مع تواصل الاحتجاجات الشعبية في العديد من مدن العراق وخصوصا المدن الجنوبية، التي تعيش واقع مؤلم بسبب غياب الخدمات الأساسية، ما تزال الأحزاب والكتل السياسية منشغلة بتأمين مصالحها الخاصة والمشاركة في مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة، والتي ستكون مبنية أيضا على اساس المحاصة وتقديم التنازلات من اجل الوصول الى كرسي الرئاسة...
مع تواصل الاحتجاجات الشعبية في العديد من مدن العراق وخصوصا المدن الجنوبية، التي تعيش واقع مؤلم بسبب غياب الخدمات الأساسية، ما تزال الأحزاب والكتل السياسية منشغلة بتأمين مصالحها الخاصة والمشاركة في مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة، والتي ستكون مبنية أيضا على اساس المحاصة وتقديم التنازلات من اجل الوصول الى كرسي الرئاسة، ورغم مرور شهور على إجراءِ الانتخابات البرلمانية في العراق إلا أن الأطراف السياسية ،وكما نقلت بعض المصادر، لم تتوصل إلى الآن لاتفاق معيّن على تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، يأتي هذا في الوقت الذي يعيشُ فيه العراقيون حياةً مريرة بسبب عدم وجود أبسط الخدمات، ففي البصرة تعرض الآلاف من المواطنين للتسمم بسبب تلوث مياه الشُرب وعدم وجود الكهرباء مع درجات حرارة مرتفعة جداً، لكن الحكومة العراقية لم تُحرك ساكناً بل على العكس تماماً استخدمت في بعض الاحيان القوة ضد المتظاهرين، كان اخرها مقتل محتج وأصابة ستة آخرين بجروح في اشتباكات مع قوات الأمن في البصرة، بحسب ما قالته مصادر بقطاعي الصحة والأمن في العراق.
وقالت المصادر الصحية إن ستة محتجين نقلوا لمستشفيات بعد إصابتهم بجروح. وطالب مدير مكتب المفوضية العليا لحقوق الإنسان في محافظة البصرة، مهدي التميمي، بالتحقيق فورا في مقتل المحتج. وقال "نطالب القضاء العراقي بفتح تحقيق فوري وعاجل في حادثة مقتل متظاهر في البصرة، تعرض لإطلاق نار وإصابة في الكتف توفي على إثرها، بالإضافة إلى تعرضه لصعقات كهربائية من قبل القوات الأمنية".
من جانب اخر ذكرت مصادر في الشرطة العراقية أن الشرطة استخدمت الغاز المسيل للدموع لتفريق نحو 150 محتجا تجمعوا عند المدخل الرئيسي لحقل نهر بن عمر النفطي في البصرة بجنوب العراق وسط تصاعد التوتر في المدن الجنوبية بسبب سوء الخدمات العامة والفساد.
وهدد المحتجون باقتحام الحقل النفطي إذا لم ترد الحكومة على مطالبهم بتحسين الخدمات العامة وتبحث شكواهم بشأن مياه الشرب التي يقول سكان إنها غير صالحة للشرب بسبب ارتفاع مستوى ملوحتها. وتمثل صادرات النفط العراقية من البصرة أكثر من 95 بالمئة من إيرادات العراق. وأي تعطيل محتمل للإنتاج يمكن أن يؤثر بشدة على اقتصاد العراق المتعثر. وقال مسؤولون في الجمارك والشرطة إن الشرطة فرقت أيضا محتجين آخرين حاولوا إيقاف حركة الشاحنات على طريق رئيسي إلى الشرق من البصرة يؤدي إلى معبر حدودي مع إيران.
البرلمان العراقي
وفي هذا الشأن عقد البرلمان العراقي أولى جلساته منذ الانتخابات العامة في مايو أيار لكنه فشل في انتخاب رئيس له فيما كان سيصبح أول خطوة نحو تشكيل حكومة جديدة. وكان من المفترض أن يختار البرلمان رئيسه ونائبيه في بداية عملية مدتها 90 يوما حددها الدستور. ولكن في ظل تنافس الكتل السياسية التي تزعم كل منها الحصول على الأغلبية البرلمانية فلم يجر أي تصويت على التعيينات.
وأدت التشكيلة الجديدة من المشرعين الجدد اليمين بعد مراسم رسمية لتسليم السلطة حضرها قادة التكتلات الانتخابية الكبرى وبينهم رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي. وكان مشرعون بقيادة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر أعلنوا أنهم تمكنوا من تشكيل تحالف سيمنحهم أغلبية في البرلمان. وبعدها بساعات رد تكتل منافس بقيادة هادي العامري ورئيس الوزراء السابق نوري المالكي بالقول إنهما شكلا تحالفا خاصا بهما سيكون التكتل الأكبر بعد أن اقنعا بعض المشرعين بالانسحاب من الجماعات المنافسة.
والعامري والمالكي من أبرز حلفاء إيران في العراق. وينظر إلى العبادي على أنه المرشح المفضل للولايات المتحدة بينما يصور الصدر نفسه على أنه قومي يرفض النفوذ الأمريكي والإيراني. وظل الجانبان يعلنان أنهما يمتلكان الأغلبية داخل البرلمان الأمر الذي عطل اختيار الرئيس. وتحمل الحكومة الجديدة على عاتقها مهمة إعادة بناء البلاد بعد حرب استمرت ثلاث سنوات على مقاتلي تنظيم داعش فضلا عن الحفاظ على علاقات متوازنة مع البلدين الخصمين، إيران والولايات المتحدة، وهما أكبر حليفين للعراق. بحسب رويترز.
وأثار عدم اليقين إزاء تشكيل حكومة جديدة التوتر في وقت يزداد فيه غضب الناس من عدم توفر الخدمات الأساسية وارتفاع معدل البطالة وبطء وتيرة إعادة الإعمار في أعقاب الحرب مع الدولة الإسلامية. وأدت إعادة فرز الأصوات إلى تأخير لمدة ثلاثة أشهر لكنها لم تسفر عن تغيير كبير في النتائج التي كانت أعلنت في البداية إذ حافظ رجل الدين الشيعي الصدر على الصدارة بحصوله على 54 مقعدا.
خلافات مستمرة
الى جانب ذلك قدم رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي نفسه رئيسا لهيئة الحشد الشعبي بعد أيام من إقالته قائدها فالح الفياض على خلفية سعيه للإنضمام الى تحالف برلماني ينافس التحالف الذي يقوده رئيس الوزراء، حسبما أفاد بيان رسمي. واقصي الفياض الذي فاز في انتخابات 12 ايار/مايو التشريعية ضمن تحالف النصر الذي يتزعمه العبادي، وأصدر المكتب الاعلامي لرئيس الوزراء بيانا جاء فيه "زار القائد العام للقوات المسلحة رئيس هيئة الحشد الشعبي حيدر العبادي مقر الهيئة للإطلاع على الأوضاع فيها".
ونقل البيان اشادة العبادي "ببطولات المقاتلين في الحشد الشعبي وتضحياتهم التي حققت النصر على الارهاب ومواصلة الجهود من أجل بناء وإعمار البلد، مؤكدا حرصه على حقوق الابطال المقاتلين وتوفير كل الدعم لهم". والبيان هو الاشارة العلنية الاولى الى ترؤس العبادي لهيئة الحشد الشعبي التي شكلتها الحكومة العراقيّة في 15 حزيران/يونيو 2014، بعد توجيه آية الله السيد علي السيستاني، أعلى مرجعية شيعية في العراق، دعوة إلى الجهاد ضد تنظيم داعش. بحسب فرانس برس.
ونص أمر ديواني اصدره رئيس الوزراء على اقالة الفياض من منصبيه كمستشار للامن الوطني وقائد للحشد الشعبي، اثر دعمه تحالف "الفتح" الذي يضم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي و قوائم تابعة لقوات الحشد الشعبي المقربة من ايران. وعزا العبادي قراره الى كون الفياض انخرط "بمزاولة العمل السياسي والحزبي، وهذا ما يتعارض مع حيادية الأجهزة الأمنية والاستخبارية". وتأتي هذه التطورات في الوقت الذي يتصاعد الجدل حول ماهية الكتلة الأكبر داخل البرلمان، والتي ستشكل الحكومة المقبلة. وأشار العبادي في بيان إلى أن الفياض انخرط "بمزاولة العمل السياسي والحزبي، وهذا ما يتعارض مع حيادية الأجهزة الأمنية والاستخبارية". كما قرر العبادي إعفاء الفياض من مهماته كمستشار للأمن الوطني.
تجدد الاحتجاجات
تجددت تظاهرات سكان محافظة البصرة جنوبي العراق قرب مبنى المحافظة، فيما شيع المحتجون جثمان المتظاهر ياسر مكي الذي قتل مؤخرا. وأفاد مراسل RT بأن "المئات من المتظاهرين شيعوا جثمان ياسر مكي الذي قتل على يد القوات الأمنية العراقية بعد تعرضه للصعق الكهربائي وأن المتظاهرين توجهوا بعد التشييع إلى مبنى محافظة البصرة".
وأضاف أن "القوات الأمنية العراقية عززت تواجدها في محيط مبنى المحافظة، واستخدمت القوات الأمنية العراقية الرصاص الحي لتفريق تظاهرات واسعة شهدتها محافظة البصرة قطعت على إثرها الطرق وأحرقت الإطارات. وأقدم عدد من المتظاهرين على قطع الطريق وقاموا بحرق إطارات السيارات ونصبوا متاريس من البراميل في شارع السعدي بالقرب من مبنى المحافظة لشل حركة المدينة، وواجهت القوات الأمنية المحتجين بالغاز المسيل للدموع وتمكنت من تفريقهم.
أما في قضاء الزبير، الذي لم يتوقف عن الاحتجاج منذ أكثر من شهرين، فقد استخدمت القوات الأمنية العنف ضد المحتجين، وأجبرتهم على إنهاء التظاهرة. من جهته، قال الناشط من البصرة علي الفريجي "تظاهرنا بالقرب من مبنى المحافظة للمطالبة بحقوقنا، لكننا جوبهنا من جديد برد عنيف وقوي من قبل الأمن الذي استخدم عناصره الغاز المسيل للدموع والرصاص الحي لتفريقنا". وأضاف "أصيب العشرات من المتظاهرين بالاختناق نتيجة الإفراط في استخدام الغاز المسيل للدموع".
وتشهد بعض محافظات وسط وجنوب العراق خلال الشهرين الماضيين تظاهرات احتجاجية واسعة تطالب بتحسين الخدمات العامة وتوفير الماء والكهرباء، والقضاء على البطالة ومكافحة الفساد في دوائر الدولة. وتخللت التظاهرات أعمال شغب واعتداءات أدت إلى مقتل 16 شخصا وجرح 50 آخرين من المدنيين، وحوالي 260 مصابا من قوات الأمن، وإلحاق أضرار بممتلكات الدولة، واتهمت السلطات "المحرضين" بتصعيد التوتر في البلاد.
اضف تعليق