q

تشهد العلاقات الامريكية التركية توتراً كبيرا في الفترة السابقة، ولأسباب كثيرة منها دعم وتسليح الولايات المتحدة لوحدات حماية الشعب الكردية إحدى أكبر مكونات قوات سوريا الديمقراطية المتحالفة مع امريكا، والتي تعتبرها انقرة منظمة إرهابية، حيث تتبع حزب العمال الكردستاني المحظور والذي تدرجه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في اللائحة السوداء باعتباره جماعة إرهابية، ووضع نزاع بين تركيا والولايات المتحدة بشأن السيطرة على بلدة بشمال سوريا وكما نقلت بعض المصادر، البلدين الشريكين في حلف شمال الأطلسي على خط مواجهة الأمر الذي ساهم في تفاقم خلاف دبلوماسي. ووصل النزاع إلى مرحلة المواجهة حول بلدة منبج السورية حيث هددت تركيا بطرد قوات سوريا الديمقراطية وحذرت الولايات المتحدة، التي لها قوات هناك، من التدخل.

وقال إردوغان قبل أيام من شن هجوم عسكري ضد وحدات حماية الشعب في منطقة عفرين بشمال غرب سوريا ”هذا ما يجب أن نقوله لجميع حلفائنا... لا تقفوا بيننا وبين المنظمات الإرهابية وإلا فلن نكون مسؤولين عن عواقب غير مرغوب فيها“. وأضاف أن تركيا ستحول اهتمامها إلى منبج على بعد نحو 100 كيلومتر شرقي عفرين في أقرب وقت ممكن.

لكن واشنطن تقول إنها لا تعتزم سحب جنودها من منبج، وزار اثنان من القادة الأمريكيين المدينة لتعزيز هذه الرسالة. كما حذرت من أن الهجوم الجوي والبري الذي تشنه تركيا في عفرين قد يؤدي إلى تفاقم أزمة إنسانية في سوريا وزعزعة إحدى المناطق القليلة في البلاد التي ظلت مستقرة خلال سبع سنوات من الحرب.

مع تصاعد حدة الخلاف بين واشنطن وأنقرة، قامت تركيا ببناء جسور مع القوتين المنافستين روسيا وإيران، رغم أن دعمهما ساعد في ترجيح كفة الرئيس السوري بشار الأسد في المعركة بينما لا تزال تركيا تدعم مقاتلي المعارضة الذين يريدون الإطاحة به. واتفقت الدول الثلاث على خطة لم تؤت ثمارها حتى الآن لخفض القتال بين الجيش السوري الذي تدعمه القوات الجوية الروسية و إيران والمقاتلين الجهاديين ومقاتلي المعارضة المدعومين من تركيا.

وتقول تركيا إنها نالت موافقة من روسيا التي تسيطر على معظم المجال الجوي في غرب سوريا لشن عملية عفرين. وعلى النقيض تقول أنقرة إن واشنطن لم تف بعد بعدد من الالتزامات مثل وقف تسليح وحدات حماية الشعب الكردية واستعادة الأسلحة التي قدمتها للوحدات بالفعل بعد هزيمة تنظيم داعش في سوريا وسحب قوات وحدات حماية الشعب من منبج.

وقالت جولنور أيبيت كبيرة مستشاري إردوغان للعلاقات الدولية إن زيارة اثنين من القادة العسكريين الأمريكيين لمنبج كانت ”بادرة عسكرية خرقاء“ غلب عليها قصر النظر والتهور. وقالت”ليس مفيدا ... للجنرالات الأمريكيين في الميدان القيام باستعراض يتسم بالوقاحة والاستفزاز في منبج بجانب وحدات حماية الشعب في الوقت الذي تحاول فيه الولايات المتحدة وتركيا إيجاد أرضية مشتركة“. ووصفت العلاقات مع واشنطن بأنها ”هشة ومخيبة للآمال لعدم الوفاء بالتعهدات وعدم وجود تنسيق بين البيت الأبيض والجيش“.

وقال إردوغان كذلك إن تركيا ”ستسحق“ القوة التي تخطط الولايات المتحدة لتطويرها في الاجتياح الكبير لشمال سوريا الذي تسيطر عليه وحدات حماية الشعب وحلفاؤها في الوقت الراهن ، بما في ذلك أكثر من 400 كيلومتر من الحدود مع تركيا. وتجد نبرته الصارمة، قبل عام من انتخابات رئاسية وبرلمانية، صدى في بلد يشير استطلاع للرأي نشرت نتائجه إلى أن 83 % من سكانه ينظرون إلى الولايات المتحدة بشكل سلبي. كما اظهر الاستطلاع الذي أجراه مركز التقدم الأمريكي أن 46 في المئة من الأتراك يعتقدون أن على بلادهم أن تبذل المزيد من الجهود لمواجهة الولايات المتحدة مقابل 37 في المئة يعتقدون أنها يجب أن تحافظ على تحالفها مع واشنطن. وعززت هذه المشاعر موقف إردوغان الرافض للخضوع في نزاعات أخرى مع واشنطن.

تمويل الأكراد

وفي هذا الشأن قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إن قرار الولايات المتحدة مواصلة تقديم الدعم المالي لوحدات حماية الشعب الكردية السورية سيؤثر على قرارات تركيا مستقبلا. وقال إردوغان في تصريح لأعضاء من حزبه الحاكم العدالة والتنمية في البرلمان ”قرار حليفنا تقديم الدعم المالي لوحدات حماية الشعب... سيؤثر قطعا على القرارات التي سنتخذها“.

وتأتي تصريحاته في أعقاب نشر خطة ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية لعام 2019 والتي تتضمن تمويلا لتدريب وتزويد قوات محلية بالعتاد في المعركة ضد الدولة الإسلامية في سوريا. وتشير نسخة من الميزانية إلى أن وزارة الدفاع (البنتاجون) طلبت 300 مليون دولار من أجل سوريا ”لأنشطة تدريب وتزويد بالمعدات“ و250 مليون دولار لمتطلبات تأمين الحدود. ولم تحدد كم من هذا المبلغ سيخصص لوحدات حماية الشعب لكن وسائل الإعلام التركية فسرت ذلك على أنه يعني تخصيص 550 مليون دولار لذلك الفصيل الكردي المسلح في 2019. بحسب رويترز.

وقال إردوغان ”سيكون من الأفضل بالنسبة لهم عدم الوقوف في صف الإرهابيين الذين يدعمونهم اليوم. أقول لشعب الولايات المتحدة الأمريكية، هذا المال يأتي من ميزانية الولايات المتحدة، يأتي من جيوب أفراد الشعب“. وقال إردوغان في البرلمان ”من الواضح أن من يقولون سنرد بشكل عدائي إذا ضربتمونا لم يجربوا من قبل صفعة عثمانية“. وكان يشير بذلك إلى تصريحات أدلى بها اللفتنانت جنرال الأمريكي بول فانك خلال زيارة لمنبج.

من جانب اخر ذكر مقاتلون أكراد سوريون ووسائل إعلام حكومية سورية أن القوات التركية قصفت مدرسة ابتدائية ومحطة للمياه في منطقة عفرين بشمال سوريا. لكن مصدرا عسكريا تركيا نفى هذه المزاعم. وقال نوري محمود المتحدث باسم وحدات حماية الشعب إن القوات التركية وحلفاءها من المعارضة السورية المسلحة ألحقوا الضرر بمحطة المياه الرئيسية التي تخدم مدينة عفرين. وأضاف أن الفنيين يحاولون إصلاح الضرر في منشأة معالجة وضخ المياه بعدما أخرجها القصف المدفعي عن الخدمة. وذكر محمود أن القصف أصاب أيضا مدرسة ابتدائية في قرية ميدانكي قبل ذلك بيوم دون أن يوقع قتلى أو جرحى.

وذكرت الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا) أن القصف دمر أجزاء من المدرسة. وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يراقب الحرب من مقره في بريطانيا إن القوات التركية ألحقت أضرارا بالمحطة التي تبعد تسعة كيلومترات شمال شرقي مدينة عفرين. وقال المرصد إن المنشأة توفر المياه لمئات الآلاف من السكان والنازحين في منطقة عفرين.

اتفاق أمريكي تركي

على صعيد متصل اتفقت الولايات المتحدة وتركيا على السعي لإنقاذ العلاقة الاستراتيجية التي أقرت واشنطن بأنها وصلت إلى مرحلة حرجة في حين اقترحت أنقرة عملية انتشار مشتركة في سوريا إذا غادرت وحدات حماية الشعب الكردية المنطقة الحدودية. واجتمع وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون بالرئيس التركي رجب طيب إردوغان بعد أسابيع من تصريحات حكومية تركية مناهضة لواشنطن.

وفي حين تأثرت العلاقات بين الولايات المتحدة وحليفتها في حلف شمال الأطلسي بعدد من القضايا، ثار غضب تركيا بشكل خاص من الدعم الأمريكي لوحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبرها أنقرة منظمة إرهابية. وشنت تركيا حملة جوية وبرية في منطقة عفرين بشمال غرب سوريا لطرد الوحدات من حدودها الجنوبية. وساعدت الولايات المتحدة الوحدات بالسلاح والتدريب والدعم الجوي والقوات الخاصة. وتعتبرها واشنطن حليفا رئيسيا على الأرض في حملتها ضد تنظيم داعش.

وقال تيلرسون في مؤتمر صحفي بعد الاجتماع مع وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو ”نجد أنفسنا عند نقطة حرجة في العلاقات“. واجتمع مع إردوغان لأكثر من ثلاث ساعات. وقال تيلرسون ”من الآن فصاعدا سنعمل معا يدا بيد. سنواجه القضايا التي تسبب لنا مشكلات وسنحلها“. ولا يوجد للولايات المتحدة قوات على الأرض في عفرين التي تشهد العملية التركية. لكن أنقرة اقترحت توسيع الحملة لتشمل مدينة منبج حيث تتمركز قوات أمريكية مما قد يؤدي إلى مواجهة مباشرة مع وحدات مدعومة من الولايات المتحدة.

وفي اقتراح قد يشير إلى تقدم في جهود التغلب على الخلافات بشأن سوريا، قال مسؤول تركي إن أنقرة اقترحت نشر قوات تركية وأمريكية مشتركة في منبج. وقد يحدث هذا الانتشار العسكري المشترك إذا انسحبت وحدات حماية الشعب الكردية أولا لمواقعها شرقي نهر الفرات وهو مطلب قديم لتركيا.

قال تشاووش أوغلو إن تركيا ستكون قادرة على اتخاذ خطوات مشتركة مع الولايات المتحدة في سوريا بمجرد أن تغادر الوحدات الكردية منطقة منبج. وأضاف ”المهم من سيحكم ويوفر الأمن لهذه المناطق... سننسق لاستعادة الاستقرار في منبج والمدن الأخرى. سنبدأ بمنبج. بعد أن تغادر وحدات حماية الشعب الكردية، يمكننا اتخاذ خطوات مع الولايات المتحدة بناء على الثقة“. وقال أيضا إن البلدين أسسا ”آلية“ لإجراء مزيد من المحادثات وسيعقدان اجتماعات مرة أخرى في منتصف مارس آذار لحل الخلافات.

وقال تيلرسون إن القضايا المتعلقة بمنبج سيكون لها الأولوية في المحادثات وأقر بأن واشنطن لم تف ببعض وعودها لتركيا فيما يخص منبج. وقال ”قطعت الولايات المتحدة لتركيا تعهدات من قبل ولم تف بالكامل بتلك الالتزامات. سنعالج ذلك من خلال مجموعة العمل وسيكون لمنبج الأولوية“. ووجهت وسائل إعلام تركية موالية للحكومة انتقادات لاذعة للولايات المتحدة لعدم وفائها بتعهد بخروج وحدات حماية الشعب من منبج بمجرد هزيمة تنظيم داعش هناك. بحسب رويترز.

وقال تيلرسون ”لكن الأمر لا يتعلق بمنبج وحدها. علينا أن نفكر في الشمال السوري بأسره“. وأقر تيلرسون بحق تركيا المشروع في الدفاع عن حدودها لكنه دعا إلى ممارسة ضبط النفس في عملية عفرين وتجنب التصرفات التي من شأنها تصعيد حدة التوتر في المنطقة. وقال أيضا إن لدى الولايات المتحدة مخاوف كبيرة بشأن موظفين محليين ببعثتها الدبلوماسية في تركيا، مطالبا أنقرة بالإفراج عن قس أمريكي وأمريكيين آخرين معتقلين هناك.

من يملأ الفراغ

من جانب اخر وكما نقلت بعض المصادر، تبدو الولايات المتحدة مهتمة بشكل كبير بتهدئة غضب حليف قديم في موقع استراتيجي بلغ ذروته مع قضية تسليح وحدات حماية الشعب الكردية. وزير الخارجية الأمريكية في هذا السياق أكد أن الجانبين "لن يتحركا بعد الآن كل بمفرده" في سوريا، فيما اقترحت تركيا على الولايات المتحدة انسحاب الوحدات الكردية إلى شرق الفرات وأن تتمركز قوات تركية وأمريكية في منطقة منبج. لكن تخلي الولايات المتحدة عن دعم الأكراد أو تقليل صور هذا الدعم قد يُضعف كثيراً من قوة الميليشيات الكردية خصوصاً في حربها ضد ما تبقى من قوات تنظيم داعش في سوريا، وفق ما يرى خبير الشؤون التركية فادي حاكورة، الذي أضاف لــ DW عربية أن " هذا الأمر سيخلق فراغاً لابد وأن تملأه جهة ما ولا اعتقد أن روسيا ستترك هذه الفرصة السانحة، بخلاف أن الاكراد أنفسهم قد يسعون نحو روسيا لتقوية علاقاتهم معها ومع النظام السوري، ما سيؤثر على التواجد الأمريكي في المنطقة" وتوقع حاكورة أن تستغل إيران الفرصة أيضاً لإضعاف الدور الأمريكي في سوريا.

وشابت العلاقات الروسية التركية قبل فترة توترات كبيرة على خلفية إسقاط تركيا لمقاتلة روسية ومصرع قائدها لكن بعد الاعتذار التركي عن الواقعة عادت ماكينة العلاقات بين الجانبين تهدر بقوة، وتصاعد التعاون التركي الروسي خصوصاً في المجال العسكري والأمني بشكل غير مسبوق. لكن ما الذي قد يحدث إذا ما قررت روسيا دعم الأكراد اذا ما تخلت الولايات المتحدة عن دعمهم؟

يعتقد فادي حاكورة الخبير في معهد شاثام هاوس أن "الروس لديهم خطة سياسية أذكى من الأمريكيين وأن أي تحالف روسي مع الأكراد - إن حدث - فلن يكون مباشراً وإنما سيكون عبر الرئيس السوري بشار الأسد أو عبر إيران، بما لا يسمح بتأزيم الأمور مع الحليف التركي". ويؤكد الخبير في الشأن التركي أن روسيا هي من أعطى الضوء الأخضر لتركيا لشن عملية عسكرية في عفرين ضد الأكراد إما لتهدئة المخاوف التركية من وجود عسكري كردي أو لضرب الحليفين الأمريكي والتركي ببعضهما، وهو أمرٌ سيخدم مصالح روسيا ومصالح إيران ومصالح النظام السوري لكن يصعب جداً أن تسمح روسيا لتركيا بتوسيع نطاق عملياتها في العمق السوري بما يخل بأحجام القوى هناك أو بحضور روسيا القوي في المشهد.

واستبعد حاكورة فكرة حدوث مواجهة عسكرية بين الولايات المتحدة وتركيا قائلاً "إن كلا الطرفين لا يريد ذلك من الأصل بدليل زيارة تيليرسون لأنقرة ومحاولته تهدئة المخاوف التركية وتفادي هذا النوع من المواجهة، وتابع : "ما علينا من كلام أردوغان وخطبه الحماسية فهي موجهة في الأساس للداخل التركي للاستهلاك الإعلامي وطلباً لاستمرار الدعم الشعبي"، لكنه توقع أن تطول العملية العسكرية التركية في سوريا أكثر مما خطط له الأتراك، مضيفاً أن "هذا ما تشير إليه المؤشرات الأولية من المواجهات الحادثة بين الطرفين على الأرض وبالتالي فتركيا نفسها ليست أبداً في وارد تعقيد الأمور على نفسها بمواجهة القوات الأمريكية في منبج".

اضف تعليق