q
بعد الانتصارات المهمة التي حققها الجيش السوري في الفترة الأخيرة، والتي استطاع من خلالها تحرير الكثير من المناطق، يواصل عملياته العسكرية ضد الجماعات المسلحة المدعومة من جهات خارجية في مختلف مناطق البلاد، وفي تطور عسكري جديد قصف الجيش السوري بالمدفعية مناطق تسيطر عليها فصائل مسلحة في جنوب غرب البلاد في تصعيد مطرد...

بعد الانتصارات المهمة التي حققها الجيش السوري في الفترة الأخيرة، والتي استطاع من خلالها تحرير الكثير من المناطق، يواصل عملياته العسكرية ضد الجماعات المسلحة المدعومة من جهات خارجية في مختلف مناطق البلاد، وفي تطور عسكري جديد قصف الجيش السوري بالمدفعية مناطق تسيطر عليها فصائل مسلحة في جنوب غرب البلاد في تصعيد مطرد من جانب الرئيس بشار الأسد الذي تعهد باستعادة المنطقة المتاخمة للأردن ومرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل. ومن شأن هذا الهجوم الكبير في جنوب غرب البلاد وكما نقلت بعض المصادر، تصعيد الحرب المستمرة منذ سبع سنوات. وكانت واشنطن حذرت من أنها ستتخذ ”إجراءات حازمة ومناسبة“ ردا على انتهاكات الحكومة لاتفاق ”خفض التصعيد“ الذي توصلت إليه الولايات المتحدة وروسيا العام الماضي بهدف احتواء الصراع في جنوب غرب البلاد.

وهناك هدف كبير تسعى إليه الحكومة من خلال عملياتها العسكرية، هو استعادة المعبر الحدودي مع الأردن الذي كان قبل الصراع بوابة تجارية أساسية لحركة السلع في أرجاء المنطقة. وأضر إغلاق المعبر بشدة بالاقتصادين السوري والأردني. واتجهت دفة الحرب إلى الجنوب الغربي منذ أن سحقت قوات الجيش السوري، بدعم حاسم من حلفائه روسيا وإيران، ما تبقى من جيوب المعارضة قرب دمشق وحمص. ورغم تعهد الأسد باستعادة المنطقة فإن الحملة العسكرية ستواجه تعقيدات بسبب مصالح الأردن وإسرائيل المتحالفتين مع الولايات المتحدة. وتشعر إسرائيل ببالغ القلق من دور إيران في سوريا. وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إنها ”منزعجة بشدة من تقارير عن زيادة عمليات النظام السوري“ في المنطقة.

وذكرت الوكالة العربية السورية للأنباء أن سلاح المدفعية في الجيش نفذ ”رمايات مركزة“ على مواقع لمتشددين في مدينة الحراك ومدينة بصر الحرير. وقالت وسائل إعلام رسمية إن قذائف صاروخية أطلقها مسلحو المعارضة من محافظة درعا أسفرت عن مقتل مواطنين اثنين في مدينة السويداء التي تسيطر عليها الحكومة شرقا.

وقال الأسد هذا الشهر إن حكومته تسعى، بناء على اقتراح من روسيا، لإبرام اتفاق بشأن جنوب غرب البلاد على غرار اتفاقات أسفرت عن استعادتها للسيطرة على مناطق أخرى بعد انسحاب مسلحي المعارضة منها. لكنه أضاف أن ذلك لم يؤت أي ثمار حتى الآن بسبب التدخل الإسرائيلي والأمريكي. وقال الأسد إن المنطقة ستسترد بالقوة إذا لزم الأمر. وقال أحد قادة المعارضة إنها لن تتنازل ”عن شبر من أرض الجنوب السوري“.

الأسد يتحدى أمريكا

وفي هذا الشأن قال المرصد السوري لحقوق الإنسان وقياديون في المعارضة إن طائرات هليكوبتر تابعة للحكومة السورية أسقطت براميل متفجرة على مناطق تسيطر عليها المعارضة في جنوب غرب البلاد للمرة الأولى منذ عام في تحد لمطالب أمريكية بوقف الهجوم. وتعهد الأسد باستعادة المنطقة الواقعة على الحدود مع الأردن ومع هضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل، وشرع الجيش في تصعيد هجومه هناك مهددا منطقة ”لخفض التصعيد“ اتفقت عليها الولايات المتحدة وروسيا العام الماضي.

وكررت الولايات المتحدة مطلبها باحترام المنطقة، محذرة الأسد والروس الذين يدعمونه من ”عواقب وخيمة“ للانتهاكات. واتهمت دمشق ببدء الضربات الجوية والقصف المدفعي والهجمات الصاروخية. ويهدد شن هجوم كبير بتصعيد أوسع نطاقا قد يزيد انخراط الولايات المتحدة في الحرب. ويسبب جنوب غرب سوريا قلقا استراتيجيا لإسرائيل التي كثفت العام الماضي هجمات على فصائل تدعمها إيران متحالفة مع الأسد.

ويركز الهجوم على عدة بلدات خاضعة للمعارضة خاصة بصر الحرير الواقعة شمال شرقي مدينة درعا ويهدد بشطر منطقة خاضعة للمعارضة تمتد شمالا إلى أراض تسيطر عليها الحكومة السورية. وقال المرصد ومقره بريطانيا إن طائرات الهليكوبتر أسقطت أكثر من 12 برميلا متفجرا على المنطقة مما تسبب في أضرار مادية دون خسائر بشرية. وقال أبو بكر الحسن المتحدث باسم جماعة جيش الثورة التي تقاتل تحت لواء الجيش السوري الحر إن هذه البراميل أسقطت على ثلاث بلدات وقرى وإن طائرات حربية استهدفت منطقة أخرى.

وأضاف ”أعتقد هو للآن (النظام) يختبر أمرين: ثبات مقاتلي الجيش الحر ومدى التزام الولايات المتحدة الأمريكية باتفاق خفض التصعيد في الجنوب“. وقال التلفزيون الرسمي السوري إن وحدات الجيش استهدفت ”تجمعات وأوكار التنظيمات الإرهابية“. ورغم أن قوات الحكومة استخدمت القصف المدفعي والصاروخي بشكل مكثف فإنها لم تلجأ بعد للقوة الجوية التي كانت عاملا حاسما في استعادتها لمناطق أخرى من قبضة المعارضة. ويقول مقاتلو معارضة إن الطائرات الحربية الروسية لم تشارك.

لكن جريدة الأخبار الموالية لحزب الله نقلت عن السفير الروسي لدى لبنان ألكسندر زاسبيكين قوله إن الجيش السوري يستعيد الجنوب الغربي بمساعدة من موسكو. ونقلت الجريدة قوله في مقابلة ”نحن نقول إن الجيش السوري الآن بدعم من القوات الروسية يستعيد أرضه في الجنوب وإعادة بسط سلطة الدولة السورية“. وأضاف ”لا مبرر لإسرائيل للقيام بأي عمل من شأنه تعطيل مكافحة الإرهاب“.

واتهم قيادي بالمعارضة في الجنوب إيران بمحاولة نسف اتفاق خفض التصعيد وتعهد بمقاومة شرسة. وقال العقيد نسيم أبو عرة قائد قوات شباب السنة ”نحن نمتلك الكثير من الأسلحة“. وحصل مقاتلو معارضة في جنوب غرب سوريا على دعم شمل أسلحة من خصوم الأسد الأجانب خلال الحرب المستمرة منذ سبعة أعوام. ويعتقد محللون للصراع أن هذا الدعم استمر حتى بعد أن قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العام الماضي إنهاء برنامج مساعدات عسكرية تديره وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وإن كان قد شهد تراجعا.

واستعاد الأسد هذا العام آخر جيوب المعارضة قرب العاصمة دمشق ومدينة حمص بما في ذلك منطقة الغوطة الشرقية ذات الكثافة السكانية العالية. لكن لا تزال هناك مناطق كبيرة خارج نطاق سيطرته. فبالإضافة إلى الجنوب الغربي يسيطر مقاتلو المعارضة أيضا على مساحة في شمال غرب سوريا. وتسيطر جماعات معارضة مدعومة من تركيا على أجزاء من المنطقة الحدودية الشمالية. ويسيطر تحالف مقاتلين أكراد وعرب تدعمهم الولايات المتحدة على ربع المناطق السورية الواقعة شرقي نهر الفرات. ولدى الولايات المتحدة أيضا قاعدة في التنف قرب الحدود مع العراق والأردن تتحكم في الطريق السريع الذي يربط دمشق وبغداد. بحسب رويترز.

وقال قائد في التحالف الإقليمي الداعم للأسد إن ضربة أمريكية قتلت أحد أفراد الجيش السوري قرب التنف. لكن وزارة الدفاع الأمريكية قالت إن إحدى جماعات المعارضة السورية المسلحة اشتبكت مع ”قوة معادية غير محددة“ قرب التنف لكن ذلك لم يسفر عن سقوط أي قتلى من الجانبين. وتنفي الحكومة السورية استخدامها البراميل المتفجرة، وهي عبوات مملوءة بمواد متفجرة تسقطها طائرات هليكوبتر ولا يمكن تصويبها بدقة. ومع ذلك وثّق محققو الأمم المتحدة مرارا استخدام دمشق لهذه البراميل خلال الصراع.

وقال مصدر أردني إن قلق بلاده من امتداد العنف إليها يتزايد وإن المملكة، حليفة الولايات المتحدة، تشارك في جهود دبلوماسية متزايدة للحفاظ على منطقة خفض التصعيد بعد أن ساعدت في إبرام الاتفاق الخاص بها. وتم نشر قوات النخبة الحكومية المعروفة بقوات ”النمر“ أيضا من أجل الهجوم. وكانت هذه القوات قادت حملة أدت لانتزاع السيطرة على منطقة الغوطة الشرقية قرب دمشق. وقالت صحيفة الوطن الموالية لدمشق إن هناك ”مؤشرات متزايدة عن التجهيز لبدء عملية عسكرية واسعة لتحريره (الجنوب) من الإرهابيين“. ويقول مقاتلو المعارضة إن قوات من النخبة بالجيش السوري يكثفون هجمات الكر والفر على مواقعهم فيما يعرف ”بمثلث الموت“ والذي يقع بين ريف دمشق الجنوبي ومحافظتي درعا والقنيطرة.

الحديث عن تسوية

الى جانب ذلك أكد الرئيس السوري بشار الأسد ان الروس على تواصل مع الاميركيين والاسرائيليين لتحديد مستقبل الجنوب السوري، متهماً الطرفين الأخيرين بعرقلة التوصل الى تسوية تجنب المنطقة الخيار العسكري. وقال الأسد في مقابلة مع قناة العالم الايرانية، وفق ما نشر الاعلام السوري الرسمي، "ما طرح بعد تحرير الغوطة هو التوجه إلى الجنوب، وكنا أمام خيارين.. إما المصالحة أو التحرير بالقوة، وهنا طرح الروسي إمكانية إعطاء فرصة للتسويات والمصالحات".

وتابع "لكن حتى هذه اللحظة ليست هناك نتائج فعلية لسبب بسيط وهو التدخل الإسرائيلي والأميركي" متهماً اياهما "بالضغط على الإرهابيين في تلك المنطقة لمنع التوصل الى أي تسوية أو حل سلمي". وأكد الأسد في الوقت ذاته "ما زال التواصل مستمرا ما بين الروس وبين الأميركيين وبين الإسرائيليين". وتكتسب منطقة الجنوب السوري التي تضم بشكل رئيسي محافظتي درعا والقنيطرة، خصوصيتها من أهمية موقعها الجغرافي الحدودي مع اسرائيل والأردن، عدا عن قربها من العاصمة السورية.

ولكل من دمشق وعمان وتل ابيب، بالاضافة الى داعميها من روس وايرانيين وأميركيين، مصالح أو تطلعات في جنوب سوريا، بحسب محللين. وشدد الأسد، رداً على سؤال عن وجود صفقة لاخراج حليفته ايران من جنوب سوريا، على أن العلاقة "استراتيجية" مع طهران و"لا تخضع لتسوية في الجنوب أو الشمال". وكررت اسرائيل في الأسابيع الأخيرة على لسان رئيس وزرائها بنيامين نتانياهو أنه "لا مكان لأي وجود عسكري ايراني مهما كان حجمه في أي جزء من سوريا".

وتسيطر فصائل معارضة تعمل تحت مظلة النفوذ الأميركي الأردني على سبعين في المئة من مساحة محافظتي درعا والقنيطرة، بحسب المرصد السوري لحقوق الانسان. ويتواجد تنظيم داعش في جيب في جنوب غرب درعا. كما ينتشر نحو 500 من مقاتلي حزب الله والمستشارين الايرانيين في مثلث درعا القنيطرة وريف دمشق الجنوبي الغربي. وقال الأسد رداً على سؤال حول عدم وجود قواعد ايرانية في سوريا على غرار القواعد الروسية "لو وجدنا بالتعاون وبالتنسيق أو بالحوار مع الإيرانيين أن هناك حاجة لوجود قواعد عسكرية إيرانية فلن نتردد". بحسب فرانس برس.

وبعدما تحدث سابقاً عن مستشارين ايرانيين يساعدون الجيش السوري، أكد الأسد وجود "مجموعات من المتطوعين من الإيرانيين الذين أتوا للقتال في سوريا يقودهم ضباط إيرانيون". وبعد اندلاع النزاع في سوريا في العام 2011، قدمت كل من روسيا وايران دعماً سياسياً واقتصادياً وعسكرياً للأسد. وتمكن الجيش السوري بفضل الدعم الجوي الروسي منذ ايلول/سبتمبر 2015، من التقدم على جبهات عدة في البلاد على حساب الفصائل المعارضة والتنظيمات الجهادية. وبات يسيطر حالياً على ستين في المئة من مساحة البلاد.

إيران وجهود موسكو

على صعيد متصل نقلت صحيفة عن مسؤول أمني إيراني بارز قوله إن إيران تدعم مسعى تقوده روسيا لفرض سيطرة الحكومة السورية على جنوب سوريا وسط تقارير تفيد بأن دمشق تعد لهجوم عسكري كبير في المنطقة. وقالت روسيا الأسبوع الماضي إن قوات الجيش السوري فقط هي التي يجب أن تكون موجودة على الحدود الجنوبية للبلاد مع الأردن وإسرائيل.

وتفيد تقارير منذ أسابيع بأن هدف الحكومة المقبل سيكون منطقة الجنوب وهي إحدى منطقتين كبيرتين متبقيتين تحت سيطرة المقاتلين الذين يسعون للإطاحة بالرئيس بشار الأسد. ونقلت صحيفة شرق الإيرانية عن علي شمخاني سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني قوله”ندعم بشدة الجهود الروسية لطرد الإرهابيين من منطقة الحدود السورية الأردنية وجعل المنطقة تحت سيطرة الجيش السوري“. بحسب رويترز.

وكرر أيضا نفي إيران وجود مستشارين عسكريين لها في هذه المنطقة. وتقول إسرائيل إن إيرانيين يعملون في المنطقة قرب حدودها ودعت موسكو إلى إبقاء القوات الإيرانية وحلفائها بعيدا عن الحدود. وقال شمخاني للصحيفة ”قلنا من قبل إنه ليس هناك وجود لمستشارين عسكريين إيرانيين في جنوب سوريا ولم نشارك في عمليات في الآونة الأخيرة“. وتناقش وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو مع نظيره الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان يوم الخميس في موسكو بشأن ما يعرف بمنطقة خفض التصعيد في جنوب سوريا حيث يطبق وقف لإطلاق النار برعاية الولايات المتحدة وروسيا.

وقالت روسيا إن الجيش السوري يجب أن يكون القوة الوحيدة على الحدود الجنوبية لبلاده مع الأردن وإسرائيل بعدما حذرت واشنطن من اتخاذ ”إجراءات صارمة“ ضد انتهاكات الهدنة في تلك المنطقة. وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ”ينبغي أن ينفذ انسحاب كل القوى غير السورية على أساس متبادل بالطبع إذ يجب أن يكون لهذا الطريق اتجاهان“. وأضاف ”ونتيجة هذا العمل الذي يتعين أن يستمر والمستمر بالفعل... يجب أن يكون ممثلو جيش الجمهورية العربية السورية على حدود سوريا مع إسرائيل“.

اضف تعليق