قرار اعتراف الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بالقدس عاصمة لإسرائيل، الذي أثار موجة إدانات دولية واحتجاجات حاشدة في منطقة الشرق الأوسط وأماكن أخرى في العالم، ما يزال محط اهتمام واسع خصوصا وان لولايات المتحدة استخدمت حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي لتعطيل مشروع قرار كانت قدمته مصر ردا على قرار الرئيس الامريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وكما يرى بعض المراقبين، عازمة وبشكل واضح على تنفيذ هذا القرار وهو ما ستكون له تبعات خطيرة في منطقة الشرق الأوسط، وسيفجر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بقوة ما يرجح اندلاع انتفاضة جديدة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقال ضابط سابق بالقوات الخاصة البريطانية، رفض نشر اسمه، إن الإعلان يشبه "إلقاء قنبلة يدوية في غرفة بعد نزع فتيلها".
وأثار قرار ترامب تنديد غالبية الأسرة الدولية ومظاهرات في العالمين العربي والإسلامي. ويشدد مشروع القرار الذي اعترضت عليه واشنطن وطلبت مصر، العضو العربي في مجلس الأمن، التصويت على المشروع، الذي أعد نصه الوفد الفلسطيني في الأمم المتحدة، على أن وضع القدس "يجب أن يتم حلّه عبر التفاوض" ويعبر عن "الأسف العميق للقرارات الأخيرة المتعلقة بالقدس"، بدون الإشارة إلى الولايات المتحدة. ويؤكد مشروع القرار "أن أي قرارات وتدابير تهدف إلى تغيير هوية أو وضع مدينة القدس أو التكوين السكاني للمدينة المقدسة ليس لها أثر قانوني ولاغية وباطلة ولابد من إلغائها التزاما بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة".
ويدعو مشروع القرار "كل الدول إلى الامتناع عن إقامة بعثات دبلوماسية في مدينة القدس المقدسة تطبيقا لقرار مجلس الأمن 478 لسنة 1980". وتعتبر إسرائيل القدس عاصمتها الأبدية وتريد أن تكون كل السفارات هناك. واحتلت إسرائيل القدس الشرقية عام 1967، وأعلنتها "عاصمتها الأبدية والموحدة" في 1980، في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي وضمنه الولايات المتحدة. ويرغب الفلسطينيون في جعل القدس الشرقية عاصمة لدولتهم المنشودة. ويشكل وضع القدس إحدى أكبر القضايا الشائكة لتسوية النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين.
فيتو امريكي
وفي هذا الشأن استخدمت الولايات المتحدة حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي لتعطيل مشروع قرار كانت قدمته مصر ردا على قرار الرئيس الامريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل. ودعمت 14 دولة مسودة القرار التي دعت إلى الامتناع عن نقل البعثات الدبلوماسية إلى القدس. لكن الولايات المتحدة استخدمت حق النقض.
ووصفت مندوبة واشنطن في الأمم المتحدة نيكي هايلي هذا التصويت بأنه "إهانة لن تُنسى". وأضافت "أن هذا الأمر يعد مثالاً آخر على أن الأمم المتحدة تضر أكثر مما تنفع في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني". وعلى صعيد آخر، قال البيت الأبيض إنه تم تأجيل زيارة نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس إلى منطقة الشرق الأوسط.
وقال السفير الفلسطيني لدى الامم المتحدة رياض منصور إن القيادة الفلسطينية ستدعو الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى اجتماع عاجل. وأكد وزير الخارجية في السلطة الفلسطينية رياض المالكي للصحفيين في رام الله ذلك، وقال "سندعو إلى اجتماع عاجل خلال 48 ساعة". ويشكل وضع مدينة القدس أحد أكبر القضايا الشائكة في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
من جهته، شكر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هايلي لاستخدامها حق النقض. وقال في تغريدة " شكراً للسيدة هايلي، لقد أضأت شعلة الحقيقة وبددت الظلام، شكراً للرئيس دونالد ترامب وشكراً لنيكي هايلي". وتدعو مسودة القرار التي وزعتها مصر الدول الأعضاء إلى الامتناع عن نقل بعثاتها الدبلوماسية إلى القدس، كما نصت على أن أي قرارات أحادية الجانب حول وضع المدينة ينبغي ألا يكون لها أثر قانوني ويجب إلغاؤها. بحسب بي بي سي.
وفي تصريح للمستشار أحمد أبوزيد المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، أعرب عن أسف مصر لعدم اعتماد هذا القرار الهام الذي جاء استجابةً لضمير المجتمع الدولي الذي عبر بوضوح عن رفض اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل. وأضاف أنه من المقلق للغاية أن يعجز مجلس الأمن عن اعتماد قرار يؤكد على قراراته ومواقفه السابقة بشأن الوضعية القانونية لمدينة القدس باعتبارها مدينة محتلة تخضع لمفاوضات الحل النهائي للقضية الفلسطينية وفقاً لكافة مرجعيات عملية السلام المتوافق عليها دولياً. وأضاف المتحدث باسم الخارجية، أن المجموعة العربية سوف تجتمع لتقييم الموقف وتحديد الخطوات القادمة للدفاع عن وضعية مدينة القدس.
من جانبه أشاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بقرار الولايات المتحدة بالتصويت ضد قرار في مجلس الأمن لمطالبة واشنطن بالتراجع عن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارتها إليها. وقال نتنياهو: "شكرا للسفيرة (نيكي) هالي. في عيد حانوكا (عيد إسرائيلي) أنرتِ شمعة الحقيقة. أزلتِ ظلمة الأكاذيب. شكرا للرئيس (دونالد) ترامب"؛ وذلك عبر حسابه على موقع "تويتر".
مايك بنس والشرق الأوسط
على صعيد متصل قال البيت الأبيض إنه تم تأجيل زيارة نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس إلى الشرق الأوسط. وكان من المقرر أن تبدأ زيارة بنس إلى إسرائيل ومصر، إلا أنه تم تأجيلها لمنتصف شهر يناير/كانون الثاني المقبل، مما يسمح له بالبقاء في حال الحاجه لصوته في مجلس الشيوخ لدعم إصلاحات ضريبية مقترحة. ونفى مسؤولون أن يكون قرار بنس تأجيل زيارته للشرق الأوسط بسبب موجة التظاهرات التي ضربت المنطقة بعد اعتراف ترامب المثير للجدل بأن القدس عاصمة لإسرائيل وتعهده بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.
وأدى قرار ترامب إلى موجة من الاحتجاجات، كما أعلن العديد من المسؤولين الفلسطينيين والمسلمين والأقباط عن رفضهم حضور لقاءات مخطط لها مع بنس الذي اختصر الزيارة إلى ثلاثة أيام. ودعت حركة فتح، التي يرأسها محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية، إلى مظاهرات احتجاجية حاشدة في أثناء زيارة مايك بنس، نائب الرئيس الأمريكي، إلى القدس.
وهذه الدعوة هي أحدث التحركات الفلسطينية المناهضة لقرار الرئيس الأمريكي. ودعت فتح إلى احتجاجات ضخمة قائلة "إنها مستمرة في برنامج فعالياتها الشعبية في كافة المحافظات وفق جدول. بحسب بي بي سي.
وعبرت فتح عن قناعتها بأن الولايات المتحدة لم تعد تصلح للعب دور الوسيط في عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وكان مسؤولون فلسطينيون قد أعلنوا رفض لقاء بنس. كما أعلن الأزهر والكنيسة القبطية في مصر أن رئيسي المؤسستين الدينيتين لن يلتقيا بنائب ترامب، كما كان مقررا. وقال نبيل أبوردينة، المتحدث باسم الرئيس الفلسطيني، "لن نقبل بأي تغيير لحدود 1967 في القدس الشرقية". وأضاف أن الموقف الأمريكي الحالي يثبت مرة أخرى أن "الإدارة الأمريكية الحالية بعيدة تماما عن عملية السلام".
مواجهات واعتقالات
الى جانب ذلك شيعت بلدتا بيت أولا قرب الخليل وعناتا شمال القدس جثامين الفلسطينييْن محمد عقل، 19 عاما، وباسل إبراهيم، 29 عاما. وكان الشابان قد لقيا مصرعهما برصاص الجيش الإسرائيلي خلال مواجهات اندلعت في مناطق متفرقة بين الجيش الإسرائيلي الذي عزز من انتشاره في الضفة الغربية وتحديدا على نقاط التماس، وبين حشود من الفلسطينيين في مسيرات ما سُمّي "بجمعة الغضب الثانية" التي دعت إليها الفصائل الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة للاحتجاج على القرار الأمريكي إعلان القدس عاصمة لإسرائيل.
يأتي ذلك بينما أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية أن حصيلة القتلى والإصابات بين صفوف الفلسطينيين خلال الاحداث الميدانية والمواجهات المستمرة منذ أيام بلغت 11 قتيلا وأكثر من 3 آلاف إصابة في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، وهو ما دفع الوزارة لإعلان حالة الطوارئ في مختلف المراكز والمستشفيات الحكومية واستعدادها للتعامل مع الإصابات في حال تجدد المواجهات في الضفة وغزة.
وأكدت طواقم الهلال الأحمر الفلسطينية أنها تعاملت مع 888 إصابة في الضفة الغربية وقطاع غزة خلال مواجهات الجمعة. وكان الجيش الإسرائيلي قد أشار في بيان له ا إلى أن قواته تعامل مع المواجهات التي اندلعت في الضفة الغربية وقطاع غزة بمشاركة حوالي 6 آلاف فلسطيني، حيث أطلق الجيش النار باتجاه المشاركين في ما وصفه بأعمال الشغب التي استخدم الفلسطينيون خلالها الحجارة والزجاجات الحارقة وحرق الإطارات المطاطية.
وكان المكتب الإعلامي لحركة فتح قد دعا إلى مسيرات غضب، تنطلق من كافة المواقع، ومسيرة مركزية تنطلق بعد صلاة الجمعة المركزية التي تقام أمام حاجز قلنديا. كما استنفرت حركة حماس في ذكرى انطلاقها الثلاثين كافة الفلسطينيين لتصعيد المواجهة مع "قوات الاحتلال" والمشاركة في "فعاليات الغضب"، وإشعال المواجهات في كل نقاط التماس. وأفاد موفد بي بي سي عربي إلى القدس، عصام عكرماوي، أن منطقة باب العامود، المدخل الرئيسي للبلدة القديمة من القدس التي تضم الحرم القدسي الشريف، شهدت مواجهات محدودة بين المتظاهرين الفلسطينيين والقوات الإسرائيلية التي انتشرت بكثافة على مداخل البلدة القديمة.
وأضاف أن القوات الاسرائيلية تتبع تكتيكا جديدا يسمح باحتجاجات صغيرة لكنها تفرق تلك الاحتجاجات بسرعة في حالة ارتفاع عدد المشاركين. كما انها امتنعت عن استخدام قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي، ولجأت بدلا من ذلك الى استخدام قوة المستعربين الذين يندسون بين المتظاهرين ويعتقلون من يقودون التظاهرات. وكان البيان الختامي لقمة منظمة التعاون الإسلامي الطارئة، دعا المجتمع الدولي إلى الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطينية، وتحقيق "السلام العادل الشامل القائم على أساس حل الدولتين". واندلعت في الأراضي الفلسطينية احتجاجات رفضا للقرار الأمريكي، وهو ما أدى إلى اشتباكات بين الفلسطينيين والقوات الإسرائيلية. كما شنت إسرائيل غارات جوية على قطاع غزة، بعد إطلاق صواريخ من القطاع على الأراضي الإسرائيلية. وقتل في الاشتباكات والغارات الجوية 4 فلسطينيين وجرح العشرات.
اضف تعليق