يبدو ان استقالة الرئيس الجزائري عبد العزيز بو تفليقة، التي قدمها تحت ضغط تظاهرات شعبية حاشدة اندلعت في 22 شباط/فبراير واستمرت لستة أسابيع، لن تسهم في تهدئة الشارع الجزائري حيث يرى بعض المراقبين ان هذه البلاد ربما ستعيش ازمة جديدة في المستقبل القريب...
يبدو ان استقالة الرئيس الجزائري عبد العزيز بو تفليقة، التي قدمها تحت ضغط تظاهرات شعبية حاشدة اندلعت في 22 شباط/فبراير واستمرت لستة أسابيع، لن تسهم في تهدئة الشارع الجزائري حيث يرى بعض المراقبين ان هذه البلاد ربما ستعيش ازمة جديدة في المستقبل القريب، فقد فتح تعيين رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح رئيسا مؤقتا للجزائر بعد تثبت شغور منصب رئيس الجمهورية وكما نقلت بعض المصادر، الباب على مصراعيه أمام مزيد من التوتر داخل الشارع الرافض لتولي شخصية من النظام سيئ السمعة لقيادة المرحلة الانتقالية التي يراها الجزائريون "مرحلة المادة السابعة" التي تمنح السيادة للشعب.
وصادق البرلمان الجزائري بغرفتيه، على تعيين بن صالح رئيسا مؤقتا لمدة 90 يوما، إلى حين إجراء انتخابات جديدة. وبن صالح هو أحد ما يعرف بـ"الباءات الثلاث" التي تضم أيضا الطيب بلعيز رئيس المجلس الدستوري ونور الدين بدوي رئيس الحكومة، حيث يطالب الشارع الغاضب برحيلهم من مناصبهم. وثمة معضلة تحيط بتعيين بن صالح، حيث يعتبره الحراك الشعبي شخصية فاقدة للشرعية الدستورية، كونه لم ينتخب في منصبه الأساسي كرئيس لمجلس الأمة بل جرى تعيينه مباشرة من الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، بحسب عضو المكتب السياسي لحزب جيل جديد أمين عريب.
واعتبر عريب أن "هؤلاء الذين يتحدثون عن الشرعية الدستورية هم الذين انتهكوا الدستور عبر تعيين بن صالح بعد انتهاء مدته الدستورية كرئيس لمجلس الأمة". ووفق الدستور، تمتد ولاية رئيس مجلس الأمة (الغرفة الثانية للبرلمان) 6 سنوات بحد أقصى فترتين متتاليتين عبر الانتخاب من المجلس، بينما تولى بن صالح رئاسة مجلس الأمة 17 عاما. وقال عريب إن تعيين بن صالح رئيسا مؤقتا للبلاد هو " التفاف على الحراك الشعبي بتثبيت الوجوه البوتفليقية.. ويجب على هذا الرجل أن يستقيل".
ووصل بوتفليقة إلى الحكم في 1999 بعد انتخابات رئاسية كان المرشح الوحيد فيها بعدما انسحب باقي المترشحين تنديدا بالتزوير. وأعيد انتخابه بأكثر من 80 بالمئة من الاصوات في 2004 و2009 ثم في 2014، رغم مرضه الذي أفقده القدرة على المشي وأصبح يجد صعوبة في الكلام. وفي فبراير/ شباط 2019 أعلن ترشحه لولاية خامسة، مفجرا موجة احتجاجات شعبية غير مسبوقة أحبرته على التراجع وتأجيل الانتخابات ما يعني بقاءه في الحكم خلال فترة انتقالية غير محددة الآجال. لكنه اضطر في الأخير لانهاء ولايته الرابعة قبل موعدها المحدد في 28 أبريل/ نيسان.
بن صالح وكلمة الشعب
وفي هذا الشأن توجه رئيس مجلس الأمة الجزائري عبد القادر بن صالح إلى مقر رئاسة الجمهورية في الجزائر العاصمة، وبدأ مهامه رئيسا للدولة طبقا لأحكام المادة 102 من الدستور، في حين يتواصل الحراك الشعبي المطالب بتنحية نظام عبد العزيز بوتفليقة بجميع رموزه. وأعرب بن صالح في أول خطاب له بعد تعيينه رئيسا للدولة عن أمله بأن يُنصَّب قريبا رئيس جديد للجمهورية لبدء بناء جزائر جديدة. كما تعهد "بإعادة الكلمة للشعب في أقرب وقت"، مؤكدا أن الجيش احتكم إلى الدستور سبيلا للخروج من الأزمة.
والتزم الرئيس الجزائري المؤقت الذي تسلم السلطة خلفا لعبد العزيز بوتفليقة المستقيل، "بإجراء انتخاب رئاسي شفاف ونزيه"، و"تسليم السلطات إلى رئيس الجمهورية المنتخب ديمقراطيا، وذلك في ظرف زمني لا يمكن أن يتعدى التسعين يوما اعتبارا من تنصيبي بصفة رئيس الدولة". كما قال إنه عازم على تأسيس هيئة وطنية لتنظيم الانتخابات، والتشاور مع الطبقة السياسية والمجتمع المدني، وقال "إننا أمام واجب وطني جماعي يملي على الجميع توفير أنسب وأنجع الظروف لإحاطة الفترة القصيرة القادمة، والإسراع بتدشين مرحلة جديدة في حياة الأمة عبر الاختيار الديمقراطي للشعب الجزائري وتقرير مصيره". وأضاف بن صالح "سأعمل على تحقيق الغايات الطموحة، وإني أهيب بكم في هذه الفترة أن تعملوا بكل جد وإخلاص من أجل إعادة الكلمة في أقرب وقت إلى الشعب لاختيار رئيسه وبرنامجه ورسم مستقبله".
في غضون ذلك، دعت أحزاب جزائرية معارضة إلى استمرار الحراك الشعبي، رافضة ما سمته فرض سياسة الأمر الواقع على الجزائريين بتنصيب أشخاص رفضهم الحراك. كما خرجت مظاهرات في مدن جزائرية عدة رفضا لقرار البرلمان تولي بن صالح رئاسة البلاد مؤقتا، وهو مطلب رفع في المظاهرات على مدار الأسابيع السبعة الماضية. وقد دعت حركة البناء الوطني إلى استمرار الحراك من أجل حماية خیار الشعب الجزائري الذي لا تحققه السلطة الحالیة، وتأمين مستقبل البلاد أمام الأخطار المحدقة، وفق تعبيرها.
وقالت الحركة -في بيان- إن السلطة تتعنت أمام مطالب الشعب، وتنتهج سياسة الهروب إلى الأمام عبر فرض سياسة الأمر الواقع بتنصیب أشخاص رفضهم الحراك، داعية إلى إيجاد حل سياسي يستجيب لمطالب الشعب. من جهته، قال رئیس جبهة العدالة والتنمية الجزائرية عبد الله جاب الله إن الشعب طالب بالتغییر ولم يطالب بالتدوير، وإن النظام فاقد للشرعیة، وما يصدر عنه باطل. ورأى رئیس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية محسن بلعباس أن ما حدث في قصر الأمم انقلاب ضد الإرادة والسيادة الشعبیة للمرة الثالثة، حسب تعبيره. وأشار بلعباس إلى تزوير العدد الحقیقي لأعضاء البرلمان بغرفتیه من أجل إضفاء شرعیة على جلسة تنصیب بن صالح رئیسا للدولة.
ويأتي ذلك بينما استخدمت الشرطة الجزائرية الغاز المدمع ومدافع المياه في الجزائر العاصمة من أجل تفريق آلاف الطلاب الذين كانوا يحتجون على تولية بن صالح رئيسا انتقاليا. وقالت وكالة الصحافة الفرنسية إنها المرة الأولى -منذ سبعة أسابيع- التي تستخدم فيها الشرطة الغاز المدمع لتفريق مظاهرة للطلاب. وكان البرلمان الجزائري بغرفتيه (المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة) قد أقر رسميا الشغور النهائي لمنصب رئيس الجمهورية، وذلك في جلسة خصصت لإعلان شغور المنصب بعد استقالة بوتفليقة.
كما أقر البرلمان تعيين رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح رئيسا للدولة لمدة تسعين يوما وفقا للمادة 102 من الدستور، في حين أعلنت أحزاب معارضة عدة مقاطعتها جلسة البرلمان، واقترحت عدم التقيد بحرفية نص المادة 102 واللجوء إلى اجتهاد دستوري لإيجاد حلول سياسية تستجيب لمطالب الحراك الشعبي. بدوره، قال رئيس أركان الجيش الجزائري أحمد قايد صالح إن الجيش الوطني مع حق الشعب الجزائري في الاطمئنان الكامل على حاضر بلاده ومستقبلها، وفقا لما نقله موقع صحيفة "البلاد" الجزائرية.
كما أعلن الرئيس الجزائري المؤقت، عبد القادر بن صالح في وقت لاحق، إجراء انتخابات رئاسية يوم 4 يوليو/ تموز المقبل. وجاء في بيان الرئاسة الذي نشرته وكالة الأنباء الرسمية أن "رئيس الدولة وقع مرسوما رئاسيا لاستدعاء الهيئة الناخبة للانتخابات الرئاسية يوم 4 يوليو/ تموز".
من جانب اخر شدّد قائد الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح أمس على حل الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد وفق الدستور، في موقف يعبّر عن تأييد المؤسسة العسكرية لتولي عبد القادر بن صالح الرئاسة المؤقتة للبلاد. ويتضارب هذا الموقف إلى حد كبير مع مطالب المتظاهرين في الشارع الذين يرفضون تولي بن صالح أو أي من رموز النظام السابق قيادة البلاد خلال المرحلة الانتقالية. ودعا قائد الجيش أيضاً المتظاهرين إلى وقف الحراك، بذريعة أنهم يطرحون «مطالب تعجيزية»، لكنه أكد لهم أن الجيش سيرافق الشعب الجزائري في اجتياز المرحلة الانتقالية.
وتوقع قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح أن يبدأ القضاء في محاكمة النخبة الحاكمة في البلاد. وصف صالح النخبة المحيطة بالرئيس الجزائري المستقيل، عبد العزيز بوتفليقة، بأنهم "عصابة" ووصف قايد صالح النخبة المحيطة بالرئيس الجزائري المستقيل، عبد العزيز بوتفليقة، بأنها "عصابة". وأضاف صالح أن القضاء سيبدأ إجراءات ملاحقة النخبة السياسية بتهم الفساد وسوء استخدام السلطة ونهب موارد الدولة. وقال إن القضاء سيفتح من جديد ملفات فساد قديمة منها قضية تتعلق بشركة الطاقة الوطنية "سوناطراك".
إقالة رئيس المخابرات
في السياق ذاته خرج مئات الآلاف من المحتجين يحملون لافتات ويدعون لتغيير جذري إلى شوارع الجزائر العاصمة في حين أفادت تقارير بإقالة مدير المخابرات في علامة أخرى على حدة الاضطرابات عقب استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. ويسعى المتظاهرون للإطاحة بما يعتبرونه جهازا سياسيا غامضا وعفا عليه الزمن يتمحور حول الحزب الحاكم وضباط الجيش ورجال الأعمال والنقابات العمالية وقدامى المحاربين الذين خاضوا حرب الاستقلال عن فرنسا التي دارت من عام 1954 إلى عام 1962.
وقال أحمد بديلي الذي يعمل في مجال التعليم ”نريد اجتثاث رموز النظام“. وقال نور الدين ديمي (52 عاما) وهو موظف ببنك حكومي ”نريد تغييرا جذريا. لا داعي للحلول المؤقتة“. وكان مدير المخابرات اللواء المتقاعد عثمان طرطاق حليفا وثيقا لبوتفليقة. وقال الجيش إنه يتحرك من أجل المصلحة الوطنية بعد مظاهرات على مدى أسابيع ضد الحكومة. وفي الأسابيع السابقة لاستقالة بوتفليقة تضاءلت الدائرة المحيطة به نتيجة استقالة عدد من حلفائه المقربين من مواقع مؤثرة في مجالي السياسة والأعمال. بحسب رويترز.
وبثت قناة النهار التلفزيونية الخاصة خبر إقالة طرطاق وقالت إن منصبه الذي يتبع الرئاسة حاليا سيعود ليصبح تحت إِشراف وزارة الدفاع. وكانت المخابرات عنصرا مهما في نفوذ الجيش القوي على أمور البلاد، ولعبت دورا خلف الكواليس على الساحة السياسية وكذلك في الحرب الأهلية التي دارت رحاها في تسعينيات القرن الماضي. لكن في عام 2016 ألغى بوتفليقة تبعيتها لوزارة الدفاع ووضعها تحت سلطة الرئاسة سعيا لإخراجها تدريجيا من الحياة السياسية.
زرع الفتنة
على صعيد متصل اتهم قائد أركان الجيش الجزائري، الفريق أحمد قايد صالح، أطرافا أجنبية لم يسمها بمحاولة زرع الفتنة وضرب استقرار الجزائر، مؤكدا أن الجيش سيضمن متابعة المرحلة الانتقالية. وقال رئيس الأركان في بيان: "مع انطلاق هذه المرحلة الجديدة واستمرار المسيرات، سجلنا للأسف، ظهور محاولات لبعض الأطراف الأجنبية، انطلاقا من خلفياتها التاريخية مع بلادنا، لدفع بعض الأشخاص إلى واجهة المشهد الحالي وفرضهم كممثلين عن الشعب تحسبا لقيادة المرحلة الانتقالية، وتنفيذ مخططاتهم الرامية إلى ضرب استقرار البلاد وزرع الفتنة بين أبناء الشعب الواحد، من خلال رفع شعارات تعجيزية ترمي إلى الدفع بالبلاد إلى الفراغ الدستوري وهدم مؤسسات الدولة".
وأوضح أنه من "غير المعقول تسيير المرحلة الانتقالية دون وجود مؤسسات تنظم وتشرف على هذه العملية، لما يترتب عن هذا الوضع من عواقب وخيمة من شأنها هدم ما تحقق، منذ الاستقلال إلى يومنا هذا، من إنجازات ومكاسب تبقى مفخرة للأجيال". وأضاف أنه: "ولإحباط محاولات تسلل هذه الأطراف المشبوهة، بذلنا في الجيش الوطني الشعبي كل ما بوسعنا، من أجل حماية هذه الهبة الشعبية الكبرى من استغلالها من قبل المتربصين بها في الداخل والخارج، مثل بعض العناصر التابعة لبعض المنظمات غير الحكومية التي تم ضبطها متلبسة، وهي مكلفة بمهام اختراق المسيرات السلمية وتوجيهها، بالتواطؤ والتنسيق مع عملائها في الداخل، هذه الأطراف التي تعمل بشتى الوسائل لانحراف هذه المسيرات عن أهدافها الأساسية وركوب موجتها لتحقيق مخططاتها الخبيثة، التي ترمي إلى المساس بمناخ الأمن والسكينة الذي تنعم به بلادنا".
وتتزامن هذه التصريحات مع خروج آلاف الجزائريين في مظاهرات، رفضا لتعيين عبد القادر بن صالح رئيسا مؤقتا للبلاد. واستخدمت الشرطة الجزائرية، الغاز المسيل للدموع، في محاولة لفض وقفة احتجاجية بالقرب من البريد المركزي وسط العاصمة. وخرج المتظاهرون استجابة للدعوة إلى الإضراب الوطني التي أطلقتها كونفدرالية النقابات الجزائرية. وردد المتظاهرون هتافات تطالب بالتغيير ورافضة بن صالح رئيسا للبلاد، رافعين شعارات "عصابة ديڤاج"، "سنسير سنسير.. حتى يحدث التغيير"، "جيش شعب خاوة خاوة".
اضف تعليق