q

مفاوضات السلام بين الحكومة السورية وما يسمى فصائل المعارضة، التي تقام برعاية الأمم المتحدة من اجل انهاء النزاع المستمر منذ أكثر من ست سنوات، ماتزال وعلى الرغم من غياب الامل في إمكانية تحقيق أي تقدم ملموس بسبب تضارب المصالح والتدخلات الخارجية التي تحرك قادة المعارضة محط اهتمام اعلامي واسع، خصوصا وان الجولة الجديدة التي اعلن عن تمديدها وبحسب بعض المراقبين تأتي في وقت مهم وحساس وفي ظل وجود تحركات وتحالفات دولية اخرى بقيادة روسيا التي اصبحت لاعب اساسي في هذا الصراع، يضاف الى ذلك التطورات الميدانية المهمة التي تحققت ضد التنظيمات الجهادية المتشددة على رأسها تنظيم داعش الارهابي، الذي مني في الأشهر الأخيرة بخسائر كبيرة في سوريا على أيدي القوات الحكومية المدعومة من روسيا وإيران، وكذلك على أيدي قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من واشنطن، هذه التطورات يمكن ان تجبر فصائل المعارضة المدعومة من بعض دول الخليج على تقديم تنازلات من اجل الحصول على مكاسب سياسية.

وتتمحور المفاوضات الجديدة بجولتها السابعة كما نقلت بعض المصادر، حول أربعة مسائل رئيسية هي الدستور والحكم والانتخابات ومكافحة الإرهاب. ولم تحقق جولة المفاوضات الأخيرة في جنيف التي انتهت في 19 آيار/مايو أي تقدم ملفت على طريق إنهاء النزاع الذي تسبب بمقتل أكثر من 320 ألف شخص منذ اندلاعه في العام 2011. وأقر المبعوث الخاص للأمم المتحدة ستافان دي ميستورا في إحاطة قدمها إلى مجلس الأمن إثر انتهاء الجولة السابقة بوجود هوة عميقة بين الطرفين حيال القضايا الأساسية، لافتا إلى أن ضيق الوقت أحبط عملية التقدم.

ويبقى مصير الرئيس السوري بشار الأسد نقطة التباين الرئيسية، إذ يصر وفد المعارضة على مطلب رحيله قبل بدء العملية الانتقالية، الأمر الذي تراه دمشق غير مطروح للنقاش أساساً. وتأتي جولة المفاوضات غير المباشرة هذه غداة سريان وقف لإطلاق النار في ثلاث محافظات في جنوب سوريا، بموجب اتفاق روسي أمريكي أردني بناء على مذكرة مناطق خفض التصعيد التي تم إقرارها في محادثات أستانة في آيار/مايو.

تمديد المفاوضات

وفي هذا الشأن أعلنت الأمم المتحدة أنها ستمدد حتى منتصف كانون الأول/ديسمبر جولة المحادثات السورية في جنيف التي تستهدف بلورة حل سياسي لإنهاء الحرب مشيرة إلى أن مسألة الرئاسة لم تطرح بعد على مائدة البحث. ودعا الموفد الدولي الخاص إلى سوريا وفدي الحكومة والمعارضة للتخلي عن "الشروط المسبقة" والتركيز على إنجاز "تقدم حقيقي" في المحادثات. ونوه دي ميستورا بـ"المناخ المهني والجدي" للنقاشات مقارنة مع الجولات السابقة. دعا الموفد الدولي الخاص إلى سوريا ستافان دي ميستورا وفدي الحكومة والمعارضة للتخلي عن "الشروط المسبقة" والتركيز على إنجاز "تقدم حقيقي" في المحادثات غداة عقده معهما اجتماعين متوازيين في مقر الأمم المتحدة في جنيف.

وأعلن دي ميستورا تمديد الجولة الراهنة من المفاوضات السورية حتى منتصف الشهر ، مؤكدا عدم مناقشة مسألة الرئاسة خلال المحادثات. وقال دي ميستورا في مؤتمر صحفي "نخطط لأن تستمر هذه الجولة حتى الخامس عشر من كانون الأول/ديسمبر". وبدأت الجولة الراهنة وهي الثامنة منذ العام 2016. ووصفها دي ميستورا بأنها "ليست اعتيادية" منوها بـ"المناخ المهني والجدي" للنقاشات مقارنة مع الجولات السابقة. وفي ما يتعلق بمضمون هذه النقاشات، أكد المبعوث الدولي أن "مسألة الرئاسة لم تناقش" في إشارة إلى مصير الرئيس السوري بشار الأسد الذي تطالب المعارضة بتنحيه مع بدء مرحلة الانتقال السياسي.

ولم يدل وفدا الحكومة والمعارضة بأي تصريحات للصحافيين إثر لقاء دي ميستورا الذي قال "أجرينا اليوم وللمرة الأولى اجتماعات عن قرب ومتوازية بين الطرفين". وأوضح أنه تنقل بشكل مكوكي بين القاعتين "اللتين فصلتهما عن بعضهما خمسة أمتار". وكان المبعوث الدولي يأمل بعقد مفاوضات مباشرة بين الطرفين في هذه الجولة التي تركز بشكل خاص على آليات صياغة دستور وإجراء انتخابات بإشراف الأمم المتحدة.

وردا على سؤال حول تعذر ذلك، أجاب "لنكن صريحين، التواصل المباشر هو دائما جيد ولكن الأهم أن نكون قادرين على تبادل الآراء" وهو ما يحصل على حد قوله. وأبدت المعارضة في اليومين الأخيرين استعدادها لمفاوضات مباشرة. وقال رئيس الوفد نصر الحريري لصحافيين "نريد التحرك سريعا نحو مفاوضات مباشرة" مع دمشق. في المقابل، جزم مصدر سوري مطلع على مجريات المفاوضات أنه "لن تكون هناك من مفاوضات مباشرة مع وفد الرياض"، في إشارة إلى المعارضة، خلال هذه الجولة. بحسب فرانس برس.

وحدد دي ميستورا عددا من الضوابط لضمان سير المحادثات، معتبرا أن "الوقت حان للتركيز على تحقيق تقدم حقيقي في العملية السياسية من أجل الشعب السوري". وحض الموفد الدولي الوفدين على "المشاركة بجدية في المباحثات بدون أي شروط مسبقة"، مطالبا الطرفين بالامتناع عن "الإدلاء بأي تصريحات تهدف إلى الطعن في شرعية أي من المدعوين الآخرين".

سقف الشروط

ووصل الوفد الحكومي إلى جنيف بعد تأخر ليوم واحد احتجاجا على تصريحات لرئيس وفد المعارضة والمشاركين في اجتماع الرياض تمسكت بمطلب تنحي الرئيس السوري. وتتوقع مصادر دبلوماسية في جنيف أن تخفض المعارضة سقف شروطها لإعطاء دفع للمحادثات. لكن قياديين في وفد المعارضة ينفون تعرضهم لأي ضغوط بهذا الصدد.

وأكد قيادي في الوفد المعارض رافضا الكشف عن اسمه، تمسك المعارضة "بتحقيق الانتقال السياسي وفق ما نص عليه بيان جنيف والقرارات الدولية ذات الصلة"، معتبرا أن التخلي عن مطلب تنحي الأسد "يعني نهاية المعارضة". ويشارك الوفد الحكومي في هذه الجولة بعد تحقيقه سلسلة انتصارات ميدانية بدعم مباشر من حلفائه خصوصا روسيا، ما يعزز موقعه التفاوضي، بحسب محللين. بحسب فرانس برس.

وتتهم المعارضة السورية موسكو بمحاولة "الالتفاف على مسار جنيف" وممارسة الضغوط للتوصل إلى تسوية تستثني مصير الأسد. وقال القيادي المعارض "إذا كان النظام قادرا على الحسم والتوصل بمفرده إلى تسوية سياسية، فلماذا يقبل المجيء إلى جنيف للتفاوض معنا؟". وتبذل قوى دولية عدة جهودا كبرى لإعادة الزخم إلى مفاوضات جنيف، بعدما طغت عليها محادثات أستانة التي أثمرت التوصل إلى اتفاق خفض التوتر في أربع مناطق ما أدى إلى تراجع القتال إلى حد كبير.

واتفقت موسكو مع طهران وأنقرة على تنظيم مؤتمر حوار بين الحكومة والمعارضة السورية في سوتشي في روسيا. وتحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن "فرصة حقيقية" لإنهاء النزاع، في مبادرة أثارت شكوكا حيال توقيتها وخشية غربية من أن تطيح بعملية جنيف. ولم يعلن موعد رسمي لهذا المؤتمر الذي ترفض المعارضة حتى الآن المشاركة فيه، فيما أكدت واشنطن وباريس أن مسار جنيف هو المسار "الشرعي الوحيد" لحل النزاع السوري.

استقالات قبل المفاوضات

من جانب اخر استبقت شخصيات معارضة بارزة انطلاق مؤتمر الرياض الاخير بإعلان استقالتها من الهيئة العليا للمفاوضات، في مقدمتهم منسقها العام رياض حجاب، الذي لم يحدد الأسباب المباشرة لاستقالته لكنه قال إنه بذل جهده "أمام محاولات خفض سقف الثورة وإطالة أمد نظام بشار الأسد". كما سارعت شخصيات أخرى بينها المتحدث الرسمي باسم الهيئة رياض نعسان آغا والمتحدث الرسمي باسم الوفد سالم المسلط بالإضافة إلى عضو الوفد المفاوض سهير الأتاسي إلى إعلان استقالاتهم تباعا.

ويقول قيادي سوري معارض "عمليا لا معنى لهذه الاستقالات" كونها تستبق التئام مؤتمر الرياض المخصص لتشكيل هيئة عليا للمفاوضات وبالتالي انتخاب منسق جديد لها. وباستثناء حجاب الذي تلقى وفق مصادر معارضة دعوة للمشاركة في المؤتمر، لم يدع بقية الأعضاء الذين أعلنوا استقالاتهم أساسا للمشاركة، إذ لم تتم تسميتهم من قبل الكتل المنضوين في صفوفها. ورحب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بالاستقالات، وقال "آمل أن يسمح رحيل المعارضين المتطرفين بتوحيد المعارضة في سوريا".

ويقول قيادي في الهيئة العليا للمفاوضات من المستثنين من الدعوة، مفضلا عدم ذكر اسمه "تم استبعاد شخصيات عدة تعارض كليا بقاء الأسد في مستقبل سوريا". ويضيف "موافقة السعودية على استبعاد هذه الشخصيات يؤشر على خضوعها للضغوط الروسية"، مضيفا "رغم دعمها للثورة السورية لكن لديها اليوم مصالحها مع روسيا والولايات المتحدة (...) وتريد حلا سريعا للقضية السورية".

وتزامنت الاستقالات مع توقيع معارضين بارزين وناشطين وممثلي فصائل على عريضة موجهة إلى المجتمعين في الرياض، تذكرهم "بثوابت أساسية" في مقدمتها "رحيل الأسد وزمرته". ومن بين الموقعين، عضو الوفد المفاوض السابق جورج صبرة، الذي اعتذر عن حضور مؤتمر الرياض، وهو الذي يعد من المتشددين في ما يتعلق بمصير الأسد. ولطالما شكل مصير الأسد العقبة الرئيسية التي اصطدمت بها جولات المفاوضات كافة، مع رفض دمشق المطلق نقاش الموضوع أساسا فيما تمسكت به المعارضة كمقدمة للانتقال السياسي. بحسب فرانس برس.

لكن قياديين في المعارضة يؤكدون أن القبول بالأسد ليس واردا. ويقول عضو الائتلاف المعارض هشام مروة "الائتلاف هو الكتلة الأكبر المدعوة إلى الرياض ومواقفها من الأسد لم تتغير". ويجزم "من يراهن على مؤتمر الرياض ليشرعن وجود الأسد واهم". وتولت وزارة الخارجية السعودية توجيه الدعوات، على أن تختار المكونات المشاركة فيه ممثليها في الهيئة العليا للمفاوضات التي انتخبت لاحقا منسقا عاما جديدا واختارت أعضاء وفدها المفاوض إلى جنيف.

وهذا هو الاجتماع الثاني من نوعه بعد اجتماع مماثل في كانون/الأول ديسمبر 2015، اشترك فيه نحو 140 شخصية يمثلون مكونات المعارضة الرئيسية بالإضافة إلى ممثلين عن منصتي موسكو، القريبة من روسيا وتضم في صفوفها نائب رئيس الوزراء السوري الأسبق قدري جميل، ومنصة القاهرة التي تضم مجموعة معارضين

اضف تعليق