يواجه حلف شمال الأطلسي (الناتو) الكثير من التحديات المهمة، التي تفاقمت منذ فوز الرئيس الامريكي دونالد ترامب، وأهم التحديات أمام الحلف كما نقلت بعض المصادر، تنبع من رؤية ترامب لدوره وجدوى بقاء الولايات المتحدة فيه، فضلا عن تكلفته المرتفعة. فقد عرفت واشنطن في عهد ترامب...
يواجه حلف شمال الأطلسي (الناتو) الكثير من التحديات المهمة، التي تفاقمت منذ فوز الرئيس الامريكي دونالد ترامب، وأهم التحديات أمام الحلف كما نقلت بعض المصادر، تنبع من رؤية ترامب لدوره وجدوى بقاء الولايات المتحدة فيه، فضلا عن تكلفته المرتفعة. فقد عرفت واشنطن في عهد ترامب خطابا مغايرا تجاه الحلف، حيث استخدم الرئيس الأميركي لغة تصادمية غير مألوفة في الحديث عن جدوى الناتو وعن الالتزامات المالية للدول الأعضاء فيه والعبء الواقع على واشنطن بدفاعها عن القارة الأوروبية.
وتحتل الولايات المتحدة المركز الأول في نسبة الإنفاق العسكري بين دول الحلف، وتبلغ مساهمتها 3.5% من قيمة الناتج القومي الإجمالي، وتنفق أغلب دول الحلف نسبا أقل من 2%، مع تعهد بأن تصل إلى نسبة 2% بحلول عام 2024، وهو ما يثير حفيظة الرئيس ترامب. وخلال عام 2018 بلغت قيمة المساهمة الأميركية في موازنة الناتو حوالي 70% من إجمالي نفقات الحلف العسكرية. ويعمل الناتو على استرضاء الرئيس الأميركي بشأن الإنفاق على قطاع الدفاع، وذلك بعد انتقاداته المتكررة لحلفاء الناتو لعدم مشاركة عبء التمويل "بصورة عادلة".
كما يواجه الناتو تحديات متجددة تتمثل في التهديدات الروسية للقارة الأوربية التي بدأت إرهاصاتها في جورجيا وأكرانيا، ثم بلغت ذروتها مع انهيار معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى التي التزمت بها موسكو وواشنطن لعقود طويلة. كما مثل التدخل الروسي العسكري القوي في سوريا، واستمرار التهديدات الإرهابية وزيادة الطموحات العسكرية للصين خاصة في منطقة جنوب وشرق آسيا تهديدات إضافية.
ويعتقد الضابط الأميركي السابق ونائب الأمين العام السابق للناتو، جيمس بارديو وكما نقل موقع الجزيرة، أن من شأن أي حديث عن انسحاب أميركي من الناتو أن يكبد الشركات الأميركية المصنعة للأسلحة خسارة في السوق الأوروبية الواسعة والغنية، والتي تسهل عضوية واشنطن بالحلف تصدير الأسلحة الأميركية لها. ويضيف بارديو أن "علاقات واشنطن بالناتو لا تساوي أهميتها أي علاقات أخرى، فهي علاقات أسست لهيكل الدفاع الأمني الأهم عن الولايات المتحدة وكندا والحلفاء الأوروبيين، ولن يحلم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأي شيء آخر أكثر أهمية من تدمير حلف الناتو".
ويؤمن بارديو أن الفائدة التي تعود على واشنطن من وجود حلف الناتو تفوق أي تكلفة تتحملها في هذا الشأن، ويرى أن انسحاب الولايات المتحدة من الناتو يعني أن تخسر واشنطن عشرات القواعد العسكرية البحرية والجوية التي تحتفظ بها في أوروبا، كما سيبعث ذلك برسائل سلبية للحلفاء الآسيويين مثل كوريا الجنوبية واليابان. ويعتقد بعض الخبراء أن الحلف يقوم بدور مهم داعم للمصالح الأميركية بعيدا عن المسرح الأوروبي.
ويتم الاستشهاد بالحالة الأفغانية عندما هرعت دول الحلف لمساندة المجهود العسكري الأميركي عقب أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، وما زال هناك الآلاف من جنود الناتو في أفغانستان. من ناحية أخرى تتيح رابطة حلف الناتو العسكرية لواشنطن الاطلاع على المعلومات الاستخباراتية المهمة مع 27 من دول الحلف، كما يرى لبارديو. وقبل سبعين عاما، قال الأمين العام الأول لحلف الناتو اللورد هاستينغ إيسمي، إن الحلف يهدف إلى "بقاء روسيا خارج أوروبا وأميركا داخل أوروبا وألمانيا داخل حدودها".
تحقيق مطالب ترامب
وفي هذا الشأن رفع المزيد من الحلفاء الأوروبيين في حلف شمال الأطلسي ميزانية الدفاع في عام 2018 وكانت الزيادة كبيرة في دول البلطيق وبولندا وهولندا لكن ست حكومات فقط نجحت في تحقيق الهدف الذي تطالب به الولايات المتحدة بينما تخلفت ألمانيا وانخفض إنفاق كندا. ويحاول الحلفاء الأوروبيون تفادي تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي طالب أعضاء الحلف العام الماضي برفع هدف الإنفاق الدفاعي للحلف إلى مثليه أي ما يعادل اثنين بالمئة من الناتج المحلي. ويقولون إن الأمن لا يتعلق فقط بأهداف الإنفاق.
وكشف التقرير السنوي لحلف شمال الأطلسي في عام 2018 أن الحلف الذي تقوده الولايات المتحدة يقترب من تحقيق تعهده بتخصيص اثنين بالمئة من الناتج الوطني للدفاع سنويا حيث سجل إنفاق الحلفاء الأوروبيين 1.51 بالمئة وهو أعلى مستوى في خمسة أعوام. وجعل ترامب الإنفاق الدفاعي أولوية بعد أعوام من خفض الإنفاق في أعقاب الحرب الباردة بين عامي 1945 و1990. وشكك في أهمية الحلف بالنسبة لواشنطن.
وقفز الإنفاق في بلغاريا ودول البلطيق وهولندا بنحو 20 بالمئة تقريبا في عام 2018 مقارنة مع عام 2017. وحققت إستونيا واليونان وبولندا ولاتفيا وليتوانيا وبريطانيا هدف الاثنين بالمئة في العام الماضي. وتقترب رومانيا أيضا من تحقيق هذا الهدف. لكن الإنفاق انخفض في كندا بنحو 11 بالمئة في العام الماضي. وعلى الرغم من أن ألمانيا رفعت الإنفاق الدفاعي بنحو 1.5 مليار يورو (1.70 مليار دولار) في عام 2018 فإن نسبة الإنفاق بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي استقرت عند 1.23 بالمئة. بحسب رويترز.
ودافع ينس ستولتنبرج الأمين العام لحلف شمال الأطلسي عن برلين وقال إن لديه تأكيدات بأن ألمانيا ستزيد الإنفاق بنسبة 80 بالمئة بين عامي 2014 و2024. وفي المجمل ذكر التقرير أن الإنفاق الدفاعي لدول الحلف بلغ نحو تريليون دولار في عام 2018 تسهم الولايات المتحدة فيه بأقل من 70 بالمئة بقليل برغم أن الإنفاق الأمريكي لا يذهب بالكامل للدفاع عن الأراضي الأوروبية. وقال ستولتنبرج، الذي يلقي كلمة أمام الكونجرس الأمريكي في أبريل نيسان، إنه لا يزال هناك تحول مهم في الإنفاق حيث يسعى الحلف لردع روسيا وإجراء أكبر عملية تحديث له منذ عقود.
ميركل و النفقات العسكرية
الى جانب ذلك أعلنت المستشارة الالمانية انغيلا ميركل أن ألمانيا لن تضحي بالمساعدات التنموية لزيادة نفقاتها العسكرية، رافضة بذلك الانتقادات الاميركية لميزانية الدفاع الالمانية. وقالت خلال منتدى "غلوبال سولوشينز" المنعقد في برلين "سنواصل جهدنا (في مجال النفقات العسكرية) لكن ليس على حساب المساعدة على التنمية". وأضافت "يمكنني أن اتفهم أن يعتبر الرئيس الاميركي ذلك غير كاف (الاموال المرصودة للنفقات العسكرية في المانيا), الكثير من شركائنا الاوروبيين يرون ذلك غير كاف" أيضا.
وقبيل ذلك كان السفير الاميركي في برلين ريتشارد غرينل اعتبر أنه من "المقلق" ان تعمل الحكومة الالمانية على مراجعة مستوى نفقاتها العسكرية بخفض مستواها "غير المقبول أصلا". وكانت المانيا وعدت مثل باقي أعضاء الحلف الاطلسي الاوروبيين، في 2014 بالاقتراب أكثر ما يمكن خلال عشر سنوات من ميزانية دفاع تمثل 2 بالمئة من الناتج الاجمالي. وحددت المانيا هدف نسبة 1,5 بالمئة للعام 2025. وستمر النسبة من 1,37 بالمئة في 2020 الى 1,25 بالمئة في 2023 (1,29 بالمئة في 2022)، بحسب خطة ميزانية 2019-2023.
وتقول المانيا منذ أمد بعيد ان المساعدة على التنمية تشكل عاملا مهما لضمان الامن والاستقرار دوليا، وأن النفقات العسكرية لا يجب أن تكون الأمر الوحيد الذي يؤخذ في الاعتبار. وعبرت الطبقة السياسية الالمانية عن غضبها من الانتقادات الاميركية. وانتقد كارستن شنيدر وهو مسؤول في ائتلاف ميركل، تصريحات السفير الاميركي في برلين. بحسب فرانس برس.
ودعا احد قادة الحزب الليبرالي (معارضة) وزير الخارجية الالماني هيكو ماس الى اعلان السفير الاميركي، وهو مقرب من دونالد ترامب، "شخصا غير مرغوب فيه" لانه يتصرف وكأنه "مندوب سام لقوة احتلال". وأنفقت الولايات المتحدة في 2018 نحو 650 مليار دولار في مجال النفقات العسكرية مقابل 250 مليارا لكافة الدول الاوروبية الاعضاء في الحلف الاطلسي، بحسب دراسة نشرها في شباط/فبراير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية. وبحسب المصدر ذاته فان الزيادة في النفقات الاميركية العسكرية من 2017 الى 2018 (نحو 45 مليار دولار)، تمثل تقريبا ما يساوي ميزانية الدفاع الالمانية.
مقدونيا و البرازيل
على صعيد متصل وقع أعضاء حلف شمال الأطلسي اتفاقا مع مقدونيا يسمح للجمهورية اليوغوسلافية السابقة أن تصبح العضو الثلاثين بالحلف الذي تقوده الولايات المتحدة بعد اتفاق مع اليونان أنهى خلافا استمر 27 عاما بشأن اسمها. وخلال التوقيع الرسمي على بروتوكول الانضمام إلى الحلف الذي يتعين الآن أن تصادق عليه الدول الأعضاء، أشاد وزير خارجية مقدونيا نيكولا ديمتروف بهذه الخطوة وقال إنها تظهر أن بلاده ”لن تسير بمفردها أبدا“ بمجرد انضمامها للحلف.
وقال في مؤتمر صحفي بعد توقيع السفراء بحلف شمال الأطلسي على البروتوكول ”نقف إلى جانب هؤلاء الحلفاء التسعة والعشرين... قادرين ومستعدين للاضطلاع بالالتزامات النابعة من عضويتنا الكاملة“. وعادة ما تستغرق عملية المصادقة نحو عام، وقالت الولايات المتحدة إنها تتوقع انضمام مقدونيا رسميا للحلف عام 2020. وتعرف مقدونيا رسميا الآن بمقدونيا الشمالية بموجب بنود اتفاقها مع اليونان. بحسب رويترز.
وقال الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرج إن قبول عضو جديد يظهر أن كل الدول الأوروبية التي تفي بمعايير الانضمام يمكنها أن تنضم إلى الحلف الإقليمي، وهو موقف ترفضه روسيا. وأضاف ”يبين هذا أن باب الحلف يظل مفتوحا للدول التي تحقق معاييره وتتمسك بقيمه المتمثلة في الديمقراطية وسيادة القانون وحرية الفرد“. وتقول روسيا إن الحلف يقوض الأمن في المنطقة بضمه دولا من منطقة البلقان.
من جانب اخر قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أثناء استقبال الرئيس البرازيلي جاير بولسونارو في البيت الأبيض إنه يدرس بجدية انضمام البرازيل إلى حلف شمال الأطلسي. وقال ترامب للصحفيين أثناء جلوسه بجانب بولسونارو ”سننظر في الأمر بقوة سواء كانت عضوية حلف شمال الأطلسي أو شيء يتعلق بالحلف“. وأضاف ترامب أنه يدعم جهود البرازيل في الانضمام إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تضم الاقتصادات المتقدمة في العالم.
وفي عام 2017 تقدمت البرازيل، ثامن أكبر اقتصاد في العالم، للحصول على عضوية هذه المنظمة التي تضم نحو 36 عضوا بينهم دول من أمريكا اللاتينية هي المكسيك وتشيلي وكولومبيا. وكان مسؤول كبير بفريق بولسونارو الاقتصادي قال إن البرازيل لا تتوقع أن تعلن الحكومة الأمريكية دعمها لمحاولة بلاده الانضمام إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية خلال زيارة بولسونارو.
الاسلحة النووية
في السياق ذاته "ناشد" حلف شمال الاطلسي روسيا الالتزام بمعاهدة الاسلحة النووية لعام 1987 بعد ان هددت الولايات المتحدة بالتخلي عنها، الا انه حذر موسكو خلال اجتماع تشاوري في بروكسل انه "مصمم على ضمان امنه". وجرت المشاورات على مستوى السفراء ضمن الهيئة الاستشارية التابعة لمجلس الاطلسي-روسيا في مقر الحلف في بروكسل.
واعلن حلف شمال الاطلسي في بيان صدر بعد الاجتماع ان "الحلفاء يناشدون روسيا مرة اخرى الاحترام التام دون تأخير لاتفاقية الاسلحة النووية المتوسطة المدى التي أبرمت عام 1987". واضاف "نحن مستعدون لمواصلة الحوار حول هذه المسألة مع روسيا، لكن كحلف نحن مصممون أيضا على اتخاذ تدابير فعالة لمواصلة ضمان سلامة وأمن جميع الحلفاء". وتابع البيان أن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ عبر عن أسفه لأن روسيا لم تستجب للقلق الذي أعرب عنه الأطلسي حيال منظومتها الصاروخية الجديدة 9ام729 أو اس اس سي 8.
ويعتبر حلف الاطلسي أن "منظومة صواريخ 9ام729 تشكل خطرا جسيما على الاستقرار الاستراتيجي للمنطقة الأوروبية الأطلسية". من جهته، قال المندوب الروسي إن هذه المنظومة الجديدة لا تنتهك المعاهدة وأعاد التاكيد من جديد أن موسكو ستقدم التوضيحات المطلوبة، كما اوضحت مصادر دبلوماسية. ويعتبر الحلفاء الأوروبيون للاطلسي أن معاهدة الصواريخ المتوسطة المدى أمر ضروري للأمن في أوروبا ويشعرون بقلق بالغ إزاء المخاطر المحتملة لانسحاب واشنطن من المعاهدة. وقال دبلوماسي إن "أزمة الصواريخ الأوروبية عام 1977 ما زالت موجودة في عقولنا". وأضاف ان مناشدات وجهت الى واشنطن وموسكو للتهدئة لكن "الامر صعب للغاية". بحسب فرانس برس.
وقد حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ان التخلي عن المعاهدة يمكن أن يؤدي إلى سباق تسلح جديد، ووعد بالرد اذا نشرت الولايات المتحدة صواريخ جديدة على الأراضي الأوروبية. كما حاول الاجتماع تبديد التوتر الناجم عن تمارين يجريها حلف الاطلسي في النروج. وافاد بيان الاطلسي أن ستولتنبرغ أطلع المندوب الروسي على اهداف تمارين "ترايدنت جانكتشر"في حين قدمت روسيا عرضا حول مناورات "فوستوك 2018".
اضف تعليق