الحرب الجديدة التي تخوضها تركيا اليوم في منطقة عفرين شمال غرب سوريا، ضد القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة الامريكية والتي تصفها انقرة بأنها قوات إرهابية، دخلت اليوم وبحسب بعض المراقبين مرحلة جديدة وخطيرة بعد تصاعد حدة القتال الذي قد يتحول الى صراع طويل وحرب خطيرة تهدد امن واستقرار المنطقة، خصوصا وان الرئيس التركي أردوغان قد اكد أنه سيمضي قُدمًا في الهُجوم على منبج حتى لو تَطلّب الأمر الدُخول في صِدامٍ مع القوات الأمريكية، لأن هذا الهُجوم يأتي لحماية تركيا، ومنع تقسيم سورية، وعدم إقامة كيان كردي يحظى بدعم أمريكي.
هذه الحرب ستسهم ايضا في تغير خارطة التحالفات في الحرب السورية خصوصا وان البعض يرى انها ستعزز العلاقة بين تركيا وروسيا وايران، هو ما سيسهم أيضا في تعزيز دور الحكومة السورية، واقتربت العلاقات بين أنقرة وواشنطن من نقطة الانهيار في الشهور القليلة الماضية بسبب الدعم الأمريكي لوحدات الشعب الكردية وقضايا أخرى. وتعتبر تركيا وحدات حماية الشعب امتدادا لحزب العمال الكردستاني المحظور، والذي شن تمردا على مدى ثلاثة عقود في جنوب شرق تركيا ذي الأغلبية الكردية.
وفي المقابل تنظر واشنطن لهذه الوحدات على أنها شريك فعال في القتال ضد تنظيم داعش المتشدد في سوريا. وساعد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة قوات سوريا الديمقراطية على طرد التنظيم من منبج في 2016. وقالت تركيا إن الولايات المتحدة اقترحت إقامة ”منطقة آمنة“ بعمق 30 كيلومترا على طول الحدود مع سوريا. لكن وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو قال للصحفيين ”علينا إعادة بناء الثقة (قبل) مناقشة المنطقة الأمنية أو أي قضية أخرى مع الولايات المتحدة“.
تركيا وأمريكا
وفي هذا الشأن حثت تركيا الولايات المتحدة على وقف دعمها لوحدات حماية الشعب الكردية أو المخاطرة بمواجهة القوات التركية الموجودة في سوريا، وذلك في أحد أقوى تصريحات أنقرة حول احتمال حدوث مواجهة بين البلدين العضوين بحلف شمال الأطلسي. وتسلط التصريحات التي أدلى بها المتحدث باسم حكومة الرئيس التركي طيب إردوغان الضوء على التوتر المتزايد بين البلدين بعد أيام من إطلاق تركيا عملية جوية وبرية باسم ”غصن الزيتون“ في منطقة عفرين بشمال غرب سوريا.
وفي واشنطن، قالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) إنها ترصد بدقة أين تذهب الأسلحة التي تقدمها لوحدات حماية الشعب وإنها ستواصل النقاش مع تركيا. وقال اللفتنانت جنرال كينيث ماكنزي المدير بهيئة الأركان المشتركة للصحفيين ”نراقب عن كثب تلك الأسلحة المقدمة لهم ونحن متأكدون إلى أقصى حد ممكن أنها لا تسقط في الأيدي الخطأ ونواصل النقاش مع الأتراك في هذا الشأن“. وقال إن العملية التركية في عفرين لا تفيد وتشتت التركيز عن قتال تنظيم داعش.
وفتحت مواجهة تركيا لوحدات حماية الشعب، التي تعتبرها مصدر تهديد أمني لها، جبهة جديدة للقتال في الحرب الأهلية متعددة الأطراف في سوريا. وأي تقدم للقوات التركية باتجاه منبج الواقعة على بعد مئة كيلومتر تقريبا شرقي عفرين قد يهدد الخطط الأمريكية الرامية لبسط الاستقرار في شمال شرق سوريا ويضعها في مواجهة مباشرة مع القوات الأمريكية المنتشرة هناك. وقال بكر بوزداج نائب رئيس وزراء تركيا والمتحدث أيضا باسم الحكومة ”الذين يساندون المنظمة الإرهابية سيصبحون هدفا في هذه المعركة“. وأضاف في مقابلة مع قناة تلفزيون (خبر) ”الولايات المتحدة بحاجة لمراجعة جنودها وعناصرها الذين يقدمون الدعم للإرهابيين على الأرض بطريقة ما لتجنب مواجهة مع تركيا“.
وللولايات المتحدة نحو ألفي جندي في سوريا وهم رسميا جزء من التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن ضد تنظيم داعش. وأغضبت واشنطن أنقرة بتوفير السلاح والتدريب والدعم الجوي للقوات الكردية السورية التي تعتبرها تركيا جماعات إرهابية. ونشرت الولايات المتحدة قواتها داخل منبج وحولها في مارس آذار الماضي لمنع أي مواجهة بين القوات التركية والمقاتلين المدعومين من واشنطن فضلا عن القيام بمهام تدريبية.
ورفض متحدث باسم قوات التحالف التعليق على تصريحات بوزداج. وقال البيت الأبيض إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حث إردوغان على إنهاء العملية العسكرية في سوريا. لكن تركيا قالت إن البيان الذي أصدره البيت الأبيض فيما يخص الاتصال الهاتفي بين إردوغان وترامب لا يعكس بدقه محتوى المحادثة. وقال مسؤول تركي ”الرئيس ترامب لم يثر أي بواعث قلق بشأن تصعيد العنف فيما يتعلق بالعملية العسكرية الحالية في عفرين“. وأضاف ”نقاش الزعيمين حول عملية غصن الزيتون اقتصر على تبادل وجهات النظر“.
وبعد أيام من بدء العملية العسكرية، تقاتل القوات التركية وحلفاؤها من مقاتلي الجيش السوري الحر لانتزاع موطئ قدم على الأطراف الغربية والشمالية والشرقية لعفرين. ويبدو أن هذه القوات حققت مكاسب محدودة نتيجة معوقات من بينها هطول الأمطار والسحب الكثيفة التي أثرت على الدعم الجوي. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان ومقره بريطانيا إن الطائرات الحربية التركية قصفت الحدود الشمالية لعفرين بالتزامن مع قصف بالمدفعية الثقيلة. وأضاف المرصد أن عشرات المقاتلين وأكثر من 20 مدنيا قتلوا حتى الآن منذ إطلاق تركيا لعمليتها العسكرية. وقال الجيش التركي في بيان إنه قتل 303 مقاتلين في شمال سوريا منذ بدء العملية. وقالت قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، والتي تمثل وحدات حماية الشعب الكردية المكون الرئيسي بها، إن تركيا تبالغ في عدد القتلى. بحسب رويترز.
وقال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إنه سيوسع العملية لتشمل منبج، وهي بلدة يسيطر عليها الأكراد على بعد 100 كيلومتر شرقي عفرين، في خطوة قد تعرض القوات الأمريكية هناك للخطر وتهدد خطط الولايات المتحدة لإعادة الاستقرار إلى منطقة من سوريا. وتأمل الولايات المتحدة أن تعطيها سيطرة وحدات حماية الشعب الكردية على المنطقة ثقلا دبلوماسيا تحتاجه لإحياء محادثات تقودها الأمم المتحدة في جنيف بشأن اتفاق ينهي الحرب ويؤدي في نهاية المطاف إلى الإطاحة بالرئيس بشار الأسد.
على الرغم من أنهما عضوان في حلف شمال الأطلسي، فإن للولايات المتحدة وتركيا مصالح متباينة في سوريا، مع تركيز واشنطن على هزيمة تنظيم داعش وحرص أنقرة على منع أكراد سوريا من الحصول على حكم ذاتي مما يقوي شوكة المسلحين الأكراد على أراضيها. ويقول المحللون إن الولايات المتحدة على الأمد القصير ليس لديها ضغوط تذكر تمارسها على تركيا بالنظر إلى اعتماد الجيش الأمريكي الشديد على قاعدة تركية لتنفيذ ضربات جوية في سوريا ضد الدولة الإسلامية.
وقالت جونول تول، مديرة مركز الدراسات التركية بمعهد الشرق الأوسط بواشنطن، إن عدم وجود شركاء عسكريين لواشنطن يمكن التعويل عليهم في سوريا غير الأكراد يحد من التأثير الأمريكي بصورة أكبر. وأضافت ”الولايات المتحدة بحاجة ألا تفسد تركيا الأمور... وحتى الآن توازن واشنطن بدقة بين العمل مع الميليشيا الكردية ومنع انهيار كامل في العلاقات مع أنقرة“. وقال مسؤول أمريكي طلب عدم نشر اسمه إن ترامب يولي أهمية لعلاقته بإردوغان، لكنه أقر بأن للولايات المتحدة تأثيرا محدودا وأن الإدارة لن ترسل على الأرجح مزيدا من القوات أو عناصر سرية إلى سوريا، حتى إذا تقدمت تركيا من عفرين إلى منبج.
وقال بولنت أليريزا، مدير مشروع تركيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ومقره واشنطن ”الولايات المتحدة قالت فعليا 'بوسعكم القيام بهذه العملية لأنها خارج منطقتي لكن رجاء اجعلوها محدودة'... لذلك هي لم تشعر بالحاجة إلى أن تذهب أبعد من استخدام التصريحات كما فعلت بالفعل“. واهتم إردوغان بتعزيز العلاقات مع روسيا وإيران في السنوات القليلة الماضية، لأسباب منها خيبة أمله من دعم واشنطن لوحدات حماية الشعب في القتال ضد داعش.
بيد أن محللين يقولون إن تلك الخطوات تكتيكية إلى حد بعيد وستلتفت تركيا في نهاية المطاف إلى بواعث القلق الأمريكية بشأن عمليتها العسكرية، لا سيما وأن أنقرة بحاجة إلى الاتحاد الأوروبي في التجارة وشركاء حلف الأطلسي من أجل أمنها. وقالت تول ”أعتقد أنه (إردوغان) خلف الأبواب المغلقة لا يريد فعليا انهيارا كاملا في علاقات تركيا مع الغرب“. وقال ماكس هوفمان، الذي يعمل لدى مركز أمريكان بروجرس، إن الولايات المتحدة لا يزال لديها تأثير كبير وقد تدرس فرض عقوبات على تركيا في المستقبل إذا تجاهلت القوات التركية التحذيرات بشأن منبج.
الناتو والحق التركي
من جانب اخر اعتبر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ أن "من حق تركيا أن تدافع عن نفسها" ولكن "بشكل متكافئ ومدروس"، في وقت تشن فيه قواتها هجوما في شمال سوريا على المقاتلين الأكراد. وقال ستولتنبرغ في بيان إن "تركيا هي إحدى دول حلف شمال الأطلسي التي عانت من الإرهاب إلى حد كبير. من حق كل الدول أن تدافع عن نفسها ولكن ينبغي أن يحصل ذلك بشكل متكافئ ومدروس".
وأضاف أن تركيا، ثاني قوة عسكرية في الحلف بعد الولايات المتحدة، "أبلغت الحلفاء في حلف شمال الأطلسي بعمليتها في شمال سوريا". وأوضح ستولتنبرغ أنه كان على اتصال بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان في شأن الهجوم، وكذلك مع وزير الخارجية الألماني سيغمار غابرييل الذي طالب دول الحلف الـ29 بـ"بحث" الهجوم. في شأن متصل، دعا الرئيس المشترك للمجلس التنفيذي في مقاطعة عفرين عثمان الشيخ عيسى النظام السوري إلى التدخل لمنع الطائرات التركية من قصف المنطقة التي تتعرض لهجوم تشنه أنقرة مع فصائل سورية معارضة موالية لها.
وقال الشيخ عيسى من بيروت "إذا كان هناك من موقف حقيقي ووطني للدولة السورية، التي لديها ما لديها من إمكانات، فعليها أن تقف بوجه هذا العدوان وتقول إنها لن تسمح بتحليق الطائرات التركية". ولا يشارك الأطلسي بشكل مباشر في العمليات في سوريا، لكنه عزز دوره في تركيا عبر نشر بطاريات باتريوت المضادة للصواريخ في جنوب البلاد، إلى جانب طائرات استطلاع من طراز "أواكس" تجوب الأجواء التركية. وتساهم هذه الطائرات أيضا في عمليات التحالف الدولي ضد تنظيم داعش بقيادة الولايات المتحدة، التي تدعم وحدات حماية الشعب الكردية في تصديها للجهاديين. بحسب فرانس برس.
إلى ذلك، شددت ألمانيا لهجتها ضد تركيا عقب تدخلها في سوريا، ما من شأنه أن يهدد الجهود الأخيرة لتحسين العلاقة المتوترة نوعا ما بين البلدين الشريكين في حلف شمال الأطلسي. وقال وزير الخارجية الألماني سيغمار غابرييل إنه طلب من الناتو مناقشة التدخل التركي المثير للجدل في شمال سوريا.
حماية عفرين
الى جانب ذلك دعت السلطات الكردية في منطقة عفرين بشمال سوريا حكومة الرئيس بشار الأسد إلى إرسال قوات لمساعدتها في صد هجوم تركي لتلجأ بذلك لنفس الحكومة التي سعت من قبل لنيل الحكم الذاتي منها. وقال البيان الذي نشر على موقع إدارة عفرين على الإنترنت ”ندعو الدولة السورية للقيام بواجباتها السيادية تجاه عفرين وحماية حدودها مع تركيا من هجمات المحتل التركي، حيث لم تقم بواجبها حتى الآن على الرغم من الإعلان عنه بشكل رسمي، ونشر قواتها المسلحة السورية لتأمين حدود منطقة عفرين“.
وفتح الهجوم البري والجوي التركي على عفرين جبهة جديدة في حرب أهلية شهدت تحالفات متغيرة بين الفصائل على الأرض وداعميها الأجانب. وأثارت جهود الأكراد لإنشاء إدارة خاصة انزعاج الحكومة السورية أيضا في ظل رفضها لفكرة الحكم الذاتي، وهددت بسحق من يطلق عليهم الأسد وصف ”الخونة“. لكن تركيا، خصم الأسد الرئيسي، لمحت إلى أنها اتفقت على هجوم عفرين مع روسيا، الداعم الأجنبي الرئيسي للحكومة السورية.
من جانب اخر قال مسؤول في قوات سوريا الديمقراطية إن متطوعين أمريكيين وبريطانيين وألمانا حاربوا تنظيم داعش إلى جانب القوات التي يقودها الأكراد متواجدون الآن في منطقة عفرين للمشاركة في التصدي للهجوم التركي. وقال ريدور خليل المسؤول الكبير في قوات سوريا الديمقراطية لرويترز ”كانت هناك رغبة من المقاتلين الأجانب الذين قاتلوا في الرقة ويقاتلون في دير الزور للتوجه إلى عفرين“. ورفض تحديد متى وصل المقاتلون الأجانب لعفرين لكنه قال إن أعدادهم تقدر بالعشرات. وقال ”سيأخذون المعارك للاتجاه التركي“.
اضف تعليق