توفي الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كوفي عنان عن عمر ناهز 80 عاما بعد معاناة قصيرة مع المرض، حسب ما أعلنت المؤسسة التي تحمل اسمه. وعنان سابع أمين عام للأمم المتحدة، تولى منذ ستينات القرن الماضي طيفا من المناصب في المنظمات الدولية ومن بينها منظمة الصحة العالمية ومفوضية الأمم المتحدة للاجئين. وهو أول أفريقي أسود يتولى المنصب وقد خدم فترتين من 1997 إلى 2006...
توفي الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كوفي عنان عن عمر ناهز 80 عاما بعد معاناة قصيرة مع المرض، حسب ما أعلنت المؤسسة التي تحمل اسمه. وعنان سابع أمين عام للأمم المتحدة، تولى منذ ستينات القرن الماضي طيفا من المناصب في المنظمات الدولية ومن بينها منظمة الصحة العالمية ومفوضية الأمم المتحدة للاجئين. وهو أول أفريقي أسود يتولى المنصب وقد خدم فترتين من 1997 إلى 2006.
وأعلنت منظمته غير الحكومية وفاته بسويسرا في تغريدة، قائلة إنه "توفي بعد مرض قصير غير معروف". وقالت المنظمة في بيانها: "أينما كانت هناك معاناة أو حاجة كان يمد يده إلى العديد من الأفراد بعطفه وتعاطفه العميق". وقال الأمين العام الحالي للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيرش، إن "كوفي عنان كان قوة موجهة للخير. شعرت بحزن عميق عندما علمت بوفاته. كان هو الأمم المتحدة، من نواحي عدة. لقد ترقى في صفوفها ليقود المنظمة إلى الألفية الجديدة بكرامة وعزيمة لا مثيل لهما".
وحتى خارج المنصب، لم يغادر عنان مطلقًا مدار الأمم المتحدة. وعاد ليلعب أدوارا خاصة، بما في ذلك المبعوث الخاص لجامعة الدول العربية إلى سوريا عام 2012. وظل مناصرا قويا للقضايا العالمية من خلال مؤسسته التي تحمل اسمه. وكان سفير الولايات المتحدة السابق في الأمم المتحدة ريتشارد هولبرووك قد وصف عنان بأنه "أفضل أمين عام للأمم المتحدة في تاريخها". وحاز عنان في 2001 مناصفة مع الأمم المتحدة جائزة نوبل للسلام لجهوده في تفعيل دور المنظمة ولإعطائه الأولوية لقضايا حقوق الإنسان وكذلك سعيه لاحتواء أزمة انتشار الإيدز في أفريقيا.
كوفي عنان
ولد عنان في كوماسي في غانا عام 1938 وتلقى دراسته في كوماسي ومينيسوتا وماساتشوستس وجنيف قبل أن ينضم للأمم المتحدة عام 1962 كإداري ومسؤول ميزانية في منظمة الصحة العالمية. وعمل في المجلس الاقتصادي الدولي في افريقيا بأديس أبابا وقوات الطوارئ الدولية في الإسماعيلية ومكتب رئيس المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في جنيف ومقر الأمم المتحدة في نيويورك حيث ترأس عمليات حفظ السلام.
وفي عام 1997 تولى منصب الأمين العام للأمم المتحدة بعد تصميم الولايات المتحدة على عدم التجديد لبطرس غالي. وواجه عنان بعض التحديات في بداية ولايته أبرزها أن المنظمة الدولية كانت على حافة الإفلاس. وبعد رحلة لواشنطن لحثها على دفع المستحقات للمنظمة الدولية شرع في خطة إصلاح لتجديدها وقلص نحو ألف وظيفة من 6 آلاف وظيفة في المقر الرئيسي بنيويورك.
وبخلاف ملف العراق كان عنان قد حظي بإعجاب كبير لدوره في افريقيا حيث ظلت مشاكل الحرب والمجاعة والمرض وتشريد ملايين المدنيين تضرب في ربوعها وتحول دون التنمية والتقدم. وقد أبدى التزاما شخصيا بالتعامل مع مرض الإيدز حيث عمل على جلب الأموال من الدول الغنية لمواجهة تفشي المرض كما عمل على إقناع العديد من الدول خاصة في إفريقيا على الاعتراف بخطرة التهديد الذي يمثله انتشار هذا المرض على مستقبلها.
ورغم ذلك انتقده تقرير على سوء إدارة برنامج النفط مقابل الغذاء الذي كان يسمح للعراق في ظل العقوبات ببيع نفطه مقابل الغذاء والدواء. وقال التقرير الذي وضعه بول فولكر رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي السابق إن صدام حسين استغل البرنامج لتحقيق أرباح غير مشروعة. وتمت تبرئة عنان من الاتهام بمساعدة ابنه كوجو، الذي عمل بإحدى الشركات، على فوز الشركة بتعاقد لمراقبة البرنامج.
كما تعرض للنقد أيضا لعدم تصرفه بسرعة في أزمات البوسنة ورواندا، فقد كان رئيس عمليات حفظ السلام الدولية عندما وقعت مذابح سربرينيتشا ورواندا. وكان الإصلاح مشروع عنان الرئيسي في الأمم المتحدة وقد ضغط لفرض فلسفة التدخل، فالأمم المتحدة فوق سيادة الدول عند الضرورة لحماية المدنيين من الحروب والمذابح. وعين لجنة حكماء لصياغة تقرير أقر دور الأمم المتحدة عندما تفشل دولة في حماية مواطنيها. وفي سبتمبر/أيلول عام 2005 أقر إعلان الأمم المتحدة أن على كل حكومة حماية مواطنيها من الإبادة والقتل الجماعي وانتهاكات حقوق الإنسان. ولعل إرساء هذا المبدأ هو أهم إرث تركه عنان. وفي عام 2006 ترك عنان كرسي الأمانة العامة وشغل لاحقاً منصب المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، ليقود الجهود الدولية لإيجاد حل سلمي للصراع.
لكن عنان لم يسلم من الانتقادات. ويلوم منتقدون عنان، على فشله في وقف المذابح العرقية في رواندا، في التسعينيات من القرن الماضي، حينما كان رئيسا لعمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. ويقول المدافعون عنه إنه حاول الحصول على قوات كافية وحشد الدعم من القوى الكبرى لتغيير الوضع في البوسنة ورواندا، لكن منتقديه يقولون إنه لم يتمتع بالجرأة اللازمة لتقيده بالحدود التي تعلمها خلال عمله لعقود موظفا في المنظمة الدولية. وأثناء احتفاله بعيد ميلاده الثمانين في إبريل 2018 دافع عنان عن دوره في رواندا وعن مسيرته وبدا وكأنه يكافح للإفلات من لعنة التاريخ، كما عبر عن الأسى لغياب القادة الأقوياء الذين يساعدون في الأزمات. وقال "واجهتنا صعوبات في الماضي لكن في بعض الحالات كان للقيادة شأن"، واختتم عنان بالدعوة إلى التفاؤل قائلا "أنا متفائل عنيد.. ولدت متفائلا وسأظل متفائلا.. لحظة أن أفقد الأمل كل شيء يضيع.. أدعوكم للتشبث بالأمل مثلي".
زعماء وقادة العالم
قدم الكثير من قادة الدول ورؤساء الحكومات تعازيهم في وفاة كوفي أنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة والحائز على جائزة نوبل للسلام وتدفقت عبارات الثناء والرثاء من شتى أنحاء العالم. وأعرب الأمين العام الحالي للأمم المتحدة البرتغالي أنطونيو غوتيريس عن خالص حزنه لوفاة كوفي أعنان وقال "في نواحٍ كثيرة كان كوفي أنان هو الأمم المتحدة. ترقى في السلم الوظيفي حتى قاد المنظمة إلى ألفية جديدة بكرامة وتصميم منقطعي النظير".
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن بلاده لن تنسى تعامله الهادئ والتزامه القوي "تثني فرنسا عليه. لن ننسى قط تعامله الهادئ والحازم مع القضايا والتزامه القوي". ونعى الرئيس الغاني نانا أكوفو-أدو مواطنه قائلا "الدبلوماسي الدولي المتمرس والأمين العام السابق للأمم المتحدة الذي يحظى باحترام شديد السيد كوفي أنان كان أول من يشغل هذا المنصب المرموق من دول أفريقيا جنوبي الصحراء. حقق صيتا متميزا لبلدنا بهذا المنصب وعبر أدائه وسلوكه في الساحة الدولية. كان مفعما بالإيمان في قدرة المواطن الغاني على رسم مساره نحو التقدم والرخاء". من جهته قال الرئيس الغاني السابق جون ماهاما عن كوفي أنان "عاش وعمل من أجل السلام العالمي والأمن والتنمية المستدامة في أوقات صعبة للغاية. إنه فخر لغانا ولأفريقيا".
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قال "كرس هذا الشخص الرائع والسياسي الفذ كثيرا من سنوات عمره لخدمة الأمم المتحدة. وخلال قيادته للأمم المتحدة في توقيت صعب، فعل الكثير لتحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها المنظمة وتعزيز دورها الرئيسي في الشؤون الدولية".
اما الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش فقال "كان كوفي رجلا محترما وقائدا للأمم المتحدة لم يكل. وسيفتقد العالم خبرته". باراك أوباما من جانبه قال "كان كوفي أنان دبلوماسيا وإنسانا جسد رسالة الأمم المتحدة". وقالت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي "كرس كوفي أنان حياته لجعل العالم أكثر سلاما من خلال دأبه وتفانيه في الخدمة. عمل أنان بلا كلل لتوحيدنا ولم يكف عن الكفاح من أجل كرامة كل إنسان". بحسب فرانس برس.
اما المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل فقالت "لم ييأس كوفي أنان أبدا أثناء عمله للخير من أجل هذا العالم. عرف كيف يجعل الناس متواصلين مع بعضهم وصار قدوة وخصوصا للشبان في أنحاء العالم". ووصفت مؤسسة كوفي أنان الراحل بأنه "كان رجل دولة عالميا ملتزما بالقضايا الدولية من أجل عالم أكثر عدلا وسلما، أينما كانت هناك معاناة أو حاجة، كان يمد يده إلى كثيرين بعطفه وتعاطفه العميقين".
اضف تعليق