في انتظار خان تحديات كثيرة وازمات مختلفة داخلية وخارجية، أبرزها مواجهة التطرف ونقص المياه، بالإضافة إلى \"ترويض الجيش\" الذي اعتاد على التدخل في الحياة السياسية في البلاد، حيث لم يتمكن أي رئيس وزراء من إنهاء ولاية من خمس سنوات بالكامل.
تولى بطل الكريكت العالمي السابق عمران خان رئيس الوزراء الباكستاني الجديد مهامه رسميا بعد أدائه اليمين الدستورية، ليضع حدا لعشرات السنين من تناوب بين حزب الرابطة الإسلامية جناح نواز المنتهية ولايته، وحزب الشعب الباكستاني، على السلطة مع فترات حكم خلالها الجيش. وفي انتظار خان كما نقلت بعض المصادر تحديات كثيرة وازمات مختلفة داخلية وخارجية، أبرزها مواجهة التطرف ونقص المياه، بالإضافة إلى "ترويض الجيش" الذي اعتاد على التدخل في الحياة السياسية في البلاد، حيث لم يتمكن أي رئيس وزراء من إنهاء ولاية من خمس سنوات بالكامل. وأكثر التحديات إلحاحا هو الأزمة الاقتصادية، وسط تقارير تشير إلى أن باكستان ستضطر لطلب قرض من صندوق النقد الدولي. ويمثل التطرف أكبر تحد في مواجهة رئيس الوزراء الجديد، فعلى الرغم من أن الوضع الأمني في البلاد الذي كان سيئا جدا، تحسن في السنوات الأخيرة بعد سلسلة من العمليات العسكرية ضد المجموعات المسلحة المتحصنة على الحدود الأفغانية، إلا أن بعض المحللين يرون أن على السلطات مكافحة الجذور الحقيقة للتطرف، إذ لا يزال المسلحون قادرين على تنفيذ هجمات عنيفة. ويطلق عليه في باكستان "طالبان خان" لدعوته لإجراء محادثات مع الحركات المسلحة. وخلال الحملة حاول استمالة المتشددين، مثيرا المخاوف من أن تؤدي سياسته إلى تقوية المتطرفين.
وسيكون على الحكومة المقبلة البت "بحلول نهاية أيلول/سبتمبر" في مسألة طلب قرض من صندوق النقد الدولي إذا كانت تريد تجنب خطر أزمة في ميزان المدفوعات، واضطر البنك المركزي في الأشهر الأخيرة للجوء إلى احتياطيه من القطع الأجنبي وتخفيض العملة لخفض عجز آخذ في الاتساع. وتستورد باكستان كميات كبيرة من السلع وضاعفت شراء مواد بناء صينية من أجل مشروع ضخم صيني باكستاني بمليارات الدولارات لبنى تحتية يجري تنفيذه حاليا. كما تضرر اقتصادها من ارتفاع أسعار النفط. أما صادراتها الضئيلة مثل النسيج، فهي تواجه منافسة من دول أخرى كالصين، فيما سجلت التحويلات من الخارج تباطؤا أيضا. وقال دبلوماسي إن البلاد تعول على قرض يبلغ 6,5 مليارات دولار على الأقل. ويتحدث محللون عن قرض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي. يرى خبراء أن باكستان تتوجه على ما يبدو إلى كارثة بيئية إذا لم تعالج السلطات مشكلة موارد المياه. وسيواجه البلد الذي تأثر إلى حد كبير بالتغير المناخي "نقصا مطلقا" في المياه بحلول 2025، وسيكون هناك أقل من 500 متر مكعب من الماء متوفرة للشخص الواحد، بحسب التقديرات. مع وجود جيش قوي حكم باكستان لنحو نصف تاريخها منذ استقلالها قبل 71 عاما، لم يتمكن أي رئيس وزراء من إنهاء ولاية من خمس سنوات بالكامل. وسيواجه خان المسألة نفسها التي واجهها العديد من أسلافه، وهي الحفاظ على توازن قوى في العلاقات بين المؤسسات المدنية والعسكرية. وكان خان قد فاز في الانتخابات العامة متعهدا بمحاربة الفساد والقضاء على الفقر بين سكان باكستان البالغ تعدادهم 208 ملايين نسمة أغلبهم من المسلمين. وشهدت باكستان عدة انقلابات في تاريخها الممتد منذ 71 عاما. وانتخاب خان هو ثاني انتقال ديمقراطي للسلطة وإذا أتم فترة ولايته ومدتها خمسة أعوام فإنه سيكون أول رئيس وزراء يحقق ذلك. وكان حزب حركة الإنصاف قد حصل على 151 مقعدا من بين مقاعد البرلمان ومجموعها 342 مقعدا.
ويقول محللون إن مدى نجاح خان في حل التوترات التاريخية بين المدنيين والجيش، التي لاحقت الحكومات المتعاقبة، قد يكون السمة المميزة لفترة حكمه. وانتهت الفترة الثانية لشريف، المسجون حاليا بتهم فساد قبل أسابيع من الانتخابات، بانقلاب عسكري في عام 1999. كما سيكون على الحكومة الجديدة ايضا حل الخلافات مع بعض الحلفاء الأقوياء ومنهم الولايات المتحدة الامريكية، التي تتهم باكستان بعدم الجدية في محاربة الارهاب من خلال دعم بعض الجماعات المسلحة.
دعوة امريكية
وفي هذا الشأن دعا وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو رئيس الوزراء الباكستاني الجديد عمران خان إلى اتخاذ "تدابير حاسمة" ضد الجماعات "الإرهابية" التي تعمل من باكستان. وتمنى بومبيو لبطل الكريكت السابق كل النجاح في منصبه الجديد على رأس الحكومة الباكستانية بعد انتخابه في 25 حزيران/يونيو، حسب ما أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية هيذر نويرت.
وأضافت في بيان أن بومبيو "قال إنه يرغب في العمل مع الحكومة الجديدة لعلاقات ثنائية مثمرة". وتابعت "أشار (بومبيو) أيضاً إلى أنه من المهمّ بالنسبة إلى باكستان اتخاذ تدابير حاسمة ضد كل الإرهابيين الذين يعملون في باكستان وأن دورها أساسي لتشجيع عملية السلام في أفغانستان". بحسب فرانس برس.
وتتهم واشنطن المسؤولين الباكستانيين بتجاهل وحتى بالتنسيق مع الجماعات الجهادية التي تنفذ اعتداءات في أفغانستان من قواعدها على طول الحدود بين البلدين، خصوصاً شبكة حقاني، الأمر الذي تنفيه إسلام أباد. وتوترت العلاقات مع باكستان في كانون الثاني/يناير عندما اتهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب باكستان بإطلاق "أكاذيب" وب"النفاق" في الحرب على الإرهاب وعلّق المساعدة الأميركية للأمن في هذا البلد والتي تبلغ قيمتها مئات ملايين الدولارات. وفي باكستان، أطلق على رئيس الوزراء الجديد لقب "طالبان خان" بسبب دعوته المتكررة للتفاوض مع المتمردين.
من جانبها طالبت باكستان الولايات المتحدة بإصلاح ما قالت وزارة خارجيتها إنه وصف ”مجاف للحقيقة“ لمكالمة تليفونية بين وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ورئيس الوزراء الباكستاني الجديد عمران خان. وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إنها تتمسك بتوصيفها للمكالمة. ويأتي الخلاف قبل زيارة مزمعة لبومبيو لإسلام اباد في الأسبوع الأول من سبتمبر أيلول للاجتماع مع خان الذي أدى اليمين القانونية.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إن بومبيو تمنى النجاح لخان خلال المكالمة وطلب منه أيضا أن يتخذ ”إجراء حاسما ضد جميع الإرهابيين الذين يعملون في باكستان“. وباستمرار يثير المسؤولون الأمريكيون موضوع طالبان ومتشددين آخرين يخططون من ملاذات آمنة في باكستان لهجمات على القوات الأمريكية والأفغانية عبر الحدود. وتنفي باكستان بانتظام أن تكون طالبان الأفغانية تنفذ عمليات من أراضيها.
وأكدت وزارة الخارجية الباكستانية أن موضوع المتشددين لم يرد له ذكر على الإطلاق في المكالمة بين بومبيو وخان. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الباكستانية على تويتر ”تعبر باكستان عن غضبها من البيان المجافي للحقيقة الذي أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية حول المكالمة التليفونية “. وأضاف ”لم يرد ذكر على الإطلاق في المحادثة لإرهابيين يعملون في باكستان. يجب تصحيح هذا فورا“.
ومع ذلك قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية هيذر ناورت إنها لن تصدر تصحيحا للبيان. وقالت ناورت في مؤتمر صحفي ”أستطيع فقط أن أقول إننا نتمسك ببياننا“. ووصفت المتحدثة باكستان بأنها ”شريك مهم“ في المنطقة. ومضت تقول ”أجرى وزير الخارجية مكالمة جيدة مع رئيس الوزراء الجديد ونتطلع إلى علاقة طيبة معهم في المستقبل“.
ترامب وإسلام اباد
في السياق ذاته يقول مسؤولون أمريكيون إن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بدأت بهدوء في تقليص برامج تعليم وتدريب عشرات الضباط الباكستانيين وهي برامج ظلت سمة مميزة للعلاقات العسكرية بين البلدين خلال أكثر من عشر سنوات. وهذه الخطوة، التي لم يعلن عنها من قبل، واحدة من الآثار الأولى الواضحة لقرار ترامب الذي اتخذه هذا العام بتعليق المساعدات الأمنية لباكستان لدفعها إلى شن حملة على الإسلاميين المتشددين في أراضيها.
ولم تعلق وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) والقوات المسلحة الباكستانية على الخطوة أو المداولات الداخلية بشأنها لكن مسؤولين من كل من البلدين انتقدوها في أحاديث خاصة. وقال مسؤولون أمريكيون طالبين ألا تنشر أسماؤهم، إنهم يخشون من أن يكون من شأن هذه الخطوة تقويض إجراء رئيسي لبناء الثقة بين الجانبين. وحذر مسؤولون باكستانيون من أن من الممكن أن تدفع هذه الخطوة الجيش الباكستاني للتقرب من الصين أو روسيا سعيا للتدريب على القيادة العسكرية.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن رفع اسم باكستان من برنامج التعليم والتدريب العسكري الدولي التابع للحكومة الأمريكية (آي.إم.إي.تي) من شأنه غلق الأماكن التي خصصت لستة وستين ضابطا باكستانيا هذا العام. وسوف تبقى تلك الأماكن شاغرة أو تمنح لضباط من دول أخرى. ووصف دان فيلدمان، وهو ممثل خاص سابق للولايات المتحدة في أفغانستان وباكستان، الخطوة بأنها ”قصيرة النظر للغاية وقاصرة“. وقال ”سيكون لهذا الأمر تداعيات سلبية دائمة تحد من العلاقات الثنائية بشكل كبير في المستقبل“.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، إن القيمة المالية لإلغاء تدريب الضباط الباكستانيين تقدر بمبلغ 2.41 مليون دولار حتى الآن. وأضاف أن هناك برنامجين آخرين تأثرا. ومن غير الواضح بالتحديد أي مستوى من التعاون العسكري ما زال باقيا بين البلدين خارج برنامج (آي.إم.إي.تي) بخلاف الاتصالات رفيعة المستوى بين القادة العسكريين الأمريكيين والباكستانيين.
ولطالما سعى الجيش الأمريكي إلى إبعاد مثل هذه البرامج التعليمية عن التوترات السياسية مشيرا إلى أن الصلات التي تقام من خلال استقدام ضباط أجانب إلى الولايات المتحدة لها فوائد على المدى البعيد. وعلى سبيل المثال تتباهي كلية الحرب التابعة للجيش الأمريكي في كارلايل في بنسلفانيا والتي يدرس فيها ضابطان باكستانيان كل عام بأن من بين خريجيها الجنرال نافيد مختار المدير العام الحالي لجهاز المخابرات المشتركة الباكستاني القوي.
وتقول كلية الحرب، وهي أهم كلية في الجيش الأمريكي لتعليم الضباط الأجانب، إن 37 ضابطا باكستانيا تعلموا فيها خلال العقود الماضية. وقالت متحدثة باسم الكلية إنه لن يكون هناك طلاب من باكستان فيها في العام الدراسي الجديد. وتم رفع باكستان أيضا من برامج في كلية الحرب البحرية الأمريكية وكلية الأركان البحرية وبرامج تشمل دراسات الأمن الإلكتروني.
وهاجم ترامب باكستان بشدة في أول تغريدة له غي عام 2018 قائلا إن إسلام اباد لم تقابل المساعدات الأمريكية السابقة إلا ”بالأكاذيب والخداع“. وأعلنت واشنطن في يناير كانون الثاني تعليق نحو ملياري دولار مساعدات أمنية أمريكية لباكستان. لكن وسائل إعلام محلية نقلت عن وزير الخارجية الباكستاني قوله بعد أسابيع من القرار إن إسلام اباد تلقت من الولايات المتحدة ما يفيد بأنها ستواصل تمويل برامج التعليم والتدريب (آي.إم.إي.تي). بحسب رويترز.
وتعتمد الولايات المتحدة على باكستان في نقل إمداداتها لقواتها في أفغانستان لكن واشنطن تتهم إسلام اباد بأنها تلعب لعبة مزدوجة. وفي هذا النطاق ثارت التوترات بسبب شكاوى أمريكية من أن باكستان تسمح لمتشددي حركة طالبان الأفغانية وشبكة حقاني التي تستهدف القوات الأمريكية في أفغانستان بالعمل في أراضيها. وقال مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون إن وزير الدفاع جيم ماتيس رفض استبعاد الضباط الباكستانيين من برامج التعليم والتدريب العسكري الأمريكية. وقال مسؤول دفاعي أمريكي سابق شارك في الأحاديث حول هذا الموضوع ”أشعر بصدمة... لقد عملنا بقوة من أجل الإبقاء على هذا الشيء الوحيد“.
التقشف ودفع الضرائب
على صعيد متصل دعا عمران خان رئيس وزراء باكستان الجديد الأغنياء إلى بدء دفع الضرائب وقال إن الدولة ستبدأ حملة تقشف للحد من الديون في خطوة سيبدأها ببيع أسطول مكتبه من السيارات المضادة للرصاص . وحدد خان في أول كلمة له إلى الشعب بوصفه رئيسا للوزراء رؤيته ”لباكستان جديدة“ وتحدث باستفاضة عن ضرورة إعادة تشكيل باكستان من خلال تطبيق نظام إسلامي للرعاية الاجتماعية يحد من الفقر ويقلص مستويات الديون المرتفعة.
وقال خان ”أرسينا عادة سيئة بالاعتماد في عيشنا على القروض والمساعدات من بلدان أخرى“. وأضاف ”لا يمكن لبلد أن يزدهر بهذه الطريقة. على الدولة أن تقف على قدميها“. وأدى لاعب الكريكيت السابق خان (65 عاما) اليمين رئيسا للوزراء بعدما وصل الحزب الذي ينتمي إليه إلى سدة الحكم في انتخابات جرت الشهر الماضي. ولم يشر خان في حديثه إلى أي خطط سياسية للتعامل مع أزمات العملة، والتي قال محللون إنها ستجبر باكستان على حزمة إنقاذ مالي جديدة من صندوق النقد الدولي، لكنه ركز على الديون وقال إن محافظ البنك المركزي السابق عشرت حسين سيقود قوة مهام لتطبيق خطة للتقشف. بحسب رويترز.
وأعلن خان أنه سيعيش في منزل صغير مؤلف من ثلاث غرف نوم بدلا من المقر الحالي الفخم المخصص لإقامة رئيس الوزراء. ويعتزم خان أن يحتفظ فقط بخادمين من إجمالي 524 خادما لرئيس الوزراء. كما أعلن عن خطط لبيع أسطول من السيارات المضادة للرصاص لمساعدة الخزانة على سد أي عجز. وقال ”أريد أن أقول لشعبي إنني سأعيش حياة بسيطة. سأحافظ على أموالكم“. ودعا خان الباكستانيين في الخارج إلى الاستثمار في بلدهم والأغنياء إلى البدء في دفع الضرائب. وقال ”مسؤوليتكم دفع الضرائب... اعتبروا ذلك جهادا. يجب أن تدفعوا الضرائب لتحسين أحوال بلدكم“.
وتعهد خان بخلق ملايين فرص العمل وإقامة نظام طبي وتعليمي على مستوى عالمي في البلد ذي الأغلبية المسلمة الذي يصل عدد سكانه إلى 208 ملايين نسمة. ومن أهم التحديات التي ستواجهه اتخاذ قرار بشأن طلب دعم مالي من صندوق النقد الدولي لتخفيف الضغوط على العملة أو طلب مساعدة من الصين والمخاطرة بتعميق اعتماد باكستان اقتصاديا على جارتها. وقال خان في خطاب حماسي أمام البرلمان ”أريد أن أشكر الشعب وأريد أن أحمد الله لمنحي الفرصة لتحقيق التغيير... أولا علينا أن ننفذ عملية محاسبة صارمة... من سرقوا هذه البلاد.. سأحاسب كل واحد منكم“.
اضف تعليق