المظاهرات الشعبية التي عمت مختلف المدن الإيرانية، للمطالبة بإصلاح الوضع الاقتصادي المتدهور بسبب العقوبات الاقتصادية وتدني اسعار النفط في الاسواق العالمية، والتي تخللها أعمال عنف وتخريب أدت الى مقتل اكثر من22 شخص وجرح العشرات بحسب الارقام رسمية، لاتزال محط اهتمام واسع خصوصا وان مطالب المتظاهرين وكما نقلت بعض المصادر، قد تجاوزت قضايا الاصلاح الاقتصادي وتحولت الى مطالب سياسية ضد بعض الشخصيات والقادة في ايران ومنهم المرشد الأعلى، وتعد المظاهرات الحالية هي الاكبر منذ الاحتجاجات التي شهدتها البلاد عام 2009، بعد الانتخابات الرئاسية، ورغم إعادة انتخاب الرئيس روحاني في مايو/ أيار الماضي لفترة ثانية بعد تعهده بإصلاحات اقتصادية واسعة إلا أنه لم يتمكن من تقديم شيء يذكر حتى الآن الأمر الذي صدر اليأس والإحباط لغالبية المواطنين.
وأعلنت الحكومة ميزانية في وقت سابق والتي شهدت زيادة في أسعار الوقود والسلع الأساسية الاخرى الامر الذي اثار استياء الكثير من الناس، ويرى بعض المراقبين ان ما تشهده ايران اليوم ربما يكون سيناريو معد مسبقاً، تشرف عليه اجهزة مخابرات دولية واقليمية تسعى الى ضرب ايران من الداخل والعمل على اضعاف دورها في المنطقة خصوصا وانها اصبحت اليوم قوة كبيرة وصاحبة نفوذ متزايد في العديد من الدول.
هذه المظاهرات ايضا بحسب البعض، لاتشبه مظاهرات 2009 التي كان لها رؤوس معروفة ومطالب محددة بإعادة الانتخابات أو إعادة فرز الأصوات، وكان زخمها الرئيس من أبناء الطبقة الوسطى في المدن خاصة العاصمة طهران وعدة مدن أخرى، اما المظاهرات الحالية فزخمها الرئيس من الأحياء الأكثر فقرا وفي مدن أكثر مما حدث عام 2009. وهذه النقطة على وجه الخصوص هي التي تدفع الخبراء والمحللين للتأني قبل توقع ما يمكن ان تسفر عنه خاصة وأن المظاهرات ليس لها قيادة محددة يمكن التواصل معها. اذا فهي بحسب بعض المراقبين رسالة جديدة ومهمة موجهة لراس النظام وحرسه. وستؤدي الى صلاحيات اقوى لروحاني واسقاط رؤوس كبيرة في النظام..
الحرس الثوري
قال قائد الحرس الثوري الإيراني إن قوات نشرت في ثلاثة أقاليم لإخماد اضطرابات مناهضة للحكومة بعد أيام من الاحتجاجات التي أسفرت عن مقتل اكثر من 21 شخصا. وشارك آلاف الإيرانيين في تجمعات مؤيدة للحكومة في عدة مدن في إظهار للقوة برعاية الدولة بعد اضطرابات واحتجاجات في الشوارع شكلت أطول فترة تحد للنخبة الدينية في الجمهورية الإسلامية فيما يقرب من عقد.
ونشر التلفزيون الحكومي لقطات مباشرة لمسيرات في مدينتي كرمانشاه وعيلام في جنوب غرب البلاد ومدينة جرجان في الشمال حيث رفع المتظاهرون أعلام إيران وصور الزعيم الروحي آية الله علي خامنئي. لكن في مؤشر على مخاوف في الدوائر الرسمية من صمود الاحتجاجات لتلك المدة قال الميجر جنرال محمد علي جعفري قائد الحرس الثوري إنه أرسل قوات إلى أقاليم أصفهان ولورستان وهمدان لمواجهة ”الفتنة الجديدة“. وسقط أغلب القتلى في تلك الأقاليم. وكان تدخل الحرس الثوري أساسيا في قمع المظاهرات في 2009 قتل خلالها عشرات المتظاهرين.
وفي مدينة قم ردد متظاهرون مؤيدون للحكومة هتافات ”الموت لمرتزقة أمريكا“. وأظهرت لقطات بثها التلفزيون تجمعات كذلك في أصفهان، ثالث أكبر المدن الإيرانية، وعبادان وخرمشهر في جنوب غرب البلاد الغني بالنفط. وردد المتظاهرون هتافات مؤيدة لخامنئي منها ”الدماء التي في عروقنا فداء للزعيم“ و”لن نترك زعيمنا وحده“. واتهموا الولايات المتحدة وإسرائيل وبريطانيا بالتحريض على الاحتجاجات ورددوا هتافا يطالب بإعدام ”مثيري الشغب المارقين العصاة“.
وتحولت الاحتجاجات التي بدأت في وقت سابق بسبب الإحباط من المصاعب الاقتصادية بين الشباب والطبقة العاملة إلى اضطرابات أوسع نطاقا احتجاجا على المؤسسة الدينية المتشددة المهيمنة على الحكم منذ الثورة الإسلامية في عام 1979. ودعت التجمعات السياسية التي عقدت في تحد للأجهزة الأمنية النافذة في البلاد إلى الإطاحة بكل القادة الإيرانيين. وتبدأ المظاهرات التي تنظم عبر مواقع التواصل الاجتماعي عادة بعد الغروب. وأظهرت لقطات نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي المتظاهرين في الشوارع وشرطة مكافحة الشغب منتشرة في عدة مدن منها الأهواز في جنوب غرب البلاد.
وأكد قائد الحرس الثوري الإيراني في وقت لاحق "انتهاء العصيان"، في إشارة إلى الاحتجاجات التي تشهدها إيران في الأيام الأخيرة. وأكد جعفري في تصريحات نشرها الموقع الإلكتروني للحرس الثوري أن "عدد مثيري الاضطرابات بلغ 15 ألف شخص في كل أنحاء البلاد". وجاء في تصريحات لجعفري، نشرها الموقع الإلكتروني للحرس الثوري "في حركة العصيان هذه، لم يتجاوز عدد الذين تجمعوا في مكان واحد 1500 شخص، ولم يتجاوز عدد مثيري الاضطرابات 15 ألف شخص في كل أنحاء البلاد".
وأجمعت الطبقة السياسية، من محافظين وإصلاحيين، على رفض الاضطرابات التي انطلقت من مشهد، ثاني أكبر مدن البلاد، في 28 كانون الأول/ديسمبر، من حركة احتجاج على الوضع الاقتصادي وسياسات الحكومة. واتهمت الحكومة "معادين للثورة" مقيمين في الخارج بالوقوف وراءها. ورفع المتظاهرون المؤيدون للحكومة لافتات تدين "مثيري الشغب"، ورددوا هتافات مؤيدة لمرشد الجمهورية آية الله علي خامنئي، وأخرى من بينها "الموت لأمريكا" و"الموت لإسرائيل" و"الموت للمنافقين"، في إشارة إلى حركة مجاهدي خلق التي تتهمها السلطات الإيرانية بتأجيج أعمال العنف.
وأكد قائد الحرس الثوري أنه يستطيع إعلان "انتهاء الفتنة". وتابع أن "عددا كبيرا من مثيري الاضطرابات في وسط الفتنة، ممن تلقوا تدريبا من أعداء للثورة... تم اعتقالهم وستتخذ بحقهم تدابير صارمة"، مشيرا إلى أن "أعداء الثورة تدخلوا بشكل كبير على وسائل التواصل الاجتماعي". وقال إن آلافا من هؤلاء يقيمون في الخارج وتدربوا على أيدي الولايات المتحدة، فيما "أنصار عودة حكم الشاه" في الداخل ومؤيدو منظمة "مجاهدي خلق" المعارضة متورطون أيضا. وأعلنت السلطات توقيف عدد من "مثيري" الاضطرابات في مناطق مختلفة. وتفيد أرقام نشرتها السلطات أن 450 شخصا أوقفوا في طهران، ومئات آخرين في المحافظات الأخرى. وكان الرئيس الإيراني حسن روحاني قد اتهم "أقلية صغيرة" بإثارة الاضطرابات.
ترامب وايران
على صعيد متصل ومنذ انطلاق الاحتجاجات، لم يتوقف دونالد ترامب عن إعلان تأييده للمتظاهرين، وانتقاد السلطات، وصولا إلى وصف النظام بـ"الوحشي والفاسد". وتعمل واشنطن على استغلال التطورات لزيادة الضغط على الجمهورية الإسلامية. وطلبت السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة نيكي هايلي عقد "اجتماعات طارئة لمجلس الأمن في نيويورك ومجلس حقوق الإنسان في جنيف" لبحث التطورات في إيران و"الحرية" التي يطالب بها الشعب الإيراني. وقالت هايلي "علينا ألا نبقى صامتين. الشعب الإيراني يطالب بحريته"، من دون أن تحدد مواعيد لهذه الاجتماعات.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز الثلاثاء إن النظام الإيراني "يصرف ثروات بلاده على الأنشطة والإرهاب في الخارج، بدلا من تأمين الرخاء في الداخل". وأضافت أن "أسعار السلع الأساسية والنفط ترتفع، فيما الحرس الثوري يصرف ثروات البلاد على المجموعات المقاتلة الأجنبية ويجمع ثروة على الطريق".
وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي سعى لعزل القيادة الإيرانية في تراجع عن نهج تصالحي أمريكي تبناه سلفه باراك أوباما، إن الولايات المتحدة ستدعم المحتجين في إيران ”في الوقت المناسب“. وكتب في أحدث تغريداته منذ اندلاع الاحتجاجات على تويتر ”نحترم شعب إيران وهو يحاول إبعاد حكومته الفاسدة. ستجدون دعما كبيرا من الولايات المتحدة في الوقت المناسب“.
وأكد ترامب في تغريدات على تويتر أن الإيرانيين نفد صبرهم على مزاعم الفساد وما وصفه بالنظام الإرهابي. ويتعين على ترامب أن يقرر في منتصف شهر يناير كانون الثاني بشأن ما إذا كان سيستمر في رفع العقوبات الأمريكية على صادرات إيران النفطية بموجب شروط الاتفاق النووي الذي يعارضه أم سيفرضها من جديد. لكن محللين يقولون إن إعادة فرضه لعقوبات على النفط قد يزيد من المصاعب الاقتصادية التي يعاني منها شعب إيران خاصة أن الاحتجاجات الأخيرة بدأت بسبب ارتفاع نسبة البطالة وارتفاع الأسعار.
وقال جعفري قائد الحرس الثوري الإيراني”لو كان تعاطف الأمريكيين مع الإيرانيين حقيقيا لما فرضوا عقوبات قاسية على أمتنا“. وقال جعفري لوكالة فارس للأنباء مشيرا إلى سياسة التقارب مع الغرب التي يتبعها روحاني إن “الصداقة مع الولايات المتحدة” لن تعود بالخير أبدا وإن الحرس مستعدون لمساعدة الحكومة في التغلب على التحديات الاقتصادية“. بحسب رويترز.
وفي حين يعيش أكثر من 20 مليون إيراني، من بين 80 مليون، تحت خط الفقر يستورد الأغنياء ومنهم أقارب المسؤولين الحكوميين عشرات الألوف من السيارات الفاخرة كل عام مما يثير استياء على نطاق واسع. وهيمن شبان من الطبقة الفقيرة على الاحتجاجات الراهنة في إيران لكن بعضا من أفراد الطبقة المتوسطة في الحضر شاركوا كذلك. وفي محاولة لتقييد تدفق المعلومات والدعوات لتجمعات مناهضة للحكومة قيدت السلطات في طهران استخدام تطبيقات مثل تلجرام للرسائل النصية وإنستجرام المملوك لفيسبوك.
اتهامات ومطالب
من جانب اخر اتهم الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي أعداء الجمهورية الإسلامية بإثارة الاضطرابات في أرجاء البلاد مع ارتفاع عدد القتلى في مظاهرات مناهضة للحكومة. وفي أول تعليق له على الاضطرابات قال خامنئي ”في الأيام الأخيرة، استخدم أعداء إيران أدوات مختلفة منها المال والسلاح والسياسة وأجهزة المخابرات لإثارة مشاكل للجمهورية الإسلامية“.
وأضاف على موقعه الالكتروني أنه سيلقي كلمة بشأن الأحداث الأخيرة ”عندما يحين الأوان“. ولم يذكر أي عدو بالاسم لكن علي شمخاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي قال إن الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية وراء أعمال الشغب التي تشهدها إيران. ونقلت وكالة تسنيم للأنباء عن شمخاني قوله في حديث مع قناة تلفزيون الميادين ومقرها بيروت ”سيتلقى السعوديون ردا غير متوقع من إيران وهم يعلمون كيف يمكن أن يكون خطيرا“.
ورفضت الولايات المتحدة التلميحات الإيرانية إلى أن المظاهرات من فعل قوى خارجية. وقالت المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي ”نعرف جميعا أن هذا هراء تام ..المظاهرات عفوية تماما. إنها فعليا في كل مدينة في إيران. هذه هي الصورة الدقيقة لانتفاضة شعب على حكامه المستبدين بعد قمع دام طويلا“. وحثت وزارة الخارجية الأمريكية إيران على ممارسة ضبط النفس في التعامل مع الاحتجاجات وطالبت طهران برفع القيود عن مواقع التواصل الاجتماعي. وأبلغ مسؤول أمريكي في وقت سابق أن مسؤولي المخابرات الأمريكية يعتقدون أن الاحتجاجات ليس أمامها فرصة تذكر للإطاحة بالحكومة. وردا على تغريدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اليومية التي تشيد بالمحتجين قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إن الإيرانيين يتمتعون بحق الاحتجاج السلمي الذي حرم منه مواطنو الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
وأفادت الرئاسة الفرنسية بأن زيارة كان يعتزم وزير الخارجية جان إيف لو دريان القيام بها لطهران أجلت إلى موعد لاحق. وذكر مكتب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنه حث نظيره الإيراني حسن روحاني على إظهار ضبط النفس في التعامل مع الاحتجاجات. ونقلت وكالة الإعلام الروسية عن وزارة الخارجية قولها إن التدخل الأجنبي يزعزع الاستقرار ووصفته بأنه ”غير مقبول“. وإيران وروسيا هما الحليفان الرئيسيان للرئيس السوري بشار الأسد في حين تدعم الولايات المتحدة والسعودية وتركيا جماعات معارضة سورية.
وعبرت تركيا عن قلقها إزاء ما نشر من تقارير عن مقتل أشخاص وإتلاف مبان عامة في إيران. وقالت وزارة الخارجية التركية في بيان ”نحن نعتقد أن من الضروري تحاشي العنف وعدم الانسياق وراء الاستفزازات“. وأضافت أنها تأمل تحاشي التدخل الخارجي. وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تغريدة نشرت في وقت سابق ”الشعب الإيراني تحرك أخيرا ضد النظام الإيراني المتوحش والفاسد... الناس يعانون من نقص الغذاء وارتفاع التضخم وغياب حقوق الإنسان. الولايات المتحدة تراقب“.
وحذر موسى غضنفر أبادي رئيس محكمة طهران الثورية المحتجين من أن المعتقلين سيواجهون عقوبات مشددة. وقال غضنفر أبادي إن السلطات ستقدم المعتقلين لمحاكمة عاجلة وإن قادة المحتجين سيواجهون اتهامات خطيرة تصل عقوبة بعضها إلى الإعدام. وذكر حسين ذو الفقاري نائب وزير الداخلية أن 90 في المئة من المعتقلين أقل من 25 عاما الأمر الذي يظهر مدى إحباط الجيل الأصغر سنا من الوضع الاقتصادي وغياب الحريات الاجتماعية.
وإيران من المنتجين الرئيسيين للنفط وصاحبة نفوذ إقليمي ولها دور في كل من سوريا والعراق في إطار صراع على النفوذ مع السعودية. ويشعر كثير من الإيرانيين باستياء من التدخلات الخارجية ويريدون أن يعمل قادتهم على توفير فرص العمل في البلاد التي وصل معدل البطالة بين الشباب فيها إلى 29 في المئة العام الماضي. ورفض الرئيس حسن روحاني الانتقادات لسجله الاقتصادي. بحسب رويترز.
وقال في تصريحات تلفزيونية ”الناس في الشوارع لا يطلبون الخبز والماء بل المزيد من الحرية“ مشيرا ضمنا إلى أن المحتجين لا يستهدفون حكومته بل المؤسسة الدينية الأكثر تشددا. وقال محمد باقر نوبخت المتحدث باسم الحكومة في مؤتمر صحفي إن على المحتجين وقوات الأمن اتباع القانون. وأضاف ”حتى من يتصدون للمشاغبين عليهم التصرف في إطار القانون“. وذكر التلفزيون الرسمي أنه تم القبض على متظاهرين أحرقوا أربعة مساجد في قرى في سوادكوه في شمال إيران. وأثنى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على ”الإيرانيين الشجعان“ الذين خرجوا إلى الشوارع للاحتجاج على نظام ”يبدد عشرات المليارات من الدولارات على نشر الكراهية“. وقال في فيديو بث على صفحته بموقع فيسبوك ”أتمنى نجاح الشعب الإيراني في مسعاه النبيل إلى الحرية“.
اضف تعليق