التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية التي تواجهها أفغانستان وهي تعاني ويلات الحرب والصراع، لا تزال تشكل وبحسب بعض الخبراء مصدر قلق كبير لدى الكثير من الأوساط السياسية الحكومية وغير الحكومية، خصوصا مع رحيل اغلب افراد قوة حلف الأطلسي في أفغانستان (إيساف) التي انتشرت في هذا البلد ما يقرب من 13 عاماً بهدف الإطاحة بنظام طالبان، التي لا تزال تواصل هجماتها الإرهابية ضد أبناء الشعب وقوات الأمن الأفغانية التي تعاني من ضعف الإعداد والتدريب، وتفيد بعض التقارير الخاصة ان التوجه العام هو تصعيد العنف وهجمات متمردي طالبان في أفغانستان. يضاف الى ذلك المشكلات الأخرى التي تعاني منها البلاد ومنها سيطرة رجال الدين و الأفكار المتطرفة وانتشار الفقر والفساد الذي قد يتفاقم مع استمرار الخلافات السياسية الداخلية وغيرها من المشكلات والأزمات الأخرى التي قد تصب بمصلحة الجهات المتطرفة.
وبحسب بعض الإحصائيات الخاصة فقد بلغ عدد الضحايا المدنيين في افغانستان مستوى قياسيا في 2014 مع ارتفاعه بنسبة 22% مقارنة مع السنة السابقة بحسب الامم المتحدة وخصوصا بسبب تكثف المعارك على الارض. وقالت بعثة الامم المتحدة في افغانستان ان النزاع الافغاني اوقع 10548 ضحية بين قتيل وجريح في 2014، وهي سنة جديدة قياسية بعد 2013 (8637). وبين الضحايا في عام 2014 هناك 3699 قتيلا (+25% مقارنة مع 2013) و6849 جريحا (+21%) بحسب الارقام النهائية التي نشرتها بعثة الامم المتحدة.
وهي اعلى حصيلة للضحايا تسجلها الامم المتحدة منذ ان بدأت احصاءاتها في افغانستان عام 2009 وقد احصت اجمالي 17774 قتيلا مدنيا و29971 جريحا في السنوات الست الماضية. وفي تقرير سابق اكدت بعثة الامم المتحدة على ارتفاع كبير لعدد الضحايا المدنيين مرتبط بتكثف المعارك على الارض بين القوات الحكومية الافغانية والمتمردين. وبحسب الامم المتحدة فان المعارك الميدانية اصبحت في عام 2014 السبب الرئيسي لسقوط قتلى وجرحى مدنيين (34%) بعد انفجار القنابل اليدوية الصنع (28%). وكما في العام 2013، اعتبرت الامم المتحدة ان حوالى ثلاثة ارباع المدنيين الذين قتلوا او جرحوا في 2014 كانوا ضحية "قوات مناهضة للحكومة" (72%) اي متمردي طالبان و14% فقط ضحية عمليات القوات الموالية للحكومية و10% لم تحدد اسباب اصابتهم او مقتلهم.
الأفغان الشيعة
من جانب أخر أعلنت مصادر رسمية مقتل خمسة من الافغان الشيعة كانوا خطفوا في جنوب شرق افغانستان التي تشهد تزايدا في الهجمات على الاقليات الاتنية. وكان هؤلاء الافغان الذين ينتمون الى الهزارة خطفوا في ولاية غزنة حيث كانوا يسافرون للتسوق. وقال رامين علي هديات حاكم الاقليم انه "عثر على جثثهم في منطقة مالستان وجميعهم قطعت رؤوسهم". واضاف ان الخاطفين مرتبطون بتنظيم الدولة الاسلامية. لكن نائب الحاكم اتهم حركة طالبان بقتل هؤلاء. وقال محمدعلي احمدي ان الحركة المتطرفة طالبت بالافراج عن مقاتلين معتقلين لدى الحكومة. واضاف "لم نلب طلبهم فقطعوا رؤوس الهزارة". و لم تتبن اي جهة حتى الآن قتل هؤلاء.
وقد استهدفت اعمال عنف مؤخرا الاقليات المسلمة الصوفية والشيعية القلق في افغانستان التي تواجه اصلا تمرد طالبان الشرس اضافة الى اضطرابات اتنية متكررة. وقد شن المتطرفون هجمات عدة على افراد من الاقلية المسلمة الشيعية. وفي وقت سابق خطف مسلحون ملثمون نحو ثلاثين شيعيا من اتنية الهزارة التي يمكن التعرف على افرادها محليا من ملامحهم الاسيوية فيما كانوا يتنقلون في حافلة في وسط افغانستان.
من جانب اخر قال مسؤولون أفغان إن مسلحين يرتدون أقنعة هاجموا حافلة وفتحوا النار على كل الركاب فقتلوا 13 شخصا. وهذه هي المرة الثالثة التي يستهدف فيها مسلحون مجهلون ركاب حافلة خلال شهر. ونفت حركة طالبان اي صلة لها بالهجمات التي ألقى البعض مسؤوليتها على متشددين أعلنوا الولاء لتنظيم الدولة الاسلامية. ولم تعلن أي جماعة مسؤوليتها عن الهجمات على الحافلات كما لم تتضح أي صلة بينها وبين قادة أعلنوا ولاءهم للتنظيم المتشدد.
وفي الهجومين السابقين استهدف المهاجمون أفراد جماعة الهزارة العرقية وخطفوهم مما أشاع حالة من القلق بين الاقلية التي تعرضت للاضطهاد خلال حكم طالبان. ولم يتضح ما اذا كان الركاب الذين استهدفوا في الهجوم هم من الهزارة لكن الهجوم أذكى مخاوف من اعمال عنف عرقية جديدة في البلاد المنكوبة بحرب مستمرة منذ عقود. وقال عبد المجيد خوجياني القائم باعمال حاكم اقليم وردك ان المسلحين كانوا يرتدون أقنعة سوداء.
وأضاف "كلفنا قوات الامن باجراء تحقيق مناسب وتسليم الجناة الى مسؤولي القضاء." وتزايدت التقارير عن مقاتلين في أفغانستان أعلنوا الولاء للدولة الاسلامية لكن ليس هناك صلات واضحة بين العمليات الميدانية لمقاتلين محليين في أفغانستان وقيادة التنظيم المتشدد. بحسب فرانس برس
على صعيد متصل خطف مسلحون حوالي 30 مسلما شيعيا من اتنية الهزارة التي غالبا ما تتعرض لهجمات من قبل متطرفين من السنة، وذلك فيما كانوا في حافلتين بوسط افغانستان كما اعلن مسؤولون محليون. وخطف الركاب على الطريق بين هراة (غرب) وكابول (شرق) في اقليم شاجوي بولاية زابل (وسط) كما اعلن حاكم الاقليم عبد الخالق ايوبي. وقال ناصر احمد مسؤول شركة النقل الخاصة التي تشغل الحافلتين ان "سائقا رأى مجموعة من الرجال يرتدون بزات الجيش الافغاني وملثمين طلبوا منه التوقف. وظن ان الرجال هم جنود وبالتالي توقف". واضاف "بعد ذلك صعد المسلحون الى الحافلتين واقتادوا معهم الركاب ال30 من الهزارة" قبل ان يوضح انه تم خطف الرجال فقط وليس النساء والاطفال. وبحسب هذا المسؤول فان الخاطفين كانوا "يتكلمون لغة غريبة في ما بينهم".
أهم المناصب الدفاعية
على صعيد متصل وبعد أشهر من اتفاق زعيمين متنافسين أخيرا على اقتسام السلطة في أفغانستان لا تزال حقيبة الدفاع شاغرة ولم تحدد البلاد بعد من سيدير الجيش الأمر الذي يهدد بتقويض الحرب ضد متشددي حركة طالبان الذين باتوا في وضع الهجوم بعد رحيل قوات أجنبية. والخلاف بشأن اختيار وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش هو أحدث مؤشر على التوتر داخل حكومة الرئيس أشرف عبد الغني والرئيس التنفيذي عبد الله عبد الله اللذين خاضا سباقا انتخابيا مريرا العام الماضي على رئاسة البلاد.
وقال مكتب الرئيس إن تأخر القيادة الجديدة لا يضر بجهود الحرب وإن تسلسل القيادة في الإدارة السابقة يتولى العمليات العسكرية. وقال أجمل عبيدي المتحدث باسم عبد الغني "نحن على ثقة بأنه لا توجد مشكلة في الروح المعنوية لأفراد القوات المسلحة." لكن منتقدين وبينهم الجنرال ظفار الذي كان حتى الآونة الأخيرة قائدا لفرقة عسكرية ويعمل الآن في إدارة التجنيد بالوزارة قالوا إن غياب قادة جدد سيقوض قدرة القوات المسلحة على احتواء تمرد طالبان. وقال ظفار "عندما تنقسم وزارات أمنية بشكل سياسي ويتم تنصيب أشخاص يفتقرون للخبرة في مناصب قيادية مهمة في إطار اتفاقات وليس على أساس الاستحقاق فستكون المشاكل حتمية."
وقد يصبح ذلك مكلفا فيما تدشن طالبان حملة هجمات فصل الربيع ضد القوات الأفغانية التي -للمرة الأولى منذ الإطاحة بحركة طالبان الإسلامية المتشدة من السلطة في 2001- تقاتل دون دعم يذكر من جنود حلف شمال الأطلسي. وخلال ذروة تواجده في أفغانستان كان للحلف نحو 130 ألف جندي في البلاد بينما لم يتبق الآن سوى بضعة آلاف من جنوده يشاركون بشكل أساسي في التدريب والعمليات الخاصة.
وهاجم مقاتلو طالبان نقاط تفتيش تابعة للجيش والشرطة في إقليم بدخشان وهو عادة من المناطق الأكثر أمانا في البلاد مما أدى إلى مقتل 18 فردا بينهم ثمانية قطعت رؤوسهم. وتفاقم الغضب بسبب عدم قدرة الحكومة على الاتفاق بشأن المناصب الأمنية المهمة في البرلمان حيث دعا مشرعون لاجتماع خاص لبحث هجوم بدخشان. وقال محمد إقبال كوهيستاني وهو برلماني من إقليم كابيسا في شرق البلاد "أيها الرئيس عبد الغني. بحق الله إذا لم تكن تستطيع قيادة هذه البلاد قدم استقالتك أنت والرئيس التنفيذي." ويخوض عبد الغني وعبد الله اللذان اتفقا على اقتسام السلطة في سبتمبر أيلول بعد سباق انتخابي مرير معركة جديدة بشأن أهم المناصب الدفاعية.
ويصر عبد الله على أن يصبح نائب وزير الدفاع السابق عتيق الله بريالي رئيسا لأركان الجيش وفقا لما يقوله مساعدون في المعسكرين. لكن عبد الغني لن يوافق على ذلك. وقال مسؤول حكومي كبير على إطلاع مباشر بالخلاف "لن يصبح بريالي رئيسا للأركان أبدا وهذا هو القرار النهائي للرئيس." وفي المقابل رفض عبد الله الشخص الذي اختاره عبد الغني لمنصب وزير الدفاع وسحب ترشيحه فيما بعد. وقال معسكر عبد الله إنهم شعروا بالغضب لأن عبد الغني اختار دون أن يستشير الرئيس التنفيذي.
وحتى الآن لم يعلن عبد الغني عن مرشح جديد للمنصب. وسيكون الشخص الذي سيختاره ليكون وزيرا للدفاع ثالث مرشح يتقدم به. وكان البرلمان رفض أول من اختاره للمنصب وهو رئيس الأركان الحالي الجنرال شير محمد كريمي. ويتولى الشؤون اليومية لوزارة الدفاع الأفغانية في الوقت الحالي القائم بأعمال الوزير عناية الله نزاري. ويعكس الخلاف على المناصب الأمنية الكبرى الاختلافات العرقية في قلب السياسة الأفغانية.
وأيدت جماعة البشتون أكبر جماعة عرقية في أفغانستان عبد الغني في الانتخابات فيما كان السكان الطاجيك الذين يمثلون نسبة أقل يدعمون عبد الله. وبريالي من الطاجيك في إقليم بانجشير معقل التحالف الشمالي الذي حارب نظام حركة طالبان في التسعينات من القرن الماضي وساعد الولايات المتحدة في الإطاحة به عام 2001. ويرى الكثيرون من أنصار عبد الله أن عبد الغني يحاول إسناد المناصب المهمة لأبناء البشتون لتهميش الطاجيك الذين ظلوا يتولون معظم المناصب الأمنية لمدة عقد بعد سقوط طالبان.
لكن معاوني الرئيس يقولون إن تردده في تعيين "مجاهدي" التحالف الشمالي السابقين في المناصب الكبرى يأتي في إطار التزامه بتشكيل حكومة وفقا لمعيار الكفاءة وليس العلاقات. وينبع الجمود أيضا من الاختلاف بشأن تفسير اتفاق تقاسم السلطة الذي ينص على "المساواة" في التعيينات المهمة بين عبد الغني وعبد الله دون أن يذكر تفاصيل أخرى. وتأكد تعيين ثمانية وزراء من أعضاء الحكومة المؤلفة من 24 وزيرا غير أنه جرى ترشيح 15 آخرين ويجب أن يوافق عليهم البرلمان. بحسب رويترز.
وقال جريم سميث وهو كبير المحللين في المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات ومؤلف كتاب عن الحرب الأفغانية إن القوات المسلحة تعاني من نقص في أموال المانحين الدوليين وانخفاض كبير في الدعم الذي يقدمه حلف شمال الأطلسي ومشاكل داخلية. ورغم التحديات حاول الجيش الأفغاني الاحتفاظ بزمام المبادرة في القتال إذ ظل عدد الهجمات التي يشنها على المتشددين ثابتا خلال السنوات القليلة الأخيرة. وقال سميث "للأسف لا تتماشى وتيرته (الجيش) مع طالبان التي تصبح هجماتها أكبر وأعنف وأكثر."
من جانبها اعلنت الولايات المتحدة وافغانستان في بيان ان واشنطن ستبقي 9800 جندي في افغانستان حتى نهاية 2015، علما بانها كانت ستبقي اصلا نصف هذا العدد. واورد البيان الذي اصدره البيت الابيض "بناء على طلب الرئيس غني، ستبقي الولايات المتحدة العدد الحالي لجنودها البالغ 9800 حتى نهاية 2015"، مجددا تاكيد الانسحاب الكامل من افغانستان نهاية 2016. وخطة خفض عديد القوات الاميركية في 2016 ستوضع في وقت لاحق من هذا العام للتوصل الى ابقاء وجود عسكري مرتبط فقط بالسفارة الاميركية في كابول بحلول نهاية 2016 بحسب البيت الابيض. وأكدت الولايات المتحدة لزعماء أفغانستان مواصلة دعمها لقوات الأمن الأفغانية عند مستوى مستهدف يبلغ ذروته 352 ألف فرد حتى عام 2017 على الاقل لتوفير الاستقرار مع انسحاب القوات الأجنبية من هذا البلد وأعلن هذا وزير الدفاع الأمريكي.
التعذيب في سجون
في السياق ذاته قالت الأمم المتحدة إن السلطات الافغانية عذبت أو أساءت معاملة أكثر من ثلث نحو 800 محتجز يشتبه انهم على صلة بحركة طالبان تمكن محققون في مجال حقوق الانسان من سؤالهم. وقالت المنظمة الدولية إن أفغانستان التي تولت العام الماضي المسؤولية الكاملة لانهاء تمرد حركة طالبان بعد انسحاب معظم القوات الاجنبية حققت تقدما فيما يتعلق بمعاملة المحتجزين لكن الفشل في محاكمة رجال الامن بتهمة التعذيب مستمر.
وقال كبير مبعوثي الامم المتحدة في أفغانستان نيكولاس هايسوم في بيان "جهود الحكومة الافغانية لمنع التعذيب وسوء المعاملة حقق بعض التقدم خلال العامين الأخيرين. "ولا يزال هناك المزيد الذي يتوجب عمله." وذكرت الامم المتحدة ان القانون الافغاني يحظر التعذيب لكنه يستخدم كثيرا لانتزاع الاعترافات وان النظام القضائي يعتمد على الاعترافات كثيرا كأساس لسير القضية. وقالت المنظمة الدولية في مسح عن التعذيب تصدره كل عامين انه حدث تراجع بنسبة 14 في المئة في عدد الوقائع مقارنة بالتقرير السابق لكن التعذيب في الحجز مشكلة مستمرة.
وخلصت الامم المتحدة الى ان 35 في المئة من بين 790 محتجزا متهمين بالانتماء الى التمرد الذي تقوده طالبان تعرضوا للتعذيب او إساءة المعاملة وانه لم يحاكم أحد سوى في واقعة واحدة منذ عام 2010. وأضافت ان هناك "تقارير ذات مصداقية" عن أماكن للاحتجاز السري تديرها السلطات الافغانية في عدد من المناطق وطالبت الامم المتحدة بتحديدها وإغلاقها فورا. بحسب رويترز.
وقالت الحكومة الافغانية ردا على التقرير انها تقبل بعض دواعي قلق المنظمة الدولية لكنها تختلف "في كثير من الحالات" مع المحتوى الذي كان مضللا من حيث الارقام. ورغم التحفظات أقرت الحكومة الأفغانية بأن التعذيب مشكلة وأكدت التزامها بوضع خطة للقضاء عليه. وتحدث المحتجزون عن 16 وسيلة للتعذيب منها الضرب والصدمات الكهربائية والتعليق من الأيدي أو الأرجل.
عقود الجيش لكشف الفساد
من جهة أخرى قال مسؤولون أفغان إن الرئيس أمر بمراجعة كل عقود الجيش الخاصة بالتمويل والإمداد بعد أن ألغى اتفاقا قيمته 280 مليون دولار لتوفير إمدادات الوقود بعد مزاعم عن تلاعب في عملية طرح المناقصات. وتعهد عبد الغني -الذي تولى الرئاسة العام الماضي خلفا للرئيس السابق حامد كرزاي الذي حكم البلاد فترة طويلة- بالقضاء على الفساد المستشري في البلاد.
وفي تصنيف منظمة الشفافية الدولية حلت أفغانستان العام الماضي في المركز الرابع بين الدول الأكثر فسادا. وقال حميد الله فاروقي وهو اقتصادي عين ليرأس التحقيق إنه يجري فحص 12 عقد تمويل وإمداد من توفير الزي العسكري لتوفير الأرز للجنود. ويجيء التحقيق بعد أن اجتمع مسؤولون يعملون مع المفتش العام الأمريكي المختص بإعادة إعمار أفغانستان الذي يراقب إنفاق أكثر من مئة مليار دولار على إعادة الإعمار في أفغانستان مع الرئيس الأفغاني وشرحوا له بواعث قلقهم بشأن تقارير عن تلاعب حدث في المناقصات الخاصة بامدادات الوقود. بحسب رويترز.
ومنذ توليه الرئاسة في سبتمبر أيلول يعمل عبد الغني جاهدا لتحسين العلاقات مع واشنطن التي تضررت خلال فترة رئاسة كرزاي. وأكد مسؤول في الحكومة الأفغانية أن عقود الوقود ألغيت بسبب التحقيق. وقال المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن هويته لحساسية الأمر "عين الرئيس وفدا للتحقيق في كل العقود اللوجيستية بما في ذلك الوقود."
قلق بين رجال الدين
على صعيد متصل بدأ القلق يتزايد بين كبار رجال الدين من ذوي النفوذ في أفغانستان بسبب التحدي الذي تواجهه سلطتهم من الاحتجاجات النادرة التي تنظمها جماعات الحقوق المدنية في كابول والغضب واسع الانتشار الذي ولده قتل امرأة في مقتبل العمر اتهمت خطأ بحرق المصحف. ولمجلس العلماء -أعلى سلطة دينية في البلاد- نفوذ كبير في أفغانستان حيث المجتمع المحافظ رغم تغيرات ملموسة منذ سقوط حركة طالبان الاسلامية المتشددة عام 2001.
غير أن سلسلة من المظاهرات في العاصمة كابول تنادي بحقوق المرأة دفعت رجال الدين للتهديد بسحب تأييدهم للرئيس أشرف عبد الغني فيما يمثل تحديا لحكومته الجديدة. ويقول بعض أعضاء مجلس العلماء إن عبد الغني الذي تولى منصبه في سبتمبر ايلول الماضي لم يستشرهم ويطلب نصيحتهم بنفس الدرجة التي كان سلفه حامد كرزاي يسعى بها لاستشارتهم. ويمكن لعلماء الدين الذين يبلغ عددهم نحو ثلاثة آلاف ويمثلهم مجلس وطني يضم 150 عضوا التأثير في الرأي العام بدرجة كبيرة من خلال المساجد المنتشرة في مختلف أنحاء البلاد ومازالت تمثل المصدر الرئيسي لتماسك النسيج الاجتماعي في أفغانستان.
وفي الشهور الأخيرة سارت إحدى الناشطات في مجال حقوق المرأة في شوارع كابول وهي ترتدي ثيابا على شكل جسم امرأة تظهر نهدين كبيرين ومؤخرة ضخمة. وفي مظاهرة أخرى تجمع عدد من الرجال في مكان عام وهم يرتدون براقع زرقاء تغطيهم من الرأس إلى أخمص القدمين مثل تلك التي ترتديها النساء في أفغانستان. وقال عناية الله بليغ عضو مجلس العلماء وهو أيضا مستشار الرئيس ومحاضر جامعي "نحن نطلب من الحكومة أن تقول لهم (جماعات الحقوق المدنية) أن يتوقفوا. وإلا فنحن نعرف كيف نوقفهم."
وأضاف "عندي 7000 من الأنصار سيطيعون أي أوامر أصدرها لهم. وبوسعي أن أقلب كابول رأسا على عقب." وحمل بليغ المسؤولية للحكومة التي عطلتها صراعات داخلية على السلطة لإخفاقها في تطبيق القوانين التي تستلزم معاقبة من يخالفون تعاليم الاسلام. وكانت الاحتجاجات استفزازية على نحو غير عادي رغم ضآلة حجمها في أفغانستان حيث لا يكاد أحد يجرؤ أن يتحدى ما يصفه نشطاء الحقوق النسائية بالعادات والقوانين المجحفة بحقوق المرأة والتي تعمل على تكريس انتهاكات كانت شائعة في ظل حكم حركة طالبان.
ومما بث الانزعاج أيضا في نفوس العلماء الاحتجاجات العلنية الأوسع نطاقا على القتل الوحشي لامرأة في وسط كابول. فقد اتهمت فرخنده طالبة العلوم الاسلامية التي كانت تبلغ من العمر 27 عاما ظلما بحرق المصحف. وتعرضت للضرب حتى الموت على أيدي حشد من الناس ثم أشعلت النار في جثتها وألقيت على ضفة النهر الرئيسي في المدينة. وخلال المظاهرات التي تلت قتلها هتف بعض المتظاهرين "الموت للملالي". ولم تكن مثل هذه العبارات تستخدم إلا في التنديد بالولايات المتحدة.
وفي الفترة الأخيرة قال الشيخ عبد البصير حقاني وهو من قيادات مجلس العلماء في أحد اللقاءات إن المجلس أهين خلال الأشهر السبعة التي قضاها عبد الغني في الحكم أكثر من أي وقت مضى في تاريخ أفغانستان. وقال برهان عثمان الباحث لدى شبكة المحللين في أفغانستان "هذه الحكايات أغضبت الملالي وأرى الآن أنهم يرسمون خطا بين هذه الحكومة والحكومة السابقة." وأضاف "هم يرون أن الحكومة الحالية شر ومؤامرة خارجية تسمح بالحرب على الاسلام."
وسعى مكتب الرئيس عبد الغني لأخذ موقف وسط بين المحافظين المتدينين والنشطاء وقال إنه لن يتهاون مطلقا في المخالفات الدينية لكن لم تظهر أي أدلة على الإساءة للإسلام خلال الاحتجاجات التي ارتبطت بقتل فرخنده. لكن مجلس العلماء يعتقد أنه قد لا تربطه به العلاقة الوثيقة التي ربطت بينه وبين كرزاي الذي كان يؤيد بعض مطالب المحافظين المتشددين مقابل الحصول على تأييدهم.
واستحدث كرزاي قانون إنهاء العنف ضد النساء في عام 2009 وأشرف على إعادة ملايين البنات إلى المدارس بعد أن كانت حركة طالبان قد حظرت تعليمهن. ومع ذلك تعرض كرزاي للانتقاد عام 2012 لإقراره فتوى فضلت الرجال على النساء وأقرت ضرورة عدم اختلاط النساء بالغرباء من الرجال في التعليم والأسواق والعمل.
وفي وقت سابق حكم قاض أفغاني بالإعدام على أربعة رجال لدورهم في قتل فرخنده بمن فيهم حارس ضريح اسلامي اتهمها زورا بتدنيس المصحف. وقدم للمحاكمة 49 رجلا من بينهم 19 شرطيا. واتهم بعض رجال الشرطة بالوقوف موقف المتفرج بينما كان الناس يقتلون فرخندة في وضح النهار. وكان مقتلها صدمة لكثير من الأفغان وأدانه الرئيس عبد الغني. غير أن بعض الشخصيات الدينية دافعت عن حق من هاجموها في حماية دينهم بأي ثمن وذلك قبل أن يعلن المحققون براءتها من تهمة حرق المصحف. بحسب رويترز.
وقال نشطاء الحقوق المدنية إنهم مصممون على الدعوة لقضيتهم رغم ما قد يتعرضون له من مخاطر. وتساءلت لينا علم التي لعبت دور فرخنده في مشهد عام أعيد فيه تمثيل جريمة قتلها بهدف زيادة الوعي بانتهاكات الحقوق النسائية "ماذا ستفعل الأجيال القادمة؟ هل ستبقى في نفس المجتمع الوحشي؟ علينا أن نبدأ..." وقالت إنها تأمل أن يبذل الرئيس عبد الغني المزيد لحماية المرأة من خلال تشديد القوانين رغم أن أنظاره انصرفت عن مثل هذه القضايا بسبب خلافات داخل الحكومة الجديدة ورحلاته الخارجية طلبا للدعم الدولي. وأضافت "لسوء الحظ لم أره يفعل شيئا حتى الآن. لم نشهد أي زعيم يفعل شيئا للنساء في أفغانستان خلال السنوات الثلاث عشرة الماضية."
اضف تعليق