q

بدأت قمة كامب ديفيد بين حكام الخليج وأوباما، بعدما سبقها الكثير من التكهنات والتوقعات من لدن المحللين والمتابعين للشأن الدولي، أغلب تلك التنبؤات كانت بصبغة رمزية ظاهرية على غرار مناقشة الاتفاق النووي الايراني، ودعم طهران للحوثيين في اليمن من جهة والنظام السوري من جهة اخرى.

لكن يرى محللون آخرون ان طاولة كامب ديفيد تكتنف الكثير من الصفقات السرية وكذلك ممارسة بعض الضغوطات من الجانبين لتعديل بعض المواقف لاسيما ما يتعلق بقضايا الشرق الاوسط.

فمن الناحية الامنية قد تخفي طاولة كامب ديفيد ابرام صفقات عسكرية مع دول الخليج كون ان الولايات المتحدة تنتهج اسلوب التسليح العسكري وخاصة في الحروب الاستنزافية وذلك بإذكاء الحروب في دول معينة من ثمة عقد معها اتفاقات امنية وصفقات تسليح لدعم اقتصادها وهذه الاستراتيجية بدأت عقب الحرب العالمية الثانية كما ترسخت في الحرب الايرانية العراقية ومؤخرا حرب سوريا والعراق ضد داعش، في الوقت نفسه تدرك واشنطن أن الالتزامات الدفاعية الإضافية قد تنطوي على خطر انزلاقها في صراعات جديدة بالشرق الأوسط.

أما من الناحية السياسية، فيرى الكثير من المحللين إن جيلا جديدا من القادة السعوديين قد يرد بمزيد من الاستقلال العسكري في الخليج حيث تقود المملكة في الوقت الحالي تحالفا عربيا يشن غارات جوية على الحوثيين في اليمن، وامتنع حكام أغلب دول المنطقة ومن بينهم الملك سلمان عاهل السعودية عن المشاركة في القمة وقرروا إيفاد نوابهم فيما اعتبر نوعا من الصد الدبلوماسي.

ومع ذلك فقد اعتبر غياب الكثير من كبار القادة العرب انعكاسا لشعور بالإحباط لا إزاء تواصل أوباما مع إيران فحسب سعيا لإبرام اتفاق نووي بل بسبب ما بدا من إخفاق أمريكي في دعم أجندة السعودية في الشرق الاوسط.

فيما يعتقد بعض المراقبين في المنطقة أن غياب الملك سلمان عن كامب ديفيد والشيخ حمد بن عيسى آل خلفية ملك البحرين التي تستضيف الأسطول الخامس الأمريكي قد تكون له نتائج عكسية.

في حين تشكل الناحية الاقتصادية عاملا مهما في هذه القمة الامريكية الخليجية، فعلى الرغم من أن طفرة في صناعة النفط والغاز المحلية في الولايات المتحدة غذت شعورا بأن المصالح الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة ربما كانت تتراجع فهي لم تغير مصلحة واشنطن الاستراتيجية الرئيسية في تأمين إمدادات النفط لتغذية السوق العالمية بها.

بينما يرى محللون آخرون انه حتى إذا أرسل أوباما رسالة ضمنية مفادها أن دول الخليج تحتاج الولايات المتحدة أكثر مما تحتاج إليها الولايات المتحدة فمازال مؤشر مخاوف هذه الدول من أن تتخلى عنها واشنطن قائمة، في وقت تعصف فيه الاضطرابات بالمنطقة، كذلك فإن كلا من الجانبين يعتمد على الآخر عسكريا واقتصاديا.

لذا يرى اغلب المحللين أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما ربما يفشل في تهدئة مخاوف عرب الخليج الناتجة عن دبلوماسيته في المشكلة النووية خلال القمة، لكن سؤالا أكبر يلوح في الأفق بالنسبة لواشنطن.. ما مدى أهمية ذلك؟.

فقد أثار أوباما الآمال في البداية بمنطقة الشرق الأوسط عندما أعلن الشهر الماضي عقب توصل القوى العالمية لاتفاق مبدئي مع إيران أنه سيعقد مؤتمر قمة مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي الذي يضم في عضويته السعودية والكويت وقطر والبحرين والإمارات وسلطنة عمان، غير أن البيت الابيض قلل هذا الأسبوع من التوقعات بشأن نتائج القمة.

ورغم أن مسؤولين خليجيين أشاروا إلى رغبتهم في الحصول على ضمانات أمنية قوية جديدة فإن المسؤولين الأمريكيين يقولون إنه لن يتم توقيع أي معاهدات دفاعية بل وشككوا في إمكانية تقديم أي تعهدات مكتوبة من أي نوع.

وبدلا من ذلك قال مسؤولون أمريكيون إن أوباما سيعرض تطمينات ستصدر في الغالب في شكل بيان مشترك وإعلانات أكثر تواضعا لتحقيق تكامل أنظمة الدفاع الصاروخي الباليستية وزيادة المناورات العسكرية المشتركة وتيسير امدادات الأسلحة.

وفي المقابل تأمل الولايات المتحدة أن تتوقف الحكومات الخليجية المتشككة في أي اتفاق نووي مع إيران عن انتقاداتها قبل انتهاء المهلة المحددة للتوصل إلى اتفاق نهائي في 30 يونيو حزيران توافق بمقتضاه إيران على تقييد برنامجها النووي مقابل تخفيف العقوبات التي تكبل اقتصادها، ومن المحتمل أن تزيد الانتقادات العربية والمعارضة الإسرائيلية الشديدة من صعوبة فوز أوباما بموافقة الكونجرس على اتفاق مع إيران.

ومن المستبعد أن يرضي ذلك دول الخليج وخاصة السعودية التي تعتقد أن واشنطن لا تأخذ الدعم الإيراني لفصائل مسلحة في لبنان وسوريا والعراق واليمن على محمل الجد بالدرجة الكافية. وتقول السعودية إن هذا الدعم الإيراني يعمل على تفاقم التوترات الطائفية، ويقول البيت الابيض إن حصول إيران على سلاح نووي سيكون أكثر خطورة على الدول المجاورة لها ولهذا السبب ترى ضرورة معالجة القضية النووية أولا. وتنفي طهران أنها تسعى إلى امتلاك السلاح النووي.

لكن دول الخليج قد لا تجد أمامها سوى التمسك بواشنطن. فقد أنفق الكثير من هذه الدول مليارات الدولارات على العتاد العسكري الأمريكي كما أنها تعتمد على المستشارين العسكريين الأمريكيين وليس أمامها شريك آخر يذكر يعول عليه، وعليه كل المعطيات آنفة الذكر طرح العديد من السيناريوهات حول ماهية العلاقات الإستراتيجية بين الحليفين في المستقبل القريب.

ماذا بعد كامب ديفيد؟

في سياق متصل يجمع الرئيس الاميركي باراك اوباما قادة دول الخليج في كامب ديفيد في مسعى لتهدئة مخاوفهم من تنامي نفوذ ايران في المنطقة، لكن تحد خلافات عميقة وكذلك غياب قادة كبار عن اللقاء من الامال في تحقيق تقدم كبير، وفي مؤشر الى الاهمية الرمزية التي اراد اضفاءها على هذا اللقاء، فهي المرة الثانية فقط (بعد قمة مجموعة الثماني في ايار/مايو 2012) التي يستقبل فيها الرئيس الاميركي قادة اجانب في مقر كامب ديفيد الواقع على بعد نحو مئة كيلومتر الى شمال العاصمة الفدرالية واشنطن، ولهذا المكان اهمية تاريخية، ففيه التقى الاسرائيليون والفلسطينيون في 1978 وسط تكتم كبير لإجراء مفاوضات ادت الى توقيع مناحيم بيغين وانور السادات اتفاقات كامب ديفيد. بحسب فرانس برس.

ومن الدول الست التي دعاها اوباما، تتمثل اثنتان منها على مستوى رأس الدولة وهما الكويت وقطر. وفي غياب ملك السعودية سلمان الذي عدل في اللحظة الاخيرة عن تلبية دعوة البيت الابيض، استقبل الرئيس الاميركي ولي العهد الامير محمد بن نايف وولي ولي العهد وزير الدفاع الامير محمد بن سلمان.

واثناء هذا اللقاء في المكتب البيضاوي سعى اوباما الى التقليل من حجم الخلافات مشددا على "الصداقة الكبيرة" التي تربط بين البلدين، ومشيرا الى علاقات قديمة تعود الى الرئيس فرنكلين روزفلت والملك عبد العزيز.

وبدوره اشاد محمد بن نايف الذي يحظى بالاحترام في واشنطن لا سيما لكونه مهندس الحملة الشرسة ضد تنظيم القاعدة في بلاده، بالعلاقة "التاريخية والاستراتيجية" بين البلدين، لكن في الجوهر فان نقاط الخلاف حقيقية. ويعتزم الرئيس الاميركي مرة جديدة الدفاع عن الاتفاق الاطار المبرم مع طهران لمنعها من امتلاك السلاح النووي.

وفي هذا الصدد قال في مقابلة مع صحيفة الشرق الاوسط السعودية "يمكننا ان نتصور كيف يمكن ان تصبح ايران اكثر استفزازا اذا كانت تمتلك سلاحا نوويا" معتبرا ان ذلك "هو احد اسباب الاتفاق الشامل الذي نسعى اليه مع ايران... لنزيل احد اخطر التهديدات لامن المنطقة"، وان كان الاتفاق المفترض انجازه بحلول نهاية حزيران/يونيو يثير القلق، فان تنامي نفوذ الجمهورية الاسلامية في المنطقة هو الذي يشكل مصدر التوتر.

ولفت بروس ريدل من مؤسسة بروكينغز في هذا السياق الى ان الامر لا يتعلق "بخلاف حول عدد اجهزة الطرد المركزي، بل في معرفة ما اذا كان يفترض قبول ايران كمحاور شرعي داخل الاسرة الدولية".

واعتبر حسين ايبيش من معهد دول الخليج العربية في واشنطن ان اكثر ما تخشاه دول الخليج هو "ان تبدأ السياسة الاميركية لسبب او لاخر بالميل نحو طهران والابتعاد عن حلفاء الولايات المتحدة التقليديين في المنطقة".

واعرب بعض مسؤولي الخليج عن تمنيهم في عقد اتفاق مشترك شبيه بمعاهدة حلف شمال الاطلسي، لكن مثل هذا المشروع الذي يتطلب الضوء الاخضر من الكونغرس ليس مدرجا على جدول الاعمال في واشنطن.

وتأمل الدول الخليجية ايضا بالتزام اميركي اكثر وضوحا في سوريا لاضعاف نظام دمشق. وقد بدأت واشنطن لتوها بتدريب مجموعة صغيرة من المعارضين السوريين المعتدلين في الاردن لقتال داعش لكن الحكومة الاميركية ما زالت تبدو متحفظة ازاء التزام اكبر في النزاع، وقد تفضي القمة الى بعض الاعلانات المحدودة الاهمية مثل تكثيف التدريبات العسكرية المشتركة او تنسيق افضل للمنظومات الدفاعية المضادة للصواريخ لدول المنطقة.

رهانات مبيتة

من جهة أخرى قال كريم سجادبور الباحث بمركز كارنيجي للسلام الدولي في واشنطن وكبير محللي الشوؤن الإيرانية السابق لدى المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات "النفوذ أكبر بكثير في واشنطن منه في الخليج"، ويقول مسؤولون أمريكيون إن القمة ستؤكد العلاقة الاستراتيجية التي كانت على مدى أكثر من نصف قرن حجر زاوية للسياسات الأمريكية في الشرق الأوسط، ويضيف المسؤولون أن الاستراتيجية الأمريكية في مكافحة الإرهاب مازالت تعتمد اعتمادا كبيرا على التعاون مع الدول العربية ذات النفوذ، غير أن بعض الوهن بدأ يظهر فيما يبدو على بعض المصالح المشتركة التي ربطت بين الجانبين مثل تحجيم إيران والاعتماد الأمريكي الكبير على نفط الخليج. بحسب رويترز.

من جهته قال وزير الخارجية الأردني السابق مروان المعشر إن إدارة أوباما ليست لديها الرغبة في مهاودة دول الخليج في القضايا التي تؤرقها، وقال للصحفيين في واشنطن "هل ستعود (دول الخليج) وهي تشعر بالاطمئنان؟ لا أعتقد ذلك"، بينما قالت بريندا شافر خبيرة أمن الطاقة في جامعة جورجتاون "إذا حدث اضطراب في الاستقرار في السعودية فسيكون لذلك عواقب كبيرة على المستوى العالمي".

اضف تعليق