تصاعد التوتر بين إيران وأمريكا بشكل كبير في الفترة الاخيرة بسبب القرارات والتهديدات المتبادلة، حيث سعت الولايات المتحدة الى تشديد العقوبات على إيران في سبيل تحجيم دورها في المنطقة واجبارها على الخضوع للقرارات الامريكية والحفاظ على امن وسلامة اسرائيل، وهو ما ترفضه ايران التي سعدت أيضا...
تصاعد التوتر بين إيران وأمريكا بشكل كبير في الفترة الاخيرة بسبب القرارات والتهديدات المتبادلة، حيث سعت الولايات المتحدة الى تشديد العقوبات على إيران في سبيل تحجيم دورها في المنطقة واجبارها على الخضوع للقرارات الامريكية والحفاظ على امن وسلامة اسرائيل، وهو ما ترفضه ايران التي سعدت ايضا الى اعتماد قرارات وتهديدات مضادة، وتصاعدت التوترات بين البلدين منذ أن قرر ترامب في مايو أيار انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي المبرم عام 2015 مع طهران وأعاد فرض العقوبات التي أصابت الاقتصاد الإيراني بالشلل. وقال ترامب إن الاتفاق لم يعالج نشاط إيران المرتبط بالصواريخ الباليستية أو ما يراه نفوذها الخبيث في المنطقة.
اثارت قلق ومخاوف الكثير من الدول التي تخشى من اندلاع صراع جديد في المنطقة، وفي هذا الشأن نشرت صحيفة التايمز مقالا افتتاحيا عن تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، تقول فيه إن "طبول حرب باردة بدأت تقرع" بين واشنطن وطهران. وتتوقع الصحيفة مواجهة خطيرة بين البلدين، وذلك مع اقتراب موعد فرض واشنطن حظرا كاملا على صادرات النفط الإيرانية.
وتضيف التايمز أن مضيق هرمز يمكن أيضا أن يصبح نقطة مواجهة، إذ أن البحرية الإيرانية كفيلة بأن تجد أساليب لعرقلة حركة ناقلات النفط من الخليج إلى الغرب. فقد أجرت طهران مناورات عسكرية بالمنطقة في شهر أغسطس/ آب. وتعرضت منشآت أمريكية في العراق إلى هجمات بالصواريخ في البصرة وبغداد. وترى الصحيفة أن هجمات إيران بالصواريخ على مواقع تنظيم داعش ليس مجرد عملية لمكافحة "الإرهاب"، وإنما تنبيه لإسرائيل وأمريكا بأن طهران مستعدة للهجوم من الجو. وتضيف أن إيران تسعى إلى "بناء الإمبراطورية الفارسية في نسخة عصرية، أما الولايات المتحدة فهدفها هو تكبيل يدي حكم الملالي".
وتقول التايمز إن الدبلوماسيين الإيرانيين لا يكادون يخفون سعادتهم العارمة بأن بريطانيا وفرنسا وألمانيا التحقت بالصين وروسيا بهدف إيجاد سبل لتجاوز العقوبات الأمريكية. وترى أن واجب الغرب اليوم هو قطع الرابط بين روسيا وإيران، وهي خلافات بين البلدين، ينبغي، حسب الصحيفة، استغلالها، بدل الانقسام.
منظمة ارهابية
أدرجت الولايات المتحدة رسميا قوات الحرس الثوري الإيراني على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية حسبما ورد في مذكرة نشرت في السجل الاتحادي الأمريكي. وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قال إنه سيتخذ هذه الخطوة الرمزية لكن غير المسبوقة. ونددت إيران على الفور بهذا الإعلان الذي أثار مخاوف من شن هجمات انتقامية على القوات الأمريكية.
وقوات الحرس الثوري هي المسؤولة عن برنامج إيران للصواريخ الباليستية وبرنامجها النووي. وهي أيضا منخرطة في القطاع المصرفي وقطاع الشحن البحري. وستسهل الخطوة الأمريكية الجديدة مقاضاة الشركات أو الأفراد في الاتحاد الأوروبي ممن يدخلون في أنشطة اقتصادية مع إيران. ويعاقب القانون الأمريكي بالفعل أي مواطن أمريكي يتعامل مع الحرس الثوري الإيراني بالسجن لمدة تصل إلى 20 عاما لأن القوات مدرجة على قائمة أمريكية خاصة للإرهاب الدولي وهي برنامج عقوبات أمريكي مختلف.
وهذه هي المرة الأولى التي تصنف فيها واشنطن رسميا جيش دولة أخرى جماعة إرهابية. وقال ترامب في بيان ”الحرس الثوري هو أداة الحكومة الرئيسية لتوجيه وتنفيذ حملتها الإرهابية العالمية“. وادانت إيران القرار على الفور وقالت إنه إجراء غير قانوني ناجم عن نفوذ إيران الإقليمي و“نجاحها في قتال تنظيم داعش“، بحسب التلفزيون الرسمي الإيراني. وتأسس الحرس الثوري عام 1979 لحماية النظام الديني الحاكم، وهو أقوى منظمة أمنية إيرانية.
وقد تؤدي مشاركة الحرس الثوري في النظام المصرفي الإيراني وصناعة الشحن البحري إلى تعقيد الأوضاع مع حلفاء الولايات المتحدة بما في ذلك الاتحاد الأوروبي الذي أقام آلية جديدة لتسهيل المدفوعات مقابل الصادرات الإيرانية. وقال ترامب إن التصنيف ”يوضح بجلاء مخاطر الدخول في معاملات مالية مع الحرس الثوري أو تقديم الدعم له... إذا تعاملت ماليا مع الحرس الثوري فإنك بذلك تمول الإرهاب“.
وذكر التلفزيون الرسمي أن إيران حذرت من أن تصنيف الولايات المتحدة الحرس الثوري منظمة إرهابية قد يعرض السلم والاستقرار في الشرق الأوسط والعالم للخطر. وأقدمت طهران أيضا على إجراء مماثل بإعلان القيادة المركزية الأمريكية منظمة إرهابية والحكومة الأمريكية راعية للإرهاب. وقال مجلس الأمن القومي الأعلى في بيان ”هذا الإجراء الأحمق وغير القانوني إنما هو تهديد خطير للاستقرار والسلم إقليميا ودوليا... إيران تصنف النظام الأمريكي داعما للإرهاب“.
وقالت السلطات الإيرانية إن القرار الأمريكي خطأ كبير سيعرض المصالح الأمريكية في المنطقة للخطر، حيث تخوض إيران حروبا بالوكالة من سوريا إلى لبنان. وقال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف على تويتر إن الخطوة تستهدف تأمين انتخاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لفترة جديدة. وغرد ظريف قائلا ”هدية أخرى لنتنياهو عشية الانتخابات تنطوي على سوء تقدير.. وحماقة خطيرة أخرى ترتكبها الولايات المتحدة في المنطقة“. بحسب رويترز.
وكرر قادة الحرس الثوري الإيراني القول إن القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط وحاملات الطائرات الأمريكية في الخليج في مرمى نيران الصواريخ الإيرانية. وهددت إيران بتعطيل شحنات النفط في مضيق هرمز بالخليج إذا حاولت الولايات المتحدة خنق الاقتصاد الإيراني بوقف صادرات النفط. ويحذر منتقدون من أن تلك الخطوة قد تجعل مسؤولي الجيش والمخابرات الأمريكيين عرضة لإجراءات مماثلة من جانب حكومات غير صديقة. وسبق أن أدرجت الولايات المتحدة بالفعل عشرات الكيانات والأشخاص على قوائم سوداء لانتمائهم للحرس الثوري، لكنها لم تدرج القوة بأكملها على تلك القوائم.
خارج على القانون
الى جانب ذلك ضغط وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، وهو منتقد شديد لإيران، من أجل تغيير السياسة الأمريكية في إطار موقف إدارة ترامب المتشدد تجاه طهران. وتمت مناقشة الإجراء الأمريكي ضد الحرس الثوري الإيراني بأكمله داخل إدارة ترامب لعدة أشهر إذ سعت واشنطن إلى سبل إضافية للضغط على إيران والحد من نفوذها المتزايد في سوريا والعراق واليمن. وقال بومبيو ”هذا التصنيف رد مباشر على نظام خارج على القانون ويجب ألا يثير دهشة أحد“.
وفي عام 2017، حذر محمد علي جعفري قائد الحرس الثوري من أن ترامب إذا مضى في تصنيف الحرس جماعة إرهابية ”فحينها سيعتبر الحرس الثوري الجيش الأمريكي مثل تنظيم داعش في مختلف أنحاء العالم“. وتنذر مثل هذه التهديدات بالخطر بشكل خاص بالنسبة للقوات الأمريكية في مناطق مثل العراق، حيث تتمركز جماعات متحالفة مع إيران على مقربة من القوات الأمريكية.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إن الحرس الثوري انخرط في نشاط إرهابي منذ نشأته، بما في ذلك تفجير أبراج الخبر عام 1996 في السعودية والذي أسفر عن مقتل 19 أمريكيا وخطة فاشلة لمهاجمة السفير السعودي لدى الولايات المتحدة على الأراضي الأمريكية. واستشهدت بما قالت إنها مخططات إرهابية للحرس الثوري تكشفت في أوروبا وأفريقيا. والحرس الثوري مسؤول عن برامج إيران النووية والمتعلقة بالصواريخ الباليستية. وتحذر طهران من أن لديها صواريخ يصل مداها لألفي كيلومتر، مما يضع إسرائيل والقواعد العسكرية الأمريكية في نطاق تلك الصواريخ.
وزادت سطوة الحرس الثوري الاقتصادية في عهد الرئيس الإيراني السابق والعضو السابق في الحرس محمود أحمدي نجاد منذ عام 2005. وبعد أن فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة عقوبات على قطاعي النفط والمالية الإيرانيين في عام 2012، تولى الحرس الثوري الإيراني أعمال شركات النفط الأوروبية التي اضطرت إلى المغادرة. وكافأ الحكام الدينيون الإيرانيون الحرس على خرقه للعقوبات فضلا عن قمع المعارضة في الداخل ومساعدة حلفاء طهران في الخارج، لا سيما الأسد. بحسب رويترز.
بيد أن معظم أعمال الحرس الثوري في السنوات الأخيرة جرت عبر شركات واجهة، كثير منها غير مملوكة رسميا للحرس لكن لأشخاص ومؤسسات مرتبطة به. ودرست الإدارات الأمريكية المتعاقبة توسيع التصنيف ليشمل الحرس بأكمله لكنها قررت أن الخطر على القوات الأمريكية في الخارج كبير للغاية، وذلك بحسب مسؤولين أمريكيين سابقين. ورفضت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) مناقشة ما يقوم به الجيش الأمريكي لحماية قواته من أي رد للحرس الثوري أو أي ميليشيا موالية لإيران في مناطق مثل العراق. وأكد مسؤولون أمريكيون طلبوا عدم نشر أسمائهم أن الجيش الأمريكي يتخذ كل الخطوات اللازمة ونبه القادة العسكريين الأمريكيين قبيل صدور الإعلان.
خطوة شريرة
على صعيد متصل قال الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي إن الولايات المتحدة أقدمت على ”خطوة شريرة“ عندما صنفت الحرس الثوري منظمة إرهابية أجنبية، وتعهدت طهران بأن تتخذ إجراء ضد القوات الأمريكية في المنطقة. وقال خامنئي في الكلمة التي ألقاها أمام مجموعة من أفراد الحرس الثوري إن لدى الأمريكيين ”رغبة في التآمر على (الحرس)... إنه (الحرس) في طليعة مواجهة أعداء ثورتنا (الإسلامية في عام 1979) ودافع دائما عن البلاد... أمريكا فشلت في وقف تقدمنا“. وأضاف ”رغم كل الضغط في الأربعين عاما الماضية فشل الأمريكيون في فعل أي شيء وخطوتهم الشريرة لن تؤتي ثمارا“.
ودافع الرئيس الإيراني حسن روحاني أيضا عن الحرس الثوري الذي وصف رجاله بأنهم حماة إيران، وقال في خطاب بثه التلفزيون إن الولايات المتحدة ”تضمر ضغينة“ للحرس الذين ”ضحوا بحياتهم لحماية شعبنا وثورتنا“. وتشير التقديرات إلى أن الحرس الثوري يضم 125 ألف فرد ويشمل وحدات عسكرية وبحرية وجوية، كما يقود (الباسيج) وهي قوات متطوعين شبه عسكرية ويسيطر على البرامج الصاروخية الإيرانية. وخاضت قوات الحرس الثوري الخارجية المعروفة بفيلق القدس حروب إيران بالوكالة في المنطقة.
وسبق أن أدرجت الولايات المتحدة في القائمة السوداء عشرات الكيانات والأشخاص المتعاملين مع الحرس الثوري لكنها لم تحظر الحرس ككل. ورفض قائد الحرس الثوري الإيراني تصنيف واشنطن للقوة بأنها منظمة إرهابية وقال إن الحرس سيزيد من قدراته العسكرية. ونقلت هيئة الإذاعة والتلفزيون الرسمية عن محمد علي جعفري قائد الحرس قوله ”هذه الخطوة الأمريكية مثيرة جدا للضحك لأن الحرس الثوري في قلوب المواطنين... الحرس الثوري سيزيد من قدراته الدفاعية والهجومية في السنوات المقبلة“.
وردت طهران على تصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية بإعلان القيادة المركزية الأمريكية منظمة إرهابية والحكومة الأمريكية راعية للإرهاب، كما حذر مسؤولون إيرانيون من أن هذه الخطوة ستهدد المصالح الأمريكية في المنطقة التي تخوض إيران فيها حروبا بالوكالة. وقال رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية، أكبر هيئة عسكرية في البلاد والتي تشرف على الحرس الثوري، في بيان إنها ”ستستخدم كل مواردها للقتال“ ضد القيادة المركزية الأمريكية في حين حذر قائد بالحرس الثوري البحرية الأمريكية من الاقتراب من زوراق الحرس. ونقلت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية عن محسن رضائي قوله في تغريدة على تويتر ”السيد ترامب، أبلغ سفنك الحربية بعدم المرور قرب زوارق الحرس الثوري“.
ردود متباينة
في السياق ذاته رحبت السعودية بالإجراء الأمريكي ضد الحرس الثوري لكن رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي قال إن الخطوة الأمريكية قد تكون لها عواقب سلبية على العراق والمنطقة. وقال عبد المهدي للصحفيين ”حاولنا إيقاف القرار الأمريكي وكان لنا اتصالات مع الملك عبد الله ومصر والإدارة الأمريكية لكنها مضت واتخذت القرار“. وأضاف أن العراق سيبذل كل ما في وسعه لتحقيق الهدوء في المنطقة نظرا لاحتفاظه بعلاقات طيبة مع كل من طهران وواشنطن.
وأبلغ باتريك شاناهان القائم بأعمال وزير لدفاع الأمريكي شبكة فوكس نيوز بأن إدراج الحرس الثوري على قائمة المنظمات الإرهابية هو قرار سياسي من الإدارة ومن المفترض أن تكون آثاره ”غير عسكرية“ مثل التأثير على الاقتصاد الإيراني. وأضاف ”سنواصل العمل في العراق لتعزيز قوات الأمن. نعترف بسيادة العراق. دورنا هو بناء الأمن وسنواصل القيام بذلك“. وانتقدت أيضا تركيا حليف الولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي الإجراء الأمريكي. وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في مؤتمر صحفي في اسطنبول ”مثل هذه القرارات ستؤدي إلى اضطرابات في منطقتنا، وفور أن تبدأ في الخروج على القانون الدولي فلا يمكن معرفة أين سيتوقف ذلك“. ودعت فرنسا إلى تجنب أي تصعيد للتوتر في الشرق الأوسط.
وقال قادة الحرس الثوري مرارا إن القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط وحاملات الطائرات الأمريكية في الخليج تقع في نطاق الصواريخ الإيرانية. وهددت إيران أيضا بوقف شحنات النفط عبر مضيق هرمز في الخليج إذا حاولت الولايات المتحدة خنق اقتصادها بوقف صادرات النفط الإيرانية.
ذكرت وكالة أنباء فارس شبه الرسمية أن نواب البرلمان الإيراني ارتدوا زي الحرس الثوري في بادرة على التضامن في جلسة البرلمان ورددوا ”الموت لأمريكا“ في حين تحتفل إيران باليوم الوطني للحرس الثوري. ونقلت الوكالة عن علي لاريجاني رئيس البرلمان قوله ”قرار أمريكا تصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية يمثل قمة غباء وجهل القيادة الأمريكية“. وتلتزم إيران حتى الآن بالاتفاق النووي لكن حكامها هددوا بالانسحاب منه واستئناف النشاط النووي إذا لم تفلح الدول الأخرى الموقعة عليه في حماية المصالح الإيرانية. بحسب رويترز.
وقال روحاني في كلمة ألقاها بمناسبة اليوم الوطني للتكنولوجيا النووية في إيران ”أبلغكم (يا قادة أمريكا).. إذا ضغطتم علينا فسننتج بكثرة أجهزة الطرد المركزي آي.آر8 المتطورة“. وقال روحاني ”منذ العام الماضي أصبح لدينا نوع من الصواريخ لا يمكنكم حتى تصوره“ مشيرا إلى إصرار إيران على توسيع برنامجها الصاروخي رغم الضغوط الأمريكية المتصاعدة للحد منه. وتحاول بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وهي من الدول الموقعة على الاتفاق النووي، إنقاذ الاتفاق وشكلت في يناير كانون الثاني آلية تتيح التجارة مع إيران والالتفاف حول العقوبات الأمريكية.
اضف تعليق