التحقيقات الخاصة بالتدخل الروسي في الانتخابات الأميركية التي جرت في 2016 واسهمت بفوز الرئيس الحالي دونالد ترامب، ماتزال بحسب بعض المراقبين اهم حدث داخلي في الولايات المتحدة الامريكية، خصوصا بعد التطورات المهمة التي شهدتها التحقيقات بعد اعترف مستشار البيت الأبيض للأمن القومي السابق، مايكل فلين، بذنبه فيما يتعلق بإدلائه بـ "تصريحات ومعلومات كاذبة" عن اجتماعه بمسؤولين روس لمكتب التحقيقات الفيدرالي "إف بي آي". كما أشار مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى أن "فلين تواصل مع السفير الروسي بناء على طلب من أحد المسؤولين البارزين خلال فترة الانتقال الرئاسي بين ترامب وسلفه". وفي فبراير الماضي، أفادت تقارير إعلامية بأن لقاءً جرى بين فلين والسفير الروسي، قبيل تسلّمه مهام منصبه، وأنه قدم معلومات "مضلّلة" بهذا الشأن لنائب ترامب، ومسؤولين آخرين".
وفي إطار التحقيق في تدخل روسي في الانتخابات الرئاسية عام 2016، وجه القضاء الأمريكي في وقت سابق 12 تهمة منها التآمر على الولايات المتحدة وغسيل الأموال لبول مانافورت المدير السابق لحملة الرئيس دونالد ترامب الانتخابية، وشريكه التجاري ريتشارد غيتس. واعترف جورج بابادوبولوس، المستشار السابق في الحملة مطلع العام الماضي، أنه كذب على المحققين في 5 تشرين الأول/أكتوبر وقال أنه سعى إلى إخفاء الاتصالات بأستاذ جامعي على صلة بموسكو عرض الكشف عن "فضائح" تتعلق بمنافسة ترامب الديمقراطية هيلاري كلينتون.
وسارع ترامب إلى تويتر لرفض الاتهامات وأكد مرة أخرى عدم وجود "تواطؤ" مع روسيا وطلب من المدعين التركيز على كلينتون. وصف ترامب التحقيق بأنه "حملة مطاردة". ومع دخول التحقيقات مرحلة الجديدة صعّد مسؤولون جمهوريون ووسائل إعلام محافظة هجماتهم على الديمقراطيين، خصوصا كلينتون، رغم أن المعارضين يرفضون الاتهامات بوصفها محاولات لتحويل الانتباه.
تحقيقات مستمرة
وفي هذا الشأن التقى ابن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأكبر بلجنة المخابرات في مجلس الشيوخ في إطار تحقيق تجريه اللجنة في تدخل روسيا في انتخابات 2016 الرئاسية وفيما إذا كانت حملة والده الانتخابية تواطأت مع موسكو. وقالت وكالات المخابرات الأمريكية في أعقاب فوز ترامب في انتخابات نوفمبر تشرين الثاني 2016 الرئاسية إنها خلصت إلى أن روسيا حاولت التأثير على الحملة لتعزيز فرص ترامب في هزيمة منافسته الديمقراطية، وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون.
ونفت موسكو قيامها بنشاط من هذا القبيل ووصف ترامب الحديث عن تواطؤ محتمل بأنه ”حملة ملاحقة“ يقودها الديمقراطيون المحبطون من فوزه. وتجري لجنة مجلس الشيوخ واحدا من التحقيقات الرئيسية التي يضطلع بها الكونجرس. وأبلغ رئيس اللجنة ريتشارد بور الصحفيين أنه يتوقع أن يمتد تحقيقها إلى 2018 لكن من غير المرجح ألا يستمر شهورا عديدة في العام الجديد.
ويحقق في المسألة كذلك محقق وزارة العدل الخاص روبرت مولر. وأدلى دونالد ترامب جونيور بشهادة أمام لجنة المخابرات بمجلس النواب في وقت سابق. ويحرص المشرعون على الحديث معه بشأن اجتماع مع محامية روسية في يونيو حزيران 2016 في برج ترامب في مدينة نيويورك عبر فيه عن أمله في الحصول على معلومات بشأن ”اللياقة البدنية وشخصية ومؤهلات“ كلينتون.
الى جانب ذلك ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن مسؤولين كبارا في مكتب التحقيقات الاتحادي ممن شاركوا في التحقيق في حملة دونالد ترامب الانتخابية في عام 2016 كانوا قد قالوا لزميلة لهم إن المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون يجب أن تفوز بالرئاسة. وذكرت الصحيفة أن بيتر سترزوك، وهو مسؤول كبير في مكتب التحقيقات الاتحادي، قال في رسالة نصية أرسلها إلى ليزا بيدج المحامية بالمكتب إن كلينتون ”يجب أن تفوز“.
وأضاف التقرير أن الرسائل أظهرت قلق سترزوك وبيدج من أن تضفي رئاسة ترامب طابعا سياسيا على مكتب التحقيقات، واستشهد بنصوص أحيلت إلى الكونجرس وحصلت عليها الصحيفة. وأشار التقرير إلى أن مايكل هورويتز المفتش العام بوزارة العدل يتحرى أمر هذه النصوص في إطار تحقيق في كيفية تعامل مكتب التحقيقات مع مسألة استخدام كلينتون لبريدها الإلكتروني الخاص في مراسلات رسمية عندما كانت وزيرة للخارجية في عهد الرئيس السابق باراك أوباما. بحسب رويترز.
وأُبعد سترزوك عن العمل في التحقيق المتعلق بروسيا بعدما أشارت تقارير إعلامية إلى أنه تبادل رسائل نصية تنتقص من قدر ترامب وتؤيد كلينتون. وكان سترزوك يشارك في التحقيق المتعلق باستخدام كلينتون لبريدها الخاص في مراسلات رسمية وفي التحقيق بشأن تدخل روسيا في الانتخابات. وفي الأسابيع الأخيرة، صعد الجمهوريون بمن فيهم ترامب هجومهم على مكتب التحقيقات الاتحادي وشككوا في حياديته.
تسريبات جديدة
في السياق ذاته قال نائب أميركي أن مايكل فلين مستشار الأمن القومي السابق للرئيس الأميركي والذي يحتل موقعا محوريا في التحقيق الجاري بشأن التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية، أكد لرجل أعمال في يوم تنصيب دونالد ترامب أن العقوبات الأميركية سترفع عن موسكو، ما سيتيح له المضي في مشروع بناء محطات نووية في الشرق الأوسط مع شركاء روس. وأوضح النائب الديموقراطي إيلايجا كامينز أن مسرب معلومات اتصل به ليكشف أن فلين أكد له أن إسقاط العقوبات عن روسيا سيكون أولوية في إدارة ترامب للمساعدة على دفع مشروع المحطات النووية.
وأبلغ اليكس كوبسون مدير شركة "إيه سي يو ستراتيجيك بارتنرز" ومقرها واشنطن، مسرب المعلومات برغبة الادارة الجديدة في "تفكيك" العقوبات على روسيا، ما سيفسح المجال امام المشروع الضخم. وكان كوبسون دفع قبل ستة أشهر من ذلك 25 الف دولار الى فلين ليتوجه الى الشرق الاوسط من اجل الترويج للمشروع الذي يشمل بناء 20 محطة نووية في المنطقة بموجب شراكة أميركية روسية.
وأورد كامينغز هذه المعلومات في رسالة موجهة الى تراي غاودي رئيس لجنة المراقبة التابعة لمجلس النواب طالب فيها بأمر فلين بالمثول امام الكونغرس. وقبل ثلاثة أسابيع على تنصيب دونالد ترامب، قامت ادارة الرئيس السابق باراك أوباما بتشديد العقوبات على روسيا لاتهامها بالتدخل في الحملة الرئاسية التي فاز فيها ترامب. الا ان مسرب المعلومات أفاد أن فلين لم يكتف بالتأكيد لكوبسون ان هذه العقوبات سيتم الغاؤها، بل كذلك بحث هذا المشروع مع مسؤولين كبار في البيت الابيض بعد ايام فقط على تنصيب ترامب. بحسب فرانس برس.
وأوردت صحيفة "وول ستريت جورنال" ان فلين تحادث مع صهر ترامب ومستشاره المقرب جاريد كوشنر ومع صديق آخر للرئيس يدعى توماس براك. وكان فلين أقر بانه كذب على المحققين الفدراليين حول محادثاته مع السفير الروسي في واشنطن سيرغي كيسلياك. وتثير هذه الاتهامات الجديدة المحرجة لفلين تساؤلات حول ما اذا كان ترامب على علم بما يقوم به فلين على صعيد شخصي خلال الحملة الانتخابية وبعدما عينه مستشارا للامن القومي.
معاملة ظالمة
من جانب اخر قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن مستشاره السابق للأمن القومي مايكل فلين عومل بشكل ظالم منتقدا ضمنا اتهامات المحقق الأمريكي الخاص له رغم أن فلين نفسه أقر بذنبه. وقال ترامب للصحفيين في البيت الأبيض ”أشعر بالأسى على الجنرال فلين“ ثم واصل حديثه متهما منافسته الديمقراطية في انتخابات الرئاسة عام 2016 هيلاري كلينتون بالكذب العام الماضي.
ولم يقدم ترامب دليلا أو تفاصيل بشأن اتهامه لكلينتون. وردت كلينتون على أسئلة في يوليو تموز عام 2016 بشأن استخدامها لخدمة خاصة في تبادل رسائل بريد الكتروني حكومية أثناء توليها منصب وزيرة الخارجية. وقال ترامب ”هيلاري كلينتون ذهبت إلى مكتب التحقيقات الاتحادي في عطلة الأسبوع يوم الرابع من يوليو تموز دون أن تؤدي القسم. كان ذلك أغرب شيء يمكن أن يراه أحد“ وتابع ”كذبت مرات كثيرة ولم يحدث لها شيء. فلين كذب فأفسدوا حياته. هذا ظلم شديد“.
وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن تصرفات مستشاره السابق للأمن القومي مايكل فلين خلال الانتقال الرئاسي كانت ”قانونية“ وإن حملته في انتخابات عام 2016 الرئاسية لم تتواطأ مع روسيا. وقال ترامب في تغريدة على تويتر ”كان لابد أن أقيل الجنرال فلين لأنه كذب على نائب الرئيس ومكتب التحقيقات الاتحادي. لقد أقر بالذنب بشأن تلك الأكاذيب. هذا أمر مشين لأن تصرفاته خلال الانتقال كانت قانونية. لم يكن هناك شيء يستدعي إخفاءه“.
تغريدات ترامب
على صعيد متصل أثارت سلسلة من التغريدات من جانب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن التحقيق في صلات بين حملته الانتخابية عام 2016 وروسيا قلق أعضاء بالكونجرس الأمريكي من الديمقراطيين والجمهوريين وقال السناتور الجمهوري لينزي جراهام إن ترامب ربما يدخل منطقة الخطر بتعليقه على التحقيق.
وقال جراهام في برنامج (فيس ذا نيشن) الذي تبثه قناة (سي.بي.إس) التلفزيونية ”أود أن أقول للرئيس: هناك تحقيق جنائي“. وأضاف ”تعرضك التغريدات والتعليقات على تحقيقات جنائية جارية للخطر“. وقال خبراء قانونيون وبعض أعضاء الكونجرس من الديمقراطيين إنه إذا كان ترامب قد علم أن فلين كذب على مكتب التحقيقات الاتحادي ثم ضغط على كومي كي لا يحقق معه فسيعزز ذلك اتهامه بإعاقة العدالة.
وقال جون داود محامي ترامب إنه صاغ التغريدة و”أخطأ“ في كتابتها. وقال ”كان يجب أن أضع عبارة الكذب على مكتب التحقيقات الاتحادي في سطر منفصل وأشير إلى إقراره (بالكذب)... بدلا من ذلك وضعته في نفس السطر وهو ما أثاركم“. وأوضح داود أن المرة الأولى التي علم فيها ترامب بكذب فلين على مكتب التحقيقات الاتحادي كانت عندما تم توجيه الاتهام له.
وأشار داود إلى أن هذه كانت أول وآخر مرة يصيغ فيها تغريدة للرئيس مضيفا ”أتحمل المسؤولية... أنا آسف لأني ضللت الناس“. وجاءت سلسلة التغريدات بعد تحول كبير في الأحداث عندما أقر فلين بأنه كذب على مكتب التحقيقات الاتحادي بشأن اتصالاته في ديسمبر كانون الأول الماضي بالسفير الروسي لدى واشنطن آنذاك سيرجي كيسلياك قبل أسابيع فقط من دخول ترامب البيت الأبيض.
ووافق فلين أيضا على التعاون مع الإدعاء فيما يتعلق باتصالات الدائرة المقربة من ترامب بروسيا قبل تولي ترامب الرئاسة. وقالت السناتور دايان فاينستاين رئيسة اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ إنها تعتقد أن قائمة الاتهامات في التحقيق حتى الآن و”التغريدات المستمرة“ من جانب ترامب تشير إلى تعطيل العدالة. وقال آدم شيف العضو الديمقراطي الكبير في لجنة الاستخبارات بمجلس النواب لبرنامج (ذا ويك) بقناة (إيه.بي.ٍسي) التلفزيونية ”علم الرئيس أنه (فلين) كذب على مكتب التحقيقات الاتحادي وهو ما يعني أنه عندما تحدث مع مدير المكتب وطلب منه إسقاط القضية كان يعلم أن فلين ارتكب جريمة اتحادية“. بحسب رويترز.
وغرد ترامب على تويتر قائلا ”لم أطلب من كومي قط وقف التحقيق مع فلين. هذا مزيد من الأخبار الكاذبة تتناول كذبة أخرى لكومي“. وانتقد جراهام في (سي.بي.إس) كومي قائلا إنه يعتقد أن المدير السابق لمكتب التحقيقات الاتحادي اتخذ بعض القرارات ”الخاطئة جدا جدا“ خلال فترة عمله. لكنه أضاف أيضا أن ترامب يجب أن يكون حذرا فيما يتعلق بتغريداته. وقال ”سيادة الرئيس.. لو كنت مكانك كنت سأتوخى الحذر“.
اضف تعليق