يتطلَّب فهم علاقات تركيا المُتقلِّبة مع الولايات المتحدة فهماً للعتاد العسكري المتطور. والحكومة التركية على وشك شراء منظومة صواريخ الدفاع الجوي الروسية S-400، الأمر الذي يثير غضب إدارة الرئيس دونالد ترامب، التي تجادل بأنَّ ضم هذا السلاح إلى ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي....
صفقة صواريخ S-400 الروسية التي تصر انقرة على اتمامها يمكن ان تسهم وبحسب بعض المراقبين، في نشوب ازمة جديدة بين تركيا والولايات المتحدة الأميركية التي رفضت اتمام هذه الصفقة ولوحت بعقوبات في وجه تركيا بسبب اقتناء هذه المنظومة. صحيفة The Washington Post الأمريكية وكما نقلت بعض المصادر، رصدت في تقريرخاص أهم النقاط الخلافية بين البلدين الحليفين في حلفاء شمال الأطلسي الناتو.
وقالت يتطلَّب فهم علاقات تركيا المُتقلِّبة مع الولايات المتحدة فهماً للعتاد العسكري المتطور. والحكومة التركية على وشك شراء منظومة صواريخ الدفاع الجوي الروسية S-400، الأمر الذي يثير غضب إدارة الرئيس دونالد ترامب، التي تجادل بأنَّ ضم هذا السلاح إلى ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي (الناتو) قد يساعد موسكو على جمع معلومات استخباراتية حساسة. ورداً على ذلك، هدَّدت الولايات المتحدة بفرض عقوبات على تركيا وطردها من برنامج مقاتلات F-35. وهنا اعتمد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على العلاقة مع ترامب لحل الخلافات الثنائية الأخرى. لكن في ظل تمسُّك الكونغرس بموقفه المُعارِض لصفقة S-400، هناك خطر كبير من أنَّ العقوبات قد تُدخِل تركيا في اضطرابٍ اقتصادي جديد.
وبحسب الصحيفة الأمريكية تملك منظومة S-400، المعروفة أيضاً داخل الناتو باسم SA-21 Growler، رادارات متطورة ولا تتوافق مع تكنولوجيا الناتو. وسيُمثِّل نشر المنظومة في تركيا مزيداً من التقدُّم في مساعي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لهندسة دور أكبر في الشرق الأوسط. ويُعَد مبعث القلق الأكبر لدى الولايات المتحدة هو إمكانية استخدام المنظومة الروسية لجمع معلومات استخباراتية بشأن قدرات التخفِّي الخاصة بمقاتلات F-35. وهناك سوابق لذلك. تستضيف تركيا قاعدة إنجرليك الجوية، التي تُستخدَم في العمليات الأمريكية ضد تنظيم داعش، وقبل عقود من ذلك، كانت تُمثِّل موقع العمل الرئيسي لطائرة التجسس الأمريكية U-2، إلى أن أُسقِطَت طائرة الطيار الأمريكي فرانسيس غاري باورز فوق الاتحاد السوفيتي في حادثة شهيرة وقعت عام 1960.
يقول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنَّ حلفاء تركيا الغربيين لم يُزوِّدوا بلاده بالدفاعات الضرورية في وجه التهديدات الصاروخية من دول الجوار إيران والعراق وسوريا. وأحبطت الولايات المتحدة لسنوات بيع منظومة الدفاع الجوي باتريوت لتركيا وتقاسم تكنولوجيا المنظومة في نفس الوقت. وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، أخطرت الخارجية الأمريكية الكونغرس أنَّها اقترحت السماح بعملية البيع، في مناورة تهدف على ما يبدو لإلغاء أردوغان صفقة S-400. لكنَّ تركيا لم تتحرك، واستشهدت بالغموض المحيط بنقل التكنولوجيا والجدول الزمني للتسليم. ويعكس ترددها كذلك رغبة تركيا في دورٍ مستقل على نحوٍ متزايد في السياسات الإقليمية، ورغبتها في علاقاتٍ اقتصادية مع روسيا، التي ترسل الغاز الطبيعي والكثير من السياح والمنتجات الزراعية إلى تركيا.
وحذَّرت الولايات المتحدة تركيا من أنَّها قد تواجه الطرد من برنامج شركة Lockheed Martin الخاص بمقاتلات F-35. وكان من المقرر أن تنتج الشركات التركية أجزاء من المقاتلة، واعتزم سلاح الجو التركي شراء نحو 100 طائرة. لكن جرى تعليق تسليم معدات F-35 لتركيا. وأشار وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى أنَّ حجم صفقة S-400 –التي تُقدَّر بأكثر من ملياري دولار- قد يؤدي إلى فرض عقوبات على تركيا بموجب قانون ماغنيتسكي وتشريع آخر يسمح بفرض عقوبات على الكيانات التي تتعامل مع بعض مكونات الدولة الروسية. وفي المرة الأخيرة التي فرضت الولايات المتحدة عقوبات على أعضاء بالحكومة التركية، على خلفية إلقاء القبض على قس أمريكي، تسبَّب ذلك في زيادة المشكلات التي تطارد الاقتصاد التركي. وأدَّى الانهيار الذي أعقب ذلك في قيمة العملة في التسريع بأول ركود تشهده البلاد منذ عقدٍ من الزمن.
والكثير من القضايا. فتعرَّض التحالف الممتد على مدار ستة عقود بين البلدين إلى التأزُّم بسبب الدعم الأمريكي لميليشيا كردية سورية تعتبرها تركيا عدواً، ورفض واشنطن تسليم فتح الله غولن، الداعية التركي الذي يعيش في المنفى بولاية بنسلفانيا الأمريكية وتتهمه السلطات بتدبير انقلاب فاشل عام 2016. وتسبَّب اعتقال تركيا للقس الأمريكي أندرو برونسون إلى جانب موظفين في البعثات الدبلوماسية الأمريكية في تركيا على خلفية مزاعم بالتورط في المحاولة الانقلابية أو اتهامات مرتبطة بالإرهاب في تأجيج الأمور أكثر.
عقوبات أمريكية
وفي هذا الشأن يبدو وعلى نحو متزايد أن آمال تركيا في تجنب عقوبات أمريكية بعد شراء نظام دفاع جوي صاروخي روسي معلقة على تدخل من دونالد ترامب، لكن الرئيس الأمريكي ليست لديه فرصة تذكر للتصدي لمنتقدي أنقرة الكثيرين في واشنطن. ودار سجال استمر شهورا بين الدولتين العضوين في حلف شمال الأطلسي حول طلب تركيا شراء بطاريات الدفاع الصاروخي إس-400 التي تقول واشنطن إنها لا تتوافق مع الشبكة الدفاعية للحلف وإنها ستمثل خطرا على الطائرات الأمريكية المقاتلة إف-35 الشبح التي تعتزم تركيا شراءها أيضا.
وحذر وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو وعدد من الأعضاء البارزين في مجلس الشيوخ الأمريكي تركيا من أنها ستواجه عقوبات بسبب شراء الصواريخ إس-400 بمقتضى قانون يفرض عقوبات على الدول التي تسعى لشراء معدات عسكرية من روسيا. وتقول تركيا إنها باعتبارها عضوا في حلف شمال الأطلسي لا تمثل خطرا على الولايات المتحدة وإن العقوبات لا تنطبق عليها. وقال مسؤول تركي كبير ”تتوافر لدينا مؤشرات على أن ترامب يضغط من أجل موقف أكثر إيجابية من موقف الكونجرس“. وأضاف ”ربما تكون هناك بالتأكيد بعض الخطوات التي ستتخذ لكن البحث عن أرضية مشتركة سيستمر“.
وقال المتحدث باسم أردوغان إبراهيم كالين إنه سمع تعهد ترامب خلال اتصال هاتفي مع الرئيس التركي قبل شهرين بأنه سيسعى للتوصل إلى حل للمشكلة. وصور مسؤولون آخرون الرئيس الأمريكي على أنه يبدي تعاطفا مع تركيا. وقال مسؤول تركي كبير آخر إن المحادثات ”كانت أكثر إيجابية من المتوقع“ وإن الأمريكيين أبدوا ”نبرة أهدأ“ من التي يستخدمونها في العلن. ولم يضغط ترامب على تركيا في الأسابيع الأخيرة. وحتى إذا حصلت تركيا على دعمه فإن الوصول إلى أرضية مشتركة قد لا يكون سهلا.
من جانب اخر اكد وزير الدفاع الاميركي بالوكالة باتريك شاناهان إن "موقفنا لم يتغير" مؤكدا عدم تسليم تركيا الطائرات الشبح اف-35 إذا لم تتخل عن المنظومة الدفاعية الروسية المضادة للصواريخ من طراز "اس-400". وصرح لصحافيين إن "موقفنا لم يتغير" موضحا أنه إذا قررت أنقرة تفعيل المنظومة الروسية، فلن تقوم الولايات المتحدة بتسليمها الطائرات المقاتلة خلال الصيف كما كان مقررا.
لكن شركات تركية شاركت منذ إطلاق البرنامج في تصنيع المقاتلة، بما في ذلك أجزاء من معدات الهبوط وغيرها. وسيعني خروج أنقرة من البرنامج تصنيع هذه الأجزاء بواسطة شركات أخرى. وتابع شاناهان "إذا ارتأت تركيا أن منظومة اس-400 قرار تريد المضي فيه قدما، فسنكون بحاجة إلى نقل التصنيع من تركيا" موضحا أنه التقى مسؤولين في مجموعتي "لوكهيد مارتن" و"يونايتد تكنولوجيز" لبحث الخيارات الممكنة. بحسب فرانس برس.
وقد حضت واشنطن تركيا على الاختيار بين منظومة الدفاع الروسية والطائرات المقاتلة من طراز اف-35، التي تريد تركيا الحصول على 100 منها. وتم تسليم طائرتين في حزيران/يونيو 2018 لكنهما بقيتا في الولايات المتحدة، رسميا لتدريب الطيارين الأتراك. ولم يحدد البنتاغون مطلقا أي موعد لتسليم هذا النوع من المقاتلات إلى تركيا، كما قرر مطلع نيسان/أبريل تعليق عملية تسليم المعدات الأرضية المتعلقة باستخدام هذه المقاتلة المصممة للتواصل في الوقت الفعلي مع الانظمة العسكرية التابعة لحلف الاطلسي، بما في ذلك منظومات الدفاع الصاروخي. وتشعر الولايات المتحدة بالقلق من احتمال أن تستخدم التكنولوجيا الموجودة في بطاريات اس-400 لجمع البيانات التكنولوجية في الطائرات العسكرية التابعة لحلف الاطلسي، وأن تتمكن روسيا من الاطلاع عليها.
تحذيرات تركية
وفي أقوى تحد حتى الآن للتحذيرات من احتمال استبعاد تركيا من مشروع الطائرات إف-35 قال الرئيس رجب طيب أردوغان إن المشروع سينهار إذا لم تشارك تركيا. وفي حين حذرت واشنطن من عقوبات أمريكية محتملة إذا مضت أنقرة في اتفاقها مع روسيا فإن تركيا قالت إنها لن تتراجع عن الصفقة
قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن مشروع طائرات إف-35 المقاتلة سيكون محكوم عليه بالانهيار بدون مشاركة تركيا وسيكون من الظلم استبعاد أنقرة منه بسبب اعتزامها شراء منظومة دفاع جوي روسية. وقال أردوغان متحدثا في معرض للصناعات الدفاعية إن الذين يحاولون استبعاد تركيا من مشروع طائرات إف-35 لم يفكروا في العملية وأن حلفاء أنقرة تجاهلوا احتياجاتها الدفاعية.
وقال أردوغان ”لن نلتزم الصمت بالتأكيد إزاء تجاهل حقنا في الدفاع عن النفس ومحاولات ضربنا حيث يسهل إيلامنا... مثل هذه الإجراءات هي التي تحدد الاتفاق على منظومة إس-400 الذي أبرمناه مع روسيا“. وقال أردوغان ”نتعرض في هذه الأيام لظلم مشابه، أو بالأحرى إلى فرض عبء ثقيل، بشأن إف-35 ... ولأكن صريحا: أي مشروع إف-35 يجري استبعاد تركيا منه سيكون مصيره الانهيار التام“. وذكر أن تركيا تعمل بنشاط كذلك على تطوير نظم دفاعها الجوي.
من جانب اخر قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار إن بلاده التي تنتمي لعضوية حلف شمال الأطلسي لا تبتعد عن التحالف العسكري باتفاقها مع روسيا على شراء منظومة إس-400 للدفاع الصاروخي. وأضاف أكار أنه يجب ألا تُستبعد أنقرة من مشروع الطائرات إف-35 بسبب شراء المنظومة. وقال إن تركيا والولايات المتحدة وأعضاء حلف شمال الأطلسي على خلاف بشأن الخطوة التي اتخذتها أنقرة لشراء منظومة إس-400 الروسية التي تقول واشنطن إنها غير ملائمة لأنظمة الحلف وقد تهدد طائرات إف-35 المنتظر أن تشتريها تركيا وأن تشارك في إنتاجها.
وفي مقابلة مع تلفزيون (إن.تي.في) قال أكار إن استبعاد بلاده من مشروع الطائرات إف-35 سيضع أعباء ”خطيرة جدا“ على بقية الشركاء بالمشروع. وأضاف ”لا يوجد بند ينص على الاستبعاد عند شراء منظومة إس-400 في هذه الشراكة. استبعادنا لمجرد رغبة دولة ما في ذلك لا يتفق مع العدالة والقوانين أو الحقوق. يجب ألا يحدث ذلك“. وقال إن تركيا كانت تحاول أن تشرح للولايات المتحدة وغيرها من الشركاء في مشروع إف-35 أن الصواريخ من طراز إس-400 لن تشكل تهديدا للطائرات وأضاف أن أنقرة اتخذت إجراءات لمنع حدوث ذلك.. بحسب رويترز.
واقترحت تركيا تشكيل مجموعة عمل مع الولايات المتحدة لتقييم تأثير منظومة إس-400 لكنها تقول إنها لم تتلق ردا بعد من المسؤولين الأمريكيين. وقال أكار إن تركيا ما زالت تدرس أحدث عرض أمريكي لبيعها أنظمة باتريوت ووصفه بأنه أكثر إيجابية من عروض واشنطن السابقة. وقالت تركيا في وقت سابق إنها تتوقع من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يصدر قرارا بإعفائها من العقوبات بشأن منظومة إس-400 بعد أن قال وزير الخارجية مايك بومبيو إن أنقرة يمكن أن تواجه ردا على الصفقة باستخدام قانون التصدي لأعداء أمريكا من خلال العقوبات.
ونقلت وكالة إنترفاكس للأنباء عن مدير الشركة الروسية الحكومية لتصدير السلاح قوله إن روسيا ستبدأ تسليم تركيا أنظمة إس-400 الصاروخية الدفاعية في يوليو تموز. وأضاف ألكسندر ميخييف مدير شركة روسوبورون إكسبورت ”تمت بالفعل مناقشة كل شيء والاتفاق عليه“. وهددت الولايات المتحدة بفرض عقوبات إذا أتمت تركيا صفقة إس-400 مع روسيا. وقالت أنقرة إن شراءها للصواريخ لا يستدعي فرض عقوبات لأن تركيا ليست خصما لواشنطن وتفي بالتزاماتها في حلف شمال الأطلسي.
اضف تعليق