تصاعدت حدة الاحتجاجات الشعبية في العراق للمطالبة بتغير النظام السياسي الحالي، الذي اخفقت وبحسب بعض المصادر في تلبية مطالب الشعب بسبب تفشي الفساد وسيطرة الكتل والاحزاب المتنفذة، ويرى محللون ونشطون أن السبب الأساسي للمشكلات في العراق هو نظام تقاسم السلطة القائم على أساس المحاصصة...
تصاعدت حدة الاحتجاجات الشعبية في العراق للمطالبة بتغير النظام السياسي الحالي، الذي اخفقت وبحسب بعض المصادر في تلبية مطالب الشعب بسبب تفشي الفساد وسيطرة الكتل والاحزاب المتنفذة، ويرى محللون ونشطون أن السبب الأساسي للمشكلات في العراق هو نظام تقاسم السلطة القائم على أساس المحاصصة والذي جرى إقراره في العراق بعد عام 2003. وعلى الرغم من الثروة النفطية الهائلة التي يمتلكها العراق عضو منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) يعيش كثير من العراقيين حالة من الفقر والعوز بسبب تفشي البطالة التي اثرت على حياة الشباب.
وقد اسفرت الاحتجاجات التي انطلقت في الأول من أكتوبر تشرين الأول في بغداد وباقي المحافظات، عن سقوط العشرات من الشهداء والجرحى في صفوف المتظاهرين والقوات الامنية وهو ما اكدته بعض المصادر الرسمية ، ويرى بعض المراقبين، ان هذه المظاهرات غيّرت المعادلات السياسية، ودفعت جميع القوى الى اعتماد اصلاحات وقرارات جديدة من اجل انهاء هذه الازمة، حيث قال الرئيس العراقي برهم صالح وبحسب بعض المصادر، إن رئيس الوزراء عادل عبد المهدي مستعد للاستقالة بشرط اتفاق الكتل الرئيسية بالبرلمان على بديل لكن عشرات الآلاف من المحتجين قالوا إن استقالته لن تكون كافية. وتدفق محتجون من مختلف الطوائف والأعراق على ساحة التحرير ببغداد للتعبير عن غضبهم من نخبة يرونها غارقة في الفساد وخاضعة لنفوذ قوى خارجية ومسؤولة عن المعاناة اليومية والحرمان وتردي حالة الخدمات العامة. ويواجه رئيس الوزراء صعوبة في تلبية مطالب المحتجين رغم تعهده بإصلاحات وإجراء تغيير وزاري موسع.
وقال صالح في خطاب بثه التلفزيون على الهواء إن رئيس الوزراء ”أبدى موافقته على تقديم استقالته طالبا من الكتل السياسية التفاهم على بديل مقبول وذلك في ظل الالتزامِ بالسياقات الدستورية والقانونية وبما يمنع حدوث فراغ دستوري“. وقال الرئيس إنه لا يمكن إجراء انتخابات إلى أن يتم إقرار قانون الانتخابات الجديد مضيفا أن من المتوقع طرح مشروع القانون بالبرلمان. واستغرقت المفاوضات أكثر من ستة أشهر قبل تعيين عبد المهدي قبل عام ولن يكون اتفاق الكتل البرلمانية على بديل له مهمة سهلة.
المرجعية والتظاهرات
وفي هذا الشأن وبحسب بعض المصادر،دعت المرجعية الدينية بالنجف الاشرف على لسان ممثلها في مدينة كربلاء المقدسة السيد أحمد الصافي، الى اجراء الاستفتاء العام على الدستور واجراء الانتخابات الدورية لمجلس النواب. وقالت المرجعية : انه مع استمرار الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالإصلاح في بغداد وعدد آخر من المحافظات شهدنا صدامات جديدة مؤلمة ومؤسفة بين الاحبة المتظاهرين والمعتصمين وبين رجال الأمن وغيرهم، وقد اسفرت عن سفك مزيد من الدماء البريئة وتعرض اعداد كبيرة من الجانبين لإصابات مختلفة، وتزامن ذلك مع الاعتداء بالحرق والنهب على العديد من الممتلكات العامة والخاصة.
وأضافت ان “الدماء الزكية التي سالت خلال الاسابيع الماضية غالية علينا جميعاً ومن الضروري العمل على منع اراقة المزيد منها، وعدم السماح ابداً بانزلاق البلد الى مهاوي الاقتتال الداخلي والفوضى والخراب، وهو ممكن اذا تعاون الجميع على حلّ الازمة الراهنة بنوايا صادقة ونفوس عامرة بحب العراق والحرص على مستقبله.
وجددت المرجعية الدينية التأكيد على موقفها المعروف من ادانة التعرض للمتظاهرين السلميين وكل انواع العنف غير المبرر، وضرورة محاسبة القائمين بذلك، وتشدّد على الجهات المعنية بعدم الزجّ بالقوات القتالية بأيّ من عناوينها في التعامل مع الاعتصامات والتظاهرات السلمية، خشية الانجرار الى مزيد من العنف. وأشارت الى ان احترام ارادة العراقيين في تحديد النظام السياسي والاداري لبلدهم من خلال اجراء الاستفتاء العام على الدستور والانتخابات الدورية لمجلس النواب هو المبدأ الذي التزمت به المرجعية الدينية وأكدت عليه منذ تغيير النظام السابق، واليوم تؤكد على ان الاصلاح وإن كان ضرورة حتمية ـ كما جرى الحديث عنه اكثر من مرة ـ
الا أن ما يلزم من الاصلاح ويتعين اجراؤه بهذا الصدد موكول أيضاً الى اختيار الشعب العراقي بكل اطيافه والوانه من اقصى البلد الى اقصاه، وليس لأي شخص أو مجموعة أو جهة بتوجه معين أو أي طرف اقليمي أو دولي أن يصادر ارادة العراقيين في ذلك ويفرض رأيه عليهم. وأختتم البيان بالقول “اننا نناشد جميع الاطراف بأن يفكروا بحاضر العراق ومستقبله ولا تمنعهم الانفعالات العابرة أو المصالح الخاصة عن اتخاذ القرار الصحيح بهذا الشأن مما فيه خير هذا البلد وصلاحه وازدهاره والله الهادي الى الصواب وهو ولي التوفيق”.
تظاهرات مستمرة
على صعيد متصل احتشد عشرات الآلاف من العراقيين في ساحة التحرير وهذا هو أكبر تجمع في العاصمة منذ بدء الموجة الثانية من التظاهرات المناوئة لحكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، والنخبة الحاكمة. وأطلقت قوات الأمن المتمركزة على جسر الجمهورية القريب، الغاز المسيل للدموع على المحتجين الذين حاولوا اقتحام المنطقة الخضراء شديدة الحراسة، التي تضم المباني الحكومية والبعثات الأجنبية.
واكتظت الشوارع المحيطة بالسيارات الخاصة وسيارات الأجرة والدراجات النارية ومركبات "التوك توك"، مع تدفق مزيد من الأشخاص صوب الساحة. وكانت نقابات عمالية قد أعلنت أنها ستدعو لإضرابات، لتحذو بذلك حذو نقابتي المحامين والمعلمين.
الى جانب ذلك قالت منظمة العفو الدولية إن خمسة متظاهرين قُتِلوا في بغداد بقنابل مسيلة للدموع "اخترقت جماجمهم"، داعية العراق إلى إيقاف استخدام هذا النوع "غير المسبوق" من القنابل التي يبلغ وزنها 10 أضعاف وزن عبوات الغاز المسيل للدموع التي تُستخدم عادة. وهذه القنابل المصنوعة ببلغاريا وصربيا هي من "نوع غير مسبوق" و"تهدف إلى قتل وليس إلى تفريق" المتظاهرين، بحسب المنظمة.
وتُظهر مقاطع فيديو صوّرها ناشطون، شبابا ممددين أرضا وقد اخترقت قنابل جماجمهم، في وقت كان دخان ينبعث من أنوفهم وعيونهم ورؤوسهم. كما تُظهر صور أشعة طبية، قالت منظمة العفو إنها تأكدت منها، قنابل اخترقت بالكامل جماجم متظاهرين. وتزن عبوات الغاز المسيل للدموع التي عادة ما تستخدمها الشرطة بأنحاء العالم ما بين 25 و50 غراما -بحسب منظمة العفو- لكن تلك التي استُخدمت ببغداد "تزن من 220 إلى 250 غراما" وتكون قوتها أكبر بعشر مرات عند إطلاقها.
وقال طبيب في بغداد لوكالة الأنباء الفرنسية إنه رأى "للمرة الأولى" إصابات ناجمة عن هذا النوع من القنابل. وأضاف الطبيب أنه عند وصولهم إلى المستشفى "نعلم أن المصابين أصيبوا بقنابل من خلال الرائحة.. وإذا كانوا لا يزالون على قيد الحياة، نبحث عن الجرح لإخراج القنبلة". وتابع "واضح أن التأثيرات مباشرة وليست ناجمة عن ارتداد قنابل تطلق على الأرض". ونقلت منظمة العفو عن طبيب آخر في مستشفى قريب من ساحة التحرير قوله إنه يستقبل "يوميا ستة إلى سبعة مصابين بالرأس" بفعل تلك القنابل.
حراك سياسي
في السياق ذاته أعلن رئيس البرلمان محمد الحلبوسي وكما نقلت بعض المصادر، عن إلتزامه الكامل بالخارطة التي وضعتها المرجعية بشأن مطالب المتظاهرين، مؤكدا أن مجلس النواب سيكوم في حالة انعقاد دائم للإسراع بتنفيذها، فيما تعهد بتحقيق مطالب الشعب دون ضغط خارجي ودون فرض إرادات شخصية أو حزبية. وقال الحلبوسي في بيان ، “في هذه الأيام المصيرية والأحداث المتسارعة في بلدنا العزيز وصيحات الإصلاح المتدفقة من حناجر المتظاهرين في محافظاتنا في ساحات التآخي والإيثار؛ نؤكد التزامنا الكامل بالخارطة التي وضعتها المرجعية الرشيدة”، مؤكدا أن “المرجعية أثبتت مرة بعد أخرى أنها صمام أمان للعراق، وعنوان وحدته، والمدافع الأمين عن حقوق جميع مكوناته، المرجعية الحكيمة التي نستضيء بهدى توجيهاتها في الشدائد والملمات بعد الاستعانة بالله تعالى”.
وأضاف، “سيكون مجلس النواب أيها الشعب الكريم في حالة انعقاد دائم، يواصل ليله بنهاره؛ من أجل الإسراع بتنفيذ هذه الخارطة التي نظمت وأكملت مسيرة متطلباتكم بعراق حر وسيد ينعم أبناؤه جميعهم في ظله بالخير والرفاهية والأمن والأمان”. وقال، “سنعمل بجد واجتهاد على إجراء كل التعديلات الدستورية بالشراكة مع ممثلين عن المتظاهرين والنخب و الخبراء والأكاديميين المحترمين ممن يعيشون الواقع العراقي بتفاصيله؛ ليحددوا مكامن الخلل ومواطن الإصلاح؛ من أجل تشخيص الخطوات المطلوبة التي توصلنا إلى الإصلاح المنشود”.
وتابع، “نعمل كمجلس نواب جميعا بشكل مكثف ومتواصل من هذه الليلة من أجل الشعب ومطالبه، دون ضغط خارجي إقليميا كان أو دوليا، ودون فرض إرادات شخصية أو حزبية؛ لنعيد زهو العراق ومجده، ولنعطي هذا الجيل فرصته برسم مستقبله، والمساهمة في إصلاحه وبنائه بوحدته وبكلمته وبمحض إرادته”.
من جانبه قال رئيس تحالف الفتح هادي العامري ان الحل الحقيقي للازمة العراقية يكمن في ضرورة اعادة صياغة العملية السياسية من جديد تحت سقف الدستور. وجاء حديث العامري في رسالة قال فيها: بسم الله الرحمن الرحيم، مع احترامي الشديد لكل المبادرات السياسية الصادقة والمخلصة لإيجاد حلٍ لمطاليب الشعب العراقي والتي عبر عنها ابنائنا المتظاهرون، نرى الحل الحقيقي يكون في ضرورة اعادة صياغة العملية السياسية من جديد تحت سقف الدستور ومن خلال اجراء تعديلات دستورية جوهرية، فالنظام البرلماني ثبت فشله ولم يعد يجدي نفعا ولذلك لابد من تعديله الى نظام آخر يناسب وضعنا. كما ان الحكومات المحلية "مجالس المحافظات والمحافظين" هي الأخرى ثبت فشلها أيضا ولابد من إلغاء مجالس المحافظات وان يكون انتخاب المحافظ مباشرة من قبل الشعب.
الى جانب ذلك اكد عضو مجلس النواب عن تحالف سائرون سلام الشمري ، ان الجلسة المقبلة للبرلمان جلسة مهمة وسيتحدد بها الوصول لموقف سياسي من رئيس الوزراء عادل عبد المهدي ، فيما اشار الى ان كتلته ستمضي بسحب الثقة عن عبد المهدي ان لم يحضر الجلسة . وقال الشمري في بيان، إن” كتلته ومنذ البداية اعلنت موقفها من المطالب المشروعة لعموم الشعب وضرورة تنفيذها دون تاخير “.
واضاف النائب عن سائرون، ان “مواجهة المتظاهرين السلميين بقوة وعنف امر مرفوض ولايمكن القبول به والسكوت عنه”، مشددا على “ضرورة ان ياخذ القضاء دوره بالتحقيق وكشف المسؤولين عن سقوط المئات من الضحايا واصابة الالاف وتقديمهم لمحاكمة علنية”. واشار الشمري الى ، أن “سائرون مع سحب الثقة عن عبد المهدي إن لم يحضر الجلسة المقبلة الى البرلمان واختيار بديل تكنوقراط”. يذكر ان مجلس النواب العراقي قد رفع جلسته المنعقدة، الخميس الماضي، لحين حضور رئيس مجلس الوزراء للاطلاع على تداعيات التظاهرات السلمية واحداث العنف التي رافقتها.
من جانب اخر قرر اعضاء في البرلمان العراقي وكما نقلت بعض المصادر، تشكيل جبهة مستقلة تتولى مهمة دعم مطالب المحتجين في محافظات وسط وجنوب البلاد، في ظل استمرار موجة الاحتجاجا ت الثانية ضد الحكومة للأسبوع الثاني على التوالي. وقال العضو في البرلمان العراقي عبد الامير المياحي، إن "اعضاء جبهة التصحيح البرلمانية ليسوا متحزبين، وستتولى الجبهة دعم جميع مطالب المتظاهرين وفقا للدستور". ولم يكشف المياحي عن عدد اعضاء "الجبهة"، مؤكدا ان "باب الانضمام اليها مفتوح".
ووفقا للمهام التي ستتولى الجبهة القيام بها بحسب وثيقة رسمية صادرة عنها، "ستعمل على الزام البرلمان باتخاذ الخطوات اللازمة لاجراء التعديلات الدستورية خلال 3 أشهر وان تكون هناك مشاركة من ذوي الخبرة والكفاءات العملية والقانونية في التعديلات الدستورية". وتتضمن المهام ايضا "التوزيع العادل للثروات ومنها النفط والغاز بالاضافة الى "دعم القضاء في اتخاذ الاجراءات الفورية بحق كبار الفاسدين والزام الأحزاب السياسية بالكشف عن مصادر تمويلها".
ومنذ بدء الاحتجاجات، تبنت حكومة عادل عبد المهدي، عدة حزم إصلاحات في قطاعات متعددة، لكنها لم ترض المحتجين، الذين يصرون على إسقاطها. ويسود استياء واسع في البلاد من تعامل الحكومة العنيف مع الاحتجاجات، فيما يعتقد مراقبون أن موجة الاحتجاجات الجديدة ستشكل ضغوطا متزايدة على حكومة عبد المهدي، وقد تؤدي في النهاية إلى الإطاحة بها.
اضف تعليق