يواجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبإضافة الى المشكلات والصراعات الخارجية تحديات وازمات داخلية كبيرة سياسية واقتصادية، اسهمت وبحسب بعض المراقبين بزيادة الضغوط على الرئيس، ودفعت بعض الجهات المعارضة الى تحقيق مكاسب اضافة، فقد مني حزب روسيا المتحدة الحاكم الذي يدعم بوتين بخسائر كبيرة في انتخابات...
يواجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبإضافة الى المشكلات والصراعات الخارجية تحديات وازمات داخلية كبيرة سياسية واقتصادية، اسهمت وبحسب بعض المراقبين بزيادة الضغوط على الرئيس، ودفعت بعض الجهات المعارضة الى تحقيق مكاسب اضافة، فقد مني حزب روسيا المتحدة الحاكم الذي يدعم بوتين بخسائر كبيرة في انتخابات برلمان مدينة موسكو التي جرت مؤخرا وخسر فيها أكثر من ثلث مقاعده، عقب حملة قمع شنتها الشرطة لاحتجاجات مناهضة للحكومة خلال الصيف. ولكن ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الرئيس فلاديمير بوتين قلل من حجم الخسائر وأشار الى انتخابات محلية وإقليمية أخرى جرت في أنحاء أخرى من روسيا حقق فيها الحزب الحاكم "نجاحاً كبيراً".
واندلعت الاحتجاجات في موسكو بعد حظر عدد من كبار شخصيات المعارضة من الترشح في انتخابات المدينة، إلا أن نطاقها توسع بعد رد السلطات القاسي عليها. وكان المرشحون المدعومون من الكرملين حصلوا في الانتخابات الماضية على 38 مقعدا في مجلس موسكو المؤلف من 45 مقعدا، إلا أنهم لم يتمكنوا من الحصول سوى على 25 مقعدا في الانتخابات الاخيرة.
وقال زعيم المعارضة اليكسي نافالني الذي دعا إلى أول احتجاجات هذا الصيف بعد حظر حلفائه من المشاركة في الانتخابات، إن خسائر الحزب الحاكم تعود إلى خطته ل"التصويت الذكي". ودعت تلك الخطة سكان موسكو الى التصويت للسياسيين الأكثر قدرة على هزيمة المرشحين الموالين للكرملين مهما كان الحزب الذي ينتمون له.
واستفاد من ذلك الحزب الشيوعي الذي حصل على 13 مقعدا، بارتفاع خمسة مقاعد عن السابق، وحزب "بابلوكو" الليبرالي، وحزب "روسيا العادلة"، حيث حصل كل حزب على ثلاثة مقاعد. ويأتي التغيير في برلمان المدينة وسط ركود الاقتصاد وتدني مستويات المعيشة وهبوط في شعبية الرئيس فلاديمير بوتين. وكتب نافالتي على تويتر بعد صدور نتائج موسكو "لقد حاربنا معا من أجل تحقيق ذلك. أشكر الجميع على مساهمتهم".
وقالت ليوبوف سوبول التي أصبحت زعيمة للاحتجاجات بعد حظر ترشحها في الانتخابات، إن التصويت "سيدخل التاريخ بفضل شجاعة وعزم سكان موسكو وجُبن ولؤم" إدارة المدينة. وقال رئيس بلدية موسكو سيرغي سوبيانين، الحليف المقرب من بوتين، إن الانتخابات كانت "عاطفية وتنافسية بحق"، مضيفا أن التنوع سيكون "مفيدا" لبرلمان المدينة. وشهد حزب "روسيا الموحدة" الذي تشكل في العام 2001 لدعم بوتين، انهيارا في شعبيته في السنوات الأخيرة.
وجاءت نتائج الانتخابات في الوقت الذي دعت مفوضة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة إلى التحقيق في الاستخدام المفرط للقوة من قبل الشرطة الروسية ردا على الاحتجاجات. ووصف محللون الانتخابات المحلية بأنها اختبار قبل الانتخابات البرلمانية العامة المقررة في 2021 لقدرة المعارضة على حشد الدعم، واستعداد السلطات لتحمل الانشقاق.
هستيريا الكرملين
وفي هذا الشأن أطلقت الشرطة الروسية حملة مداهمات واسعة في كافة أنحاء روسيا ضد أنصار المعارض الرئيسي للكرملين أليكسي نافالني الذي قاد هذا الصيف تحركا احتجاجيا واسعا قبل الانتخابات المحلية التي جرت في موسكو مؤخرا. وقال نافالني في رسالة نشرت على موقعه على خلفية ما اعتبره نكسة منيت بها السلطة في الانتخابات المحلية في موسكو إنها "أكبر عملية للشرطة في تاريخ روسيا الحديثة". وخسر مرشحو الكرملين نحو ثلث المقاعد.
وقال نافالني (43 عاما) الذي استهدفت مؤسسته هذا الصيف بتحقيق بتهمة "تبييض أموال" إن أكثر من 200 عملية مداهمة جرت في ما لا يقل عن 41 مدينة في البلاد حيث ينشط انصاره. وأوضح ليونيد فولكوف الذراع اليمنى لنافالني أن العملية طاولت "شقق المنسقين والمكاتب وأيضا منازل معاونين ومتطوعين ناشطين". وتدخلت الشرطة في مدن نيجني ونوفغورود وفلاديفوستوك وكازان ونوفوسيبيرسك وسان بطرسبرغ وكالينينغراد.
وفي اكاترينبورغ في الأورال أظهرت مشاهد نشرها الاعلام المحلي شرطيين ملثمين يقطعون الطريق للوصول إلى المكتب المحلي للمعارض. وفي بيرم أكد ناشطون أن قوات الأمن دخلت إلى المكاتب من النافذة. وعلى حسابه على تويتر قال نافالني إن الشرطيين كانوا موجودين أيضا أمام مكتبه في موسكو. ونفذت عملية دهم في مقاره واستوديو التسجيل التابع لفريقه. ويرى مناصرو المعارض أن هذه العملية رد على حركة الاحتجاج التي هزت موسكو هذا الصيف والتي تعد غير مسبوقة منذ 2012.
ونظمت تظاهرات كل نهاية أسبوع منذ منتصف تموز/يوليو احتجاجا على استبعاد مرشحي المعارضة من الانتخابات لتجديد برلمان موسكو. واستبعد جميع المرشحين من حلفاء نافالني من الاقتراع. وفي صناديق الاقتراع ترجم ذلك بنكسة كبيرة لمرشحي الكرملين في العاصمة حيث خسروا ثلث مقاعدهم مقارنة مع الانتخابات السابقة. ودعا نافالني الناخبين إلى "التصويت بذكاء" ودعم المرشحين الأوفر حظا لهزيمة مرشحي الكرملين وخصوصا الشيوعيين. وقال "لماذا هذه الهستيريا؟ كلمتان: صوتوا بذكاء"، موضحا أن الشرطة تقوم بعمليات تفتيش في أكثر من مئتي عنوان في 41 مدينة في روسيا.
من جهته أعلن ألكسندر غولوفاش أحد محامي صندوق مكافحة الفساد الذي أسسه أليكسي نافالني "بالنسبة إلى الشرطة، الطريقة الوحيدة للرد على هذه التظاهرات الضخمة كان شن حملة مداهمات ضخمة". وذكر ليونيد فولكوف أن هذه المداهمات مرتبطة أيضا بتحقيق حول تبييض مفترض قام به صندوق نافلني لمبلغ مليار روبل (14 مليون يورو). وكانت السلطات فتحت هذا الملف مطلع آب/أغسطس في أوج التظاهرات في موسكو. بحسب فرانس برس.
ووصفت كيرا يارميش المتحدثة باسم نافالني هذه العملية بانها "عمل ترهيب" و"سرقة" لشل عمل منظمته. كما أشارت إلى أنه تم تجميد حسابات المكاتب الاقليمية لفريق نافالني. وأعلنت حركة "غولوس" المستقلة المتخصصة في مراقبة الانتخابات في روسيا أن عمليتين للشرطة استهدفتا موظفيها في المنطقة. وكتبت صحيفة "ذي بل" أن هذه المداهمات ترمي إلى منع تطور منظمة نافالني في الضواحي تجنبا لخيبات الأمل الانتخابية على غرار تلك التي حصلت في موسكو.
ثورة صامتة
الى جانب ذلك دافعت عشرات الشخصيات النافذة في الكنيسة الارثوذكسية الروسية عن المتظاهرين المعارضين الذين أدانهم القضاء، في مبادرة أخذت السلطات في البلاد على حين غرة، وشكلت كسراً للتحالف التقليدي بين الكنيسة والسلطة في روسيا. ويرى خبراء في الشؤون الدينية أن هذه الخطوة مؤشر على ثورة صامتة داخل الكنيسة الروسية الغامضة. وهي أيضاً مؤشر على وصول جيل جديد من الكهنة، لا يخشون انتقاد مسؤوليهم.
وفي رسالة مفتوحة طلب نحو 150 رجل دين من المحاكم إعادة النظر في الإدانات "القمعية" التي أصدرتها بحقّ ستة أشخاص اتهموا خصوصاً بـ"ممارسة العنف" ضد الشرطة خلال تظاهرات في موسكو هذا الصيف. واعتبروا في الرسالة أن تلك العقوبات بالسجن لسنوات عديدة "أشبه إلى أسلوب لتخويف الروس"، مؤكدين أنهم يريدون "التعبير عن أملهم في أن يعيش المواطنون الروس وهم على ثقة بالنظام القضائي". ونشر الموقعون رسالتهم بدون موافقة قيادتهم وبدون موافقة البطريرك كيريل النافذ والداعم الوفي لفلاديمير بوتين.
ويؤكد الأب قسطنطين موموتوف راعي كنيسة فولغوغراد (جنوب) أن المبادرة هي "ببساطة" عبارة عن "دعم مسيحي لأشخاص هم بحاجة إليه". وتابع "إذا رأيت أن أحداً ما بحاجة للمساعدة، فأنا كرجل دين، أريد المشاركة بذلك". من جهته، يقول الأب يفغيني لاباييف من تيومين في سيبيريا إن "الإجراءات التي اتخذتها السلطات والمحاكم تفرط في قسوتها". ورحب العديد من الروس بهذه الرسالة التي تمت مشاركتها بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي، على الرغم من أن البعض اعتبر أنها جاءت متأخرة.
واعتبرت صحيفة "فيدوموستي" أنها "خطوة شجاعة ومسيحية بعمق (...) انتظرها المجتمع منذ وقت طويل". وأكدت كسينيا لوتشينكو المتخصصة بشؤون الكنيسة الارثوذكسية الروسية بأن المبادرة "لم تكن متوقعة على الإطلاق"، موضحةً أن البلاد "لم تشهد خطوة مماثلة منذ سنوات". وأضافت أن رجال الدين الموقعين على الرسالة "نجحوا في التوحد بدون توجيهات الكنيسة". ولم يعلق أي مسؤول كبير في الكنيسة على الرسالة، لكن المجمع الكنسي نشر بياناً أكد فيه أن موقعي الرسالة لا يملكون معرفة كافية في القانون تسمح لهم بالتعليق على الأحكام الصادرة بحق المعارضين.
وما يميز هذه الرسالة هو تنوع خلفيات الموقعين. وإلى جانب رجال دين ليبراليين معروفين من موسكو وآخرين من الخارج، وقع الرسالة العديد من رجال الدين المنخفضي الرتب من كافة المناطق الروسية. وبحسب الخبير الديني الروسي رومان لوكين، فإن هؤلاء الكهنة الذين يخاطرون بـ"مناهضتهم للنظام"، محبطون من التوجه الذي تتخذه الكنيسة منذ عدة سنوات. ورأى أنها "ثورة في الكنيسة"، يقودها بشكل رئيسي رجال دين تراوح أعمارهم بين الأربعين والخمسين. وأوضح أنهم "لا يحبذون كون الكنيسة مقربة جداً من السلطات. ويقولون إن ذلك يضر بمهمتهم التبشيرية عند الشباب". ولفت بعضهم الأنظار هذا الصيف في موسكو بسماحهم للمتظاهرين بالاختباء في الكنائس هرباً من الشرطة.
ويؤكد ديميتري سفيردلوف، وهو كاهن سابق فقد رتبته بعدما تحدث ضد قيادة الكنيسة في 2012، أن موقعي الرسالة سيدفعون "حتما" الثمن. ويضيف أن "النظام الكنسي يتطلب طاعة تامة"، كما أن للكنيسة "موارد هائلة" تتيح لها إسكات المنتقدين في صفوفها، الذين يطلق عليهم البطريرك كيريل اسم "خونة بملابس الرهبان". ورأى أنه يمكن أن يتم خصوصاً تخفيض المخصصات المالية لهؤلاء الكهنة إلى "الحد الأدنى للمعيشة". بحسب فرانس برس.
من جهتها، ترى كسينيا لوتشينكو أن البطريرك كيريل ينتظر رد السلطات على الحراك الاحتجاجي الحالي ضد القمع والذي تقوده العديد من شخصيات المجتمع المدني والثقافي، قبل أن يقرر موقفه. وأيا تكن العواقب، يشكل خروج أولئك الكهنة عن صمتهم "تغييراً هاماً" في بلد يؤكد 71 بالمئة من مواطنيه أنهم تابعون للكنيسة الارثوذكسية بحسب دراسة لعام 2017 لمركز "بيو" للأبحاث. وقالت لوتشينكو، أن هذا الموقف يثبت أن رجال الدين "مستعدون للمخاطرة من أجل الناس".
اضف تعليق