q
مشكلة الفساد المالي والإداري التي استفحلت بشكل كبير في العراق بعد عام 2003، بسبب نظام المحاصصة وضعف القوانين والإجراءات العقابية، هي اليوم من أهم واخطر المشكلات في العراق، فحجم الفساد في الدولة العراقية وكما نقلت بعض المصادر، بلغ مستويات قياسية خطيرة وأرقام مهولة...

مشكلة الفساد المالي والإداري التي استفحلت بشكل كبير في العراق بعد عام 2003، بسبب نظام المحاصصة وضعف القوانين والإجراءات العقابية، هي اليوم من أهم واخطر المشكلات في العراق، فحجم الفساد في الدولة العراقية وكما نقلت بعض المصادر، بلغ مستويات قياسية خطيرة وأرقام مهولة، فمنظمة الشفافية العالمية صنفت العراق من ضمن الدول الأكثر فسادًا في العالم، هذه المشكلة المتفاقمة اثارت غضب واستياء الشارع العراقي الذي خرج بمظاهرات حاشدة تطالب بتوفير الخدمات ومحاسبة المفسدين، وهو ما دفع الحكومة العراقية الى وضع خطط واجراءات جديدة لمعالجة هذه المشكلة، والتي قال عنها رئيس الوزراء حيدر العبادي في وقت سابق انها معركة الحكومة الجديدة بعد الانتصار على داعش ووصفها بانها "أخطر من معركة الإرهاب". واحتل العراق في مؤشر فساد لمنظمة الشفافية الدولية والذي تم نشرة حول مؤسسات الدولة ي فيه المرتبة 161 من أصل 168 مما اجبر الحكومة ان تستعين بمحققين دوليين لاشراكهم في ملفات فساد “كبرى”كما تقول للمساعدة في التحقيق واهمها معرفة مصير 360 مليار دولار مفقودة منها 100مليار خارج البلد وسوء الإدارة الذي يمثل تحد يواجه العراقيين منذ سقوط النظام السابق.ويرى بعض المراقبين ان الحكومة العراقية ستعجز عن تطبيق وعدوها بهذا الشأن ولاسباب مختلفة، اهمها ان بعض القضايا والملفات ترتبط باحزاب وشخصيات كبيرة ومتنفذه يصعب محاسبتها بسبب ضعف القوانين الحالية.

الحكومة الجديدة

وفي هذا الشأن دعا المرجع الأعلى لشيعة العراق آية الله علي السيستاني في خطبة الجمعة إلى تشكيل حكومة ”في أقرب وقت ممكن على أسس صحيحة“ لمواجهة الفساد وسوء الخدمات الأساسية فيما وقعت المزيد من الاحتجاجات في جنوب البلاد. ودعا السيستاني في الخطبة، التي ألقاها ممثل عنه في مدينة كربلاء، حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي المنتهية ولايتها إلى تلبية مطالب المحتجين بتوفير وظائف وتحسين الخدمات الأساسية. وقال ”يجب أن تجد الحكومة الحالية في تحقيق ما يمكن تحقيقه بصورة عاجلة من مطالب المواطنين وتخفف بذلك من معاناتهم وشقائهم“.

وبعد فترة قصيرة من خطبة الجمعة تظاهر آلاف الأشخاص في مدن الجنوب العراقي احتجاجا على نقص الخدمات الحكومية المناسبة وعدم توفر الوظائف. ويعاني الجنوب من الإهمال منذ فترة طويلة على الرغم من أنه منطقة تركز الشيعة في البلاد. وفي البصرة، المدينة النفطية الرئيسية في الجنوب، احتشد نحو ألفي شخص خارج مقر المحافظة.

وقال واثق عبد الأمير (32 عاما) وهو عاطل عن العمل ”نحتاج إلى شن حرب جديدة. لكن تلك المرة يجب أن تكون على الحكومة الفاسدة وليس على الإرهاب“. كما شهدت مدينتا العمارة والناصرية احتجاجات مماثلة. وحدثت احتجاجات بسبب نفس المطالب من قبل لكن التوترات هذه المرة واسعة الانتشار ولها حساسية سياسية. ويتصاعد الغضب في وقت يحاول فيه السياسيون تشكيل حكومة بعد الانتخابات التي جرت يوم 12 مايو أيار وشابتها مزاعم تزوير أدت إلى إعادة فرز الأصوات.

ويقود العبادي الذي يسعى لولاية ثانية حكومة تسيير أعمال لحين تشكيل حكومة جديدة. وقال ممثل السيستاني إن رئيس الحكومة المقبلة ينبغي أن يتحلى بالقوة والشجاعة لمحاربة الفساد في الحكومة. وأضاف ”يجب عليه (رئيس الحكومة الجديد) أن يشن حربا لا هوادة فيها على الفاسدين وحُماتهم“. وأيد العبادي في بيان صادر عن مكتبه تصريحات السيستاني وقال ”إن كل ما دعت إليه المرجعية الدينية العليا كان وسيبقى نصب أعيننا“. بحسب رويترز.

وطرح السيستاني، الذي نادرا ما يتدخل في السياسة لكن له كلمة مسموعة لدى الرأي العام، خريطة طريق تتضمن إرشادات على الحكومة المقبلة اتباعها لتخفيف الأزمة الاقتصادية ومكافحة الفساد. وقال إن الحكومة الجديدة لا يجب أن تضم أي مسؤولين متهمين بالفساد أو إساءة استغلال السلطة أو من يدعمون التفرقة الطائفية. وقال أحمد يونس وهو محلل سياسي في بغداد إن السيستاني بعث برسالة واضحة مفادها أن حكومة العبادي أخفقت في وضع حد للفساد أو في توفير الخدمات الأساسية. وأضاف ”أوضح السيستاني أن حكومة العبادي أخفقت في أداء المهمة وأن على الحكومة الجديدة حل القضايا العالقة. هذه حقا عقبة صعبة... أمام العبادي“.

تفاقم الفساد

ينتهي المطاف بالمتورطين بقضايا فساد في العراق الى هاربين خاج البلاد بجيوب تفيض بالمال أو خارج القضبان بعد ان يعفى عنهم، على الرغم من وعود السلطات بمحاربتهم بالطريقة ذاتها التي خاضتها ضد الجهاديين. وفي بلد يحتل المرتبة العاشرة بين الدول الاكثر فسادا في العالم، يتقاذف كل من السلطة التنفيذية والقضائية والتشريعية وهيئة النزاهة، الكرة في ملعب الاخر في عملية محاربة الفساد، ويرى المحلل السياسي هشام الهاشمي ان الموضوع ما زال "نظرية بحتة".

قبل إعلان النصر النهائي على تنظيم داعش في مطلع كانون الثاني/ديسمبر، قال رئيس الوزراء حيدر العبادي ان المعركة القادمة ستكون ضد الفساد. وأقرّ العبادي قبل أيام بأن المعركة ضد الفساد ستكون قاسية وان الاجراءات تسير على قدم وساق وهناك قوائم قيد التحقيق "وسنفاجىء الفاسدين". لكن الهاشمي يؤكد أن لا شيء سيتغير "ما لم ترفع الحماية عن أغطية الفساد المسيطرة على مفاصل اقتصاد وأمن وعسكر العراق".

وترى النائبة في البرلمان العراقي ماجدة التميمي ان "الفساد وصل الى مرحلة ديناصور بعدما كان نملة" منذ غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة الاميركية لازاحة نظام صدام حسين عام 2003. وتقول "من المؤكد ان الموضوع صعب وأشرس من الحرب على داعش". وتوضح "كل الاحزاب لديها فاسدون ولا أتصور يوجد حزب بدون فاسدين، هناك نسب تتراوح حول طبيعة الاستحواذ على السلطة"، مضيفة "اذا كان الفاسدون من داخل حزبك، فالحرب ستكون شعواء وتحتاج الى دعم دولي وداخلي من الاحزاب نفسها لمكافحته".

وتسيطر الشكوك حول إمكانية القيام بأي شيء ناجع وحاسم. وقال أحد السياسيين لمجموعة من الصحافيين ساخرا إن المسؤول الذي يسرق مبلغا أقل من 60 مليون دولار، ينظر إليه بأنه نزيه، عندما يكون الحديث عن فساد على مستوى عالٍ". ويقول النائب رحيم الدراجي، عضو لجنة النزاهة في البرلمان، إن هناك أكثر من خمسة آلاف عقد وهمي، وتسلمت شركات وهمية نسبة تتراوح بين 30 الى 60 بالمئة من الاموال استنادا الى هذه العقود.

ويؤكد ان كمية الاموال التي أهدرت في مشاريع بناء وبنى تحتية، على الورق فقط، بلغت 228 مليار دولار، مشيرا الى ان هذه المبالغ "تطايرت مثل الدخان". وتفوق هذه الاموال بثلاث مرات الموازنة الوطنية وإجمالي الناتج المحلي للبلاد. ويرى خبراء ان هذا الفساد الهائل يساعد على تفسير النقص الهائل في الخدمات وتدهور البنى التحتية وتدهور التنمية الصناعية والزراعية. وعلى الرغم من الموازنات الانفجارية التي تحققت من بيع النفط، لا يزال العراق يستورد الكهرباء والمنتجات النفطية، علما أنه ثاني بلد منتج للنفط في منظمة أوبك.

وباتت البلاد خالية بشكل شبه كامل من مشاريع الصناعة والزراعة، وتعتمد بغالبية مطلقة على الاستيراد، وهو ما يعتبره مراقبون نتيجة حتمية لاستشراء الفساد. وما أنجز من مشاريع داخل البلاد تم عبر مبالغ طائلة من خزينة الدولة تضمنت كمية ضخمة من الرشى. ويقول النائب الدراجي إن وزارة الدفاع العراقية تعاقدت مثلا على شراء 12 طائرة من شركة تشيكية بقيمة تبلغ 11 مليون دولار، "لكن دفعت رشوة قيمتها 144 مليونا"، ويقول ساخرا "أي سَرَقنا"، من دون إعطاء تفاصيل إضافية.

ويقول مصدر حكومي إن السلطات تستعين بمحققين من مؤسسات غربية ومن بعثة الامم المتحدة لتتبع عمليات تهريب وغسيل الاموال. ويوضح المتحدث باسم السلطة القضائية القاضي عبد الستار بيرقدار أن "هناك فاسدين دينوا بقرارات قضائية وصدرت أحكام عقابية بحقهم وفق القانون، ولكن شملهم قانون العفو العام الذي شرعه مجلس النواب". وبين هؤلاء الذين تمكنوا من الفرار من البلاد، محافظ البصرة ماجد النصراوي الذي اتهمه عبدالله عويز، أحد أبرز المقاولين في البلاد، في لقاء تلفزيوني بالمطالبة بنسبة 15 بالمئة من قيمة كل مشروع يخصص خمسة بالمئة منها الى حزبه وعشرة في المئة تذهب الى جيبه. بحسب فرانس برس.

ودعت هيئة النزاهة الى تشديد العقوبة على المتهمين بالفساد، وطالبت بوقف شمول المتهمين بالعفو. واتهم قاض مختص بالنزاهة السلطة التنفيذية بالوقوف وراء الاخفاق في اعتقال المسؤولين عن الفساد بعد اصدار أوامر قضائية ضدهم. ويقول بيرقدار "التشريع الذي صدر العام الماضي شمل المتهمين بالفساد، في حال أعادوا المبالغ التي سرقوها او التي تسبب اختلاسها بأضرار". ويرى مصدر قضائي أن "التشريع غير منصف، فمن سرق مليارين على سبيل المثال قبل عشر سنوات والان اصبح لديه عشرون مليارا، يدفع المليارين ويغادر السجن". ويضيف ساخرا "انها بمثابة قرض مصرفي".

الانتخابات الاخيرة

الى جانب ذلك قرر القضاء العراقي إحالة خمسة من مسؤولي مفوضية الانتخابات المقالة إلى المحاكم بعد توصيات وزارية أثبتت وقوع مخالفات وفساد مالي في الانتخابات البرلمانية التي جرت في 12 أيار/مايو وشابتها شبهات بالتزوير. وكان مجلس القضاء الأعلى قد قرر في أوائل حزيران/يونيو تعيين قضاة للإشراف على عمليات العد والفرز اليدوي بدل أعضاء مجلس المفوضين الذين أوقفوا عن العمل. وبعد تلقي التوصيات الحكومية في تقرير مفصل جاء في 28 صفحة، قرر مجلس القضاة المنتدبين عزل وإحالة خمسة من مدراء المكاتب إلى القضاء، "بتهمة التزوير".

وأعلن المتحدث الرسمي لمجلس القضاة المنتدبين القاضي ليث جبر حمزة في بيان أن المجلس قرر تنفيذ توصيات اللجنة الوزارية "المتضمنة اتخاذ الإجراءات القانونية بخصوص عزل مدراء مكاتب صلاح الدين والأنبار وكركوك، إضافة إلى مديري مكتبي الأردن وتركيا، وإحالتهم إلى القضاء". ولفت جبر إلى أن "مجلس المفوضين اتخذ قراره بعد إن أوصت اللجنة التحقيقية بذلك بسبب ارتكابهم مخالفات وتلاعب وفساد مالي بعد مصادقة رئيس مجلس الوزراء على توصياتها وإحالة عدد منهم للقضاء".

وأشارت اللجنة في تقريرها إلى أنها "اطلعت على كتاب المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بشأن شراء أصوات ناخبين منسوبة إلى المدعو سلمان علي سحاب وزير التجارة الحالي وشقيقه المدعو عصام، ومرفق التسجيل الصوتي بهذا الشأن". واطلعت على "نسخة كتاب جهاز المخابرات العراقي المتضمن لحدوث خروقات عديدة في المراكز والمحطات التابعة إلى مفوضية الأردن وبعضها تم بعلم أو بإيعاز مباشر من قبل مدير المكتب محمد جاسم العيساوي".

وبحسب التوصيات فقد "تبين بأن المفوضية قد ألغت ما يقارب 22 محطة انتخابية من مجموع 48 في الأردن و16 محطة في تركيا مما يعني أن المفوضية لحق إلى عملها مدى التلاعب الذي تسبب به مدراء المفوضية في الأردن وتركيا". وأوصت اللجنة "بتشريع قانون جديد يضمن تولي قضاة مهمة إدارة العملية الانتخابية". وكان مجلس المفوضية ومنذ تأسيس مفوضية الانتخابات يرشح أعضائه عبر التوافقات السياسية بين الكتل البرلمانية.

وتنتهج الأحزاب المهيمنة على السلطة منذ سقوط نظام صدام حسين ترشيح شخصيات تنتمي إليها لشغل مناصب في مفوضية الانتخابات وفقا للمحاصصة الطائفية. وأوصت اللجنة بإجراء "مساءلة انضباطية بحق رئيس واعضاء مجلس المفوضية لثبوت وجود مخالفات إدارية وتقصير من خلال تلكؤهم في متابعة الرقابة وضبط السلوكيات الوضيعة لبعض مدراء مكاتبهم في الخارج وأقرانهم في الداخل". بحسب فرانس برس.

وكانت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أعلنت في 24 حزيران/يونيو الماضي إعادة فرز الأصوات في الانتخابات التشريعية. ومنذ ذلك الحين، تحالفت عدة قوائم مع بعضها لتشكيل أغلبية، لكن إعادة العد والفرز والاحتجاجات الشعبية أخرت المفاوضات. وبعد انتهاء العد والفرز سيعقد مجلس النواب الجديد لانتخاب الرئاسات الثلاث.

اضف تعليق