تعاني مصر كغيرها من دول الربيع العربي من استفحال ظاهرة الفساد التي تنخر في جسد الدولة والمجتمع منذ عقود وتتفاقم يوما بعد يوم. وتبدو مكافحة الفساد في أكبر بلد عربي بحسب بعض المصادر معقدة وصعبة بسبب خطورة القضية. حلّت مصر في ترتيب متأخر جداً وفقاً لمؤشرات مكافحة الفساد...
تعاني مصر كغيرها من دول الربيع العربي من استفحال ظاهرة الفساد التي تنخر في جسد الدولة والمجتمع منذ عقود وتتفاقم يوما بعد يوم. وتبدو مكافحة الفساد في أكبر بلد عربي بحسب بعض المصادر معقدة وصعبة بسبب خطورة القضية. حلّت مصر في ترتيب متأخر جداً وفقاً لمؤشرات مكافحة الفساد، وأظهر مؤشر مدركات الفساد لعام 2017، الذي أعلنت منظمة الشفافية الدولية عن نتائجه، أن ترتيب مصر قد تراجع. وبحسب الشفافية الدولية المعنية بمكافحة الفساد، وتدهور وضع مصر على مؤشر الفساد درجتين في 2017، حيث سجلت 32 نقطة، مقابل 34 العام السابق.
ويعني هذا أن مصر قد تراجعت للعام الثالث على التوالي، حيث حصلت على 36 درجة في عام 2015، و34 درجة في 2016، و32 درجة في 2017، بعدما كانت حصلت على 37 درجة في 2014، ارتفاعا من 32 درجة في عامي 2013 و2012. وكلما اقتربت درجة الدولة على المؤشر الذي يقيس مستويات النزاهة سنويا في مختلف دول العالم، من صفر دل ذلك على أن هذه الدولة أكثر فساداً وكلما اقتربت من 100 عكس ذلك زيادة نزاهتها.
واحتلت مصر المركز 117 في مؤشر الفساد من بين 180 دولة شملها المؤشر في 2017، وكانت مصر تحتل المرتبة 108 من أصل 176 دولة في 2016. وتسعى الحكومة إلى مكافحة الفساد في الجهات المختلفة، وأعلنت هيئة الرقابة الإدارية في الشهور الماضية عن ضبط عدد من المسؤولين الذين تورطوا في قضايا فساد ورشاوى، وأحالتهم إلى القضاء. ويرى البعض ان الاجراءات والسياسات الحكومية الاخيرة، ربما ساسهمت في تفاقم هذه المشكلة، حيث تعيش مصر اوضاع اقتصادية صعبة خصوصا وان البعض يتهم القضاء بالفساد والخضوع للجهات المتنفذه..
فساد مستشري
وفي هذا الشأن قالت صحيفة الأخبار الرسمية إن السلطات المصرية ضبطت 45 ألف طن من القمح الروسي الفاسد قرب مدينة الإسكندرية الساحلية بشمال البلاد. وذكرت الصحيفة أن قوات الأمن في الاسكندرية ضبطت الشحنة التي أفرج عنها منذ شهور، مشيرة إلى أنها تحتوي على ”سوس أسود ودود“. وأضافت أن الشحنة تابعة لرجل أعمال مشهور هو المسؤول عن استيرادها، وتم ”استدعاء رجل الأعمال للتحقيق“. ولم يتضح ما إذا كان القمح قد تم استيراده للهيئة العامة للسلع التموينية، المشتري الحكومي للقمح في مصر، أم للقطاع الخاص. وقالت وزارة التموين المصرية إن شحنة القمح الروسي الفاسد البالغ حجمها 45 ألف طن التي ضبطتها السلطات تتبع شركة خاصة.
من جانب اخر ذكرت وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية أن السلطات المصرية ألقت القبض على أربعة مسؤولين من بينهم رئيس الشركة القابضة للصناعات الغذائية يشتبه في تلقيهم رشا من شركات كبرى لتجارة السلع الغذائية. وبحسب الوكالة، فإن المسؤولين الثلاثة الآخرين هم مدير مكتب رئيس الشركة القابضة، ومستشار وزير التموين للإعلام والمتحدث الرسمى للوزارة، ومستشار الوزير للاتصال السياسى بمجلس النواب.
ولم تنشر وكالة أنباء الشرق الأوسط أسماء تلك الشركات لكنها وصفتها بأنها ”من كبريات شركات توريد السلع الغذائية“ وذكرت أن الرشا ”تجاوزت مليوني جنيه... مقابل إسناد أوامر توريد السلع عليها، وكذا تسهيل صرف مستحقاتها“. ومصر أكبر مستورد للقمح في العالم، حيث تتجاوز قيمة مشتريات الهيئة العامة للسلع التموينية التابعة لوزارة التموين 1.5 مليار دولار سنويا لتوفير الإمدادات اللازمة لبرنامج دعم الخبز. وتشرف الشركة القابضة للصناعات الغذائية الحكومية على شراء سلع أخرى. ولم يتسن الاتصال على الفور بالهيئة العامة للسلع التموينية ووزارة التموين للحصول على تعليق.
تهم واجراءات
على صعيد متصل ذكرت هيئة الرقابة الإدارية في بيان أن السلطات المصرية ألقت القبض على رئيس مصلحة الجمارك جمال عبد العظيم للاشتباه في تقاضيه رشا مقابل ”تهريب بضائع محظور استيرادها، ودون سداد الرسوم الجمركية المستحقة عليها“. ولم يحدد البيان البضائع المهربة أو قيمة الرشا المزعومة. وقال البيان إن عبد العظيم ”وجه مرؤوسيه بإعداد تقارير مخالفة للواقع لتخفيض الغرامات المالية المستحقة على بضائع سبق ضبطها في عدة قضايا تخص المهربين“. وأضاف البيان أن قضيته ستحال إلى النائب العام، دون أن يحدد العقوبة المحتملة. وكانت هيئة الرقابة الإدارية أحالت للنيابة العامة قضايا فساد بحق أفراد في مجال التجارة والسلع، بينهم رئيس الشركة القابضة للصناعات الغذائية ومسؤولون آخرون بوزارة التموين.
من جانب اخر قال مسؤول بالنيابة الإدارية المصرية إن النيابة وجهت اتهامات إلى نائب رئيس الهيئة العامة للسلع التموينية وموظفين آخرين تتعلق بمخالفات مالية وإدارية مزعومة. ونشر الموقع الإخباري المصري (بوابة فيتو) ما قال إنها وثيقة من النيابة الإدارية تتضمن إتهامات بحق أحمد يوسف نائب رئيس هيئة السلع التموينية وسبعة آخرين من موظفي الهيئة.
وشملت الوثيقة، إتهامات من بينها ”صرف مكافآت بدون تفويض من السلطة المختصة“، و“تلقي أموال بدون وجه حق بالمخالفة للقواعد التنظيمية“، و“السماح لمراقب مالي بحضور المناقصات بدون الموافقة الحكومية اللازمة“. وقال محمد سمير المتحدث باسم النيابة الإدارية إن الوثيقة حقيقية، وتم تسريبها بشكل غير رسمي. وأضاف أن القضية ضد يوسف احيلت إلى المحكمة التأديبية العليا بمجلس الدولة في مارس آذار أو أبريل نيسان، وإن الإتهامات ليست جنائية.
وأكد يوسف أنه جرى استجوابه العام الماضي في إطار تحقيق، لكنه نفى أي مخالفات، وقال إنه لم يتم إخطاره بأي إعلان قضائي. وقال يوسف إنه اعتقد أن المسألة انتهت عند الاستجواب، ولم يكن هناك ما يشير إلى أنها ستحال إلى المحكمة. ويقع على عاتق الهيئة العامة للسلع التموينية مسؤولية الجزء الأكبر من القمح المستورد لمصر، أكبر مشتر للقمح في العالم. ويوسف صانع قرار رئيسي في المناقصات الدولية لمشتريات القمح وشخصية مؤثرة في أسواق القمح العالمية. وتنفق الهيئة ما يزيد عن 1.5 مليار دولار سنويا على القمح المستورد.
وقال سمير إنه إذا قرر المحكمة التأديبية العليا أن يوسف أو الموظفين الآخرين خالفوا القواعد، فعندئذ قد يواجهون العزل من وظائفهم أو غرامات مالية، مضيفا أن من وردت أسماؤهم في الوثيقة سيتم إخطارهم في الوقت المناسب. ولم تتمكن على الفور من الاتصال بالمسؤولين الآخرين الذين وردت أسماؤهم في الوثيقة. والهيئة العامة للسلع التمونية تابعة لوزارة التموين في مصر. ولم يرد وزير التموين، وهو أيضا رئيس مجلس إدارة الهيئة، على الفور على طلبات من رويترز للتعقيب. بحسب رويترز.
وتقول الوثيقة إن التحقيقات بدأت في 2016 وإن الدعوى القضائية تم تحريكها في 2018، بدون ذكر تواريخ محددة. وقال سمير إن الإتهامات تتعلق بمخالفات مزعومة من 2015 فصاعدا، مضيفا أن القضية قد تتأجل الآن بسبب عطلة قضائية من يوليو تموز إلى أكتوبر تشرين الأول. وأصبح يوسف نائبا لرئيس هيئة السلع التموينية في يوليو تموز 2016، وكان قبل ذلك يعمل أيضا في الهيئة رئيسا للإدارة المركزية للمشتريات.
ابنا مبارك
من جانب اخر قالت وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية إن محكمة مصرية أمرت بإخلاء سبيل علاء وجمال ابني الرئيس السابق حسني مبارك بكفالة مئة ألف جنيه (5570 دولارا) لكل منهما. وكانت دائرة في محكمة جنايات القاهرة قد أمرت بحبس ابني مبارك على ذمة محاكمتهما في قضية عرفت إعلاميا بقضية التلاعب في البورصة وألقت الشرطة القبض عليهما خلال حضورهما الجلسة. وألقي القبض أيضا على ثلاثة متهمين آخرين من بينهم ياسر الملواني العضو الحالي في مجلس إدارة المجموعة المالية هيرميس وحسن هيكل العضو السابق في مجلس الإدارة. وعلاء وجمال مبارك وسبعة آخرون متهمون في القضية بانتهاك قواعد سوق الأوراق المالية والبنك المركزي بهدف التربح والحصول على مبالغ مالية بغير حق من خلال تعاملات في أسهم البنك الوطني المصري. وينفي المتهمون ارتكاب أي من المخالفات المنسوبة إليهم.
واتهم جمال وعلاء مبارك وثلاثة آخرين بالتوافق على حيازة غالبية أسهم عدة بنوك من خلال شركات وهمية ودون إبلاغ البورصة كما يفرض القانون. وأمرت محكمة جنايات القاهرة بالقبض على علاء وجمال مبارك وحسن هيكل، نجل الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل، وأيمن أحمد فتحي وياسر الملواني، وحبسهم على ذمة قضية "التلاعب بالبورصة". وقررت المحكمة في هذا الصدد إرسال تقرير الخبراء لاستكماله وتم تأجيل المحاكمة إلى20 تشرين الأول/أكتوبر، بحسب المصدر ذاته.
ويذكر أنه بعد الإطاحة بمبارك(1981-2011) في سياق أحداث "الربيع العربي"، تقدم العديد بدعاوى ضده وضد أقاربه. وكان جمال مبارك يرأس اللجنة السياسية للحزب الوطني الحاكم في فترة حكم والده، وكان ينظر إليه على أنه مرشح لخلافته. أما بالنسبة لشقيقه علاء فقد كان بعيدا عن المشهد السياسي لكنه اتهم بجمع ثروة كبيرة مستغلا علاقات والده ونفوذه. وفي 2011 تم توقيفهما في عدة قضايا وخضعا للتوقيف الاحتياطي مرات عديدة قبل الإفراج عنهما منذ نحو ثلاث سنوات. بحسب فرانس برس.
وكان قد حكم على جمال وعلاء ووالدهما في أيار/مايو2015 بالسجن ثلاث سنوات بعد إدانتهم بالاستيلاء على أكثر من 10 ملايين يورو من الأموال العامة المخصصة لصيانة القصر الرئاسي.وغطت فترات توقيفهم مدة العقوبة. لكن وفي نهاية المطاف تم تبرئة العديد من المسؤولين في نظام مبارك، وضمنهم الرئيس الأسبق ذاته، من تهم فساد . وتم تبرئة مبارك في آذار/مارس2017 من قضية قتل متظاهرين، لكن لا زال قيد التحقيق في قضية فساد. وتُتهم السلطات المصرية باستغلال السلطة القضائية في قمع معارضين.
قضايا اخرى
من جهة اخرى قالت وسائل إعلام حكومية في مصر إن النيابة العامة قررت حبس 75 شخصا بينهم مسؤولون وأجانب على ذمة التحقيقات بتهم من بينها الاتجار في البشر. ونقلت وسائل الإعلام عن بيان لهيئة الرقابة الإدارية إن تحريات أجرتها الهيئة على مدى 14 شهرا كشفت عن تورط المتهمين في ”ارتكاب جرائم الرشوة والتربح من الوظيفة العامة وتزوير المستندات الرسمية وتزييف طوابع البريد والتمغات الحكومية لمصر ولدول أخرى واستقطاب وجلب الهجرة غير الشرعية والاتجار في البشر والاستيلاء على المال العام والخاص“. وأضافت أن السلطات ألقت القبض على جميع المتهمين في مداهمات جرت بمحافظات القاهرة والجيزة والغربية والإسكندرية والدقهلية وكفر الشيخ.
ولم ترد مزيد من التفاصيل حول هوية المسؤولين ومناصبهم أو عدد وجنسيات الأجانب المقبوض عليهم. وعثرت السلطات بحوزة المتهمين على عملات أجنبية قيمتها ملايين الجنيهات حسبما ذكرت وسائل الإعلام الرسمية. وضبطت أيضا ”ضحايا من الأحداث“ خلال المداهمات. وقررت النيابة تسليم هؤلاء الأحداث إلى ذويهم أو إلى دور رعاية متخصصة.
الى جانب ذلك قالت مصادر قضائية إن محكمة مصرية عاقبت موظفا كبيرا بالسجن المؤبد لإدانته في قضية فساد. وكانت السلطات قد ألقت القبض على جمال الدين اللبان المدير العام للمشتريات والتوريدات بمجلس الدولة، الذي يضم محاكم القضاء الإداري المصرية، نهاية العام الماضي بتهمة تلقي رشا من موردين. كما ألقي القبض على صاحب شركة أثاث مكتبي وزوجته وصاحب شركة أثاث مكتبي أخرى في نفس القضية.
وقالت المصادر إن محكمة جنايات القاهرة أعفت المتهمين الثلاثة الآخرين من العقوبة لاعتراف اثنين منهم بتقديم الرشا إلى اللبان واعتراف الثالث بالتوسط فيها. ويعفي القانون المصري مقدمي الرشا والوسطاء إذا اعترفوا على المرتشين. وقال مصدر إنه لن يفرج عن المتهم الثاني وزوجته لصدور قرار من جهاز الكسب غير المشروع بحبس كل منهما 15 يوما على ذمة التحقيق في قضية فساد منفصلة.
وأضاف أن المحكمة غرمت اللبان مليوني جنيه (113507 دولارات) وصادرت مليون جنيه و239155 ألفا قالت إنها مبلغ الرشا. وكانت السلطات قد قبضت في بداية العام الحالي على القاضي وائل شلبي أحد نواب رئيس مجلس الدولة والأمين العام للمجلس للتحقيق معه في القضية وأمرت نيابة أمن الدولة العليا بحبسه أربعة أيام على ذمة التحقيق ثم قال محاميه في وقت لاحق إنه عثر عليه منتحرا في محبسه.
اضف تعليق