تفاقمت الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها السودان منذ عام 2011م، بشكل خطير في الفترة الاخيرة بسبب انهيار العملة الوطنية أمام الدولار الأميركي بشكل مستمر، وذلك لعجز الدولة عن توفير هذه العملة بسبب فقدانها لنفط دولة جنوب السودان الذي كان يشكل إحدى ركائز الاقتصاد السوداني، وعانى الاقتصاد السوداني لفترة طويلة من العقوبات الاميركية التي فرضت عليه العام 1997 ورفعت في تشرين الاول/اكتوبر الفائت...
تفاقمت الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها السودان منذ عام 2011م، بشكل خطير في الفترة الاخيرة بسبب انهيار العملة الوطنية أمام الدولار الأميركي بشكل مستمر، وذلك لعجز الدولة عن توفير هذه العملة بسبب فقدانها لنفط دولة جنوب السودان الذي كان يشكل إحدى ركائز الاقتصاد السوداني، وعانى الاقتصاد السوداني لفترة طويلة من العقوبات الاميركية التي فرضت عليه العام 1997 ورفعت في تشرين الاول/اكتوبر الفائت. لكن واشنطن ابقت السودان على قائمة الدول "الراعية للارهاب". وخسر الاقتصاد السوداني 75% من انتاج النفط الذي كان يبلغ 470 الف برميل يوميا بانفصال جنوب السودان عنه العام 2011 والذي كان يمثل المصدر الرئيسي للعملات الاجنبية التي يستخدمها البلد الواقع في شرق افريقيا لاستيراد المواد الغذائية.
ويعد الاقتصاد السوداني من أكثر القطاعات الاقتصادية التي شهدت معاناة كبيرة؛ بسبب الصراعات الاجتماعية، والحرب الأهلية، وغيرها من الأسباب الأخرى، وكما نقلت بعض المصادر فقد راهنت الدولة في الفترة الأولى من الأزمة على إيجاد حل يضمن استمرار جزء من الدعم الدولاري من دولة جنوب السودان مقابل السماح بمرور نفط الدولة الوليدة عبر الأنابيب والمصافي السودانية، وبعد جولات ماراثونية من الحوار تخللتها اشتباكات توصلت الدولتان لاتفاق لو تم تنفيذ بنوده لأنهى أزمة الاقتصاد السوداني من جذورها، ويتضمن أن يتدفق نفط جنوب السودان عبر السودان إلى العالم بمبلغ 20 دولارا للبرميل الواحد لمدة خمس سنوات، بعد ذلك يسمح بمرور نفط دولة جنوب السودان حسب الأسعار العالمية وهي دولار واحد لكل برميل.
ويعاني الاقتصاد السوداني من تدهور في أغلب المجالات؛ مما أدى إلى التأثير على النمو والتنمية الاقتصاديّة في السودان، ونتج عن ذلك تراجع العديد من القطاعات الاقتصادية، وارتبط هذا التدهور الاقتصادي مع مجموعة من الأسباب، مها التضخم: هو من الأسباب الرئيسية لتدهور الاقتصاد السوداني؛ بسبب ظهور عجز في الميزانية الماليّة، ونتج عنه فقدان للعائدات النفطية، وانخفاض بالإنتاج الصناعي والزراعي؛ بسبب الاعتماد الكامل على النفط دون الاهتمام بعوائد القطاعات الإنتاجية الأخرى؛ وفي هذا الشأن قال الجهاز المركزي للإحصاء في السودان إن التضخم زاد إلى 63.87 بالمئة على أساس سنوي في يونيو حزيران من 60.93 بالمئة في مايو أيار، بينما يسعى البلد، المتعطش للدولار، جاهدا للتغلب على أزمة اقتصادية. ويعاني السودان نقصا حادا في النقد الأجنبي وسوق سوداء ترتفع فيها قيمة الدولار على نحو متزايد وهو ما يقوض قدرته على الاستيراد ويتسبب في ارتفاع الأسعار، مما أوقد شرارة اضطرابات في وقت سابق هذا العام في بعض أجزاء البلاد.
وتزايدت الأسعار في البلد المعتمد على الاستيراد بثالث أسرع وتيرة في العالم في الأشهر القليلة الماضية، بعد جنوب السودان الذي تمزقه الحرب وفنزويلا التي تعاني تضخم جامحا، وفقا لبيانات أصدرها صندوق النقد الدولي في أبريل نيسان. وقال الجهاز المركزي للإحصاء إن التضخم في يونيو حزيران جاء مدفوعا بزيادات في أسعار الأغذية والمشروبات. ويأتي التدهور الحاد للاقتصاد على الرغم من رفع الولايات المتحدة عقوبات استمرت 20 عاما عن السودان العام الماضي، في خطوة كان من المتوقع أن تدعم البلد المعزول اقتصاديا. ورفضت الحكومة السودانية مقترحا من صندوق النقد الدولي لتحرير سعر صرف عملته في أواخر العام الماضي. وبدلا من ذلك أجرت الحكومة خفضين كبيرين للعملة وفرضت قيودا على الإيداعات الدولارية في مسعى لكبح نشاط السوق السوداء.
نقص الخبز
من جانب اخر يعاني السودان نقصا في الخبز دفع المواطنين للاصطفاف في صفوف لساعات خارج المخابز مع استفحال أزمة يلقي التجار باللوم فيها على شح العملة الصعبة. ويكافح اقتصاد السودان منذ انفصال الجنوب في 2011 مستحوذا على ثلاثة أرباع إنتاج البلاد النفطي وهو ما حرمه من مصدر مهم للعملة الصعبة. وتفاقمت الأزمة على مدى العام الماضي حيث حلت سوق سوداء للدولار فعليا محل النظام المصرفي الرسمي بعد خفض قيمة الجنيه السوداني مما زاد صعوبة استيراد السلع الأساسية مثل القمح.
وتضاعف سعر الخبز إلى مثليه في يناير كانون الثاني مما أدى إلى خروج مظاهرات بعدما ألغت الحكومة الدعم، ولكن ليس هناك أي بوادر احتجاجات هذه المرة. وفي حي بانت بمدينة أم درمان في الخرطوم، وقف عشرات المواطنين في صف طويل خارج أحد المخابز. وقال عبد الله محمود (53 عاما) وهو عامل يومية ”هذا شئ لا يطاق. أنا هنا منذ الصباح الباكر في صف العيش لأكثر من ساعتين، ولم أحصل عليه حتى الآن، ولم أذهب إلى العمل“.
وقالت فاطمة ياسين، 36 عاما، وهي تقف في صف النساء ”أسعار كل السلع غالية، والعيش غير متوفر، نحن نعيش حياة صعبة، والحكومة لا تهتم بنا“. وشٌوهدت صفوف مماثلة في مدن أخرى بالقرب من العاصمة الخرطوم. واستورد السودان مليوني طن من القمح في 2017، حسبما قالت الحكومة في ديسمبر كانون الأول، مقارنة مع إنتاج محلي بلغ 445 ألف طن. وقال أحمد صالح، وهو صاحب مخبز توقفنا عن العمل لعدم حصولنا على حصتنا من الدقيق“.
وربما يسبب تفجر أي غضب أو استياء جراء هذا النقص مشكلة للحكومة. ففي يناير كانون الثاني، احتجزت السلطات زعيما معارضا بارزا، وصادرت صحفا في محاولة لمنع اتساع نطاق الاضطرابات. لكن والي الخرطوم عبد الرحيم محمد حسين قال في تعليقات نقلتها وكالة الأنباء الرسمية إن الولاية ستتسلم حصتها من إمدادات القمح ولم يخض في تفاصيل. وعزا تجار القمح من القطاع الخاص، الذين عهدت إليهم الحكومة بمسؤولية الاستيراد في بداية هذا العام، نقص الطحين (الدقيق) إلى شح العملة الصعبة. وقال أحد التجار إن رجال الأعمال يضطرون بشكل متزايد لشراء العملة الأجنبية من السوق السوداء بسعر أعلى لتمويل الواردات. بحسب رويترز.
وقال تاجر آخر ”في الوقت نفسه، تحدد الحكومة سعر بيع الدقيق بأسعار غير حقيقية للدولار، فلا يمكن أن نبيع الدقيق بالخسارة“. وهبط سعر صرف الجنيه السوداني منذ بداية العام بعدما خفضت الحكومة قيمة العملة إلى 18 جنيها مقابل الدولار، وهو أعلى بأكثر من المثلين عن سعر الربط عند 6.7 جنيه مقابل الدولار. وشهدت العملة مزيدا من الخفض، حيث يبلغ سعر الصرف الرسمي الآن 29 جنيها مقابل الدولار.
حرب على الفساد
في السياق ذاته اتهم الرئيس السوداني عمر البشير "شبكات فساد" بالسعي الى تخريب اقتصاد البلاد وسرقة اموال الشعب، معلنا "حربا" على هذا الفساد لانقاذ الاقتصاد الذي يعاني على وقع ارتفاع اسعار المواد الغذائية. وقال البشير ان "شبكة من المتعاملين في تبديل العملات الاجنبية والمهربين والمصرفيين تسعى لتدمير اقتصاد البلد الذي عانى من عقوبات اقتصادية اميركية امتدت لسنوات وفقد عائدات النفط عقب انفصال جنوب السودان عنه عام 2011".
واضاف "هناك مضاربة جشعة من حفنة من تجار العملة ومهربي الذهب والسلع التموينية (...) هم قلة يتحكمون في كل شيء ولهم امتداد في الجهاز المصرفي وتسببوا بتراجع قيمة الجنيه السوداني مقابل الدولار منذ بداية العام الحالي". وتابع البشير "من الواضح ان هناك شبكات فساد مترابطة استهدفت تخريب الاقتصاد القومي من خلال سرقة أموال الشعب"، مؤكدا "اننا سنتابع إجراءاتنا ومعالجتنا حتى نسترد أموال الشعب المنهوبة ولن يفلت من العقاب احد". وشدد على "أنها حرب على الفساد في كل مكامنه ومخابئه، وهي حرب في بدايتها ولن تقف حتى تحقق أغراضها".
من جهة اخرى قالت وكالة السودان للأنباء إن قرارا جمهوريا صدر بإعفاء وزير الخارجية من منصبه. وقالت الوكالة ”أصدر المشير عمر حسن احمد البشير رئيس الجمهورية قرارا جمهوريا أعفى بموجبه بروفيسور إبراهيم أحمد غندور من منصبه كوزير للخارجية“. وكان غندور دعا البرلمان إلى التدخل لمساعدة الدبلوماسيين السودانيين الذين لم يتلقوا رواتبهم منذ سبعة أشهر ولم يحصلوا على أموال لدفع إيجار مقار البعثات الدبلوماسية في الخارج.
وقال إن المبلغ الذي تحتاجه وزارة الخارجية أقل من 30 مليون دولار، في أول تعليق علني من مسؤول حكومي على عجز البنك المركزي عن توفير العملة الأجنبية لتيسير مهام الحكومة. وفي العقود الماضية حرم السودان من التمويل الدولي إلى حد كبير بسبب العقوبات الأمريكية التي رفعت في أكتوبر تشرين الأول. ومنذ ذلك الحين يحاول المسؤولون جذب المستثمرين للمساعدة في دفع عجلة الاقتصاد الذي يئن منذ انفصال الجنوب في 2011. وكلف الانفصال السودان ثلاثة أرباع إنتاجه من النفط المصدر الرئيسي للعملة الأجنبية ودخل الحكومة.
ترشيح البشير
الى جانب ذلك نقلت وكالة السودان للأنباء عن الحزب الحاكم قوله إنه سيدعم زعيمه الرئيس عمر البشير كمرشح في انتخابات عام 2020، وهي خطوة ستتطلب تعديلا دستوريا. والبشير في السلطة منذ 30 عاما تقريبا وهو مطلوب من المحكمة الجنائية الدولية في جرائم حرب. وقال في وقت سابق إنه سيتنحى في 2020 ولم يعلن صراحة اعتزامه الترشح مجددا.
وقالت الوكالة ”اعتمد مجلس الشورى القومي المشير عمر حسن البشير مرشحا لرئاسة الجمهورية في انتخابات 2020 ووجه الأجهزة المختصة لابتدار الإجراءات اللازمة للتنفيذ“. وينص الدستور السوداني، الذي تم تعديله في 2005، على ألا تزيد عدد الفترات التي يقضيها الرئيس في السلطة عن اثنتين. ولابد من تعديل الدستور للسماح للبشير بفترة رئاسية أخرى. وصعد البشير، ضابط الجيش السابق، إلى السلطة في انقلاب عسكري عام 1989. وفاز في الانتخابات عامي 2010 و 2015 بعد تغيير الدستور في أعقاب إبرام اتفاق سلام مع المتمردين في الجنوب. ووجهت المحكمة الجنائية الدولية في عام 2008 اتهامات للبشير في أعمال قتل واضطهاد شهدها إقليم دارفور بين عامي 2003 و2008. بحسب رويترز.
من جانب اخر قالت وكالة السودان للأنباء إن الرئيس عمر حسن البشير أصدر قرارا بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين في البلاد . وأضافت الوكالة أن هذا القرار جاء ”استجابة لمناشدة أحزاب وقوى الحوار الوطني“ لمنح المعتقلين فرصة للمشاركة في العملية السياسية في البلاد. وقالت وكالة السودان للأنباء ”إطلاق سراح المعتقلين السياسيين يجيء تعزيزا لروح الوفاق والوئام الوطني والسلام التي أفرزها الحوار الوطني بشقيه السياسي والمجتمعي ولإنجاح وتهيئة الأجواء الإيجابية في ساحة العمل الوطني بما يفتح الباب لمشاركة جميع القوى السياسية في التشاور حول القضايا الوطنية ومتطلبات المرحلة القادمة وخطوات إعداد الدستور الدائم للبلاد“.
ويعقد البشير اجتماعات متواصلة مع جماعات المعارضة والمتمردين منذ عام 2015 تحت شعار الحوار الوطني وذلك لأهداف منها إنهاء صراعات تدور منذ فترة طويلة في مناطق مثل دارفور. لكن جماعات كثيرة قاطعت هذه المبادرة مطالبة البشير بأن يلغي أولا ما تصفه بقوانين قمعية في مجالي الأمن والصحافة والإفراج عن المعتقلين السياسيين. وأصدر البشير قرارا في وقت سابق بالإفراج عن نحو 80 معتقلا سياسيا وذلك بعد أسابيع من اعتقالهم خلال احتجاجات عمت البلاد على ارتفاع أسعار المواد الغذائية واستمرار إجراءات التقشف. وتقول جماعات معارضة إن قرابة 50 معتقلا سياسيا لا يزالون محتجزين.
اضف تعليق