يحمل يونس حياته على كفه وهو يستعد للتسلل قبل الفجر من الضفة الغربية المحتلة عبر فتحة مستحدثة في سياج بالقرب من بئر السبع في جنوب إسرائيل، من أجل العمل، مدركا أنه قد يتعرض لمطاردة الشرطة التي قد تطلق النار أو الكلاب في اتجاهه، مثله مثل آلاف الفلسطينيين...
(أ ف ب) يحمل يونس حياته على كفه وهو يستعد للتسلل قبل الفجر من الضفة الغربية المحتلة عبر فتحة مستحدثة في سياج بالقرب من بئر السبع في جنوب إسرائيل، من أجل العمل، مدركا أنه قد يتعرض لمطاردة الشرطة التي قد تطلق النار أو الكلاب في اتجاهه.
مثله مثل آلاف الفلسطينيين الذين يحاولون التسلل عبر هذه الفتحة أو غيرها ليسيروا بعد ذلك عبر أحراج الى حيث يستقلون سيارات أجرة يقودها إجمالا عرب إسرائيليون للبحث عن ورشة بناء أو غيرها يعملون فيها.
وقال يونس (55 عاما) القادم من بلدة الظاهرية في قضاء الخليل، وهو يقف قرب السياج لوكالة فرانس برس "وصلت الى هنا في الثالثة صباحا مع آخرين. وجدنا دوريات الشرطة بانتظارنا"، وأضاف الرجل الذي كست التجاعيد وجهه وأطلق لحيته، "أعرف أنني أغادر منزلي وقد لا أعود اليه، لكن مرارة هذه الحياة تدفعنا الى المخاطرة".
وطاردت الشرطة الإسرائيلية المتسللين في ذلك اليوم الذي التقتهم فيه وكالة فرانس برس، وأعلنت اعتقال 80 منهم دخلوا إسرائيل من فتحة السياج، على بعد مسافة قصيرة، عند معبر ميطار العسكري الذي يفصل بين بئر السبع ومنطقة مسافر يطا جنوب مدينة الخليل في الضفة الغربية، يعبر آلاف من العمال الذين يحملون تصاريح إسرائيلية للعمل، في مسلك خاص. يقفون في طابور طويل في انتظار التدقيق في تصاريحهم وتفتيشهم.
حصل 69 ألف عامل فلسطيني عام 2018 على تصاريح للعمل في إسرائيل، بحسب بنك إسرائيل. ولا تشمل التصاريح عمال المستوطنات، كان المتسللون في ذلك اليوم بالمئات عبر فتحة "السياج الأمني"، كما تسميه إسرائيل. وبدا التعب والإرهاق على وجوههم، وقد ارتدوا سترات شتوية وحمل كل منهم حقيبة يد صغيرة وضع فيها ملابس العمل وبعض الطعام، وقال أمير (20 عاما) القادم من بلدة يطا "أنا أعمل في قطاع البناء لأساعد عائلتي... نحن نريد العيش بكرامة"، وأضاف "ألقت الشرطة علي القبض أربع مرات"، موضحاً أنه كان يتم احتجازه لعدة ساعات ويتعرض للضرب وأن الشرطة أطلقت الكلاب في إثر مجموعته.
وتحدثت منظمات غير حكومية في السابق عن تعرض العمال غير الحاملين لتصاريح عمل لإساءة المعاملة لدى توقيفهم لكن لم يتسن التثبت على الفور من أقوال أمير، ولدى سؤاله عن ممارسة الشرطة العنف لدى توقيف عمال فلسطينيين قال المتحدث باسم الشرطة ميكي روزنفلد لفرانس برس إن هذه الأقوال "غير دقيقة". وأضاف أن "كل ما تفعله الشرطة على الحدود يجري وفقاً لأوامر صارمة وبروتوكل صارم".
لقمة العيش
في الجانب الإسرائيلي من معبر ميطار العسكري في ساحة كبيرة، اصطفت سيارات تحمل لوحات إسرائيلية يقودها سائقون عرب من داخل إسرائيل لنقل العمال الذين وصلوا الى الساحة سواء بشكل قانوني أو بالتهريب.
وداهمت الشرطة الإسرائيلية ساحة السيارات بحثا عن عمال متسللين. تمكن عدد منهم من الإفلات، وبينهم تيسير (38 عاما) الذي قال لفرانس برس "أحصل على 130 شاقلا يوميا أدفع منها 50 شاقلا إجرة طريق لأصل الى الورشة. أبقى فيها أسبوعا أو أكثرـ وبعدها أعود الى البيت"، وتابع تيسير"لا أجد عملا أحيانا. وفي أحيان أخرى، يتم استغلالنا. فبعد أن ننجز العمل، يعطوننا جزءا من المال فقط، أو لا يدفعون لأننا نعمل بلا تصاريح".
لم يدرك خالد عمرو، وكان في الخمسين من عمره، عندما غادر بيته في دورا في الضفة الغربية يوم الثلاثاء في 21 تشرين الأول/أكتوبر ليتسلل للعمل في إسرائيل عبر فتحة السياج، بأن ذلك اليوم سيكون آخر يوم في حياته، إذ سقط في الورشة التي كان يعمل فيها ما أدى الى وفاته، وقال أخوه منتصر عمرو لفرانس برس "بحسب تقرير الشرطة الإسرائيلية، وصل أخي مساء الثلاثاء الى بلدة مزكيرت باتيا بالقرب من مدينة الرملة وسقط من مصعد مفتوح في ورشة بناء أثناء صعوده الى سطح البناية ليلا للنوم. نقل الى المستشفى وتوفي صباح الأربعاء متأثرا بجروحه"، وأضاف منتصر "لم تعط إسرائيل أخي تصريح عمل لأنه اعتقل في الانتفاضة الأولى (1987)، فكان يدخل للعمل في إسرائيل متسللا. اعتقل مرة مدة عشرة ايام ودفع غرامة لأنه كان يعمل بدون تصريح".
وأشار الى أن "أخاه رب أسرة وكان يعيل ثلاثة أبناء ولا توجد فرص عمل في الضفة الغربية. كان يقصد لقمة العيش"، وأوضح دخيل أبو زيد حامد من نقابة عمال "الهستدروت" "أن غالبية العمال العرب يعملون في قطاع البناء"، مشيرا الى مقتل 81 عاملا منذ بداية العام معظمهم فلسطينيون من الضفة الغربية وعرب من داخل إسرائيل"، وبينهم عمال روس وبلغار وعدد قليل من اليهود، وأضاف "17 في المئة فقط من العمال الفلسطينيين مؤمنون في العمل، وأكثر من 60 في المئة منهم يعملون في قطاعات تنطوي على مخاطر مثل فروع البناء والإنشاءات".
تجارة التصاريح
وتكلفة التصريح مرتفعة بالنسبة الى الفلسطينيين، وقال ثائر نواجعة (31عاما) الذي دخل إسرائيل بتصريح عمل في مجال البناء "كلفني التصريح 2500 شاقل (نحو 715 دولارا). نحن نعمل أسبوعين لنا وأسبوعين للتصريح، ونضاعف ساعات عملنا لتغطية تكاليف التصريح، هذا إذا وجدنا عملاً".
وجاء في دراسة خاصة صدرت عن بنك اسرائيل في أيلول/سبتمبر أن "أكثر من 20 ألف عامل فلسطيني دفعوا العام الماضي 480 مليون شاقل (أكثر من 136 مليون دولار) للوسطاء وأصحاب العمل للحصول على تصاريح عمل في إسرائيل.
وانتقدت الدراسة الحكومة الإسرائيلية لتجاهلها توصيات البنك لمعالجة الموضوع، "مشيرة الى أن حاملي هذه التصاريح لا يعملون في المؤسسات أو الشركات الإسرائيلية التي اشترى منها العامل التصريح"، وخلصت الى أن العمال يتعرضون "للاستغلال وانعدام الأمن الوظيفي"، عند السياج، قال يونس الذي كان ينتظر ابتعاد الشرطة ليعبر "أنا لا أخاف الموت. لا يوجد بديل. نريد العيش والعيشة صعبة. لي أسرة وأريد أن أطعم أولادي".
اضف تعليق