بلغ حجم التعهدات في مؤتمر إعادة إعمار العراق الذي استضافته الكويت، 30 مليار دولار، قدمتها 76 دولة ومنظمة إقليمية ودولية ومحلية. وكانت الحكومة العراقية تأمل أن يصل حجم المساهمات إلى 88 مليار دولار، وهو المبلغ المقدر لكلفة إعادة إعمار المدن التي تدمرت نتيجة الحرب ضد تنظيم داعش، وهو ما عده البعض انتكاسه كبيرة خصوصا وان الكثير كان يعتقد ان هذا المؤتمر وهو الفرصة ذهبية للعراق للحصول على المنح والمساعدات الدولية لإعادة اعماره من قبل جميع دول العالم تمنح على شكل هبات ومساعدات،
حيث يرى الكاتب عمار سعدون البدري في مقال خاص انه و مع انتهاء أعمال مؤتمر إعادة الإعمار في الكويت, فقد اصيب الكثير من العراقيين وفي مقدمتهم الحكومة العراقية بخيبة أمل بالنتائج الهزيلة لهذا المؤتمر والذي فهم خطأ من قبل الكثير بانه مؤتمر لتقديم المنح المالية لاعادة اعمار البنى التحتية المدمرة من مشاريع الكهرباء والماء والمؤسسات التعليمية و الصحية والمؤسسات الخدمية. فالمسؤولون العراقيون كانوا قد رسموا في توقعاتهم بان المؤتمر سيكون بمثابة فرصة ذهبية للعراق للحصول على المنح والمساعدات الدولية, عرفانا منهم للتضحيات الجسيمة التي قدمها الشعب العراقي وحكومته نيابة عن العالم في طرد اخطر التنظيمات الارهابية وبالتالي ساهم ذلك في الحفاظ على امن واستقرار المنطقة وعدم امتداد الارهاب الى دول العالم.
ويضيف على الرغم من مشاركة (2300) شركة من مختلف الدول العربية والاوربية والاسيوية بالإضافة الى المنظمات الدولية الرصينة وصندوق النقد الدولي والصندوق الكويتي للتنمية العربية في أعمال المؤتمر للحصول على عشرات الفرص الاستثمارية التي طرحها العراق, الا ان المؤتمر خرج بتخصيصات مالية لم تتجاوز قيمتها 30 مليار دولار، وهذا يشكل نحو 34% من مبلغ 88.2 مليار دولار الذي قدرته الحكومة العراقية لإعادة اعمار البلاد على مدى 10 سنوات, ومعظم هذه المبالغ هي قروض مالية ملزمة السداد بفوائد والباقي اليسير منها تبرعات مالية لاتسد الحاجة. بمعنى اخر ان بوصلة المؤتمر تحولت من مؤتمر مانح لاعادة اعمار العراق الى مؤتمر استثماري من قبل شركات تقوم بتنفيذ استثمارات مدرة للدخل وتعيد عليها عائدا ماليا.
ويعد الفساد أحد أكبر التحديات أمام الحكومة العراقية في سعيها لجمع الأموال واستقطاب المستثمرين. حيث يخشى الكثير من المراقبين ان تذهب هذه الاموال التي تعد جزء يسير مقارنة بميزانيات العراق السابقة الى جيوب الفاسدين والمنتفعين وبعض السماسرة وقادة الاحزاب المتنفذة، في ظل وجود نظام المحاصصة والقوانين الضعيفة ، وقال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في كلمة خلال المؤتمر إن العراق لن يتوقف عن "محاربة الفساد الذي لا يقل خطورة عن الاٍرهاب". ويحتل العراق المرتبة 166 من بين 176 دولة على لائحة البلدان الأكثر فسادا بحسب آخر لائحة أصدرتها منظمة الشفافية الدولية.
30 مليار دولار
وفي هذا الشأن وصلت تعهدات الدول المانحة في اليوم الثالث والختامي لمؤتمر إعادة إعمار العراق المنعقد في الكويت، إلى نحو 30 مليار دولار، بينما يأمل العراق في أن يحصل على تعهدات بنحو 88 مليار دولار. وفي تصريح صحفي، قال وزير الخارجية الكويتي الشيخ صباح الخالد الصباح ، إن "التزام المجموعة الدولية حيال العراق كان واضحا خلال المؤتمر" مع مبلغ إجمالي قيمته 30 مليار دولار. وأضاف أن "هذا المبلغ نتج عن زخم واسع من مشاركة 76 دولة ومنظمة إقليمية ودولية51 من الصناديق التنموية ومؤسسات مالية إقليمية ودولية و107 منظمة محلية وإقليمية ودولية من المنظمات غير الحكومية و1850 جهة مختصة من ممثلي القطاع الخاص".
وفي أول رد فعل على الإعلان قال وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري "كنا نأمل بمبلغ أكبر". وستكون هذه المساعدات على شكل قروض وتسهيلات ائتمانية واستثمارات للمساهمة في إعادة إعمار هذا البلد الخارج من حرب مدمرة مع تنظيم داعش المتطرف استمرت لأكثر من ثلاث سنوات.
وأعلنت تركيا أنها ستخصص خمسة مليارات دولار للعراق على شكل قروض واستثمارات، بينما قالت بريطانيا، التي قادت مع الولايات المتحدة اجتياح العام 2003، أنها ستمنح العراق تسهيلات ائتمانية في مجال الصادرات تصل إلى مليار دولار سنويا ولمدة عشرة أعوام. وكان وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون قد أعلن خلال مشاركته في المؤتمر عن توقيع اتفاقية بين مصرف التجارة الخارجية الأمريكي والعراق لمنح بغداد قروضا بنحو ثلاثة مليارات دولار.
وكانت بغداد قد أعلنت أنها "انتصرت" على تنظيم داعش في كانون الأول/ديسمبر بعدما استعادت القوات العراقية، مدعومة من التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، أجزاء واسعة من البلاد كانت المجموعة المتطرفة سيطرت عليها في منتصف العام 2014. وإلى جانب الدمار الكبير الذي خلفته الحرب، فإن النزاع تسبب في نزوح الملايين، ولا يزال هناك 2,6 مليون نازح يقيمون في مخيمات في مناطق مختلفة من البلاد الغنية بالنفط.
لكن العراق الذي عانى ماليا في السنوات الماضية من تراجع أسعار النفط، يتطلع إلى طي صفحة الحرب هذه والانطلاق نحو إعادة إطلاق العجلة الاقتصادية، مشرعا أبوابه أمام الشركات الأجنبية والمستثمرين. وقبيل إعلان الدول عن مساهماتها، طالب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس المجتمع الدولي بتقديم الدعم "بالسياسة والموارد". وقال متوجها إلى العراقيين "العالم مدين لكم جراء نضالكم ضد التهديد العالمي الذي فرضه التنظيم ، مضيفا "حان الوقت لإظهار امتناننا الخالص والتعبير عن تضامننا مع الشعب العراقي".
من جهته، قال أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أن بلاده تدرك "حجم الدمار" الذي لحق بالعراق جراء الحرب ضد تنظيم داعش، ورأى أن إعادة الإعمار "عمل لن يتمكن العراق من التصدي له وحده"، داعيا المجتمع الدولي إلى "المشاركة في هذا العمل وتحمل تبعاته". كما قالت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني إن الاتحاد ستقدم 400 مليون دولار على شكل مساعدات إنسانية، بعد يومين من تعهد منظمات غير حكومية في اليوم الأول من المؤتمر بتقديم 330 مليون دولارعلى شكل مساعدات أيضا. بحسب فرانس برس.
بينما تعلن الحكومات عن مساهماتها في مشروع إعادة الإعمار، يسعى العراق الذي عانى في السنوات الأخيرة من انخفاض أسعار النفط، إلى طمأنة واستقطاب المستثمرين في القطاع الخاص الممثل في اجتماع الكويت بأكثر من ألفي شركة ورجل أعمال. وقال رئيس الهيئة الوطنية للاستثمار سامي الأعرجي أمام ممثلين عن هذا القطاع إن "العراق مفتوح أمام المستثمرين"، مشيرا إلى أن بغداد تعرض الاستثمار في أغلب القطاعات، من الزراعة إلى النفط.
وأقر رئيس الوزراء حيدر العبادي بوجود فساد في الدولة العراقية، لكنه تعهد بمحاربته كما حارب "الإرهاب". وقال العبادي "نؤكد أن إصرارنا على محاربة الفساد كفيل بإضفاء بيئة ناجحة، تحت عمل واضح وشفاف، ولن نتوقف عن محاربة الفساد، تلك الآفة الخطيرة التي لا تقل خطورة عن الإرهاب، بل هي أحد الأسباب لنشوء الإرهاب".
مساهمة ومخاوف
على صعيد متصل قال أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح إن بلاده ستقرض العراق مليار دولار وتلتزم باستثمار مليار دولار إضافية هناك. وقال الشيخ الصباح خلال مؤتمر دولي لإعادة إعمار العراق ”يسرني أن أعلن بأن دولة الكويت وانطلاقا من التزامها بدعم الأشقاء في العراق... ستلتزم بتخصيص مليار دولار كقروض... ومليار دولار للاستثمار في الفرص الاستثمارية في العراق“.
وكان العراق غزا الكويت في 1990 في حرب انتهت على يد تحالف قادته الولايات المتحدة وعقوبات استمرت لأكثر من عشر سنوات. وجرى تعليق سداد التعويضات التي يدفعها العراق في 2014 بعد استيلاء التنظيم على مساحات شاسعة من البلاد لكنه استؤنف بعد ذلك. ومن المنتظر أن يسلم العراق أكثر من 0.5 بالمئة من إيراداته النفطية خلال 2018 تتصاعد سنويا حتى نهاية 2021 من أجل سداد مبلغ 4.6 مليار دولار المتبقي للكويت.
الى جانب ذلك يسعى رجال الأعمال الكويتيون الراغبون في الاستثمار في العراق إلى الحصول على ضمانات والتغلب على عائق البيروقراطية لضخ استثمارات في البلد الذي عانى من فترات طويلة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني. وعقدت الشركات الكويتية ندوة في غرفة تجارة وصناعة الكويت شارك فيها سامي الأعرجي رئيس الهيئة الوطنية للاستثمار بالعراق ومسؤولون من البنك الدولي حيث تركز الحديث حول الضمانات التي يقدمها العراق للمستثمرين الأجانب وكذلك بعض المشكلات التي يعانيها المستثمرون هناك لاسيما البيروقراطية.
وقال عبد الوهاب الوزان نائب رئيس غرفة تجارة وصناعة الكويت إن القطاع الخاص الكويتي يتطلع لأن تكون هناك دراسات جدوى واضحة وضمانات للاستثمار في العراق مبينا أن الشركات الكويتية يمكنها المشاركة في كل مجالات الاستثمار في العراق. وقال الوزان إن القطاع الخاص يتطلع دائما ”لأن تكون هناك ضمانات تعطي الاستقرار في عملية الاستثمار.. كل استثمار يحتاج إلى استقرار. لا تستطيع أن تستثمر بدون أي يكون عندك راحة بال في كيفية الإنشاء والإعمار ومن ثم الاستمرار. هذا هو الطريق الصحيح.. هذه الأساسيات التي تبني عليها استثمارك في العراق.“
وقال الوزان إن هناك جهات عدة كالبنك الدولي والمؤسسة العربية لضمان الاستثمار والصندوق الكويتي للتنمية سوف تكون فاعلة في تقديم الضمانات للاستثمار في العراق ”لكن الغطاء يجب أن يكون على مستوى الدول لتشجع المستثمرين ...في الجانب الأمني والجانب السياسي و(الجانب) المرتبط بخروج ودخول الأموال والضرائب“. وعانى المستثمرون الكويتيون الذين كانوا يستثمرون في العراق في فترة الثمانينات من ضياع الكثير من أصولهم بعد الغزو العراقي للكويت والقطيعة التي حدثت بين الدولتين حتى عام 2003.
وقال سامي الأعرجي رئيس الهيئة الوطنية للاستثمار بالعراق إن بلاده حديثة عهد باقتصاد السوق موضحا أن الهيئة التي يرأسها تتولى تنسيق ومتابعة وتسهيل مهام المستثمرين الأجانب لكنها ”لا تملك عصا سحرية. ولا تعد (المستثمرين) بالمن والسلوى“ لكنها ستسعى إلى متابعة شكاواهم والتغلب على ما يعانونه من عقبات. وأضاف الأعرجي أن العراق لديه ”فرصة نادرة...العالم متعاطف معنا“ ويريد للعراق أن يحقق السلم الأهلي وأن يتم استثمار موارده لصالح شعبه. وأضاف الأعرجي ”حري بنا ألا نضيع هذه الفرصة“ وأن يتم استثمارها في إعادة بناء العراق في كل القطاعات. وقال الأعرجي إن أهم ضمانات الاستثمار في العراق تتمثل في قانون الاستثمار العراقي وقبول العراق لقرارات التحكيم الدولي ”أينما كان“ في القضايا الاستثمارية بالإضافة إلى الاتفاقيات الموقعة بين الكويت والعراق بشأن ضمانات الاستثمار.
وخلال الندوة قال مستثمر كويتي يعمل في العراق منذ 14 عاما إنه يشكو من البيروقراطية الحكومية التي تمنعه منذ ستة أشهر وحتى الآن من استلام مستحقات بقيمة خمسة ملايين دولار لدى الحكومة العراقية. لكنه أكد أنه سيواصل الاستثمار في العراق ”لأن هذا واجبنا تجاه إخوتنا في العراق.“ وخلال الندوة قال زياد بدر رئيس بعثة مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي في العراق إن البنك الدولي بمؤسساته التابعة المتعددة يقدم ضمانات متنوعة ومختلفة وفعالة للاستثمار في العراق معتبرا أن هذا البلد يتمتع بمزايا عديدة منها بنية تحتية قوية وعدم وجود قيود على تحويلات العملة للخارج بالإضافة إلى ربط الدينار العراقي بالدولار الأمريكي. بحسب رويترز.
وأضاف بدر الذي تعمل مؤسسته كذراع متخصصة لمجموعة البنك الدولي للعمل مع القطاع الخاص أن العراق لا يزال يمثل أحد الدول التي تتمتع بأكبر عائد على الاستثمار في العالم. وقال ”لا أظن أنه في أي مكان من العالم توجد هكذا فرص من الاستثمار. استثماراتنا في العراق البالغة 1.2 مليار دولار لا يوجد بها استثمار غير مجد“. وأضاف بدر أن مؤسسة التمويل الدولية سوف تقوم خلال الفترة المقبلة باستثمار 250 مليون دولار إضافية في قطاع الاتصالات العراقي.
مشاريع اخرى
الى جانب ذلك وقعت الحكومة العراقية مع البنك الدولي على مشروعين بقيمة 510 ملايين دولار مخصصين لتحسين ظروف عيش العراقيين وزيادة توزيع المياه واستحداث وظائف. وتم توقيع المشروعين في اطار المؤتمر الدولي لاعادة اعمار العراق في الكويت، بحسب ما افاد البنك الدولي في بيان من مقره بواشنطن. ويضاف المشروعان الى برنامج تنمية يموله البنك الدولي وقيمته 750 مليون دولار.
وترتفع بذلك قيمة تمويلات البنك الدولي في العراق الى 4,7 مليارات دولار مقابل 600 مليون دولار قبل اربع سنوات. وعلاوة على ذلك اوضح البنك ان هذه التمويلات "ستوفر دعما فوريا لاعادة تاهيل قطاع التربية والخدمات الصحية واعادة اعمار الطرقات والجسور الكبرى واعادة شبكات الكهرباء وانظمة الماء".
من جانبها حثت مؤسسة التمويل الدولية، ذراع البنك الدولي المعنية بدعم القطاع الخاص، الشركات العالمية على تجاوز مخاوفها بشأن تمويل مشروعات إعادة البناء في العراق والاستفادة من فرص استثمارية تدر عوائد مرتفعة هناك. جاء ذلك في كلمة لزياد بدر رئيس بعثة مؤسسة التمويل الدولية في العراق. وقال بدر”لا أظن أنه في أي مكان من العالم توجد هكذا فرص من الاستثمار“، وضرب مثلا بشركة لبنانية تحقق عائدا قدره 24 في المئة من حصتها في فندق فاخر في أربيل عاصمة إقليم كردستان في شمال العراق.
وأضاف أن مؤسسة التمويل الدولية لديها استثمارات بنحو 1.2 مليار دولار في مشروعات مختلفة في العراق، تشمل بنوكا ومصانع أسمنت وشركات اتصالات، وتستعد للإعلان عن استثمار بنحو 250 مليون دولار في مشروع للاتصالات. ونشرت الهيئة الوطنية للاستثمار العراقية قائمة تضم 157 مشروعا ستسعى لجذب استثمارات إليها وتُقدر التكلفة الإجمالية لتلك المشروعات بنحو 100 مليار دولار.
وتتضمن المشروعات إعادة بناء المنشآت التي تعرضت للتدمير مثل مطار الموصل واستثمارات جديدة لتعزيز وتنويع الاقتصاد بعيدا عن الاعتماد على مبيعات النفط، من خلال تطوير قطاعي النقل والزراعة وصناعات اعتمادا على ثروة البلاد من الطاقة، بما في ذلك البتروكيماويات والمصافي النفطية. وإعادة بناء المنازل والمستشفيات والمدارس والطرق والأعمال والاتصالات عملية مهمة لتوفير فرص عمل للشباب، وإنهاء نزوح مئات الآلاف من المواطنين وإسدال الستار على عدة عقود من العنف السياسي والطائفي. بحسب رويترز.
وأعاد العراق فتح أبوابه أمام الاستثمار الأجنبي في 2003 بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة وأطاح بصدام حسين، لكن الغالبية العظمى من مليارات الدولارات التي جرى استثمارها اتجهت لزيادة إنتاج البلاد من النفط والغاز الطبيعي. وأصبح العراق ثاني أكبر بلد مُصدر للنفط في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) بعد السعودية، بإنتاج يومي يبلغ 4.4 مليون برميل.
اضف تعليق