تطورات جديدة تشهدها الأزمة الخليجية المستمرة منذ ثمانية أشهر بين قطر وباقي دول الخليج الاخرى، حيث تصاعدت في الايام الاخيرة حدة الخلافات والاتهامات بين قطر والامارات، وتصعيد اعلامي غير مسبوق بين دول المقاطعة، والدوحة. بعد ان قدمت قطر شكوى إلى مجلس الأمن نددت فيها باختراق مجالها الجوي من مقاتلة إماراتية. كما أعلنت الإمارات أنها ستقدم شكوى لمنظمة الطيران المدني الدولي "إيكاو" بعد أن اقتربت مقاتلات قطرية على مسافة ثلاثة كيلومترات من طائرتي ركاب إماراتيتين كانتا في طريقهما إلى البحرين. وهو ما قد يترتب عليه تداعيات وخيمة على المنطقة بعدما انتقل الصراع فيها إلى الجو. وحذر متابعون للشأن الخليجي من عواقب وخيمة إن لم تعالج الأزمة "الجوية" الجديدة بالسبل الدبلوماسية والقانونية.
وربطت صحيفة "الفاينانشال تايمز" البريطانية كما نقلت بعض المصادر، بين اعتراض مقاتلات قطرية لطائرتين مدنيتين إماراتيتين، ومزاعم حول احتجاز الشيخ عبدالله بن علي آل ثاني، أحد افراد الأسرة الحاكمة في قطر، في العاصمة الإماراتية أبوظبي. في تقرير عبر موقعها الإلكتروني، إن هذه التحرّكات تُزيد من حِدة التوترات التي تشوب الأزمة الخليجية منذ اندلاعها قبل 7 أشهر بعد أن قطعت السعودية ومصر والإمارات والبحرين علاقاتها الدبلوماسية وروابطها التجارية مع قطر، متهمة إيّاها بدعم وتمويل الإرهاب، الأمر الذي تنفيه الدوحة بشدة. ونقلت الفاينانشال تايمز عن الباحثة الأمريكية الكريستيان أولريكسن، قولها إن السِجالات الجارية بين قطر والإمارات "تبدو وكأنها جولة جديدة من التحركات في محاولة لتحريك جمود الأزمة الخليجية".
وكانت كل من الإمارات والبحرين والمملكة السعودية ومصر قد قطعت علاقاتها مع قطر في الخامس من حزيران/يونيو 2017. واتهمت الدول الأربع الدوحة بدعم الإرهاب وهو ما نفته الإمارة الغنية مرارا. في المقابل، تعتبر تركيا أحد أكبر الداعمين لقطر في نزاعها مع الدول الخليجية. وكانت الدول الخليجية قد اتخذت إجراءات عقابية بحق قطر إثر قطع العلاقات معها، بينها منع الطائرات القطرية من عبور أجوائها. مسعى هدفه تضييق الخناق على قطر تجاريا واقتصاديا. وبررت دول الخليج قرارها، باتخاذ الدوحة "مسلكا معاديا تجاه تلك الدول وسعيها لزعزعة الاستقرار في المنطقة ودعمها للإرهاب". ما تنفيه قطر نفيا قاطعا.
الدوحة تنفي
في تصعيد جديد في الأزمة الخليجية المتواصلة منذ أكثر من سبعة أشهر، اتهمت أبوظبي مقاتلات قطرية بـ"اعتراض" طائرة مدنية إماراتية كانت في طريقها إلى المنامة، واعتبرت أن هذا التطور يهدد سلامة الطيران المدني لكن دون أن تقدم تفاصيل إضافية أو تعرّف الأجواء التي وقع فيها الحادث. من جهتها نفت الدوحة اعتراض مقاتلاتها طائرة مدنية إماراتية، معتبرة أن هذا الاتهام عار عن الصحة.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية القطرية لولوة الخاطر في حسابها على تويتر "تعلن دولة قطر أن ما صدر من أخبار متعلقة باعتراض مقاتلات قطرية لطائرة مدنية إماراتية هو خبر عار عن الصحة تماما"، موضحة أنه "سيصدر في ذلك بيان مفصل". واتهمت الهيئة الهيئة العامة للطيران المدني الإماراتية المقاتلات القطرية بتشكيل "تهديد سافر وخطير لسلامة الطيران المدني" وبخرق القوانين والاتفاقيات الدولية، مؤكدة أن أبوظبي "ستتخذ جميع الإجراءات القانونية اللازمة لضمان أمن وسلامة حركة الطيران المدني".
ويأتي الاتهام الإماراتي بعدما قالت قطر إنها أبلغت الأمم المتحدة بأن طائرة عسكرية إماراتية كانت متجهة إلى البحرين انتهكت مجالها الجوي مطلع كانون الثاني/يناير الجاري، إثر حادث مماثل في كانون الأول/ديسمبر. وتؤشر الاتهامات المتبادلة حول سلامة الطيران وخرق الأجواء إلى تصعيد جديد في الأزمة.
وقالت هيئة الطيران الإماراتية في بيان نشرته وكالة الأنباء الرسمية "مقاتلات قطرية تعترض طائرة مدنية إماراتية خلال رحلة اعتيادية إلى المنامة أثناء تحليقها في المسارات المعتادة"، ولم تقدم الهيئة تفاصيل إضافية حول طبيعة اعتراض الطائرة، أو الشركة المالكة لها، أو الأجواء التي شهدها الحادث، لكنها شددت على أن الرحلة "اعتيادية مجدولة ومعروفة المسار ومستوفية لجميع الموافقات والتصاريح اللازمة". بحسب فرانس برس.
وتسيّر طائرات شركات "طيران الإمارات" و"الاتحاد للطيران" و"العربية" و"فلاي دبي" رحلات يومية إلى المنامة انطلاقا من المطارات الإماراتية. وأعلنت الدوحة انها أبلغت الأمم المتحدة بأن طائرة عسكرية إماراتية انتهكت مجالها في الثالث من كانون الثاني/يناير عندما كانت في طريقها إلى المنامة. كما تحدثت عن قيام طائرة حربية مقاتلة إماراتية أخرى بإختراق مجالها الجوي في 21 كانون الأول/ديسمبر الماضي. ونفى وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات أنور قرقاش الاتهام القطري معتبرا أن هذه "الشكوى بشأن انتهاك الإمارات مجالها الجوي غير صحيحة ومرتبكة ونعمل على الرد عليها رسميا بالأدلة والقرائن". وتابع أن "ما نراه تصعيدي وغير مبرر".
احتجاز امير قطري
الى جانب ذلك أعلن الشيخ عبد الله بن علي آل ثاني، أحد أفراد العائلة الحاكمة في قطر، أنه "محتجز" في الإمارات بحسب ما نقلت وسائل إعلام ، مع دخول الأزمة بين قطر وجاراتها شهرها الثامن. وظهر الشيخ عبد الله بن علي آل ثاني في آب/أغسطس كوسيط قطري على خط الأزمة، إلا أن الدوحة سرعان ما قللت من شأن لقاءاته مؤكدة أنه لم يكن مكلفا من الحكومة القطرية.
وفي تسجيل فيديو تم تداوله على شبكة الإنترنت وبثته قناة الجزيرة التلفزيونية، ظهر الشيخ عبد الله بن علي جالسا على كرسي وهو يقول "أخاف أن يحصل لي مكروه ويلقون باللوم على قطر". مضيفا "أنا موجود الآن في أبوظبي، كنت ضيفا عند ولي عهد أبوظبي) الشيخ محمد( بن زايد آل نهيان". وتابع "الآن لم أعد في وضع ضيافة إنما في وضعية احتجاز (...) أريد أن أبلغكم أن قطر بريئة"، مضيفا "أنا في ضيافة الشيخ محمد وأي شيء يجري فهو مسؤول عنه".
ولم يكن بالإمكان التثبت من صحة التسجيل كما تعذر الحصول على تعليق من مسؤولين إمارتيين. وكتب رئيس مركز "هداية" الإماراتي لمكافحة التطرف العنيف علي رشاد النعيمي على تويتر أن الشيخ عبد الله بن علي "طلب الاستجارة بالإمارات حرصا على سلامته". وأضاف النعيمي أن مصدرا موثوقا به أكد له "أن الشيخ عبد الله بن علي آل ثاني حر في قرار مغادرته للإمارات لأي وجهة يختارها وبإمكانه المغادرة متى شاء".
وفي أول رد فعل قطري على تسجيل الفيديو، نقلت وسائل إعلام عن المتحدثة باسم وزارة الخارجية القطرية لولوة الخاطر قولها لوكالة الأنباء القطرية إن الدوحة تراقب الموقف من كثب. وقالت المتحدثة إن قطر "تراقب الموقف من كثب، ولكن ونتيجة لانقطاع وسائل الاتصال كافة مع دولة الإمارات، فإنه من الصعب الجزم بخلفيات ما يحدث وتفاصيله". وأضافت أن "دولة قطر من حيث المبدأ، تقف مع حفظ الحقوق القانونية لأي فرد، ومن حق أسرته اللجوء لجميع السبل القانونية لحفظ حقوقه". بحسب فرانس برس.
وفي آب/أغسطس الماضي استقبل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في قصر السلام في جدة، الشيخ عبد الله بن علي آل ثاني الذي قدم "وساطته لفتح منفذ سلوى الحدودي لدخول الحجاج القطريين إلى الأراضي السعودية"، وفق ما نقلت وكالة الأنباء السعودية الرسمية. وشكل اللقاء أول استقبال سعودي معلن لوسيط قطري منذ قطع العلاقات بين الدولتين. إلا أن الدوحة سرعان ما قللت من شأن هذا اللقاء، إذ أكدت أن الشيخ عبد الله بن علي آل ثاني لم يكن مكلفا من الحكومة القطرية، بل إنه في مهمة شخصية. وينتمي الشيخ عبد الله بن علي آل ثاني إلى أحد فروع العائلة الحاكمة في قطر، وهو فرع لا يزال يقيم علاقات جيدة مع دول الخليج إلا أن نفوذه تراجع بشكل كبير.
ترامب يدخل مجددا
الى جانب ذلك دخل ترامب مجددا على خط الأزمة الخليجية وأجرى اتصالا بأمير قطر شكره من خلاله"على إجراءات مكافحة الإرهاب والتطرف بكل أشكاله". وجاء الاتصال تزامنا مع زيارة يقوم بها أمير قطر لتركيا وفي ظل توتر غير مسبوق بين الدوحة وأبو ظبي. وذكرت وكالة رويترز أن البيت الأبيض قال في بيان، أشار فيه إلى تحسن العلاقات بين الولايات المتحدة وقطر، إن الرئيس دونالد ترامب شكر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني على "إجراءات مكافحة الإرهاب والتطرف بكل أشكاله". ولم يتناول البيان بشأن الاتصال مع الشيخ تميم الخلاف بشكل مباشر.
بيد أن البيان البيت أشار في المقابل إلى أن ترامب "أكد دعمه لوجود مجلس تعاون خليجي يتسم بالقوة والوحدة ويركز على التصدي للتهديدات الإقليمية". وتابع البيان الأمريكي أن الزعيمين "بحثا المجالات التي يمكن للولايات المتحدة وقطر التعاون فيها لتحقيق قدر أكبر من الاستقرار في المنطقة والتصدي للنفوذ الإيراني الخبيث وهزيمة الإرهاب". من جانبها قالت وكالة الأنباء القطرية الرسمية "قنا" إن أمير قطر تلقى اتصالا هاتفيا من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "استعرضا خلاله العلاقات الثنائية وسبل تعزيز مجالات التعاون المشترك بين البلدين خصوصا في مكافحة الإرهاب".
وكان ترامب قد دعا في حزيران/ يونيو الماضي قطر إلى الكف عن تمويل الجماعات التي تقوم بعمليات إرهابية قائلا إن قطر فعلت تاريخيا ذلك "على مستوى عال جدا". كما قطعت أربع دول عربية العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع قطر متهمة إياها بدعم الإرهاب والنسيق مع إيران وهو ما نفته الدوحة. وتزامن الاتصال مع زيارة يقوم بها أمير قطر إلى تركيا، وسط توتر متصاعد بين الدوحة وخصومها في الخليج وخصوصا دولة الإمارات. وأكدت تركيا دعمها قطر فور اندلاع الأزمة وأرسلت مساعدات غذائية للدوحة. كما أقامت قاعدة عسكرية في قطر تضم منشآت ونحو ثلاثة آلاف عسكري.
اضف تعليق