يبدو ان الحرب في اليمن ومع نهاية عام 2017، الذي شهد تطورات كبيرة وأحداث جلل على الأرض، ربما ستستمر الى فترة اطول فبعد ثلاث سنوات من القتال والصراع المحتدم في هذه البلاد التي تحولت وبحسب بعض المراقبين الى ساحة حرب بالوكالة بين ايران والمملكة العربية السعودية التي دخلت هذه الحرب بتحالف عسكري كبير تحت غطاء إعادة الشرعية، والتي انطلقت تحت ما يسمى عاصفة الحزم، وما تبعها من تطورات عسكرية وحصار مدمر وغارات جوية، اودت بحياة ما يقارب من عشرة آلاف يمني بالإضافة إلى ما يزيد عن ٦٥ ألف مصاب، وبعد الحصار السعودي الكامل، تفشت أمراض والمجاعة في هذا البلد الفقير، إذ وصل مرض الكوليرا إلى حوالي مليون يمني، لم تفلح جهود أطباء يعملون بدون تقاضي رواتبهم نتيجة شدة وطأه المأساة في إنقاذهم.
وتعاني سبع محافظات من أصل ٢٢ محافظة من المجاعة، وتقول تقارير الأمم المتحدة أيضاً إن ٨٠٪ من السكان في حاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية التي يتعذر دخولها اليمن، بسبب الحصار الذي تفرضه السعودية على ميناء الحديدة الرئيس في اليمن بعد سقوط صواريخ عليها تقول السعودية انها جاءت للحوثيين عن طريق إيران. هذا الصراع المستمر ايضا اثار قلق وانتقادات دولية كثيرة شملت ايضا بعض الدول الكبرى الداعمة، حيث انتقدت صحيفة نيويورك تايمز في وقت سابق، ما وصفتها بازدواجية المعايير الأميركية في الحرب التي يواصل التحالف بقيادة السعودية شنها على اليمن، وقالت إن الولايات المتحدة تدين بشدة دعم إيران لجماعة الحوثي، لكنها في الوقت نفسه تزود هذا التحالف بالذخائر والأسلحة والدعم اللوجستي.
ووصفت الصحيفة الحرب التي تعصف باليمن بأنها تمثل أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وذلك مع تزايد عدد القتلى المدنيين من السكان الذين يعانون جراء الفقر والمجاعة وتفشي داء الكوليرا على نطاق واسع، في ظل استمرار القصف الجوي الوحشي الذي تواصله السعودية. وقالت إن تزويد إيران للحوثيين بالصواريخ البالستية وأسلحة أخرى لم يثبت بعد، ولكنه إذا ثبت فإنه يمثل انتهاكا لقرار مجلس الأمن الدولي لعام 2015، ويعتبر تصعيدا خطيرا للحرب بالوكالة القائمة أصلا بين السعودية وإيران في المنطقة، وينذر بتحولها إلى نزاع مباشر. وقالت نيويورك تايمز إن السعودية لم تفلح في إلحاق الهزيمة بالحوثيين، وإن الرئيس الأميركي دونالد ترمب المتحمس لتوطيد العلاقات مع السعودية يغض الطرف عن هذه الأزمة الإنسانية الكارثية التي تعصف باليمنيين.
صاروخ يمني
وفي هذا الشأن قال التحالف الذي تقوده السعودية إن الدفاعات الجوية للمملكة اعترضت صاروخا باليستيا أطلقته جماعة الحوثي باليمن صوب العاصمة الرياض في هجوم قد يؤجج حربا بالوكالة بين المملكة وغريمتها في المنطقة إيران. ولم ترد تقارير عن وقوع خسائر أو أضرار. وقال متحدث باسم جماعة الحوثي إن الصاروخ الباليستي استهدف البلاط الملكي في قصر اليمامة حيث كان ينعقد اجتماع لقادة سعوديين ووصف الهجوم بأنه ”افتتاح لمرحلة جديدة في المواجهة“. وذكرت وكالة الأنباء السعودية نقلا عن التحالف بقيادة السعودية أن الصاروخ كان موجها إلى مناطق سكنية ولم يسفر عن وقوع أضرار.
ونقلت الوكالة عن بيان التحالف قوله إن الصواريخ المصنوعة في إيران ”تمثل تهديدا للأمن الإقليمي والدولي“. كما اتهم التحالف الحوثيين باستخدام ”المنافذ المستخدمة للأعمال الإغاثية في تهريب الصواريخ الإيرانية إلى الداخل اليمني“ وقال مركز التواصل الدولي الذي تديره الحكومة السعودية عبر حسابه على تويتر ”قوات التحالف تؤكد اعتراض صاروخ إيراني-حوثي استهدف جنوبي الرياض. لا توجد تقارير عن سقوط ضحايا حتى الآن“.
وجاء في بيان للحوثيين بثته قناة المسيرة التلفزيونية التابعة لهم أن القصور السعودية وكافة المنشآت العسكرية والنفطية بالمملكة في مرمى صواريخهم. وأدانت وزارة الخارجية الأمريكية الهجوم الصاروخي وطالبت إيران بوقف تسليح الحوثيين. وقالت السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة نيكي هيلي إن الصاروخ الذي أطلقه الحوثيون على السعودية ”يحمل جميع بصمات هجمات سابقة باستخدام أسلحة قدمتها إيران“. وأضافت أنها تبحث مع بعض زملائها في مجلس الأمن عدة خيارات للضغط على إيران كي ”تعدل سلوكها“.
بيد أن من المرجح أن تجد هيلي صعوبة في إقناع بعض الأعضاء مثل روسيا والصين، اللتين تتمتعان بحق النقض (الفيتو)، بأن ثمة حاجة لتحرك الأمم المتحدة. وتخوض السعودية وإيران صراعا على الهيمنة في الشرق الأوسط. وتتعامل السعودية بحساسية مع الحرب الأهلية الدائرة في اليمن المتاخم لها والتي أسفرت عن سقوط أكثر من عشرة آلاف قتيل وتشريد أكثر من مليونين.
وأطلق الحوثيون عدة صواريخ على المملكة لكنها لم تتسبب في حدوث أي أضرار خطيرة. وجاء الهجوم في ذكرى مرور ألف يوم على بدء التحالف بقيادة السعودية عمليات عسكرية في اليمن في مارس آذار 2015 بعد أن أجبر الحوثيون الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي على اللجوء للسعودية. وقال زعيم الحوثيين في كلمة بثتها قناة المسيرة التابعة للحركة إن حسابات ”الأعداء السرابية والوهمية أن المسألة لن تكون ألف يوم بل لأسبوعين وكحد أقصى لشهرين... ولكن في مقابل ألف يوم من القصف كان هناك ألف يوم من الصمود“.
وقالت دولة الإمارات العربية وهي حليف وثيق للسعودية وجزء من التحالف العسكري إن أحدث هجوم للحوثيين يسلط الضوء على ضرورة مواصلة الحملة العسكرية في اليمن. وقال وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش في حسابه على تويتر ”مع كل صاروخ إيراني تطلقه الميليشيا الحوثية ضد الأهداف المدنية يصبح جليا ضرورة قرار عاصفة الحزم“.
وقال شهود إنهم سمعوا انفجارا وشاهدوا دخانا في شمال شرقي الرياض. وتقول الرياض إن إيران تزود الحوثيين بالصواريخ ووصف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ذلك بأنه عدوان عسكري مباشر يمكن أن يكون عملا حربيا. وتنفي إيران تقديم مثل هذه الأسلحة للحوثيين الذين يسيطرون على العاصمة اليمنية ومناطق أخرى من البلاد.
وقالت السعودية في الرابع نوفمبر تشرين الثاني إنها اعترضت صاروخا باليستيا فوق مطار الملك خالد بالرياض في هجوم أجج التوترات الدولية ودفع التحالف لإغلاق الموانئ اليمنية. وفي 30 نوفمبر تشرين الثاني أسقطت السعودية صاروخا آخر قرب مدينة خميس مشيط في جنوب غرب البلاد. بحسب رويترز.
وعرضت الولايات المتحدة وللمرة الأولى أجزاء مما وصفتها بأنها أسلحة إيرانية حصل عليها الحوثيون. وقالت إن الأجزاء دليل قاطع على أن إيران تنتهك قرارات الأمم المتحدة. وتضمنت هذه الأجزاء بقايا محترقة لما قالت وزارة الدفاع الأمريكية إنه صاروخ باليستي قصير المدى مصنوع في إيران أطلق من اليمن في هجوم الرابع من نوفمبر تشرين الثاني بالإضافة لطائرة بدون طيار وأسلحة مضادة للدبابات عثر عليها السعوديون في اليمن.
اغلاق المنافذ
الى جانب ذلك حذر زعيم حركة انصار الله اليمنية عبد الملك الحوثي السعودية من مواصلة اغلاق منافذ اليمن الغارق في الحرب، متوعدا بـ"خطوات حساسة" للرد. وقال الحوثي "نحذر قوى العدوان من الاستمرار في اغلاق المنافذ"، مضيفا "نؤكد على حقنا بالاقدام على خطوات حساسة ونحن نعرف مكامن الوجع الشديد التي يمكن ان نستهدفها" في حال استمرار الحصار الذي يفرضه التحالف العسكري بقيادة السعودية على اليمن منذ مطلع الشهر الجاري.
وعزز تحالف عسكري بقيادة السعودية يتدخل في اليمن ضد المتمردين الحوثيين، حصاره على اليمن بعد اعتراض صاروخ اطلقه الحوثيون قرب مطار الرياض في 4 تشرين الثاني/نوفمبر. لكنه خففه جزئيا بعد ضغوط دولية كبرى على السعودية، ما اعتبرته الامم المتحدة غير كاف. ومنذ 2014، يشهد اليمن نزاعا داميا بين المتمردين الحوثيين والقوات الحكومية. وسقطت العاصمة صنعاء في أيدي المتمردين في أيلول/سبتمبر من العام نفسه.
وقال التحالف الذي يحارب حركة الحوثي إنه سيسمح بدخول المساعدات عبر ميناءي الحديدة والصليف إضافة إلى السماح لرحلات الأمم المتحدة الجوية بالهبوط في صنعاء بعد أكثر من أسبوعين من حصار اليمن بإغلاق الموانئ البرية والبحرية والجوية. وهناك نحو سبعة ملايين شخص معرضون لخطر المجاعة في اليمن وتعتمد حياتهم على المساعدات الدولية. بحسب رويترز.
وقال البيت الأبيض في بيان ”التطبيق الكامل والفوري للإجراءات التي تم الإعلان عنها خطوة أولى في ضمان وصول الغذاء والدواء والوقود لليمنيين وتمكن منظمات الإغاثة التي تتصدر جهود تخفيف تلك الأزمة الإنسانية من القيام بعملها الضروري“. وأضاف ”نتطلع إلى اتخاذ خطوات إضافية تسهل تدفقا دون عراقيل للسلع الإنسانية والتجارية من كل الموانئ التي يمكن الدخول منها للمناطق التي تحتاج للمساعدة“. وقال البيت الأبيض إنه ملتزم بدعم السعودية وشركائها في الخليج ”ضد اعتداءات الحرس الثوري الإيراني والانتهاكات الصارخة للقانون الدولي“.
من جانب اخر أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية ان اكثر من 11 مليون طفل يمني بحاجة الى مساعدة انسانية نتيجة للحرب الدائرة هناك منذ عام 2015. وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية الذي وصف الازمة بانها "كارثية" ان الأطفال يواجهون "أكبر أزمة أمن غذائي في العالم، وتفشي وباء الكوليرا بشكل غير مسبوق".
واضاف في بيان ان "حرمان الأطفال من الوصول الى الخدمات الصحية والغذائية الأساسية يجعلهم غير قادرين على تحقيق امكاناتهم". وقال البيان ان الأطفال في اليمن يموتون من "اسباب قابلة للوقاية مثل النقص الغذائي والاسهال والتهابات الأجهزة التنفسية". وتابع "النظام التعليمي على شفير الانهيار، مع وجود أكثر من خمسة ملايين طفل يواجهون خطر حرمانهم من حقهم بالتعليم". واعتبرت الأمم المتحدة أزمة اليمن الازمة الانسانية الاولى في العالم مع وجود 7 ملايين انسان عند حد المجاعة ووباء الكوليرا الذي تسبب بوفاة أكثر من الفي شخص.
انتقاد سعودي
من جانب اخر انتقد التحالف الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين في اليمن بيان الأمم المتحدة الذي وصف الحوثيين بأنهم "السلطة الفعلية" في اليمن. ونشرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية بيانا للمتحدث اتهم فيه منسق الشؤون الإنسانية في اليمن جيمي ماكغولدريك بالانحياز للحوثيين "في خرق لقرارات مجلس الأمن وبيانات الأمم المتحدة في محاولة منه لإضفاء الشرعية على ميليشيات الانقلاب في اليمن واستمراراً في تضليل الرأي العام الدولي من خلال ترديده لما يتداول في المواقع الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي الداعمة للحوثيين".
وكان ماكغولدريك قد انتقد كل الأطراف في الصراع في اليمن ومن بينهم التحالف الذي تقوده السعودية لعدم "احترام حياة البشر". وطالب ماكغولدريك أطراف الصراع بحماية المدنيين وفقا للقانون الدولي. وكانت الأمم المتحدة قد قالت في بيان إن 109 أشخاص من المدنيين قتلوا في غارات شنها التحالف بقيادة السعودية على أهداف في اليمن خلال العشرة أيام الماضية.
واعتبر التحالف أن بيان الأمم المتحدة "يخلق حالة من الشك المستمر حول المعلومات والبيانات التي تعتمد عليها المنظمة الدولية ويطعن في مصداقيتها". وقتل 10 آلاف شخص على الأقل جراء الصراع في اليمن وفقا لتقديرات الأمم المتحدة. كما أدى الصراع إلى أزمة إنسانية كبيرة إذ يحتاج أكثر من 20 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية. كما بلغ عدد مصابي الكوليرا نحو مليون شخص.
اضف تعليق