ناقش مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، موضوعا تحت عنوان (حالة اللايقين الأمريكي وتأثيراتها على النظام العالمي)، وذلك بمشاركة عدد من مدراء المراكز البحثية وبعض الشخصيات الحكومية والحقوقية والأكاديمية والصحفية في ملتقى النبأ الأسبوعي الذي يعقد صباح كل سبت بمقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام...
في ظل السياسات الأمريكية المتأرجحة ما بين الشمال واليمين أو ما بينهما، بغية استنطاق حالة التفرد والهيمنة على النظام العالمي والدولي، الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى من خرق كل الأعراف والأنظمة الكونية، التي أصبحت مهددة بفعل التمظهرات المجنونة في القطاعات التكنولوجية والحربية والتسليحية التي تمتلكها تلك الدولة، لذا ومن موقع المسؤولية ناقش مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، موضوعا تحت عنوان (حالة اللايقين الأمريكي وتأثيراتها على النظام العالمي)، وذلك بمشاركة عدد من مدراء المراكز البحثية وبعض الشخصيات الحكومية والحقوقية والأكاديمية والصحفية في ملتقى النبأ الأسبوعي الذي يعقد صباح كل سبت بمقر مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام.
افتتح الجلسة أستاذ العلوم السياسية في جامعة بابل والباحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، الدكتور قحطان حسين اللاوندي، حيث قال: "من يحلل السياسة الخارجية الأمريكية يتضح له، إن هذه السياسة تتسم بالثبات، فمنذ الحرب العالمية الثانية ولحد الآن، تعاقب على رئاسة هذه الدولة الكبرى العديد من الرؤساء، لكن نلاحظ أن سياسة هذه الدولة اتسمت الثبات والإستمرارية في خطوطها العامة وإستراتيجياتها الأساسية، لكن الذي تغير في الآليات التي تستعمل أو تستخدم أو توظف، لتحقيق السياسة العامة أو السياسة الإستراتيجية الأساسية لهذه الدولة، فما بين السياسة المتغيرة والأدوات المتغيرة لاحظنا أن هذه الدولة، اعتمدت على القوة الصلبة في حين، وفي حين آخر اعتمدت على القوة المرنة، وفي حين اعتمدت على القوة الذكية، لتنفيذ سياستها الخارجية ورعاية مصالحها الإستراتيجية".
"لكن بعد أن حصلت بعض التغيرات في النظام الدولي، أي بعد عام 1991 وهو تاريخ نهاية الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي والإشتراكي، حيث نلاحظ حدوث تغيرات هيكلية على مستوى النظام الدولي، مما أتاح للولايات المتحدة الأمريكية أن تتفرد بالهيمنة على العالم، باعتبارها القطب الأوحد الذي يمتلك المقدرات العسكرية والإقتصادية والتكنولوجية، ولذلك تحققت لها سبل السيطرة والهيمنة على كل مفاصل النظام الدولي، فبعد حدوث أو إندلاع ما يسمى بثورات الربيع العربي حدثت تغيرات على المشهد العربي، حتى أصبحت بمثابة إطار حاكم للسياسة الخارجية الأمريكية، دعا البعض إلى تشخيص المتغيرات التي حصلت في ملامح السياسة الخارجية وأدواتها، فمن هذه المتغيرات..
المتغير الأول: سياسية رد الفعل
وهذه السياسة أثبتت أن طريقة التعامل الأمريكية مع ثورات الربيع العربي، لم تكون فاعلة سواء في إندلاع هذه الثورات أو التخطيط لها أو حتى في التحكم في مسيرات تفاعلاتها، فنلاحظ أن الإدارة الأمريكية أتخذت من موقف رد الفعل ضمن إستراتيجية (دعنا نرى)، فهي لم تبادر إلى موقف مفاجئ وسريع، بل عملت على التروي والإنتظار لتتضح أمامها الملامح الأخيرة للصورة، كي تبادر وتحدد موقف نهائي من الموضوع، فكانت السياسة العامة للأمريكان تجاه ثورات الربيع العربي، متخبطة بعض الشيء وغير متوازنة كما أن الإدارة الأمريكية سعت إلى بلورة إستراتيجية تقوم على التوازن، ما بين المثالية التي من خلالها تدعو إلى إشاعة قيم الديمقراطية، وما بين الواقعية التي تسعى من خلالها إلى الحفاظ على المصالح الإستراتيجية الأمريكية، لذلك أتسمت السياسة الخارجية الأمريكية بالتخبط في التعامل مع تلك الأزمات كما هو الحال في الأزمتين السورية والليبية.
المتغير الثاني: تصاعد تأثير الرأي العام غير الأمريكي
أخذت الإدارة الأمريكية خصوصا في فترة رئاسة أوباما، إنها تعي أهمية الرأي العام الشعبي في دول منطقة الشرق الأوسط، لذا لم تعد السياسة الأمريكية مقتصرة على التحالف مع الأنظمة الحاكمة بما يحقق مصالحها وأهدافها، بل لجأت إلى الاهتمام ودراسة توجهات الرأي العام غير الأمريكي وفي مناطق عديدة من العالم، وأخذها بعين الإعتبار عند رسم سياستها الخارجية، وهذا واضح جدا بحيث أن الإدارة الأمريكية، اضطرت في بعض الأحيان إلى أن تتبنى خطاب إعلامي غير مؤيد وغير داعم لبعض الأنظمة الحكومية في منطقة الشرق الأوسط.
المتغير الثالث: تزايد دور الفاعلين الدوليين
إذ لم تعد الولايات المتحدة الأمريكية هي الفاعل الرئيسي في تفاعلات وقضايا النظام الدولي، فمع تزايد أدوار قوى دولية مثل روسيا، التي أصبحت تمتلك دورا بارزا خصوصا في الحرب السورية، كما أن توجه بعض الدول مثل مصر إلى السعي لإيجاد تحالف إستراتيجي مع روسيا، وذلك بعد فتور العلاقات مع الولايات المتحدة، التي كان لها موقف غير مؤيد وغير داعم للإنقلاب الذي حصل في مصر.
هذه المتغيرات الثلاث آنفة الذكر، واقعا هي فرضت قيودا واضحة جدا على حركة السياسة الخارجية الأمريكية.
فلقد كان التحول الدولي باتجاه زيادة فرص بروز قوى دولية جديدة في أوروبا وآسيا، وسواء كانت دولا أم كتلا كبرى اقتصادية وسياسية، تحاول ترسيخ النظام الدولي المتعدد الأقطاب، الأمر الذي جعل الولايات المتحدة الأمريكية أمام خيارات إستراتيجية معقدة..
الخيار الأول: التعاون بين الدول الكبرى من أجل إدارة مشتركة لنظام دولي سائر نحو القطبية المتعددة.
الخيار الثاني: تبني سياسة تقليدية لتوازن القوى، وهي تشبه تلك التي عملت بها بريطانيا في أوروبا في القرن 19.
الخيار الثالث: الحفاظ على القطبية الأحادية من خلال إستراتيجية الهيمنة.
هذه الخيارات حاولت الإدارة الأمريكية العمل من خلالها والمناورة فيما بينها، بقصد إدامة علاقات ومصالح إستراتيجية دائمة في النظام الدولي.
فقد تأرجحت السياسة الخارجية الأمريكية بين هذه الخيارات الإستراتيجية، هذا مما جعلها تتسم بنوع من الغموض والتردد وحالة من عدم اليقين، ومن المهم أن نضع تراجع نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، في سياقه الصحيح ونعترف به كأمر واقع، وذلك في ظل عملية إعادة توزيع القوى بين الأقطاب الأساسية في النظام الدولي وبعيدا عن عالم أحادي القطبية، والذي كانت تهيمن عليه الولايات المتحدة، فالعالم يتجه نحو نظام متعدد الأقطاب وفيه قوى الجيوسياسية والجيو اقتصادية متعددة مثل (الصين، الهند، البرازيل).
وهي تتنافس فيما بينها على الموارد والأرض وتقضم من مجالات النفوذ الأمريكية التقليدية، وفي الشرق الأوسط نجحت كل من (إيران، تركيا)، أن تفرض نفسيهما كلاعبين محوريين في المنطقة، ولهما أجنداتهما السياسية ومصالحهما الستراتيجية التي تتناقض وتتنافس، وأحيانا تتصارع مع الأجندات السياسية الأمريكية ومصالحها الستراتيجية، كل هذا جعل الولايات المتحدة تعيد ترتيب أولوياتها على مستوى سياستها الخارجية، ومنها تحويل الأهتمام إلى (منطقة الباستيك) وبخاصة آسيا، معتبرة إياها منطقة تنافس المصالح العالمية البديلة للشرق الأوسط.
وذلك بعد إدراك الولايات المتحدة بأن أوضاع الشرق الأوسط معقدة، ولا يمكن أن يكون فيها رابح سواء من القوى الكبرى الفاعلة أو من القوى المحلية، خصوصا بعد تصاعد صراع الشيعي السني، وهذا ما أكدته هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية في فترة أوباما الأولى، عندما أشارت إلى أن الشرق الأوسط، لم تعد تحتل أولوية على أجندة أوباما السياسية، ويرى البعض أن سياسية الولايات المتحدة الخارجية، في عهد الرئيس أوباما قد اتسمت بالغموض والتردد تجاه القضايا والأحداث الدولية، إلى درجة دفعت بعض المراقبين إلى القول بأن اوباما لا يمتلك أصلا سياسة خارجية أو إستراتيجية أمنية وطنية.
ولكن البعض الآخر يعتقد وإنطلاقا من إستراتيجية تقليص تدخل الولايات المتحدة في الشؤون الدولية، كهدف سياسي أعتمد اوباما عليه، حتى حدث تحويل فيما بعد إلى حد الإعلان عن عدم التدخل المباشر لواشنطن في أي من هذه الشؤون، فإن اوباما قد عمل من أجل تنفيذ سياسة عدم التدخل هذه، وذلك من خلال زيادة الغموض حول سياسته وكجزء من إستراتيجيته، حتى بدى ثابتا على موقف التردد في سياسته.
الآن وقد رحل اوباما، ولكن الموقف المتردد في السياسة الخارجية الأمريكية لا يزال قائما، وهنا يطرح سؤال هل إستراتيجية الغموض الواعي التي تبناها اوباما ما زالت حاضرة في سياسة ترامب؟، أعلن ترامب في حملته الإنتخابية بأنه معارض صلب لسياسات سلفه اوباما، وكان متوقعا أن يتصرف على النقيض منها، لكن لم تحدث تغيرات كبرى في السياسة المنتظرة لترامب، فما زالت الستراتيجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، تتسم بالغموض وازدواج المواقف تجاه قضايا الشرق الأوسط منها بالتحديد.
فعلى سبيل المثال الموقف الأمريكي من الحرب السورية، فهو واضح جدا ومن خلال تصريحات معينة من الرئيس ومن أعوانه كونه لا يفضل بقاء الاسد، لكنه في المقابل وعلى أرض الواقع نلاحظ سياسة غامضة مترددة متذبذبة في المواقف، فتارة يقف مع هذه الدولة وتارة يقف ضدها في مواقف أخرى، أيضا طريقة تعامل الولايات المتحدة من الأزمة الخليجية، فعلى سبيل المثال لن يكون هناك موقف واضح وثابت حيال تلك الأزمة، دائما متذبذب فتارة يعلن بأن موقفه بالضد من قطر كونها هي أساس الإرهاب وداعمة له، وتارة أخرى يعقد مع قطر إتفاقيات تسليح ضخمة.
وتارة من خلال بعض أعوان الرئيس ينددون بسياسات السعودية خصوصا حيال ملف حقوق الإنسان، وتارة أخرى يعقدون معها صفقات التسليح القوية ويؤيدوها في بعض مواقفها الدولية، هذا الموقف المتذبذب أيضا ظهر جليا وواضحا بخصوص الإستفتاء الكُردي على الاستقلال، فمن باب تعلن الإدارة الأمريكية أنها مع حق الشعوب في تقرير مصيرها وأنها تؤيد قام دولة كُردية، لكنها تختلف مع الأكراد في أن التوقيت غير مناسب، وهنا تكاد أن تختلط الأمور هل هو رفض أم لا؟.
هذا الغموض وهذا التردد وعدم الثبات في المواقف المعلنة من قبل الإدارة الأمريكية، أثار إشكاليات عديدة خصوصا على مستوى الداخل الأمريكي، الذي يقولون قد سبب تصاعد في الهيمنة الأمريكية وضعف في إدارة مصالحها في الخارج.
ولأجل الحصول على المزيد من الأفكار تم طرح الأسئلة التالية:
السؤال الاول: ما هو تفسيرك للغموض في المواقف الأمريكية تجاه بعض القضايا الدولية؟
الموقف الأمريكي تحدده المصلحة والهدف
- محمد الخاقاني ماجستير علوم إسلامية، لا يرى أي غموض أو تردد في السياسة الأمريكية تجاه أي قضية من القضايا، الموقف الأمريكي تحدده المصلحة والهدف، وهذا اتضح مؤخرا من خلال الضربة الأمريكية على سوريا.
لا يوجد غموض بل هو تغيير في التكتيك
- الدكتور حسين أحمد رئيس قسم الدراسات الدولية في مركز الدراسات الإستراتيجية في جامعة كربلاء وباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية، يؤكد على عدم وجود غموض بل هو تغيير في التكتيك، خاصة في مرحلة اوباما هناك نوع من عدم التدخل المباشر في قضايا الشرق الأوسط، وهذا نتيجة كونه يتبع نوع من الأفكار الليبرالية المثالية البعيدة عن التدخل العسكري المباشر، بمجيئ ترامب هناك مؤشر حقيقي على إنعدام وجود إستراتيجية، والدليل على ذلك في الأزمة السورية الحاضرة اليوم وزير الدفاع الأمريكي منع ضربة عسكرية في الأيام السابقة.
وأضاف أحمد، "هذا مؤشر واضح على عدم إمتلاك الولايات المتحدة لأي إستراتيجية واضحة في هذا المجال، لذلك فالأمر يتبين في المرحلة الماضية كان هناك إطار فكري معين يهيمن على سلوكيات السياسة الخارجية الأمريكية، في المرحلة الحالية عدم وجود إستراتيجية واضحة للتعامل مع قضايا الشرق الأوسط، ولكن يبقى الهدف العام للسياسات الخارجية الأمريكية لاسيما في منطقة الشرق الأوسط هو الحفاظ على النظام الدولي، لأنه في إنهيار هذا النظام ستظهر المجموعات والفواعل غير الحكومية في المنطقة، وهذه هي أس المشكلة وهي القاعدة الأساس للصراع وهي صاحبة الصراع في المنطقة، لذلك المحافظة على نظام الدولة هو الضامن الأساسي لعدم تفعيل وتنشيط هذه الفواعل غير الحكومية.
المصالح هي التي تحدد خيارات الولايات المتحدة الأمريكية
- حامد الجبوري باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية، يرى وجود ثلاث أنظمة وهي (النظام الرأسمالي، النظام الإشتراكي، النظام المختلط)، لذا وبعد سقوط النظام الإشتراكي في عام 1989نتيجة الحرب الباردة، بالتالي حصل إنفلات في النظام الرأسمالي وبعض الكتب يسموها (الرأسمالية المنفلتة)، فهي دائما ما تسعى لتحقيق المصالح وذلك من خلال شن الحروب وتحقيق مصالح اقتصادية، وبطبيعة هذا الحال هي تنحو نحو المناطق الضعيفة والرخوة، وبالنتيجة فإن المصالح هي التي تحدد خيارات الولايات المتحدة الأمريكية أين ستكون.
الغموض والتناقض المسجل هو يعود لشخصية ترامب
- الدكتور حيدر حسين أحمد آل طعمه التدريسي في كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة كربلاء والباحث الفرات للتنمية والدراسات الستراتيجية، يجد أن المتابع للسياسة الأمريكية خلال السنوات والعقود الماضية، يلاحظ مهما كانت هناك مرونة أو مطاطية في المواقف لكن هناك تجاه عام ثابت وهناك طاقم يعمل بشكل موحد، ولكن الذي حدث بعد إنتخاب ترامب بأن هناك تناقض داخل الطاقم الحكومي الذي يقود ترامب، وأيضا قيام ترامب بإبراز مواقف صعبة عن طريق تويتر وباقي شبكات التواصل الإجتماعي، والتي فيما بعد يحاول بعض المسؤولين أن يناقضوا تلك التصريحات.
وأضاف آل طعمه، كل ذلك يؤشر بأنه الغموض والتناقض المسجل هو يعود لشخصية ترامب، الذي لا زال إلى الآن مولع بحلبات الصراع الحارة، وهو لا زال يعتقد بأن إمتلاكه للسلطة يسمح له إرتجال بعض المواقف دون الرجوع إلى المستشارين، لذلك التناقضات التي شخصناها تعود لسلوكيات إرتجالية لترامب، وإلا السياسة الأمريكية ثابتة وتأخذ تجاه واحد وهناك إستراتيجيات معدة ومهما كان الرئيس ديمقراطي أو جمهوري.
غموض أمريكا مقصود أم هو غموض لعدم فهمنا؟
- حيدر الجراح مدير مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث، يلمح بأن كلمة اللايقين تذهب بنا نحو النسق الثقافي، والتي هي أحد أضلاع المثلث السائد في العالم (الخوف، اللايقين، الفردانية)، السؤال هنا هل هو غموض مقصود أم هو غموض لعدم فهمنا؟، والسؤال الآخر يرتبط بحالة الصومال التي تعود إلى تسعينيات القرن الماضي، وهل هذا الموقف يفسر من قبلنا بأنه غامض أم إنه موقف يرتبط بمصلحة أمريكية معينة وهي إستراتيجية وليست تكتيكية، عادة ومنذ خمسين عام أمريكا هي التي تفتعل المشاكل وتؤسس على أساس المشكلة المصطلح والمفهوم، وتأسس على أساس المصطلح المفهوم تمثيلاتها على أرض الواقع، بالإضافة إلى هذا نحن نلجئ اليها دائما في وضع الحلول.
الشعوب العربية هي التي تعيش حالة الغموض والقلق
- علاء محمد ناجي كاتب بشبكة النبأ المعلوماتية، يرشح بأن السياسة الأمريكية هي تسير وفق مبدأ المصلحة، والدليل على ذلك هي تلك التفاعلات التي يثيرها ترامب من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، وهذا تم تمريره من خلال قضية نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وبحسب هذا الفهم فإن البعض يعتبر هذا الأمر قلق من وجهة نظر الشعوب العربية، علما بأن الشعوب العربية هي التي تعيش حالة الغموض والقلق، وليست الأمة الأمريكية فهي تسير بخطى ثابتة ومستقرة نحو مصالحها الإستراتيجية.
الغموض واللايقين هي سياسة بحد ذاتها تتبعها أمريكا
- عدنان الصالحي مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، يعتقد بأن الرئاسة الأمريكية هي ليست عنوان الرئاسة وإنما هي الإدارة الأمريكية، والإدارة تعني أن هناك شيئا يترتب وهناك أولويات، فالإدارة الأمريكية تسير وفق فوج من المستشارين، الذين يضعون أولويات المصلحة الأمريكية والخطوات التي تنجزها أمريكا في كل مرحلة من المراحل وبحسب فترات زمنية. شخصية الرئيس تختلف في طريقة الإلقاء والخطاب فقط، أما السياسة التي تتبعها الإدارة الأمريكية فهي سياسة ثابتة، فالمصالح الأمريكية أولا وحماية حلفائها، فقد يكون فهم أو عدم فهم السياسة الأمريكية يتصور البعض أنه مرتبط بالشرق الأوسط وكيفية إدارته.
وأضاف الصالحي، بالتالي فإن عند الأمريكان إهتمامات أخرى، مثل الدول الأوروبية وملفات أخرى تعني (بريطانيا، فرنسا، الصين)، وتأخذ اهتمام وحيز كبير بالنسبة للسياسة الأمريكية، بالتالي فإن سياسة الغموض أو اللايقين تحاول بعض الدول أن لا تسير فيها أمريكا، من أجل أن لا تعطي للطرف الآخر مسؤولية فهم تراجع السياسة الأمريكية، علما بأن أمريكا تحاول أن تكون هي المسيطرة على المشهد، لذا فإن الغموض واللايقين هي سياسة بحد ذاتها تتبعها أمريكا لتحقيق مصالحها الإستراتيجية.
أمريكا هي عبارة عن تاجر يبحث عن المصلحة
- الحقوقي أحمد جويد مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات، يستفسر عن ما هو المقصود بالنظام العالمي وهل يوجد فعلا نظام عالمي، فإذا كان مقصود بالنظام العالمي هو ما تم تأسيسه بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك من خلال الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمراد منه حفظ حقوق الإنسان وحرياته وحمايته والحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، فهل لا زال هذا النظام موجود؟، ثانيا أن حالة الغموض واللايقين هي تنشط في عقل الإنسان العربي، أما بالنسبة لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية فهي واضحة وثابتة سواء في الشرق الأوسط أو في مناطق أخرى.
وأضاف جويد، هذا ما أكده ترامب خلال برنامجه الإنتخابي الذي تضمن العديد من الخطوات، مثل الإنسحاب من أتفاقية المناخ وأيضا تجارته مع الصين، وهذا ما التزم به الرجل صراحة وهو كان أشد من أسلافه السابقين من الرؤساء الأمريكان، بالتالي لا يوجد غموض في المواقف الأمريكية، علما أن عملية عدم تدخلها في الشرق الأوسط لأنه يشكل عليها عبئ مالي وعسكري وبشري، من دون أي نتائج إيجابية تجنيها أمريكا، لذا فأن أمريكا هي عبارة عن تاجر يبحث عن المصلحة.
لا يوجد فرق بين إدارة ديمقراطية وجمهورية
- الدكتور سليم كاطع علي استاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، يرى إذا ما أخذنا الإدارات الأمريكية منذ تأسيس النظام السياسي الأمريكي ولحد الآن، نجد أنه ومع وجود إدارة ديمقراطية وأخرى جمهورية، لكن لا ينفي المبدأ المتفق عليه من بين تلك الإدارات، فالولايات المتحدة هي دولة مؤسسات وهي ليست دولة قائمة على شخص معين، فهناك سياسة خارجية ذات أهداف ثابتة، ولكن الوسائل والإستراتيجيات المختلفة في سبيل تحقيق هذه الأهداف، لذلك لا يوجد فرق بين إدارة ديمقراطية وجمهورية، ولنتذكر على سبيل المثال أنه كثير من الآراء تذهب بأن الديمقراطيين هم دائما ما يسعون إلى القوة الصلبة والديمقراطيين هم عكس ذلك، المبدأ الذي يعاكس هذا القول كون الإدارة التي استخدمت القنبلة الذرية على هيروشيما هي كانت أداة ديمقراطية.
وأضاف لذلك المبدأ العام للسياسة الأمريكية هي سياسة مرتبكة وهي تقوم على ثلاث متغيرات أساسية، النقطة الأولى هي طبيعة الإدارة الأمريكية الحالية وهي طبيعة مالية، وبالتالي فإن العقلية التي تحكم الولايات المتحدة في الغالب تكون عقلية بعيدة كل البعد عن السياسة التصادمية، فطبيعة الإختيار في تشكيل هذه الإدارة كان يسوده نوع من الغموض والإرتباك، وهذا واضح من خلال كثرة الاستبدال الذي حصل في الإدارة الأمريكية، النقطة الثانية أن سياسة الولايات المتحدة هي سياسة ثابتة وواضحة الأهداف ما دام العدو واضح.
وأكمل بالقول: لكن الآن هناك تشتيت في طبيعة الدور الذي يوجه الولايات المتحدة، فهناك مثلا روسيا كقطب بارز، وأيضا الصين على مستوى التجارة الدولية، وتنظر إلى المخاطر التي تشكلها كوريا الشمالية وإيران، إذا تعدد نوعية العدو هذا يشكل عامل إرباك وغموض بالنسبة للسياسة الأمريكية، النقطة الأخرى هي طبيعة التحديات التي تحصل على طبيعة النظام الدولي، صعود قوى وهذا سيشكل خطر على الولايات المتحدة مستقبلا، لذا فإن الإدارة الأمريكية لا يسودها الغموض وهي إستراتيجية واضحة، لكن هناك نوع من الإرباك في تطبيق هذه الإستراتيجية تبعا للمتغيرات التي تحصل.
وأضاف أيضا، الإدارة الأمريكية تتبع سياسة ردود الأفعال، وهي عكس الإدارات السابقة التي كانت ذات أفعال مباشرة. الشيء الآخر أن السياسة الأمريكية لن تكون سياسة تصادمية فالصين ومهما كانت الخلافات معها، لذلك لا يمكن أن تشكل نوع من المواجهة، وكذلك روسيا على الرغم من الخلافات معها، لكن هذا لن يشكل نوع من المواجهة مع أمريكا أو مع الغرب. النقطة الأخيرة أن السياسة الأمريكية لن تعتمد على القطبية الأحادية بل تتجه نحو تعددية الأقطاب، ومن ثم توزيع الأعضاء على أكثر من ثقل كما يحصل اليوم في الأزمة السورية.
هناك نظام دولي متغير يقوم على التعددية
- الدكتور أسعد كاظم شبيب أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكوفة، أوضح أن العودة إلى الماضي القريب خاصة عندما إنهار الإتحاد السوفيتي وبرزت القطبية الأحادية، بالتالي حدثت مجموعة من المتغيرات، من ضمن تلك المتغيرات هي الحرب على الإرهاب. الشيء الآخر الحرب على أفغانستان والحرب على العراق، ففي ظل حكم بوش الابن حدث إنهيار كبير في النظام العربي، وهذا الإنهيار جعل من دول أخرى تتدخل في الشرق الأوسط وأكبر المستفيدين هي إيران، والمستفيد الآخر هو إسرائيل كدولة طامحة، بعد ذلك صعود إدارة جديدة بقيادة أوباما، وهذه الإدارة لديها إستراتيجية تقوم على مسألة الإندفاع من الخلف.
وأضاف، هذا مما جعل المنطقة العربية تتشابك طائفيا، الشيء الآخر هو صعود ترامب وهو لا يمتلك رؤية وإستراتيجية واضحة، بالتالي أغلب القرارات التي يتخذها ترامب من خلال تويتر، تؤثر على صنع القرار في الولايات المتحدة، لذا فأن هناك غياب للرؤية خصوصا وأن الولايات المتحدة تدرك تماما إنتهاء القطبية الواحدة، بل أن هناك نظام دولي متغير يقوم على التعددية مثل (روسيا، الصين، إيران).
الارتباك اليوم هو ناتج عن حنكه سياسية
- الشيخ الجمري، يجد أن السياسة الأمريكية تحكمها المصالحة الداخلية وهي لا زالت غير متأثرة على الإطلاق بل هي على الدوام في حالة نمو وتطور، وبالتالي فإن الإرتباك الذي يحصل اليوم هو ناتج عن حنكة سياسية وتقدير صارخ لأولويات المصالحة الأمريكية، لذا الغموض موجود في تنفيذ المصلحة والسبب يعود لبروز قوى إقليمية أخرى فاعلة (كروسيا، تركيا، إيران، السعودية، الصين).
اللايقين جديد في المفهوم السياسي
- الشيخ مرتضى معاش المشرف على مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، يرى أن مفهوم اللايقين هو شيء جديد في المفهوم السياسي اليوم، وهذا المفهوم تجاوز مفهوم الغموض، علما أن الغموض الإستراتيجي طرح في زمن اوباما، وسبب طرحه في زمان اوباما لأن موقفه كان غير واضح من إسرائيل ومن الربيع العربي ومن أشياء كثيرة، فكانت تسمى سياسية الغموض الإستراتيجي أو سياسية الصبر الإستراتيجي، أما الآن فبعد صعود ترامب المفكرين الغربيين سواء كانوا من الاقتصاديين أو السياسيين طرحوا مفهوم اللايقين، نتيجة لتذبذب المواقف الأمريكية تجاه العديد من القضايا.
وتساءل معاش، هل هي صديقة روسيا أم عدو لها؟، وهل هي صديقة للصين أم عدو لها؟، وهل هي صديقة للخليج أم عدو له؟، ماذا تريد أمريكا.. هل تريد قيادة العالم أم الهيمنة عليه؟، هذا يدل بأن المراكز البحثية الأمريكية لا تعرف إلى أين تتجه امريكا، وقد تكون حالة اللايقين مقصودة في السياسة الأمريكية، بالتالي فإن الإجابة على السؤال تتوقف عند ثلاثة نقاط:
النقطة الأولى: العقل الرأسمالي الأمريكي لابد أن يدرس بعمق، خصوصا وأن العقل الرأسمالي الأمريكي يختلف عن العقل الإقطاعي الأوروبي، بالتالي فإن العقل الأمريكي هو أكثر ما يميل إلى الطبقة الوسطى، فهو أكثر ثقافة وخروجا عن الشعور بالتفوق العنصري المطلق، لذلك نجد أمريكا الرأسمالية اتجهت نحو الشراكات في العالم، مثل مشروع مارشال مشروع ونمور آسيا فأمريكا لا تريد الهيمنة بالطريقة الإستعمارية الاوربية، وإنما تريد قيادة العالم.
النقطة الثانية: أمريكا تصارع أوروبا على الإرث الإستعماري وعلى إرث سايكس بيكو من بعد الحرب العالمية الثانية وهذا مستمر، من زمن نيكسون وكسينجر وإلى زمننا الحاضر، ولا زال الصراع الأمريكي البريطاني على إرث سايكس بيكو مستمرا، والربيع العربي هو كان ثورة أوروبية لمحاولة إستقطاع سايكس بيكو من يد أمريكا.
النقطة الثالثة: أمريكا تريد أن تسيطر على قطار العولمة، بالتالي إذا خرج قطار العولمة من يدها فتخرج القيادة من عندها، وهي تسعى إلى تحديد قطار العولمة من خلال تحديد الحدود التجارية والاقتصادية مع الصين، وما فعلته مع شركة فيسبوك وشركة أمازون، يدل على انها تريد جعل قطار العولمة يسير بطريقة يخدم المصالح الإستراتيجية الأمريكية.
وأكمل معاش حديثه، إن تفسير الموقف الأمريكي في الشرق الأوسط وخصوصا في سوريا، فأمريكا تريد أن تجعل المبادرة بيدها في الشرق الأوسط، وهي لا تريد أن تجعل لبريطانيا وفرنسا أي دور في عملية بناء المعادلة السورية والسيطرة على البحر الأبيض المتوسط، والذي يمثل أكبر حقل غاز في العالم، وقرار ترامب وهو يوصي بسحب القوات الأمريكية من سوريا قرار غير مفهوم يعبر عن حالة اللايقين. والضربة الأمريكية هي محاولة لمنع أي ضربة تنفذها أي دولة أخرى حتى إسرائيل، فقط التدخل المسموح به في سوريا هو التدخل الروسي، وحتى التدخل الإيراني هو تدخل محدود جدا وهو لصالح قطار الإدارة الروسية، لماذا؟، لأن روسيا دخلت في المعادلة الأمريكية، وهي شريك ثانوي يحاول أن يمثل المصالح الأمريكية في العالم.
لا يدعم حقيقة وجود غموض في الموقف الأمريكي
- الدكتور أحمد عبد الأمير الانباري أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، لا يدعم حقيقة وجود غموض في الموقف الأمريكي بقدر ما تفرضها المصلحة أولا، والقضية الثانية هي عدم قدرة الولايات المتحدة الأمريكية بالحفاظ على إسهامها في تشكيل تفاعلات السياسة الدولية، فالقضية الأولى إن الدول بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص سياستها سترشد بالمصلحة، ولذلك فإن سياسات الإدارة الأمريكية في عهد ترامب لا تغلف بإسلوب دبلوماسي، فقبل سنة تقريبا حصل إتفاق مع السعودية على أن يتم التعامل معها كطرف رئيسي في المنطقة وإعادة دورها الإقليمي، ولذلك بعد أيام (السعودية، الإمارات، البحرين، مصر) قاطعت قطر على إعتبارها داعمة للإرهاب، وبالتالي فإن ترامب أيد هذا الموقف، ولكن بعد أيام كنت هناك صفقة لقطر 12 مليار دولار، وعندها ترامب أوضح أن أمير قطر بأنه مشارك رئيسي في مكافحة الإرهاب".
وأضاف، إن المصلحة هي التي تسير الأمور بالإتجاه المطلوب، أما القضية الأخرى فأن التذبذب والغموض يعود سببه، إلى عدم قدرة الولايات المتحدة على الحفاظ على ما تحقق لها بعد 1991، فبعد هذا التاريخ المتغيرات التي حصلت هي تفكك الإتحاد السوفيتي مع إنتهاء الحرب الباردة، فكانت بارزة على ثلاث مستويات.
المستوى الأول: هرمية النظام الدولي، فبرزت الولايات المتحدة على قمة هذا الهرم، وذلك بأعتبار أن النظام الدولي تحول من ثنائي القطبية إلى أحادية القطبية".
المستوى الثاني: إنتهاء الصراع الإيديولوجي الذي كان قائم، والمستوى الثالث: دور الولايات المتحدة الأمريكية داخل منظمة الأمم المتحدة، فعندما نأتي على الهيمنة الأمريكية فهي في حالة تراجع، وذلك على إعتبار أن روسيا ومنذ عام 2000 بدأت تستعيد مكانتها كقطب في النظام الدولي، وصعود قوى أخرى مثل الصين وهي تحتل المرتبة الثانية اقتصاديا على مستوى العالم، وتوقع منها خلال العشرين سنة القادمة أن تتفوق على الولايات المتحدة الأمريكية.
هناك قوى اقتصادية أخرى برزت وهي منظمة شانغهاي وهي تضم (الصين، وكازاخستان، قيرغيزستان، وروسيا، طاجيكستان، أوزبكستان، الهند، باكستان)، وهذا يشكل كأكبر تجمع سكاني يقدر (3) مليار نسمة بمساحة واسعة من الأرض، وهناك ناتج محلي ضخم جدا يقدر (15) ترليون دولار، وهذا مما يسهم في تراجع مكانة الولايات المتحدة الأمريكية، تجمع دول بريكس (روسيا، الصين، البرازيل، الهند، جنوب أفريقيا)، هذا التجمع يشتمل على مؤهلات سكانية ومالية واقتصادية عالية جدا، وهذا بطبيعة الحال يسهم في تراجع مكانة الولايات المتحدة الأمريكية.
بعد عام 1991 لم يكون هناك فيتو روسي وصيني، فكان توظيف المنظمة الأممية يسير لصالح السياسة الخارجية الأمريكية، الآن هناك فيتو روسي وهناك تضامن صيني مع روسيا في هذا المجال، بالتالي فقدت الولايات المتحدة الأمريكية عنصرين مهمين داخل المنظمة الأممية، هذا مما أدى إلى تراجع دور أمريكا في تشكيل التفاعلات السياسية الدولية لصالح القوى الأخرى التي برزت في الآونة الأخيرة، وبطبيعة الحال فأن أمريكا لم تعد تستطيع الحفاظ على مكانتها في الشرق الأوسط، وهناك حاجة ملحة أن تواجه قوى أخرى في مناطق أخرى مثل مواجهة الصين ومنعها أن تبرز كقوة، وكذلك روسيا والتكتلات الاقتصادية الأخرى، طبعا هناك مؤشرات أخرى فأن الولايات المتحدة لم تعد هي أكبر مستورد للنفط، فبرزت الصين على اعتبارها أكبر مستورد للنفط، مع كل ذلك تبقى الولايات المتحدة حققت الكثير من أهدافها، فجوهر المصالح الأمريكية يتم من خلال قضيتين: الأولى، هي الحصول على النفط بأسعار معقولة وهذا متحقق فعلا الآن، القضية الثانية، هو ضمان أمن إسرائيل، فكل هذه الأحداث التي تحصل الآن، هي بشكل وبآخر توظف لصالح إسرائيل كما وظفت غيرها، فمثلا بعد ستة أيام من إنتهاء الحرب الأمريكية على العراق في 1991، دعت الولايات المتحدة إلى مؤتمر يضم الدول العربية وإسرائيل، والإدارة الأمريكية حينها قالت لأول مرة تتم هذه الإستجابة.
حيث أقيم مؤتمر مدريد وأنتجت إتفاقيات أوسلو لصالح إسرائيل، الهجمات التي حدثت في 2001 أعقبها غزو لأفغانستان وإحتلال للعراق، وأنتجت بعدها بأيام خارطة طريق حل الدولتين، الحرب الإسرائيلية على لبنان (تموز 2006) أنتجت مؤتمر أنابوليس، وبعد كل حادثة نلمس الإستيطان الإسرائيلي يتصاعد، بالمقابل هناك تراجع فلسطيني لصالح إسرائيل، واليوم ترامب تخلى عن قضية حل الدولتين، ولكن مع ذلك ورغم كل المؤشرات فلا زالت الولايات المتحدة الأمريكية هي تشكل قوى فاعلة في المنطقة.
الغموض مقصود وهي لا تريد أن تحرق جميع أوراقها
- الدكتور إيهاب علي أكاديمي وباحث في مؤسسة النبأ، يرى أن نظرتنا لأمريكا تختلف عن ما تراه هي، بالتالي فإن فلسفة أمريكا تختلف عن رغباتنا، الشيء الآخر أن أمريكا تتعامل مع أي قضية على حده، فالمعالجات تختلف مع روسيا ومع الصين ومع ما يجري في الشرق الأوسط، فلكل مسألة قواعدها الخاصة بها، لذا فإن لأمريكا مطاطية عالية في التعامل مع أي مشكلة تواجهها، وسلوكيات وتصرفات ترامب منذ الإنتخابات وإلى الآن تسير بنسق واحد وهي هجومية، ودائما ما يعتمد على أسلوب التهديد والوعيد، أيضا أن السياسة الأمريكية هي سياسة ثابتة ولكن تراجع الهيمنة هو الذي جعل أمريكا تنحو نحو إعادة الهيمنة من جديد.
وأضاف علي، هناك لاعبون كبار في السياسة الأمريكية وهم من مهدوا لصعود ترامب، والسبب أن صعود هيلاري سيطيل فترة سياسة اوباما المهادنة، وبالتالي تهبط هيبة أمريكا شيئا فشيئا، الشيء الآخر أن صعود ترامب شكل عامل ضغط على التفكير العربي والعالمي كونه سيهدد العالم بتصرفاته المجنونة وهذا ما لم يحصل، لذا فإن دور أمريكا كاد يتركز حول إرجاء المشاكل وأيضا حالة الصبر الطويل، إن أمريكا غادرت الإستراتيجيات الطويلة الأمد وهي تتعامل مع المتغيرات بصورة آنية، وبالتالي ربما يكون هذا الغموض مقصود وهي لا تريد أن تحرق جميع أوراقها.
السؤال الثاني: ما هي الإستشرافات عن بعض المواقف الأمريكية وإستراتيجيتها القادمة وتأثيراتها على النظام الدولي؟
- محمد الخاقاني، يتصور هناك رؤيتين: الرؤية الأولى، الولايات المتحدة الأمريكية هي القطب الأوحد وهي ستتحمل أعباء هذا النظام، أما الرؤية الثانية، فهو نظام متعدد الأقطاب وبالتالي تتوزع الأكلاف على جميع القوى.
- الدكتور حسين أحمد، يؤكد في ظل الوضع الحالي وهو إنعدام وجود إستراتيجية واضحة تجاه الشرق الأوسط، هذا الواقع يؤشر إلى سيناريوهات أثنين: السيناريو الأول، هو إستمرار هذا الموضوع، والثاني تبلور إستراتيجية معينة نتيجة الخلاف الحاد بين أقطاب الإدارة الأمريكية، وربما تكون هناك نوع من الإستراتيجية الواضحة بهذا الموضوع.
- حامد الجبوري، يصر بما أن المصلحة هي النقطة الرئيسية في إستراتيجيات الولايات المتحدة الأمريكية، فبالتأكيد طبيعة الموقف هي مرهونة بالمصلحة.
- الدكتور حيدر حسين أحمد آل طعمه، يعتقد أن التبدل في الملامح في الإستراتيجية الأمريكية وفي السياسة الأمريكية، سيبقى قائما ببقاء ترامب.
- الدكتور سليم كاطع، يصف ما يحدث اليوم بأنه صراع دولي على المصلحة، ولكن إذا ما أخذنا قدرات الولايات المتحدة فمن المستحيل أن تكون دولة ذات قدرات مطلقة، فالولايات المتحدة لم تعد تلك الدولة التي تمتلك قدرات وإمكانات بشكل كامل، لكنها موزعة على بعض الجوانب كالعسكرية بالدرجة الأساس، لذلك فأن عملية الذهاب للحروب مستقبلا بين الولايات المتحدة وأقطاب أخرى، هذا مستبعد نهائيا لإعتبارات ثلاث: الأول: هي القدرة التدميرية وبالتالي أصبحت الدولة تمتلك إمكانات قابلة للتدمير، لذا فالدول تبتعد عن هذا الإحتمال، والثاني: طبيعة النظام الاقتصادي العالمي وهو قائم على الإعتمادية المتبادلة، لذلك العالم اليوم أصبح قرية صغيرة فلا يمكن لدولة أن تعيش بمعزل عن دولة أخرى، هذه الإعتمادية ستؤدي إلى روابط مشتركة وتفاعلات ما بين هذه الدول، لذلك فالدول من المنطق العقلاني لابد أن تغلب المصلح الاقتصادية على المصالح الأخرى، والنقطة الثالثة: تعتمد على عقلانية تلك الدولة ومن يحكم تلك الدولة، وهذه العقلانية من الممكن أن تجنب هذه المواجهة، وأن تغليب لغة الحوار والحل والتلاقي وليس الصدام والمشاكل.
- الدكتور أسعد كاظم، يؤشر إلى وجود بعدين: وهما الجانب الإقليمي والجانب الدولي، ففيما يتعلق بالجانب الإقليمي فهناك الصراع الإيراني - السعودي على المنطقة العربية، والشق الآخر هو التقسيم في ظل إدارة ترامب، وبالتالي هاتان المسألتين ما عادت مطروحة خصوصا في العراق، فلاحظنا ترامب أفشل مشروع تقسيم العراق من خلال إفشاء مشروع أستفتاء كُردستان، وعلى مستوى الجانب السوري فلا زالت الأمور غامضة وهي تخص توزيع النفوذ بين الدول الإقليمية والدولية، الجانب الآخر هو الجانب الدولي فهناك دولتين بارزتين وهي أمريكا وروسيا، إضافة إلى ذلك هناك دول كبرى لها نفوذ في منطقة الشرق الأوسط، (تركيا، إيران، السعودية، باكستان، الصين)، بالتالي فأن مسألة النفوذ الأحادي قد انتهت، والآن هناك توزيع للأدوار بين الأقطاب الدولية الكبرى.
- عدنان الصالحي، يرى أن السياسة الأمريكية باقية وسائرة على نفس المناهج في العالم، فإذا كانت هناك أخطار على السياسة الأمريكية، فهي ستكون داخل الولايات المتحدة الأمريكية خصوصا وأن قضية العنصرية بداءة تعود بشكل أو بآخر داخل الولايات المتحدة، وقضية المسلمين وغير المسلمين هناك تحرك في هذا الجانب، وهذا قد يؤسس لحركة غير منضبطة في داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وقد تؤثرا مستقبلا على سياستها الخارجية، ولكن سياسة أمريكا الخارجية سائرة بنفس الإتجاه، حيث المصلحة وأمريكا أولا والتحالف مع الأقوياء.
- الشيخ مرتضى معاش، يدعو إلى قراءة السياسة الأمريكية بعمق أكثر، حتى لا يكون حالنا مثل حال مسعود بارزاني، الذي أخطأ في فهم النظام العالمي والتوجهات الأمريكية وسقط سقوطا كبيرا. أمريكا تقوم على شيء أساس وهو صراع اللوبيات، وهذه هي طبيعة النظام الأمريكي التي تقوم على تلك اللوبيات، فحينما يصعد لوبي الفحم ينسحب ترامب من معاهدة المناخ، أيضا نرى بالأمس القريب مع السعودية ويأخذ منها 500 مليار دولار، لكن يستقبل أمير قطر ويأخذ منه.
النقطة الثانية، إن سياسة الغموض الموجودة في السياسة الأمريكية، هي قائمة على أن أمريكا لها مصالح إستراتيجية لا يرضى عنها أصدقائها وحلفائها، فلذلك تقوم بدور مزدوج بين إرضاء حلفائها وأصدقائها من جهة، ومن جهة ثانية تذهب وراء الصداقة مع روسيا، وأيضا الإتفاق النووي الإيراني، وتذهب نحو الحوار مع كوريا الشمالية، هذه النقاط لابد أن نلاحظها في قضية الاستشراف للمستقبل، أما النقطة الثالثة، الرجوع لسياسات كيسنجر، فيقولون اليوم الذي يقف خلف ترامب هو كيسنجر، وهو الذي يواجه ترامب وهو من أسهم أيضا في إقصاء أقرب المقربين لترامب.
وهذا يوحي لحالة الرجوع إلى سياسات نيكسون القديمة (تكتيكات مجنونة ولكن أهداف معقولة)، فلذلك نجد ترامب صاخب لكن نتائجه هادئة، بالتالي فإن ترامب اليوم لم يفشل بل ربما هو نجح، وقد يكون مقبل على أربعة سنوات قادمة، لكن مشكلة التيار الليبرالي الذي خسر خسارة كبيرة، هو الذي يقود الحملة ضد قيادة ترامب ومن ثم إظهاره كرجل فاشل، ولا يستطيع أن يتناسب مع المستوى القيادي لأمريكا في العالم.
- الدكتور أحمد الانباري، يؤكد مع تصاعد فرص ومؤشرات تجاه النظام الدولي القائم على نظام تعدد الأقطاب، أعتقد أن الولايات المتحدة تسعى جاهدة لعرقلة بروز هذه الأقطاب، لأن بروزها يشكل تراجع في الهيمنة الأمريكية، أبرز قوتين هما روسيا والصين ولكن محاولاتها مع الصين ستكون بشكل أساسي ومركز، بأعتبار أن معدل النمو الاقتصادي عند الصين مرتفع بشكل كبير وممكن أن تتجاوزها خلال (20) السنة القادمة، مواجهتها ستكون في عدة مناطق منها سوريا، وروسيا في أوكرانيا، الصين في بحر الصين الجنوب مثلا.
فتشاغل هذه القوى في هذه المناطق، فكل قوة تحاول أن توجد لها مكاسب على المستوى الدولي وتحسين مكانتها، بالنتيجة يكون لها حضور في مناطق المهمة في العالم، وبالتالي فإن الولايات المتحدة ومع كل ما ذكرناه من تراجع لهيمنتها أو تراجع الإهتمام بالشرق الأوسط، هي مضطرة لبقاء إهتمامها في الشرق الأوسط وحضورها في قضيا الشرق الأوسط، وذلك لإستمرار إسهامها بتشكيل تفاعلات السياسة الدولية، ويكون لها قدرة في التحكم بمسارات التغيير التي تحصل.
- الدكتور إيهاب علي يعتقد أن أمريكا ستبقى تعمل على بقائها كقوة مسيطرة، وهذا ما تعمل عليه الولايات المتحدة من خلال ممارسة اسلوب التفكيك السياسي من الداخل ومغادرة الحروب، وهي كانت تتمنى واقعا صعود لوبان في فرنسا لكنها إستطاعت أن تضم ماكرون، وحتى فوز بوتين هو شكل صدمة لأمريكا خصوصا وهي تريد إسترداد قوة أمريكا.
وفي ختام الملتقى تم تكريم الباحثين في مركز المستقبل، كما تقدم مدير الجلسة الدكتور قحطان الحسيني الباحث في مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية، بالشكر الجزيل والإمتنان إلى جميع من شارك وأبدى برأيه حول الموضوع، وتقدم بالشكر أيضا إلى وسائل الإعلام التي شاركت بتصوير الملتقى الفكري الأسبوعي لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام.
* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2018Ⓒ
اضف تعليق