q
مجموعة من الاحداث على الساحة العراقية والدولية اعادت للواجهة بحث مستقبل الوجود الأمريكي في البلاد، فالانتخابات افرزت فوز كتلة سائرون التي يتزعمها السيد مقتدى الصدر ذو التوجهات الوطنية المعارضة لاي وجود اجنبي بما فيه الأمريكي، يضاف لها الغاء الاتفاق النووي الذي ينذر بعودة هجمات الفصائل العراقية ضد القوات الامريكية في حال أصرت واشنطن على محاصرة حلفاء ايران في المنطقة...

مجموعة من الاحداث على الساحة العراقية والدولية اعادت للواجهة بحث مستقبل الوجود الأمريكي في البلاد، فالانتخابات افرزت فوز كتلة سائرون التي يتزعمها السيد مقتدى الصدر ذو التوجهات الوطنية المعارضة لاي وجود اجنبي بما فيه الأمريكي، يضاف لها الغاء الاتفاق النووي الذي ينذر بعودة هجمات الفصائل العراقية ضد القوات الامريكية في حال أصرت واشنطن على محاصرة حلفاء ايران في المنطقة.

الباحث الأمريكي، تيد جالين كاربنتر، زميل دراسات الدفاع والسياسة الخارجية في معهد كاتو، قال إن الانتخابات العراقية الأخيرة أظهرت مرة أخرى أن قادة الولايات المتحدة ووسائل الإعلام الأمريكية لا يزالون لا يعرفون أي شيء عن الديناميكية السياسية المعقّدة في هذا البلد، داعياً إلى ضرورة أن تضع واشنطن خطة للخروج مما وصفه بـ "المستنقع العراقي".

وأوضح الباحث الأمريكي في مقال نشره في مجلة "ناشينال إنترست"، أن الخبراء والمتابعين توقَّعوا أن يحقق رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، الذي تدعمه واشنطن، انتصاراً كبيراً في هذه الانتخابات.

واستدرك: "لكن بدلاً من ذلك حقّق رجل الدين الشيعي، مقتدى الصدر، أعلى المقاعد بين الكتل المتنافسة، ومعلوم أنه عدوّ قديم لأمريكا ويعارض بشدة أجندتها السياسية في الشرق الأوسط، خاصة وجود قواتها في العراق".

خيبة امل واشنطن

ويُعتبر صعود الصدر سياسياً مقلقاً بالنسبة إلى إدارة دونالد ترامب، كما يقول الكاتب، لكن من وجهة نظرهم، فإنه يمتلك فضيلة واحدة؛ وهي كرهه للنفوذ الإيراني في العراق، وموقفه هذا يؤكّد أن الهوية الدينية الواحدة بين تيّار مقتدى الصدر وإيران لم تنجح في إزالة العداء التاريخي بين العرب والفرس. بحسب الكاتب

ويشير الكاتب إلى "أمر مقلقٍ آخر بالنسبة إلى أمريكا"؛ يتمثّل في أن الفائز الثاني في الانتخابات هو تحالف الفتح، الذي يُعتبر النقيض من الصدر في رؤيته لإيران، فهو إن صحّ التعبير كتلة تمثّل إيران في العراق.

خلاصة القول، كما يقول تيد، فإن أقوى فصيلين سياسيين أفرزتهما الانتخابات مناهضان لأمريكا بشدة، أحدهما مؤيّد لإيران، ومن هنا يمكن تصوّر طبيعة النتيجة بالنسبة إلى واشنطن.

وحصول تحالف العبادي "النصر" على المركز الثالث أثار دهشة المراقبين الغربيين، وعَكَس الأداء الضعيف لرئيس الوزراء العراقي، وخيّب آمال واشنطن التي كانت تعوّل عليه.

هزائم متتالية

لقد افترضت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق، جورج بوش، والمحافظون الجدد، أن شخصاً مثل أحمد الجلبي، زعيم حزب المؤتمر الوطني العراقي، سيكون قائداً بعد الإطاحة بصدام حسين، وقدّمت له ملايين الدولارات قبل غزو 2003، لكن تيّاره لم يحصل إلا على 5% من نتائج الانتخابات.

ثم جاء نوري المالكي، الذي اختارته واشنطن ليكون رجلها في العراق بعد انتخابات 2006، والذي تميّزت فترة ولايته بأنها أسوأ مرحلة في تاريخ العراق.

نكسة أخرى أصابت المشروع الأمريكي في العراق، بالنسبة إلى الكاتب، وذلك من خلال حلفاء واشنطن من الأكراد؛ فبعد استفتاء الانفصال في 25 سبتمبر الماضي، وما أثارته تلك الخطوة من غضب دول الجوار، سحبت واشنطن دعمها للأكرد.

وهذا الأمر أدّى إلى خسارة الكرد كركوك لصالح بغداد، بل أيضاً أدّى ذلك إلى خسارة الأكراد للعديد من الامتيازات الخاصة بالحكم الذاتي التي كانوا يتمتّعون بها، بحسب ما يقول الكاتب.

مأزق كبير

المراقبون كانوا يتوقّعون أن يحقّق الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، فوزاً كاسحاً في مناطق الأكراد، لكن تشتّت أصواتهم بين حزبي بارزاني و"الاتحاد الوطني الكردستاني"، وبين جماعة التغيير وأحزاب كردية أخرى، أضعف موقفهم.

وتواجه سياسة واشنطن بالعراق اليوم مأزقاً كبيراً؛ فالناخبون العراقيون لم يختاروا رجل أمريكا، كما أن الحلفاء الأكراد باتوا في حالة يُرثى لها، ورغم ذلك فإن مسؤولي إدارة ترامب -كما كانت الإدارات الأمريكية السابقة- ما زالوا يعتقدون أن العراق يمكن أن يصبح بلداً مستقرّاً وموحّداً وديمقراطياً ومؤيّداً لأمريكا في الشرق الأوسط.

ويرى الكاتب أن هذا اعتقاد خاطئ، وحان الوقت للاعتراف بأن النفوذ الأمريكي في العراق محدود، ومن ثم يجب إعادة تقييم السياسة الكارثية التي انتُهجت في هذا البلد، ومن هنا فإن على إدارة ترامب العمل من أجل تطوير استراتيجية خروج سريعة من المستنقع العراقي.

واشنطن تتواصل مع الصدر

في الاثناء اكّد مساعد كبير للسيد مقتدى الصدر، أن الولايات المتحدة تواصلت مع أعضاء بالكتلة السياسية التي يرأسها خصمها السابق الصدر؛ بعد فوزه في الانتخابات البرلمانية الذي وضعه في موقف قوي يتيح له التأثير في تشكيل الحكومة الجديدة.

ويضع فوز الصدر المفاجئ واشنطن في موقف محرج؛ فقد حمل "جيش المهدي" التابع للصدر السلاح ضد القوات الأمريكية بعد الإطاحة بصدام حسين، في 2003.

وقال ضياء الأسدي، المساعد الكبير للصدر، إنه لا توجد محادثات مباشرة مع الأمريكيين، لكن جرى استخدام وسطاء لفتح قنوات مع أعضاء من تحالف "سائرون" الذي يقوده الصدر.

وأضاف الأسدي لوكالة "رويترز": "سألوا عن موقف التيار الصدري عندما يتولّى السلطة؛ هل سيعيدون إلى الوجود أو يستحضرون جيش المهدي أم يعيدون توظيفه؟ هل سيهاجمون القوات الأمريكية في العراق؟".

وقال: "لا عودة إلى المربّع الأول. نحن لا ننوي امتلاك أي قوة عسكرية غير قوات الجيش والشرطة والأمن الرسمية".

ويعارض كل من واشنطن والصدر تغلغل نفوذ إيران في العراق، حيث تسلّح طهران وتدرّب وتموّل جماعات شيعية وتقيم علاقات وثيقة مع الكثير من الأحزاب السياسية الشيعية.

وحقّق الصدر عودته السياسية المفاجئة مستفيداً من الاستياء الشعبي تجاه الحكومات المتعاقبة منذ عام 2003 ولحد الآن، حيث كانت بقيادة حزب الدعوة الحليف لإيران، ويصفه بعض الناخبين بأنه يتبع لنخبة سياسية فاسدة في بغداد.

خطوة نحو ايران

ووجّهت كتلة "سائرون" دعوة إلى السفير الإيراني في بغداد لحضور اجتماع لدبلوماسيين كبار، الأسبوع الماضي. وقال الأسدي إن السفير اعتذر وقال إنه لا يمكنه الحضور.

ويجتمع الصدر مع زعماء العديد من الكتل ويحدّد شروطاً لدعمه للمرشحين لمنصب رئيس الوزراء، ويقول إنه يريد مرشّحاً يرفض الطائفية والتدخّل الخارجي والفساد.

ويمكن أن تقوّض إيران أي محاولة منه لتحديد شكل أي حكومة مستقبلية، وسبق لطهران أن وظفت بمهارة بالسياسة العراقية لمصلحتها.

وقال مسؤول عراقي كبير سابق، إن الصدر سيحاول التغلّب على إيران، لكنه أضاف أن طهران لن تتسامح مع أي تهديدات لحلفائها الشيعة الذين همّشوا الصدر لسنوات.

وأضاف: "هناك حدود لما يمكنه السعي إليه. في النهاية يمكنهم (الإيرانيون) السيطرة عليه. إنهم يمنحونه مساحة كبيرة للمناورة (..) لكن في نهاية الأمر عندما يتحدّى الشيعة ومصالحهم أعتقد أنهم سيكونون صارمين للغاية. (الإيرانيون) لديهم أدوات كثيرة جداً تمكّنهم من النيل منه".

سليماني في مهمة سياسية

وبعد أيام من إعلان نتائج الانتخابات، وصل قاسم سليماني، قائد فرع العمليات الخارجية في الحرس الثوري الإيراني، إلى بغداد لمقابلة سياسيين. وقالت وكالة رويترز، إن اللواء قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، يُجري محادثات مع ساسة في بغداد؛ للترويج لتشكيل حكومة عراقية جديدة تحظى بموافقة إيران.

ووصل سليماني، الذي يقود عمليات "الحرس الثوري" في الخارج، إلى العراق السبت الماضي، وهو اليوم الذي جرت فيه الانتخابات النيابية.

ونقلت رويترز في السادس عشر من أيار الجاري عن مصدر مطلع على سير المفاوضات السياسية لتشكيل الحكومة العراقية، وهو يلعب دور الوسيط بين "الصدر" وغيره من الساسة الكبار، إن سليماني يُجري محادثات مع ساسة منافسين؛ لتمهيد الطريق من أجل الاتفاق على تشكيل تحالف شيعي حاكم.

ساحة صراع كبرى

وفي المقابل حذرت "مجموعة الأزمات الدولية" المملكة العربية السعودية (حليفة واشنطن) من تحويل العراق إلى "ساحة جديدة في حربها الباردة مع طهران"، ونصحتها بدعم العراق والتركيز على إعادة الإعمار بعيداً عن الاستقطابات الطائفية.

ودعت المجموعة، وهي مؤسسة بحثية مقرها بروكسل، في تقرير نشرته الثلاثاء، الماضي الرياض إلى "إسكات الخطاب المعادي للشيعة" في السعودية، والنظر في إجراءات "للاعتراف علناً بالمذهب الشيعي".

وأشار التقرير إلى أن "اهتمام السعودية الجديد بالعراق" ينبع من الرغبة في مواجهة النفوذ الإيراني. وأضافت: إن "القدرة المالية للمملكة تمنحها القوة، ولكن ليس بالقدر الكافي لفرض آرائها".

وحذر التقرير السعودية قائلاً: "إذا حاولت الرياض أن تفعل الكثير في وقت مبكر فستجد نفسها غارقة في البيروقراطية والفساد، أو حتى استجلاب رد فعل إيراني".

ويأتي تقرير المجموعة بعدما أثارت نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت في العراق مؤخراً مخاوف من اندلاع توترات جديدة بالوكالة بين طهران والرياض.

اسكات الخطاب المعادي للشيعة

ونصح التقرير السعوديين بدعم الدولة العراقية والتركيز على إعادة الإعمار والتجارة وإحداث فرص العمل، إضافة إلى تحقيق المصالحة بين الطوائف العراقية المختلفة، "مع التركيز على تحقيق توازن في الاستثمارات في سائر أنحاء البلاد".

وتحسنت العلاقات بين الرياض وبغداد منذ العام الماضي بعد أكثر من 25 عاماً من الجفاء السياسي، وجرت سلسلة زيارات بين مسؤولي البلدين، وأعيد فتح معبر حدودي للمرة الأولى منذ 27 عاماً.

وحثت "مجموعة الأزمات الدولية" الرياض على النظر في إجراءات "للاعتراف علناً بالمذهب الشيعي كإحدى المدارس الإسلامية"، و"إسكات الخطاب المعادي للشيعة الذي يعتمده رجال دين يقيمون في السعودية".

في المقابل دعا البيان إيران إلى "تشجيع جهود العراق الرامية إلى تنويع تحالفاته الإقليمية"، بعيداً عن التصريحات والتحريض على العنف وتغذية الصراعات المذهبية والطائفية.

اضف تعليق