل المحتجون لجان مقاومة ساعدت في استمرار الانتفاضة وأصبحوا يريدون الآن أن تكون لهم كلمة في تسيير أحوال المدينة. ويلتقي المحتجون، منذ رفع حظر التجمعات بسقوط البشير، لبحث مشاكل مثل كيفية خلق الوظائف للشباب وذلك من خلال محاولة إيجاد الأراضي الزراعية لزراعة المحاصيل.

لكن يغضبهم أن المدينة لا تزال تحت إدارة حاكم عسكري. وقد فقدت الشبكة الأمنية التي أسسها البشير بعضا من سلطاتها غير أن ضباطها لا يزالون في عطبرة وغيرها كما أن جنودا من الجيش ما زالوا يرابطون في ثكنات قريبة رغم أنهم لا يجوبون الشوارع كما كان يحدث من قبل. وقال عادل الشيخ أحد كبار الأعضاء من عطبرة في ائتلاف قوى الحرية والتغيير وهو الجماعة الرئيسية التي تفاوضت على اتفاق تقسيم السلطة مع قيادات الجيش ”ما تغير شيء للمواطنين والشباب. الخدمة المدنية لا تزال مكونة من النظام السابق“.

ويشغل إيجاد الوظائف بال كثيرين. وقال محمد عبد العظيم العاطل منذ 2007 ”أملي أن أحصل على وظيفة كمهندس. وظائف الدولة في ظل (النظام القديم) كانت لرجال النظام“. وتعتبر مدينة عطبرة الواقعة عند ملتقى نهري النيل وعطبرة مقياسا للوضع في السودان منذ أقام الاستعمار البريطاني فيها مركزا للسكك الحديدية وبنى عشرات الفيلات ليقيم فيها مديرو السكك الحديدية أصبحت الآن خاوية. ولا تزال على الجدران خرائط تحمل اسم سكك حديد السودان في المباني الإدارية التي تقبع على مكاتبها إيصالات مطبوعة باللغتين الإنجليزية والعربية.

وطالب العمال هنا بالاستقلال وشكلوا العمود الفقري للحزب الشيوعي الذي كانت له سطوة بعد الاستقلال وانتفضوا على مختلف الحكام العسكريين منذ ذلك الحين ودفعوا ثمن انتفاضهم بحملات طرد جماعية. ولم يشهد السودان سوى ثلاث حكومات مدنية أطاح بها كلها قادة عسكريون استولوا على السلطة وقالوا إن المدنيين أخفقوا في إصلاح الاقتصاد المتأزم. ويقف رئيس الوزراء حمدوك في موقف مماثل إذ يرأس حكومة تتقاسم السلطة مع الجيش. وهو يريد زيادة مرتبات العاملين في الدولة وتعويض حوالي 4000 عامل فصلهم البشير من وظائفهم لكنه يحتاج لدعم من المانحين يصل إلى خمسة مليارات دولار للعام المقبل وحده.

وقال علي عبد الله (70 عاما) الرئيس السابق لاتحاد العاملين بمرفق السكك الحديدية والذي سجن في عهد البشير وأصبح الآن من الشخصيات التي تحظى بالاحترام بين سكان المدينة ”بأمانة عندنا مخاوف (من حدوث انقلاب جديد) إذا لم تحل القضايا الرئيسية“. وتقول الولايات المتحدة إنها تأمل أن تتمكن من رفع العقوبات التي فرضت على السودان في 1993 بسبب اتهامات بأن حكومة البشير الإسلامية ساندت الإرهاب وذلك حتى يتسنى لأموال المانحين التدفق. بحسب رويترز.

وتشعر الدول الغربية بالقلق لكنها تخشى أيضا أن يؤدي عدم الاستقرار في السودان إلى زيادة الهجرة إلى أوروبا وتشجيع المتشددين الإسلاميين. وسيستغرق التئام الجروح على المستوى المحلي بعض الوقت. فعندما بدأت الاحتجاجات في ديسمبر كانون الأول فتحت قوات الأمن النار فقتلت بين من قتلت طالب الهندسة طارق أحمد الذي كان يبلغ من العمر 23 عاما. وقال أبوه وهو يقود سيارة عبر شوارع عطبرة المليئة بالحفر لإظهار مدى الإهمال ”لم يكن شخصا يهتم بالسياسة لكنه سئم النظام والتضخم“. ولم يقدر الأب على الذهاب إلى البقعة التي سقط فيها ابنه قتيلا لكنه توقف عند الجامعة التي رسم طلابها وجهه على جدار لتظل ذكراه حاضرة. وكافح الأب هناك لحبس دموعه. وقال ”ضحى بنفسه من أجل التغيير في السودان. لن ننسى“.

اضف تعليق