ان لهذه الانتخابات أهمية خاصة فهي تجرى في ظرف اقتصادي وسياسي صعب ومن المنتظر أن تفرز جيلاً جديداً من السياسيين الشباب الذي ترأس القوائم المرشحة لتسيير أول مجالس بلدية حرة ومستقلة. وتوقع مراقبون أن تسجل نسبة عزوف كبيرة عن التصويت بالرغم من الآمال العريضة التي جاءت بها الثورة...
بدأ نحو 5,3 مليون تونسي التصويت 2011، لانتخاب 350 مجلسا بلديا في اقتراع هو الاول منذ ثورة 2011 وطال انتظاره لترسيخ الديمقراطية المحلية في البلد العربي الوحيد الذي نجا من تداعيات هذه الثورة، ووفقا للهيئة العليا المستقلة للانتخابات، يتنافس أكثر من 57 الف مرشح نصفهم من النساء والشباب ضمن نحو 2074 قائمة انتخابية، على 350 مجلس بلدي موزعة على كامل البلاد. وهناك 1055 قائمة حزبية و159 ائتلافية و860 مستقلة.
وبحسب بعض المصادر فان لهذه الانتخابات أهمية خاصة فهي تجرى في ظرف اقتصادي وسياسي صعب ومن المنتظر أن تفرز جيلاً جديداً من السياسيين الشباب الذي ترأس القوائم المرشحة لتسيير أول مجالس بلدية حرة ومستقلة. وتوقع مراقبون أن تسجل نسبة عزوف كبيرة عن التصويت بالرغم من الآمال العريضة التي جاءت بها الثورة، بالتحديد بسبب فشل من تسلموا السلطة بعد الثورة في تحقيق الإنجازات المطلوبة. إذ بقيت نسب البطالة في حدود 15 %، والتضخم في مستوى 8 %، بينما يعبر التونسيون كذلك عن استيائهم من التسويات التي حصلت بين الأحزاب على حساب الإنجازات الحقيقية. وكانت موجة من الاحتجاجات الاجتماعية عمت مناطق ومدن تونسية بداية 2018 تزامنا مع دخول الميزانية الجديدة حيز التنفيذ.
وستمكن هذه الانتخابات من تكريس مبدأ لامركزية السلطة التي نص عليها الدستور التونسي وهي من مطالب الثورة التي انطلقت من المناطق المهمشة في البلاد. وخلال حكم الحزب الواحد، كانت قرارات البلديات تخضع لإدارة مركزية غالبا ما تكون موالية للحزب الحاكم. وصادق البرلمان نهاية نيسان/أبريل الفائت على قانون الجماعات المحلية الذي سيمنح البلديات للمرة الأولى امتيازات مجالس مستقلة تُدار بحرية وتتمتع بصلاحيات واسعة. ومن المنتظر أن تفرز هذه الانتخابات جيلا جديدا من السياسيين قبل موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية المقررة في 2019. ويرجح مراقبون أن حزبي "النهضة" الاسلامي و"نداء تونس" الذي أسسه الرئيس الباجي قائد السبسي سيتمكننان من الفوز في عدد من المناطق، بحكم أنهما الوحيدان اللذان قدما قوائم في 350 بلدية في كامل البلاد. ولا يستبعد مراقبون حصول مفاجأت ناتجة عن وجود عدد كبير من القوائم المستقلة التي يمكن لها قلب موازين القوى.
النساء والشباب
وفي هذا الشأن مازالت تونس تخطو خطواتها في طريق الانتقال الديمقراطي بعد سبع سنوات من ثورة 2011، وتشهد تونس أول انتخابات بلدية، حاملة معها تحدي تشريك المرأة والشباب بصفة فعالة في الحياة السياسية. وينتظر من هذه الانتخابات أن تأتي بطبقة جديدة من السياسيين تكون ملتزمة بتحقيق التنمية خاصة في المناطق التي تشكو التهميش.
ويفترض أن تساهم مجالس بلدية منتخبة في تعزيز المسار الديمقراطي محليا وتحسن المعيش اليومي للسكان الذين ضاقوا ذرعا بتدهور الخدمات والبنى التحتية. وبعد نحو سبع سنوات من الإطاحة بنظام الرئيس زين العابدين بن علي، انتظر التونسيون هذه الانتخابات، فالبلديات منذ منتصف 2011 تدار من قبل "نيابات خصوصية" وتحت إشراف السلطة التنفيذية.
وتكمن أهمية هذه الانتخابات وفق ما أفاد الصحافي أيمن الزمالي المختص في الشؤون السياسية في وكالة تونس أفريقيا للأنباء ، في أنها تعتبر أهم مقومات نجاح الانتقال الديمقراطي في تونس، والتي تكرس الباب السابع من الدستور التونسي الجديد. وينص الباب السابع من الدستورعلى أن تقوم السلطة المحلية على أساس اللامركزية، كآلية لإعادة توزيع السلطات وتعديل أدوار السلطة المركزية والجماعات المحليّة في مختلف جهات البلاد.
وأوضح الزمالي أن هذه الانتخابات ستعطي سلطة أكبر ومجالا أرحب لتسيير الشؤون الاقتصادية والسياسية والتنموية المحلية، خاصة وأن هذه السلطة سيمثلها في أغلب الأحيان أبناء الجهة الذين يعرفون مشاكل منطقتهم وانتظارات المواطنين. ومن جهة أخرى لفت الزمالي إلى أن صندوق الاقتراع لا يمكن أن يدعم وحده الانتقال الديمقراطي بدون منافسة حقيقية وتعددية في المجالس البلدية، في إشارة إلى "مخاطر" التوافق بين حركة نداء تونس وحركة النهضة اللتين تتقاسمان الحكم منذ انتخابات 2014.
وأشار الزمالي أيضا إلى أن الموارد الاقتصادية الشحيحة للدولة ستكون حجر عثرة لتحقيق الانتقال الديمقراطي في البلاد. في إشارة إلى الوضع الاقتصادي الهش في تونس التي تشهد تضخما ماليا متزايدا وعجزا تجاريا فضلا عن حجم الديون العامة رغم استعادة النمو. ويذكر أن وزير الشؤون المحلية والبيئة رياض المؤخر أعلن أن السلطات التونسية تريد زيادة ما تخصصه موازنة الدولة للبلديات، من 4% إلى ما بين "10 إلى 15%" خلال السنوات القليلة المقبلة.
وقال الوزير المؤخر في مؤتمر صحافي "إستراتيجيتنا هي الترفيع مستقبلا في ميزانية البلديات لتصل إلى 10 أو حتى 15 % على امتداد عدة سنوات لأن مفاتيح نجاح اللامركزية يتطلب ميزانية هامة". وتخصص الحكومة التونسية حاليا نسبة 4 % من موازنة الدولة للبلديات و"هذا غير كاف مقارنة بما هو موجود في دول البحر الأبيض المتوسط"، حسب الوزير المؤخر. ورغم كل هذه التحديات والصعوبات الاقتصادية، يمكن اعتبار تونس نموذجًا للانتقال الديمقراطي الناجح في العالم العربي منذ ثورتها عام 2011 ، مقارنة مع دول الربيع العربي الأخرى الغارقة في الفوضى والقمع أو الحرب.
وتجرى الانتخابات البلدية في تونس استنادا لقانون الانتخاب الجديد الذي يفرض وللمرة الأولى في تاريخ تونس المناصفة في الترشيحات على اللوائح الحزبية والمستقلة والائتلافية، بين النساء والرجال. وبناء على هذا القانون الصادر في 2014، بلغت نسبة المرشحات للانتخابات البلدية، 48 في المئة، ما من شأنه أن يساهم، وللمرة الأولى في تاريخ تونس، في وصول شابات بدأن نشاطهن السياسي مع ثورة 2011، إلى مواقع المسؤولية.
وتوضح نائبة رئيسة رابطة الناخبات التونسيات تركية الشابي أن عدد النساء المرشحات اللواتي يترأسن قوائم انتخابية بلغ 580، من أصل 2074 قائمة. لكن تركية الشابي أشارت أنه ورغم المساعي لتحقيق مبدأ المساواة بين المرأة والرجل في هذا الاستحقاق إلا أن الأرقام لم تعكس ذلك. وأوضحت الشابي أن 4 بالمائة فقط من القوائم تترأسها نساء في حين أن 96 بالمائة المتبقية يتصدرها رجال.
ولفتت الشابي إلى أن الرابطة سجلت ما اعتبرته "عنفا مسلطا على النساء" حيث تم حجب صور نساء في بعض القوائم، فيما مزقت صور للنساء، كما تم التهجم على مرشحات لأنهن محجبات، أو لأنهن غير محجبات. وتعتبر تونس من الدول الرائدة في مجال تكريس حقوق المرأة، وقد أقرت مجلة الأحوال الشخصية في 1956، زمن حكم الحبيب بورقيبة، أول رئيس للبلاد. وهي تمنع تعدد الزوجات وتطمح لإقامة مساواة كاملة بين الجنسين.
ويضم السجل الانتخابي نحو 5,3 مليون ناخب، 52 في المئة منهم من الشباب الذين تقل أعمارهم عن 35 سنة. كما سجلت مشاركة مهمة للشباب في الانتخابات البلدية التي فاقت 50 بالمائة، وهو ما يعتبر تغيراً مهماً في المشهد السياسي. وقال أحمد علوش، نائب رئيس جمعية شباب بلا حدود إن القانون الانتخابي يسعى لدعم الحضور الشبابي في الحياة السياسية. وينص القانون على ألا يتجاوز عمر الشخص الثالث في القائمة 35 عاما، وأن يكون بين كل أربعة مرشحين في القائمة شاب لا يتجاوز عمره 35 عاما.
وأشار علوش إلى أن هذا القانون يسعى أيضا لأن يشارك الشباب من تلقاء نفسه في الحياة السياسية لا أن يفرض ذلك على الأحزاب التي تسعى اليوم لملء فراغات قائماتها فقط. وتشكو تونس بعد سبع سنوات من الثورة من ارتفاع نسبة البطالة في صفوف الشباب خاصة في مناطق وسط تونس من بينها القصرين، فنسبة البطالة في مدينة القصرين والولاية الواسعة التي تحمل الاسم نفسه، 26,2 بالمئة أي ما يزيد بنحو 50بالمئة عن المعدل الوطني العام، بحسب المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية غير الحكومي. بحسب فرانس برس.
وهذه البطالة جعلت من هؤلاء الشباب فريسة للتنظيمات والجماعات المتطرفة، ففي كانون الأول/ديسمبر 2015 أظهرت نتائج دراسة لمجموعة صوفان للأبحاث، أن تونس تأتي في المرتبة الأولى لأعداد المقاتلين الأجانب الذي يتوجهون إلى مناطق النزاع في العراق وسوريا، متخطية بنحو مرتين ونصف عدد القادمين من السعودية. ويذكر أنه وللمرة الأولى في تاريخ تونس تمكن الشرطة والعسكر من التوجه الأحد 29 أبريل/ نيسان إلى مكاتب الاقتراع للتصويت، في الانتخابات البلدية. إلا أن نسبة المشاركة كانت ضئيلة ففي مقابل تسجيل 4492 ناخب في هذا القطاع لم يصوت سوى 12 بالمائة منهم.
في تونس شباب حالم لم يعد يثق في السياسة
شوارع نظيفة ووسائل نقل عمومية وملعب كرة قدم... لا يطلب الشباب في تونس المستحيل، ولكن قسما كبيرا منهم يشكك في قدرة المنتخبين الذين سيتم اختيارهم في الانتخابات البلدية المقررة الاحد، على تحقيق مطالبهم. وبعد نحو سبع سنوات ونصف من ثورة 2011، يبدو الشباب التونسي غير متحمس بعد ان كان محرك الاحتجاجات التي أطاحت بنظام بن علي.
ويقول يسري علولو (22 عاما) أثناء توجهه الى منزله على طريق يجتاز خلالها نفايات وبركا من المياه المتسخة، بانزعاج ظاهر، "أنظر، هذا شارع الاغنياء، ولكن من هذه النقطة هو شارع الفقراء"، مشيرا الى الفارق الكبير بين المدينة السياحية المرممة بإتقان والحي المجاور في باب الجديد حيث يقع منزله وعدد من المنازل المتداعية. ويعمل يسري في مقهى في المدينة العتيقة في العاصمة تونس. ويوضح الشاب الذي أنهى الثانوية السنة الفائتة ويعمل لجمع المال لتسديد أقساط دراسة السينما، "أريد ان تُسوى الطرقات وان تجمع سلال المهملات والا نغمر بالمياه في كل مرة تهطل الامطار لنصف ساعة".
ويتابع "لا يوجد هنا ناد للشباب ولا حتى ملعب كرة قدم". ويؤكد يسري ان "سكان الحي تقدموا للسلطات المحلية بقائمة تتضمن افكارا، وطُلب منهم أن ينتخبوا، ثم سينظر المجلس البلدي المنتخب بالمطالب. لكنني لن أذهب للاقتراع ولا أثق في وعودهم". ويوضح الشاب، مشيرا الى مجموعة من الناشطين السياسيين الذين يقومون بحملتهم الانتخابية، "المنظمات تعمل، لكن هناك الكثير من الكلام الفارغ".
ويقر العديد برفضهم المشاركة في الانتخابات القادمة التي تشكل خطوة مهمة لترسيخ الديمقراطية المحلية، بسبب خيبة أمل يشعرون بها بعد فشل الطبقة السياسية بعد الثورة في تحقيق إنجازات لا سيما على الصعيد الاقتصادي والمعيشي، وقلة ثقة في هذه الطبقة التي يصفها بعض الشباب ب"الفيلة الهرمة". لكن البعض مصر على تفاؤله.
وتقول طالبة الطب في مستشفى منوبة (غرب) وسيلة نجار "يجب ان يبقى الامل في ان التغيير ممكن". وتعلل الطالبة (29 عاما) ذلك بالقول "في دائرتي الانتخابية، يوجد طبيب جرّاح وأشخاص آخرون أعرفهم مرشحون وقد تقدموا بمقترحات فعلية"، مبينة ان التلوث وتدوير النفايات والنقل من محاور حملتهم الانتخابية. وتؤكد وسيلة "بالنسبة لي، القوائم المستقلة وحدها تستطيع تحسين الوضع بمسؤولين محليين مدركين لمشاكلنا ولهم افكار لحلحلتها".
ويرى مراقبون أن حزبي "النهضة" الاسلامية و"نداء تونس" سيتمكنان حسابيا من الفوز في عدد من المناطق، بحكم أنهما الوحيدان اللذان قدما قوائم في 350 بلدية في كامل البلاد. وتفصح وسيلة أنها ستنتخب "لكي لا نترك البلاد للذين كذبوا علينا وخذلونا"، في إشارة الى الحزبين الكبيرين اللذين يتقاسمان السلطة. وإثر انتخابات 2014، نجح حزب نداء تونس الذي قدم برنامجا ضد الاسلاميين، لكن سرعان ما تحالف مع حزب النهضة تاركا مرارة لدى ناخبيه. بحسب فرانس برس.
ولهذا السبب، تقول غزوة معاوية (مدرّسة) أنها لن تشارك في الانتخابات مثلما فعلت ذلك في 2014 عندما كانت مراقبة لعملية الاقتراع. وتقول غزوة "كل هذه الحملة، مسرحية هزلية". وتتابع "يتواجهون في البرامج السياسية المتلفزة، ولكن يتم تقاسم السلطة في الكواليس بين الاحزاب الكبرى التي تتشارك في الكعكة". ووفقا لاستاذة الرياضة الحائزة دكتوراه والتي تدرس بمعهد حكومي بالعاصمة، "لن يكون الحكم ابدا بين أيدي الشباب، هم مجرد صورة". وتضيف "الشباب لديهم افكار وينشطون كثيرا في المجال الجمعياتي ولكن ليست لهم اي سلطة سياسية تخولهم التقدم".
اضف تعليق