تواجه القوات الكردية التي استطاعت في الفترة السابقة وبدعم امريكي متواصل، تحقيق نتائج عسكرية مهمة في حربها ضد تنظيم داعش الارهابي، تحديات ومشكلات كبيرة بعد ان تمكنت هذه القوات من اعلان النصر وتحرير اخر معاقل التنظيم، فبعد ان باغتها إعلان ترامب سحب الجنود الأمريكيين من سوريا...
تواجه القوات الكردية التي استطاعت في الفترة السابقة وبدعم امريكي متواصل، تحقيق نتائج عسكرية مهمة في حربها ضد تنظيم داعش الارهابي، تحديات ومشكلات كبيرة بعد ان تمكنت هذه القوات من اعلان النصر وتحرير اخر معاقل التنظيم، فبعد ان باغتها إعلان ترامب سحب الجنود الأمريكيين من سوريا، اصبحت هذه القوات وبحسب بعض المراقبين اقل قوة ضد التهديدات التركية، وهو ما سيجبرها على التحرك لطلبت المساعدة من الحكومة السورية التي اصبحت اكثر قوة لمواجهة تلك التهديدات، الامر الذي سيدفعها الى تقديم تنازلات كبيرة في سبيل الحفاظ على بعض مكاسبها.
وخلال سنوات النزاع الأولى في سوريا وكما نقلت بعض المصادر وبعد معاناة طويلة مع التهميش، بنى الأكراد الذين طلبوا، المساعدة من دمشق لمواجهة التهديدات التركية، إدارتهم الذاتية في شمال وشمال شرق سوريا. وتعد وحدات حماية الشعب الكردية ضمن قوات سوريا الديمقراطية، ثاني قوة مسيطرة على الأرض بعد قوات النظام، وتسيطر على نحو 30% من مساحة البلاد، تتضمن حقول غاز ونفط مهمة. ويشكل الأكراد الموجودون بشكل رئيسي في شمال سوريا، نحو 15% من إجمالي السكان، ومعظمهم من المسلمين السنة مع وجود نسبة ضئيلة من غير المسلمين.
وعندما اندلع النزاع في سوريا عام 2011، تبنى معظم الأكراد موقفًا محايدًا ولم يدخلوا في صدامات مع قوات النظام، الأمر الذي جعلهم عرضة لانتقاد المعارضة السورية السياسية، والمقاتلة التي أخذت عليهم عدم محاربتهم قوات النظام. وبادر الرئيس السوري بشار الأسد في بداية النزاع، وفي محاولة لكسب ودهم، إلى منح الجنسية لـ300 ألف كردي بعد انتظار استمر نصف قرن. وفي العام 2012، انسحبت قوات النظام السوري تدريجيًا من المناطق ذات الغالبية الكردية في شمال وشمال شرق سوريا، ما مكّن الأكراد من تعزيز موقعهم. وأعلن الأكراد عام 2013، وعلى رأسهم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي تعد وحدات حماية الشعب الكردية جناحه العسكري، إقامة إدارة ذاتية في مناطق سيطرة الأكراد، وتسلموا المؤسسات في هذه المناطق، وأعادوا إحياء لغتهم وتراثهم.
وفي آذار/مارس 2016، أعلن الأكراد النظام الفدرالي في مناطق سيطرتهم التي قسموها إلى ثلاثة أقاليم، هي الجزيرة (محافظة الحسكة، شمال شرق) والفرات (شمال وسط، تضم أجزاء من محافظة حلب، وأخرى من محافظة الرقة) وعفرين (شمال غرب، تقع في محافظة حلب)، التي خسروها عام 2018 على وقع هجوم شنته تركيا وفصائل سورية موالية لها. وأثار هذا الإعلان بحكم الأمر الواقع حفيظة كل من النظام والمعارضة وتركيا التي تخشى إقامة حكم ذاتي كردي على حدودها على غرار كردستان العراق.
وصعدت تركيا من تهديداتها متحدثة عن نيتها شن عملية أخرى ضد الأكراد في منبج في ريف حلب الشمالي الشرقي، وصولًا إلى مناطق سيطرتهم في شمال شرق البلاد، التي يطلق عليها اسم ”شرق الفرات“. وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن عملية عسكرية وشيكة قبل أن يعلن تأجيلها على ضوء القرار الأمريكي، بالانسحاب من سوريا، إلا أنه أكد أن التأجيل لن يكون لأجل غير مسمى.
الإدارة الذاتية
وفي هذا الشأن وعلى مدى أربع سنوات، قاتل الأكراد بشراسة تنظيم داعش بدعم من الأميركيين، لكنهم اليوم وبعد انهيار "الخلافة الإسلامية" وقرار واشنطن سحب قواتها من مناطقهم، يخشون على مصير إدارتهم الذاتية بعدما عملوا لسنوات على ارسائها. ويواجه الأكراد تهديدات تركيا المتواصلة بشن هجوم جديد ضد وحدات حماية الشعب الكردية قرب حدودها من جهة، وتعنّت النظام السوري الراغب بانهاء وجود إدارتهم واستعادة السيطرة على كامل البلاد من جهة ثانية.
وتصاعد نفوذ الأكراد تدريجياً في سوريا بعد اندلاع النزاع في العام 2011. وتمكنوا من تأسيس قوات عسكرية وأمنية، فضلاً عن مؤسسات عامة والتدريس باللغة الكردية. وأجروا انتخابات محلية في مناطق الإدراة الذاتية. وفي محاولة لقطع الطريق على تهديدات تركيا، خاض الأكراد منذ الصيف مفاوضات مباشرة مع دمشق، لم تفض إلى نتائج ملموسة بعد في ظل تباين وجهات النظر واصرار دمشق على استعادة مناطقهم عبر المفاوضات أو الحسم العسكري.
ويقول الأستاذ الجامعي والخبير في الشأن السوري فابريس بالانش "سيجد الأكراد أنفسهم عالقين بين سندان الجيش السوري ومطرقة الأتراك" مرجحاً أن يصار إلى "تقاسم شمال شرق البلاد بين الحكومة السورية والجيش التركي". ويبدو مستقبل الأكراد مهدداً اليوم أكثر من أي وقت مضى بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب قواته الداعمة لهم من شمال شرق سوريا، والتي شكلت حتى الآن رادعاً أمام أي هجوم تركي، رغم أنه لم يجر بعد تحديد موعد الانسحاب.
وأعلنت قوات سوريا الديموقراطية القضاء التام على "خلافة" تنظيم داعش، التي ضمت في العام 2014 مناطق شاسعة في سوريا والعراق المجاور تعادل مساحة بريطانيا. ويرى الخبير في الشؤون الكردية موتلو جيفير أوغلو أن "الأكراد يواجهون اليوم مصيراً مجهولاً"، مشدداً على أن "الخطر الأكبر يأتي من تركيا".
ويخشى الأكراد أن يشكل الانسحاب الاميركي ضوءاً أخضر لتركيا، خصوصاً مع تكرار أنقرة تهديداتها. ولحماية مناطقهم ومكتسباتهم، يجري مسؤولون أكراد منذ أشهر محادثات ولقاءات مع أطراف عدة، أبرزها زيارة الرئيسة المشتركة لمجلس سوريا الديموقراطية إلهام أحمد إلى واشنطن حيث التقت ترامب. وفي محاولة لتهدئة الوضع بين حليفيها، اقترحت واشنطن إنشاء "منطقة آمنة" بعمق ثلاثين كيلومتراً على طول الحدود بين الطرفين، تتضمن أبرز المدن الكردية. رحبت أنقرة بالاقتراح لكنها أصرت في الوقت ذاته على أن تدير تلك المنطقة، الأمر الذي رفضه الأكراد بالمطلق، مطالبين بانتشار قوة دولية.
ويوضح جيفير أوغلو أن "غالبية المدن الكردية تقع عند الحدود مثل منبج وكوباني وتل أبيض والدرباسية والقامشلي". وتخشى أنقرة حكماً ذاتياً كردياً قرب حدودها، وتصنف وحدات حماية الشعب الكردية منظمة "إرهابية" وتعتبرها امتداداً لحزب العمال الكردستاني الذي يقود تمرداً ضدها على أراضيها منذ عقود. وتمكنت تركيا مع فصائل سورية موالية لها إثر هجوم واسع العام الماضي من السيطرة على منطقة عفرين، ثالث أقاليم الإدارة الذاتية الكردية. لكن شن هجوم جديد لا يبدو اليوم بهذه السهولة، مع وجود لاعبين دوليين فاعلين في سوريا وعلى رأسهم روسيا، أبرز حلفاء دمشق.
ويقول جيفير أوغلو "موقف روسيا حاسم. ويدرك الأكراد جيداً أن ما حصل في عفرين كان نتيجة ضوء أحضر من (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين". ويضيف "بالنسبة إلى بلد في حالة حرب، فإن النموذج الذي وضعه الأكراد مناسب ويعمل بطريقة جيدة"، موضحاً أن ما يريدونه هو أن "يحصلوا على اعتراف بنظامهم السياسي ومنهجهم التعليمي". وقبل اندلاع النزاع، عانى الأكراد على مدى عقود من سياسة تهميش اتبعتها الحكومات المتلاحقة، وتضمنت سحب الجنسية من عدد كبير منهم، ومنعهم من تكلم لغتهم أو الاحتفال بأعيادهم.
وخلال النزاع، حملت دمشق على الأكراد منتقدة تحالفهم مع واشنطن، حتى أن الرئيس بشار الأسد اتهم المقاتلين الأكراد بـ"الخيانة"، قبل أن يضعهم أمام خيارين أحلاهما مر: المفاوضات أو الحسم العسكري. وكرر وزير الدفاع السوري في 19 آذار/مارس تأكيده أنه سيتم التعامل مع قوات سوريا الديموقراطية "بالأسلوبين المعتمدين من الدولة السورية: المصالحات الوطنية أو تحرير الأراضي التي يسيطرون عليها بالقوة".
ورجح محللون أن يدفع قرار سحب القوات الأميركية من سوريا، الأكراد إلى تعزيز تفاوضهم مع الحكومة السورية كحل بديل يحميهم من أي هجوم تركي. إلا أن المفاوضات مع دمشق تبقى صعبة مع رفض الأخيرة لمبدأ الإدارة الذاتية، مقابل إصرار الأكراد على الاحتفاظ بمؤسساتهم وقواتهم العسكرية التي أظهرت فعالية في قتال تنظيم داعش. ويقول بالانش "يريد النظام استسلاماً من دون شروط، لن تسمح لهم دمشق بالإبقاء على الإدارة الذاتية" بينما يملك الأكراد "ورقة ضغط واحدة، وهي أن يقبل الأسد بالإدارة الذاتية مقابل الانتشار السريع للجيش على الحدود السورية التركية".
وفي هذا السياق، لا يزال لدى الأكراد أمل آخر وهو أن يبقي الأميركيون وجودهم في سوريا حتى لو بالحدّ الأدنى. وبعدما أعلنت واشنطن قرارها بإبقاء نحو مئتي جندي أميركي في سوريا، في مهمة "لحفظ السلام"، عاد ترامب ليؤكد في 20 آذار/مارس أنّ نحو 400 جندي سيبقون في نهاية المطاف "لبعض الوقت". بحسب فرانس برس.
ويرى الباحث في مركز الأمن الأميركي الجديد نيكولاس هيراس أنه "يمكن للولايات المتحدة ألا تغادر سوريا" على المدى المنظور. ويشير خصوصاً إلى خيار آخر يتضمن الإبقاء على عسكريين من التحالف الدولي، ومتعاقدين عسكريين من شركات خاصة. وفي وقت سابق، حذّر مسؤولون أميركيون أنه من شأن أي تخل تام عن المنطقة، أن يسهم في إعادة ظهور تنظيم الإسلامية مجدداً. ويضيف هيراس "تدرك كافة الأطراف الفاعلة أنه لا يمكن الإقدام على أي خطوة قبل أن تتضح ماهية القرار الذي ستتخذه الولايات المتحدة".
وأكدت الحكومة السورية أنها لن تقبل بأي وجود عسكري أجنبي على الأراضي السورية، دون دعوة منها، وبما في ذلك قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من أمريكا، وفقا لما قاله وزير الدفاع السوري، علي أيوب. وفي مؤتمر صحفي عقده مع رئيس أركان القوات المسلحة العراقية، عثمان الغانمي، والقائد العام لأركان القوات المسلحة الإيرانية، محمد حسين باقري، أكد أيوب أن قوات سوريا الديمقراطية هي الورقة الأمريكية الأخيرة في سوريا، وشدد على أن دمشق ستتعامل معها إما بالقوة أو عبر المصالحات.
وقال وزير الدفاع السوري إن دمشق لا تساوم على حقها بالدفاع عن سيادتها، معتبرا أن أي وجود عسكري على الأراضي السورية دون دعوة من الحكومة يمثل "احتلالا"، مشددا على أن لدى سوريا الحق بالدفاع عن أمنها القومي وسيادتها وأن ذلك معترف به في القوانين والمعاهدات الدولية. بدوره قال باقري إن إيران ستواصل الوقوف إلى جانب سوريا والعراق في الحرب ضد الإرهاب، في الوقت الذي قال فيه الغانمي إن ضمان أمن الحدود السورية العراقية في غاية الأهمية، وهو ما يعمل عليه الجيشان السوري والعراقي. وأشاد الغانمي بالتنسيق عالي المستوى بين دمشق وبغداد في الحرب على تنظيم داعش، وكشف أن الأيام المقبلة ستشهد إعادة فتح الحدود بين البلدين.
هجوم تركي
على صعيد متصل نفى مسؤول أمريكي ما نقلته وسائل إعلام عن أن الولايات المتحدة تبحث مع تركيا هجوما محتملا لتركيا في شمال شرق سوريا، وقال إن واشنطن لا تعتقد بأن مثل هذه العملية ضرورية للتصدي لمخاوف أنقرة الأمنية. وكانت وسائل إعلام تركية رسمية نقلت عن مسؤول عسكري تركي قوله إن أنقرة تبحث مع الولايات المتحدة وروسيا هجوما محتملا في منطقة بشمال شرق سوريا خاضعة لسيطرة مقاتلين يقودهم الأكراد.
وقال المسؤول الأمريكي شريطة عدم الكشف عن هويته ”أمريكا لا تبحث هجوما تركيا في شمال شرق سوريا مع تركيا“. وتريد تركيا إقامة منطقة آمنة على الحدود إلى الشرق من نهر الفرات بعد انسحاب معظم القوات الأمريكية من سوريا. وقال المسؤول ”لقد أجرينا مرارا مباحثات بشأن آلية أمنية أو ‘منطقة آمنة‘ في شمال شرق سوريا من شأنها أن تتصدى للمخاوف الأمنية التركية“. وأضاف ”تفاصيل الآلية الأمنية قيد البحث والتطوير، لكنها من وجهة النظر الأمريكية لا تتطلب هجوما تركيا“.
من جانب اخر نقلت وسائل إعلام رسمية عن مسؤولة بوزارة الدفاع التركية قولها إن بلادها تبحث مع روسيا والولايات المتحدة هجوما عسكريا محتملا في منطقة بشمال شرق سوريا يسيطر عليها مقاتلون أكراد. وتريد تركيا إنشاء منطقة آمنة في المنطقة الحدودية الواقعة شرقي نهر الفرات بعد انسحاب معظم القوات الأمريكية. وقالت ناديدة شبنام أكطوب المتحدثة باسم وزارة الدفاع التركية ”بشأن الاستعدادات شرقي الفرات، التي ما زال من المقرر بحثها ، فإن التنسيق مع الولايات المتحدة وروسيا على وجه الخصوص مستمر“.
ونقلت وكالة أنباء الأناضول عن أكطوب أيضا قولها إن التنسيق بين أنقرة وموسكو بشأن منطقة إدلب في شمال غرب سوريا، حيث اتفق البلدان على إنشاء منطقة منزوعة السلاح، مستمر بنجاح ”رغم الاستفزازات“. وكان وزير الدفاع التركي خلوصي أكار قال إن القوات الروسية ستبدأ دوريات في منطقة الحدود خارج إدلب وإن القوات التركية ستبدأ دوريات داخل المنطقة.
وأدت علاقات تركيا مع روسيا إلى توتر بين أنقرة والولايات المتحدة مع تحذير واشنطن من احتمال فرض عقوبات أمريكية إذا مضت أنقرة، حليفتها في حلف شمال الأطلسي، قدما في صفقة شراء منظومة إس-400 الدفاعية الروسية والتي لا تتوافق مع منظومات حلف شمال الأطلسي. وقالت أكطوب إن منظومة إس-400، التي قال الرئيس رجب طيب أردوغان إن تركيا لن تتراجع عنها، سيتم تسلمها في يوليو تموز ونشرها في أكتوبر تشرين الأول. بحسب رويترز.
وقالت الولايات المتحدة إن قيام تركيا بذلك يعرض للخطر مشترياتها من طائرات إف-35 التي تصنعها شركة لوكهيد مارتن وصفقات أخرى في مجال الصناعة الدفاعية من بينها صفقة محتملة لشراء أنظمة باتريوت الدفاعية التي تصنعها شركة رايثيون. وذكرت أكطوب أن تركيا وروسيا تنسقان أيضا الدوريات المشتركة في منطقة بلدة تل رفعت السورية الشمالية التي تسيطر عليها القوات التي يقودها الأكراد.
اضف تعليق