تغيرات مهمة تشهدها السعودية التي أصبح تدار اليوم بشكل رسمي من قبل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي تمكن من تشديد قبضة على السلطة، بعد اقصاء الكثير من الشخصيات والأمراء أصحاب النفوذ، ويساهم التغيير الواسع في هرم القيادة العسكرية السعودية في ترسيخ سلطة ولي العهد الجديد
تغيرات مهمة شهدتها المملكة العربية السعودية التي أصبح تدار اليوم بشكل رسمي من قبل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي تمكن من تشديد قبضة على السلطة، بعد اجراء إصلاحات وتغيرات واسعة طالت الكثير من الشخصيات والأمراء من أصحاب النفوذ، تغيرات الأمير الشاب هذه المرة شملت كما نقلت المصادر، بعض المناصب العسكرية العليا شملت تغيير رئيس أركان الجيش وقيادات الدفاع الجوي والقوات البرية ومسؤولين بارزين بوزارتي الدفاع والداخلية. تعين امرأة في منصب حكومي مهم فقد عُينت تماضر بنت يوسف الرماح نائبة لوزير العمل وهو منصب رفيع نادرا ما تتولى مثله امرأة في المملكة.
وكان ولي العهد، البالغ من العمر 32 عاما والذي يشغل كذلك منصب وزير الدفاع، قد تعهد بإصلاحات لتنويع اقتصاد المملكة بعيدا عن صادرات النفط وتوفير فرص عمل وتخفيف القيود الاجتماعية في المملكة. ومنذ بزوغ نجمه قبل ثلاث سنوات عزل الأمير محمد كذلك عددا ممن يمكن أن ينافسوه على العرش. وتم عزل ابن عمه محمد بن نايف من منصبي ولي العهد ووزير الداخلية في يونيو حزيران الماضي وبعد ذلك أعاد الأمير محمد هيكلة الوزارة ليحكم السيطرة على المخابرات ومكافحة الإرهاب.
وعزل أميرا آخر من أبناء عمومته من منصبه وهو الأمير متعب بن عبد الله قائد الحرس الوطني في نوفمبر تشرين الثاني الماضي واعتقله لمدة شهرين في إطار حملة على الفساد احتجز خلالها عشرات من كبار رجال الاقتصاد والسياسة في المملكة. وجاء التغييرات الأخيرة في مرسوم ملكي أصدره الملك سلمان ونشرت في وسائل الإعلام الرسمية. ولم يُذكر سبب لهذه التغييرات لكن يبدو أنها تهدف إلى بسط سيطرة ولي العهد على قطاعات رئيسية في الجيش.
ويقول محللون إن التغييرات الجديدة ربما تكون مرتبطة بالإخفاقات العسكرية الكبيرة في الحرب منذ ثلاث سنوات في اليمن ضد جماعة الحوثي، خصوصا مع تنامي الانتقادات الدولية بسبب الأزمة الإنسانية والغارات الجوية التي أدت إلى سقوط قتلى مدنيين.
وشملت المراسيم الملكية كذلك تبني إستراتيجية جديدة لإعادة هيكلة وزارة الدفاع لتحسين التنظيم والإدارة لكن لم ترد تفاصيل إضافية. وقال مصدر على علم بإستراتيجية إعادة هيكلة وزارة الدفاع إنها تهدف إلى تحسين الكفاءة والحد من الفساد لكنها قد تواجه بمقاومة. وقال الباحث جوزيف كيتشيكن إن بعض الضباط أقيلوا لعدم الكفاءة بينما حصل آخرون على ترقيات سريعة لكن بعض المحليين يقولون إنه لم يتضح ما إذا كانت التغييرات ستحسن الأداء العسكري على الفور.
وخفف الأمير محمد القيود الاجتماعية وقلص دور السياسة الدينية وسمح بإقامة حفلات موسيقية عامة. وأعلنت الحكومة خططا للسماح للنساء بقيادة السيارات وقالت إن المرأة لم تعد تحتاج لموافقة قريب ذكر لفتح شركتها الخاصة وهي خطوة كبيرة ابتعادا عن نظام ولاية الرجل في المملكة. وقال جريج جوز الخبير في شؤون الخليج بجامعة (ايه آند أم) في تكساس إن تعيين مسؤولين أصغر سنا قد يساعد ولي العهد على حشد كتلة من العائلة المالكة داعمه له من الجيل الأصغر. وأضاف ”لكنه ‘وهذا تحفظ مهم‘ يحتفظ بسلطة الحكومة مركزة بين يديه“.
هرم القيادة العسكرية
وفي هذا الشأن يساهم التغيير الواسع في هرم القيادة العسكرية السعودية في ترسيخ سلطة ولي العهد الامير محمد بن سلمان في وقت تسعى فيه المملكة للخروج من مستنقع النزاع اليمني. وتتزامن عملية اعادة تنظيم الجيش مع تعثر الحملة العسكرية التي اطلقتها السعودية في اليمن منذ اذار/مارس 2015، الامر الذي يظهر حدود قوة السعودية التي تسعى الى منافسة ايران. وبعد ثلاث سنوات من الحرب التي تكلف الرياض مليارات الدولارات، لا يزال الجيش السعودي يواجه صعوبات.
كما لا يزال الحوثيون يبسطون سيطرتهم على العاصمة اليمنية صنعاء، في حين تتعرض السعودية للمزيد من الانتقادات على الصعيد الدولي، في حين تعاني اليمن "أسوأ ازمة انسانية في العالم" وفق الامم المتحدة. وترتفع اصوات في الغرب تدعو الى فرض حظر على بيع الاسلحة للسعودية المتهم جيشها بارتكاب العديد من "الاخطاء" التي تودي بمئات المدنيين اليمنيين.
وتقرر ابدال القادة العسكريين السعوديين الكبار بمن فيهم قائد الاركان وقادة القوات البرية والدفاع الجوي فجأة بمراسيم ملكية اعلنت في وقت متأخر . ويعتبر عدد من الخبراء ان ترقية عدد كبير من الضباط وتعيينهم في مناصب قيادية جديدة يعني ضخ دماء جديدة في الجيش. وبشكل مواز، فان اختيار شبان لتعيينهم في مناصب مسؤولة من المرجح بدوره ان يجدد الادارة المدنية في المملكة.
وقرارات الملك سلمان بن عبد العزيز (82 عاما)، التي اتخذت "بناء على توصية" نجله ولي العهد الامير محمد البالغ من العمر 32 عاما، هي الاحدث في سلسلة خطوات هدفها ترسيخ سلطات ولي العهد. ومنذ تعيينه في حزيران/يونيو الماضي في منصب ولي العهد، تم سجن نحو عشرين من المعارضين في ايلول/سبتمبر ضمنهم رجال دين ينتقدون السلطة. كما قرر في تشرين الثاني/نوفمبر شن حملة لمكافحة الفساد طالت أمراء ووزراء ومسؤولين سابقين ورجال اعمال كذلك.
ويتزامن صعود الامير محمد بن سلمان مع سياسة هجومية على المستوى الاقليمي تجلت في التدخل العسكري في اليمن بهدف احتواء نفوذ إيران، رسميا. والامير محمد وزير للدفاع منذ عام 2015. ويقود برنامجا واسعا من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي تشمل، في شقها العسكري، تطوير صناعة دفاع وطني حقيقية. وقد سبق وان اعرب عن استيائه شخصيا لان بلاده تحل في المرتبة الثالثة او الرابعة كاكبر مستورد للاسلحة في العالم، في حين يحتل جيشه المرتبة العشرين عالميا.
وقد نظمت هيئة الصناعات العسكرية السعودية معرضا في الرياض وتطمح لان تصبح "لاعبا رئيسيا في صناعة الدفاع العالمية"، وفقا لموقعها الإلكتروني. وحددت الهيئة هدفا لها يقضي باستيعاب اكثر من نصف الانفاق العسكري بحلول عام 2030، وايجاد 40 الف وظيفة والمساهمة بحدود 14 مليار ريال (3,7 مليار دولار) في الناتج المحلي الاجمالي.
وقال الباحث المشارك في "اتلانتيك كاونسل" محمد اليحيى ان "هدف اعادة تنظيم الهيكلية العسكرية هو تنظيف الجيش وتنشيطه بينما تحاول السعودية اقامة صناعة عسكرية قابلة للاستمرار ويمكن ان تكون موجهة نحو التصدير". من جهته، قال بيكا فاسر من مؤسسة "راند"، إن إعادة الهيكلة تهدف الى نقل الجيش السعودي من "قوة متضخمة وغير فعالة الى جيش منظم ومحترف". بحسب فرانس برس.
بدوره، كتب فيصل بن فرحان كبير مستشاري السفارة السعودية في واشنطن في تغريدة ان "القرار الاكثر اهمية الذي اتخذه الملك سلمان هو الموافقة على خطة تطوير وزارة الدفاع". واضاف ان "هذا الجهد الذي سيمتد لسنوات، كان قيد الدراسة منذ اشهر، من جميع الجوانب، بما في ذلك التنظيم وهيكلية القوات والمشتريات على المدى الطويل".
علاج بالصدمة
من جانب اخر قال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إن الحملة على الفساد التي أطلقتها الرياض منذ أواخر العام الماضي "علاج بالصدمة" كانت المملكة بحاجة له لاجتثاث "سرطان الفساد"، وذلك في مقابلة لصحيفة "واشنطن بوست" نشرت الثلاثاء. وصف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الحملة الأخيرة على الفساد بأنها "علاج بالصدمة" كانت المملكة بحاجة له لمكافحة الكسب غير المشروع المتفشي.
وأكد الأمير محمد بن سلمان لصحيفة "واشنطن بوست" في مقابلة "لديك جسد مصاب بالسرطان في كل أعضائه، سرطان الفساد. عليك استخدام العلاج الكيميائي والصدمة، وإلا فإن السرطان سيلتهم الجسم". وتابع "إن المملكة لن تتمكن من تحقيق أهداف الميزانية دون وضع حد لهذا النهب". وفي آخر تحرك في سياق التحولات التي تخوضها المملكة، أجرت الرياض تغييرات واسعة في مناصب عسكرية قيادية شملت رئاسة هيئة الأركان العامة وقيادتي القوات الجوية والبرية. بحسب فرانس برس.
وقال ولي العهد للصحيفة إن التغييرات التي أعلن عنها والده الملك سلمان تهدف إلى تعيين أشخاص ذوي "طاقات عالية" لديهم القدرة على تحقيق أهداف التحديث مؤكدا "نريد العمل مع أشخاص مؤمنين" بمستقبل المملكة. وجاءت التعديلات قبل نحو شهر من دخول الحرب السعودية في اليمن المجاور عامها الرابع. وكان الأمير محمد المحرك الأساسي وراء تبني المملكة سياسة أكثر هجومية على المستوى الإقليمي منذ توليه منصب وزير الدفاع مطلع العام 2015.
الشرطة الدينية
على صعيد متصل لم يكن رقص فتاة وشاب سعوديين في شارع عام مكتظ بالمارة مشهدا غير مألوف وحسب، بل اطلق نقاشا حادا حول انحسار تأثير الشرطة الدينية المعروفة بفرضها الفصل بين الجنسين من غير المحارم في المملكة المحافظة. وامتلكت "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" او "المطوعون" الاسم المتعارف عليه لافراد الشرطة الدينية منذ عقود سلطات واسعة للتأكد من تطبيق قواعد الحجاب او الفصل بين الجنسين، فكانوا يسيّرون الدوريات في الاماكن العامة ويراقبون رواد المتاجر الكبرى لضبط النساء اللواتي يضعن طلاء أظافر براقا ومعاقبة الرجال الذين يسعون للاتصال بالجنس الآخر.
وفي السنوات السابقة اطلقت السلطات السعودية سلسلة من الاصلاحات شملت تقليص صلاحيات المطوعين بشكل تدريجي ومنعتهم من مطاردة الاشخاص وايقافهم والتثبت من هوياتهم. كما قلص ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان الدور السياسي لرجال الدين المتشددين في اطار الاصلاحات التاريخية في المملكة. الفيديو القصير لرقصة الشارع لم يكن خرقا بسيطا في مجتمع محافظ جدا، بل صدم الرأي العام بعد ظهوره وانتشاره واثار دعوات لالقاء القبض على الشاب والشابة.
وتعهدت السلطات بالتحرك السريع وسط تعليقات غاضبة اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي التي اظهرت الاستياء في الاحياء المحافظة حول تراجع حضور المطوعين وعدم اليقين حول دورهم المستقبلي. وتردد سؤال "اين الشرطة الدينية؟" بين السعوديين الغاضبين على مواقع التواصل الاجتماعي، وسأل البعض ايضا "لماذا هم صامتون؟" و"هل يعني صمتهم الموافقة؟". والمطوعون ينضوون في الجهاز الحكومي "هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر".
ولاقى التراجع في حضور المطوعين وصلاحياتهم ارتياحا لدى الكثيرين من شريحة الشباب في السعودية. وفي مشهد كان غير متخيل قبل عامين، ازيلت الحواجز التي كانت تفصل بين الجنسين في بعض المطاعم في الرياض التي عادت لتستقبل الزبائن من الجنسين على صوت الموسيقى. وشوهد مقهى ينزع الحواجز داخله بعد وقت قصير على مغادرة دورية المطوعين الذين يرتدون الاثواب البيضاء واغطية الراس الحمراء.
وقبل اسابيع دعا كتاب في عدة صحف بارزة بينها عكاظ بشكل مباشر وبجرأة وفق البعض الى الغاء دور المطوعين بحجة انهم يشكلون عبئا ماليا غير ضروري. ويأتي تراجع المطوعين في الوقت الذي يسعى فيه الامير محمد بن سلمان البالغ 32 عاما في بلد نصف عدد سكانه تحت 25 عاما لاطلاق حملة اصلاحات في المملكة المحافظة تحت مسمى "رؤية 2023".
فهو رفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة وسمح بفتح دور السينما وادخل سلسلة من النشاطات الترفيهية والرياضية وحيّد غلاة المتشددين في المملكة الذين يعتبرون الداعمين التقليديين للعائلة المالكة. وتم اسكات معارضين لاصلاحات الامير على الاقل في العلن بعد حملة شملت اعتقال رجال دين بارزين لديهم ملايين المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي. وغاب رجال دين بارزون كانوا دائمي الظهور على الشاشات عن الحياة العامة، واعلن الشيخ عائض القرني مؤخرا "طلاقه" من السياسة.
ويقول هشام الغنّام الباحث السعودي في جامعة اكزتر البريطانية "تأثير رجال الدين المحافظين كان دائما مبالغ به". واضاف ان "ممارسة الفتيات للرياضة وفتح دور السينما وتنظيم حفلات او حتى الوصول الى حد حل الشرطة الدينية ليست اشياء بامكانهم منعها. المملكة قادرة على الدفع في اتجاه مثل هذه الاصلاحات دون توقع ردة فعل قوية".
وحتى الآن هناك توازن دقيق بين الانفتاح الاجتماعي وتهميش المحافظين فيما تبدو السلطات حذرة في عدم اثارة الحساسيات الدينية. ويقول رجل اعمال في الرياض طلب عدم كشف هويته "هناك فارق بين الاسلام المعتدل ولا اسلام على الاطلاق". ويضيف "الى جانب الحفاظ على الاخلاق العامة، لاحق المطوعون ايضا مهربي المخدرات والمجرمين الذين يتحرشون بالناس". وتخيم فوق مستقبل هيئة المعروف حالة من عدم اليقين، اذ من غير الواضح ما الذي ستقرره الحكومة بشأنهم.
ويقول جيمس دورسي من جامعة اس. راجاراتنام للدراسات الدولية في سنغافورة "لا يمكن حلهم هكذا بكل بساطة" مضيفا ان "الخيار الافضل دمجهم في المؤسسات العامة لتطبيق القانون". ويقول بروس ريديل مؤلف كتاب عن السعودية يحمل عنوان "ملوك ورؤساء" ان عناصر الشرطة الدينية المتشددون يمكن ان "يكونوا خطيرين اذا كانوا عاطلين عن العمل ولديهم مشاعر غاضبة". بحسب فرانس برس.
ومنذ العام 2016، بدا وكأن المطوعين يخضعون لتبديل كامل في صورتهم مع اخضاعهم لدورات تدريبية لتعليمهم كيفية التصرف مع المواطنين "بلطف ومودة" والاقتراب منهم بكلمات محببة مثل "اخي العزيز". لكن حتى بدون صلاحية توقيف الاشخاص، فان دور افراد الشرطة الدينية لا يزال حاضرا. فهم الآن يعملون جنبا الى جنب مع الاجهزة الامنية الاخرى ويتوجب عليهم الابلاغ عن الانتهاكات الى الشرطة المدنية. وخلال السنوات السابقة انتشرت تسجيلات فيديو كثيرة عن تشددهم، لكن اشهرها حادثة اودت بحياة فتيات عام 2002 عندما تم اتهامهم بعدم السماح بفتح الابواب خلال تعرض مدرسة لحريق لان التلميذات كن لا يرتدين الحجاب بالشكل المطلوب.
اضف تعليق