تطورت الأحداث في اليمن بشكل سريع ولافت منذ اندلاع احتجاجات 2011 بعد اندلاع معارك جديدة بين القوات الحكومية والانفصاليين في مدينة عدن جنوبي البلاد، هو ما قد يسهم بدخول اليمن في حرب جديدة تصب بمصلحة دول وأطراف أخرى، وسيطر الانفصاليون في جنوب اليمن على مقر الحكومة بعد مواجهات عسكرية مع القوات الموالية للسلطة الشرعية، وقتل فيها العديد من الاشخاص. واتهم رئيس الوزراء أحمد بن دغر الانفصاليين بقيادة انقلاب في عدن، داعياً التحالف العربي، وخصوصاً السعودية والإمارات، إلى التدخل لإنقاذ الوضع في المدينة". وتسارعت الأحداث كما نقلت بعض المصادر في هذا البلد الذي يعيش بحسب الأمم المتحدة أسوأ أزمة إنسانية بالعالم، بشكل خطير ينذر ليس فقط باستمرار نزيف الدم في حرب طاحنة تشارك فيها أكثر من دولة بل بتقسيمه.
وتصاعدت حدة التوترات في مدينة عدن بجنوب اليمن منذ إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي المتحالف مع الإمارات عزمه الإطاحة بحكومة أحمد بن دغر إذا لم يقرر هادي إقالتها في غضون أسبوع. واتهم المجلس حكومة بن دغر بتجويع اليمنيين ودفع البلد الفقير نحو مجاعة. ومزق صراع مسلح اليمن منذ سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء عام 2014 ثم توجههم جنوبا صوب عدن عام 2015 في حملة عسكرية أدت إلى انتقال هادي إلى المنفى. وساعد التحالف الذي تقوده السعودية، والذي تدخل في الحرب بعد لجوء هادي إلى الرياض في مارس آذار 2015، مقاتلين محليين على إنهاء سيطرة الحوثيين على عدن وتحقيق مكاسب عسكرية أخرى في أنحاء مختلفة من البلاد. لكن الحوثيين ما زالوا يسيطرون على معظم مناطق شمال اليمن بما في ذلك صنعاء.
وتأسس المجلس الانتقالي الجنوبي العام الماضي للدفع باتجاه انفصال اليمن الجنوبي عن اليمن الشمالي. وكانت قوات من الجنوب اشتبكت مع مؤيدي هادي، ومنهم أعضاء في حزب الإصلاح الإسلامي، للسيطرة على مناطق استراتيجية مثل مطار عدن ومرافق نفطية. ويخشى كثيرون من أن يضيف صراع جديد، مزيدا من الدمار والتدهور للحالة الإنسانية لليمنيين، بعد حرب متواصلة منذ ثلاث سنوات، أدت إلى تدمير واسع في بنيته التحتية، وتفشي للأوبئة على نطاق واسع في حين تتحدث بعض التقارير الإعلامية عن حرب بالإنابة، تشهدها صنعاء بين الإمارات العربية المتحدة والرياض.
وفي صحيفة "الثورة" اليمنية يتهم أبو بكر عبد الله كلا من السعودية والإمارات بتأجيج الأزمة في اليمن ويقول "ماراثون الاستقطاب والفرز وإعلان الانشقاقات والتخندق استمر بوتيرة عالية بين مليشيا المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات ومليشيا الفار هادي المدعوم من السعودية في تفاعلات استبقت الحلول الملغومة لتحالف العدوان بانتقال عدواها إلى المحافظات المجاورة لعدن لتتضاءل معها فرص الحل السلمي وسط مخاوف جدية من خطر انزلاق المحافظات الجنوبية كلها في نفق الحرب الأهلية".
وتعكس الاتهامات لكل من الإمارات والسعودية بإدارة "حرب بالإنابة" في عدن هذه المرة، مخاوف من امكانية انفراط عقد التحالف الذي شكلته السعودية، لمواجهة الحوثيين في اليمن، والذي يضمن بين صفوفه الإمارات أيضا، وتشير تقارير إعلامية إلى أن ما يحدث حاليا يقوض كل جهود التحالف المعلنة لمواجهة الحوثيين، إذ أنه يجعل الحكومة الشرعية المدعومة من التحالف بقيادة عبد رب منصور هادي، محاصرة بين نيران الحوثيين في الشمال، ونيران الانفصاليين التابعين للمجلس الانتقالي الجنوبي في الجنوب.
وكان لافتا تأخر الرد من قبل التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن والذي تقوده السعودية، على ما يجري في عدن، غير أن الناطق الرسمي باسم التحالف العقيد تركي المالكي، حذر أخيرا من زعزعة الأوضاع الأمنية في عدن، وأكد " أن قوات التحالف دعت كافة الأطراف اليمنية إلى عدم التصعيد في أي منطقة محررة وعدم شق الصف .
تراجع الاشتباكات
في هذا الشأن قال سكان إن الاشتباكات الدامية التي استمرت ثلاثة أيام بين انفصاليين جنوبيين والحكومة اليمنية المعترف بها دوليا في عدن انحسرت بعد أن سلم مقاتلون قاعدتين عسكريتين كانوا قد سيطروا عليهما. جاء تراجع الاشتباكات بعد وساطة من التحالف الذي تقوده السعودية الذي يحاول وقف أسوأ اقتتال بين حلفائه خلال حرب أوسع نطاقا ضد حركة الحوثي التي تسيطر على شمال اليمن بما في ذلك العاصمة صنعاء.
ويسعى الانفصاليون إلى استعادة استقلال اليمن الجنوبي الذي اتحد مع اليمن الشمالي في 1990. وحارب هؤلاء الإنفصاليون بجانب قوات حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي ولكنهم سيطروا على عدن هذا الأسبوع بعد رفض هادي إقالة رئيس وزرائه. وتمكن الانفصاليون من السيطرة على عدن بالكامل باستثناء القصر الرئاسي المحصن الذي يضم مجلس الوزراء. ولكن المقاتلين الانفصاليين تخلوا عن قاعدتين في وقت لاحق.
وقال مصدر حكومي إنه جرى تسليم المنشأتين الحكوميتين وانسحب المقاتلون الجنوبيون. وأفاد سكان أن البنوك والمتاجر أعادت فتح أبوابها واستؤنفت حركة المرور في الشوارع بعد أيام قضاها الكثيرون داخل البيوت هربا من القتال الذي أدى لمقتل ما لا يقل عن 20 مقاتلا. وقال عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي إن الانفصاليين الجنوبيين لا يزالون موالين لهادي ولا يخططون للانسحاب من المعركة ضد الحوثيين. وأضاف ”طالبنا فخامة الرئيس عبد ربه منصور هادي بإقالة الحكومة هذي واستبدالها بحكومة كفاءات لتقوم بدورها... نحن نطالب التحالف العربي ببسط السيطرة والقيام بواجبه أمام هذا الشعب وفي هذه الظروف السيئة“. ودفع الصراع اليمن، الذي يعد واحدا من أفقر دول العالم العربي، إلى انهيار في الوضع الإنساني مع انتشار الجوع والمرض.
السعودية والامارات
من جانب اخر أرسلت السعودية والإمارات، الشريكتان الرئيسيتان في قيادة التحالف العسكري في اليمن، وفدا عسكريا مشتركا إلى عدن سعيا لنزع فتيل الحرب في المدينة الجنوبية بعد المعارك التي شهدتها وأدت إلى خسارة قوات الحكومة سيطرتها عليها لصالح وحدات مؤيدة للانفصاليين. وقالت وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية إن الوفد "تجول في شوارع" عدن والتقى "جميع الأطراف المعنيين". وأكد الوفد، بحسب الوكالة، ضرورة الالتزام بوقف إطلاق النار الذي قد كان دعا إليه التحالف بعيد بدء المعارك، وعودة الحياة والهدوء للمدينة، "والتركيز على دعم جبهات القتال.
وبقي التحالف أثناء المعارك التي توقفت بعدما حاصر الانفصاليون القصر الرئاسي حيث يقيم الوزراء، على الحياد، متجنبا التدخل المباشر على الأرض لفض النزاع، رغم أن قواته تقيم في معسكرات في المدينة. وتهدف زيارة المسؤولين العسكريين السعوديين والإماراتيين إلى إعادة "الأوضاع لما كانت عليه" قبل اندلاع الأحداث، بحسب الوكالة الإماراتية. ورأى الطرفان أن ما حدث "لا يخدم مهمة الشرعية والتحالف في استكمال تحرير الأراضي اليمنية"، مؤكدين على أن مهمة التحالف "تتمحور حول إعادة الشرعية لليمن وعودة الأمن والاستقرار".
وقال اللواء السعودي محمد سعيد المغيدي "هدفنا اليوم هو ضمان أمن واستقرار عدن وتجنب كافة أشكال الفوضى وإنهاء كل الخلافات والحفاظ على كيان الدولة اليمنية". وتابع أن هدف المملكة والإمارات "واحد ورؤيتهما مشتركة وليست لدينا أطماع سوى أن يكون يمن العروبة آمنا ومستقرا وقابلا للتنمية والازدهار". وقال اللواء الإماراتي محمد مطر الخبيلي إن الرياض وأبوظبي "تقودان جنبا إلى جنب المصالحة إيمانا بأهمية أمن واستقرار اليمن والحفاظ على السلم والأمن الإقليميين".
وكانت المتاجر والمدارس في عدن قد أعادت فتح أبوابها مع توقف المعارك، بينما أعلنت الخطوط الجوية اليمنية أنها ستستأنف رحلاتها من مطار المدينة باتجاه القاهرة. من جهتها، أكدت وزارة الخارجية اليمنية في بيان أن حكومة هادي لا تزال تعمل في شكل طبيعي، معتبرة أن ما قام به الانفصاليون الجنوبيون هو محاولة انقلاب تم إحباطها. ويحتج الانفصاليون على الأوضاع المعيشية في عدن، ويتهمون الحكومة بالفساد. وكانوا قد حددوا، عبر "المجلس الانتقالي الجنوبي" الذي يمثلهم سياسيا، مهلة لهادي لإجراء تغييرات حكومية. بحسب فرانس برس.
ويقود محافظ عدن السابق عيدروس الزبيدي الحركة الانفصالية في الجنوب الذي كان يشكل قبل الوحدة عام 1990، دولة مستقلة. وفي 12 أيار/مايو الماضي، شكل الانفصاليون سلطة موازية "لإدارة محافظات الجنوب وتمثيلها في الداخل والخارج" برئاسة الزبيدي، بعد شهر من إقدام هادي على اقالته من منصبه، ما أثار توترا بين الانفصاليين والحكومة. وقال الزبيدي في مقابلة تلفزيونية إن القوات المؤيدة للانفصاليين ستبقى على موقفها إلى جانب التحالف العسكري في مواجهة الحوثيين، متجنبا تأكيد ما إذا كان الانفصاليون يسعون إلى إقامة سلطة بديلة في عدن. وتعمق التطورات في عدن النزاع اليمني المتواصل منذ سنوات وتهدد بتفاقم الأزمة الإنسانية حيث يواجه ملايين اليمنيين خطر المجاعة. وقتل في اليمن منذ تدخل التحالف أكثر من 9200 شخص، بينما أصيب أكثر من 53 ألفا آخرون.
اضف تعليق