q
تفاقمت الخلافات بين تركيا والولايات المتحدة الامريكية بشكل كبير، بعد ان سعت إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، عقوبات اقتصادية على أنقرة، بسبب بعض القضايا الخلافية بين البلدين ومنها، أزمة القس الأمريكي المحتجز فى تركيا أندرو برونسون، وصفقة الصواريخ الروسية التي يسعى أردوغان لإتمامها مع موسكو...

تفاقمت الخلافات بين تركيا والولايات المتحدة الامريكية بشكل كبير، بعد ان سعت إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، عقوبات اقتصادية على أنقرة، بسبب بعض القضايا الخلافية بين البلدين ومنها، أزمة القس الأمريكي المحتجز فى تركيا أندرو برونسون، وصفقة الصواريخ الروسية التي يسعى أردوغان لإتمامها مع موسكو، إلى جانب رفض أردوغان المشاركة في تطبيق العقوبات الاقتصادية التي أعلنها الرئيس الأمريكي ضد إيران. وهو ما اغضب ترامب الذي سعى وبحسب بعض المصادر الى اتخاذ قرارات متشددة ضد تركيا اهم حلفاء الامس، حيث اختار ترامب اللحظة المناسبة لضرب تركيا من خلال أعلن مضاعفة التعريفات الجمركية على الصلب والألومنيوم المستوردين وهما مصدرين حيويين للاقتصاد التركي.

وبحسب صحيفة الجارديان البريطانية فان اردوغان الذي تعهد بعدم السماح بـ "تركيع بلاده" وتحدث عن وجود مؤامرة ضد بلاده وسعى الى اتخاذ اجراءات مضادة، لديه خيارات قليلة للضغط على ترامب مثل التهديد بخروج تركيا من حلف شمال الأطلسي الناتو وتوثيق علاقتها مع روسيا، لكن تركيا بحاجة إلى إجراءات اقتصادية وليست دبلوماسية لأن الفشل في معالجة المشكلات سيصبح الآن مكلفا.

وتُثار تساؤلات كثيرة حول حجم التجارة بين تركيا وأمريكا، وكيف ستعوض الأولى وارداتها بعد الخلاف مع واشنطن؟ لا سيما أن الولايات المتحدة تعتبر رابع أكبر مصدر للواردات التركية، وما هي خطوات أنقرة لإيجاد بدائل بعد دعوة الرئيس التركي لمقاطعة البضائع والمنتجات الأمريكية؟. فقد أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن بلاده اتخذت جميع التدابير والاحتياطات للتصدي وإفشال "المؤامرات" التي تستهدف الاقتصاد التركي، مشيراً إلى أنها ستقوم "بقلب الطاولة" على الولايات المتحدة "كي ينقلب السحر على الساحر"، على حد تعبيره.

ودعا أردوغان الشعب التركي إلى مقاطعة البضائع والمنتجات الأمريكية، ومن ضمنها الإلكترونية؛ على خلفيّة الأزمة التي افتعلتها الولايات المتحدة، والتي تسبَّبت بهبوط الليرة التركية إلى مستويات قياسية، مؤكداً أن بلاده عازمة على تقديم مزيد من الحوافز لرجال المال والأعمال الراغبين في الاستثمار بتركيا.

وحسب إحصائيات هيئة الإحصاء التركية، فإن حجم الواردات التركية من الولايات المتحدة الأمريكية حتى نهاية 2017 بلغ 11.95 مليار دولار ، في حين كان حجم الصادرات التركية للولايات المتحدة 8.65 مليارات دولار. وتعتبر الولايات المتحدة رابع أكبر مصدر للواردات التركية بعد (الصين وألمانيا وروسيا وبريطانيا)، وخامس أكبر سوق للمنتجات التركية بعد (ألمانيا وبريطانيا والإمارات والعراق).

رد تركي

وفي هذا الشأن فرضت تركيا زيادات كبيرة على الجمارك المفروضة على الواردات الأمريكية بما فيها السيارات والمشروبات الكحولية والتبغ. ووفق مرسوم صادر عن الرئيس التركي رجب طيب أردغان، تقرر زيادة الجمارك على السيارات إلى 120 في المئة، والمشروبات الكحولية إلى 140 في المئة والتبغ الخام إلى 60 في المئة. وساعدت هذه الزيادة في انتعاش الليرة، العملة التركية، حيث استعادت 3 في المئة من قيمتها.

وكانت الولايات المتحدة قد ضاعفت الجمارك على المنتجات التركية بعد رفض أنقرة تسليم القس الأمريكي أندرو برنسون الذي يحاكم في تركيا بتهم إرهاب. وكانت قيمة الليرة التركية قد هبطت بنسبة تجاوزت 20 في المئة بعد هذه العقوبات الأمريكية. وقال فؤاد أوكتاي، نائب الرئيس التركي، إن التعريفات التركية الجديدة قد تقررت "في إطار التبادل ردا على الهجمات المتعدة على اقتصادنا من جانب الإدارة الأمريكية".

وقد رفعت تركيا أيضا الجمارك على مستحضرات التجميل والأرز والفحم. وكانت تركيا قد أعلنت في وقت سابق أنها سوف تقاطع المنتجات الالكترونية الأمريكية. من ناحية أخرى، رفضت محكمة تركية طلبا برفع الإقامة الجبرية عن القس الأمريكي برونسون الذي يحاكم بتهمة إقامة صلات مع منظمات إرهابية. وحسب محامي برونسون، فإن المحكمة رفضت رفع حظر السفر على القس المتهم بصلاته بجماعات إرهابية، وهو ما ينفيه القس. غير أن المحامي قال إنه قدم طلب استئناف إلى محكمة أعلى سعيا لرفع الإقامة عن موكله.

وقال البيت الأبيض إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يشعر بـ"إحباط كبير" لعدم إفراج تركيا عن برنسون المقبوض عليه منذ عامين. وأوضحت سارة ساندرز، المتحدثة باسم البيت الأبيض، أن "الرئيس لديه قدرا كبيرا من الإحباط لأن القس برنسون لم يُطلق سراحه بالإضافة إلى عدم إطلاق سراح مواطنين أمريكيين آخرين وموظفين في منشآت دبلوماسية". واتهم أردوغان الولايات المتحدة بالسعي إلى "إخضاع تركيا من خلال التهديد بسبب قس".

وتصر الولايات المتحدة على أن القس أندرو برونسون، الذي يرعى كنيسة "القيامة" الصغيرة في مدينة إزمير، "ضحية اعتقال مجحف". وكانت السلطات التركية قد قبضت على القس الإنجيلي، وهو من ولاية نورث كارولاينا، قبل نحو عامين لاتهامه بالارتباط بحزب العمال الكردستاني المحظور وحركة جماعة غولن، التي تتهمها تركيا بتنظيم انقلاب فاشل في عام 2016، وهو ما ينفيه محامو برونسون والولايات المتحدة نفيا قاطعا. بحسب بي بي سي.

وينفي غولن الذي يعيش في ولاية بنسيلفانيا الضلوع في محاولة الانقلاب، ويقول إن حركة "خدمة" التي يرأسها تدعو إلى شكل سلمي من الإسلام. وكانت محكمة تركية قد أخلت سبيل القس الأمريكي يوم 25 يوليو / تموز 2018 لكن وضعته رهن الإقامة الجبرية. وأقرت محكمة أخرى استمرار حبس القس بينما كانت الولايات المتحدة تأمل في أن يطلق سراحه.

قطر وتركيا

الى جانب ذلك وصل أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، إلى العاصمة التركية أنقرة، في زيارة عمل بصحبة وفد رسمي، واستقبل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أمير قطر في المجمع الرئاسي بالعاصمة أنقرة، وتأتي زيارة أمير قطر في ظل استمرار الخلاف بين تركيا والولايات المتحدة، والذي انعكس على قيمة الليرة التركية، وهو ما وصفه مراقبون أتراك بـ"الحرب الاقتصادية" على أنقرة. وهذه ثاني زيارة للشيخ تميم إلى تركيا خلال عام 2018، والثالثة منذ اندلاع الأزمة الخليجية وحصار السعودية والإمارات والبحرين ومصر لدولة قطر، في يونيو 2017.

وتشهد العلاقات التركية القطرية تطوّراً متنامياً وتعاوناً متواصلاً على مختلف الأصعدة، مع وجود تناغم سياسي كبير بين البلدين واتفاق في وجهات النظر تجاه الكثير من القضايا الإقليمية والدولية، لا سيما قضايا الشرق الأوسط. وتراجعت قيمة العملة التركية مقابل الدولار الأمريكي بنحو 40%، بعدما ضاعف الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لرسوم الجمركية على واردات الألمنيوم والصلب التركية. وجاء ذلك بعد أيام من فرض واشنطن عقوبات على وزيري العدل والداخلية التركيين؛ لرفض أنقرة الإفراج عن القس الأمريكي أندرو برانسون، الذي تحتجزه تركيا بتهم تتعلَّق بالإرهاب.

وتعهّد أمير قطر بتخصيص 15 مليار دولار أمريكي كاستثمارات مباشرة في تركيا، وذلك كخطوة إسنادية لمواجهة أزمة الليرة التركية. وأكد الزعيمان خلال اللقاء التزامهما بمواصلة تطوير العلاقات بين تركيا وقطر في جميع المجالات، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء التركية (الأناضول). وفي أول تعليق على الخطوة القطرية، قال متحدث باسم الحكومة التركية: إن "قطر ستستثمر 15 مليار دولار في بلادنا، فاقتصادنا يستند على أسس متينة وتركيا ستخرج أقوى من هذه المرحلة". وانعكست هذه الخطوة فوراً على وضع الليرة التركية، إذ إنها سجلت ارتفاعاً طفيفاً وصل إلى 5.85 بعد أن كانت 6.01 مقابل الدولار الأمريكي، حسب الوكالة التركية.

اهتمام عربي

الى جانب ذلك أولت صحف عربية اهتماماً بالأزمة الاقتصادية التركية بعد أن تراجعت قيمة الليرة التركية بأكثر من 20 في المئة مع تصاعد التوتر بين أنقرة وواشنطن. وكانت واشنطن قد أعلنت مضاعفة الرسوم الجمركية على أنقرة، بعدما رفضت تركيا تسليم القس الأمريكي أندرو برانسون المحتجز لديها منذ عامين. وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن بلاده سوف تقاطع المنتجات الإلكترونية الأمريكية.

وتقول موناليزا فريحة في النهار اللبنانية إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يستخدم العقوبات الاقتصادية "أداة مدمرة في مواجهة خصومه، لا مجرد وسيلة ضغط لإجبارهم على تقديم تنازلات أو الجلوس إلى طاولة المفاوضات". ويقول عبد الباري عطوان، رئيس تحرير رأي اليوم الإلكترونية اللندنية، إن "الحرب الاقتصادية التي يشنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على تركيا هذه الأيام، وأدت إلى 'انهيار جزئي' لقيمة الليرة التركية، ربما لا تقل خطورة عن الانقلاب العسكري الذي أراد الإطاحة بالرئيس رجب طيب أردوغان وحكومته المنتخبة قبل عامين، إن لم يكن أخطر". ويرى أن السلوك الأمريكي تجاه تركيا "طعنة ... يجب أن تكون درساً لكل الذين يراهنون عليها كصديق وحليف، فلم يقدم أحد لأمريكا أكثر مما قدمته تركيا على مدى نصف قرن من الخدمات، فجرى مكافأتها بهذه الطعنة المسمومة".

أما صالح عوض في الشروق الجزائرية، فيرى أن ما يحدث لتركيا هو امتداد للصراع مع الاستعمار الغربي. ويقول "الأمريكان ليسوا مسكونين بصداقات دائمة أو علاقات حميمية أو صلات ثقافية، كل ذلك من شأن الاستعمار القديم الذي ولت عهوده بثقافتها الخاصة، ليجيء شكل جديد من الاستعمار لا يؤمن إلا بتكسير الدول وإشاعة الفوضى ونهب ثروات الشعوب وتعزيز تسيّد أمريكا على العالم".

وفي صحيفة الشرق الأوسط اللندنية، يتساءل عبد الرحمن الراشد "هل تجرؤ الحكومة التركية على المواجهة مع الولايات المتحدة؟". ويجيب بأنه "أمر مستبعد". ويضيف بأن موضوعاً "هامشيا" مثل اعتقال القس "لا يستحق ... أن يكون سبباً في تخريب الاقتصاد التركي". ويرى الراشد أن ترامب "يستخدم القس ورقة في لعبة الضغط، لأنه يعلم إن أطلقت تركيا سراحه فسيكون له الفضل وإن لم تطلق سراحه فسيستخدمه ورقة انتخابية لصالحه بأنه وقف إلى جانبه، ويعاقب تركيا على اعتقالها له. أما تركيا فإنها الخاسر على الجانبين، إذا تركت المشكلة مفتوحة".

وفي جريدة عكاظ السعودية، يرى رامي الخليفة العلي، أن الأزمة الاقتصادية في تركيا "مُركّبة" نتيجة تراكمات السنوات الماضية، محذراً أنه "طالما لم تتم معالجة أسبابها العميقة فإن ذلك يعني استمرارها". ويرى أن تركيا تغيّرت في السنوات الأخيرة وأن "مما تغير أيضاً تحول حزب العدالة والتنمية من حزب محافظ ومؤسسة سياسية، إلى حزب الرجل الواحد". ويضيف أن المحاولة الانقلابية الفاشلة كانت "لحظة فاصلة في تاريخ تركيا المعاصر، لأنها نقلت تركيا من نموذج كان واعداً ... إلى حكم ينقلب على كل ما تم تأسيسه في المرحلة الأولى من حكم العدالة والتنمية".

ويتابع أن "انتخاب السيد أردوغان مثّل ذروة هذا الانقلاب، ففقد البنك المركزي استقلاليته بعد التعديلات الدستورية الأخيرة، والمؤسسة القضائية أصبحت بيد السيد أردوغان، فكانت قضية القس الأمريكي هي المثال الذي سيبقى عالقا بالذهن لفترة طويلة". وفي صحيفة الشرق الأوسط اللندنية، يرى مشاري الذايدي أن الخلاف بين أردوغان وترامب "ليس محصوراً بقصة القس الأميركي المسجون بتركيا. هذا عنوان الأزمة؛ لكن مضمونها هو انزياح أردوغان بدولة تركيا نحو المعسكر المعادي لواشنطن". ويقول "كانت تحديات أردوغان ورجاله للعقوبات على إيران شكلاً صارخاً من أشكال التحدي الأجوف". ويرى الكاتب أن العقوبات الأمريكية هي "رسالة ترامب للحلفاء الرماديين". بحسب بي بي سي.

ويقول "على كل حال، الاختيارات صارت واضحة في عهد الرئيس الأمريكي الصلب دونالد ترامب. لن تدعي بعد اليوم الحلف مع أمريكا وأنت في المعسكر المعادي. ربما كان هذا 'اللعب' ينفع في وقت الرئيس 'المرن' باراك أوباما". وفي الشرق القطرية، يقول عبد العزيز أل إسحاق، إن وقوف قطر مع تركيا شعباً وحكومة في ما تتعرض له من ضغط اقتصادي "بات واجباً، ليس فقط من أجل تركيا كدولة، ولكن من أجلنا أيضا، فقد أصبحت مصالحنا مشتركة ومصيرنا مشتركا ومستقبلنا مشتركا".

اضف تعليق