قضايا الفساد واستغلال المناصب لتحقيق منافع شخصية عادت من جديد لتلاحق رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، حيث ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن الشرطة استجوبت رئيس الوزراء للاشتباه في تورطه في قضايا فساد جديدة. وكان اسم نتنياهو قد أثير بعد أن توجّهت التحقيقات بحسب بعض المصادر في الأشهر الأخيرة لتبرئته لعدم كفاية الدليل، ومن ثم الامتناع عن توجيه لائحة اتهام بحقه. وتوصلت الشرطة إلى صفقة ادّعاء مع أحد الشهود، من مقرّبي نتنياهو، وعمل وسيطاً في صفقة الغواصات مع الجانب الالماني. بموجب صفقة الادّعاء، يتوقع أن تساق بحق نتنياهو لائحة اتهام من شأنها إسقاطه وإسقاط حكومته، في سابقة مكررة لاتهام ومحاكمة وسجن رئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت، بتهمة مماثلة بتلقّي رشى وفساد.
ورفض مسؤولون في الشرطة وفي مكتب نتنياهو التعليق لكن وسائل إعلام إسرائيلية نقلت نبأ استجوابه مجددا على نطاق واسع دون الاستشهاد بمصادر. ولم توجه أي اتهامات لنتنياهو الذي ينفي ارتكاب أي مخالفات. ونتنياهو في السلطة منذ عام 2009. لكنه مشتبه به في قضيتين إحداهما تتعلق بتلقي هدايا من رجال أعمال والأخرى تتعلق بمحادثات أجراها مع ناشر صحيفة إسرائيلي عن الحد من المنافسة في مجال الأخبار مقابل الحصول على تغطية تفضيلية لسياساته. وقالت الشرطة إن أحد المقربين من نتنياهو خضع للاستجواب في إطار تحقيق مستقل في عقد مع ألمانيا لشراء غواصة بملياري دولار.
وطبقا للقانون الإسرائيلي لن يكون نتنياهو ملزما بالاستقالة في حالة توجيه اتهامات له. لكن خصومه يطالبونه بذلك. ولن يكون نتنياهو أول زعيم إسرائيلي يواجه تحقيقا جنائيا. فقد أدين رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت بخيانة الأمانة والرشوة عام 2014 واستجوب إرييل شارون أثناء توليه رئاسة الحكومة في مزاعم بتلقي رشا وارتكاب أعمال غير مشروعة في تمويل حملته الانتخابية. وفي اسرائيل، لا تخضع الشرطة ولا قوات الامن لسيطرة وزارة الداخلية بل تندرج في اطار صلاحية وزارة الامن الداخلي المنفصلة.
واستمعت الشرطة حتى الآن إلى شهادات ستة مسؤولين في الأجهزة الأمنية، بالإضافة إلى شهادة وزير الأمن السابق، موشيه يعالون، ولم يتضح بعد مدى تورط نتنياهو في الصفقات، لكن اسمه مربوط بالقضية. وقالت زعيمة حزب ميريتس، زهافا غلئون، إن نتنياهو يخشى من تحقيقات الفساد التي تجريها الشرطة معه أكثر من خوفه من المثول أمام المحكمة الجنائية الدولية، وأنه يخشى على مصالحه الشخصية أكثر من مصالح إسرائيل الأمنية والقومية.
نتانياهو والشرطة
وفي هذا الشأن هاجم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الشرطة الإسرائيلية، متهما إياها بالقيام بـ"تسونامي من التسريبات" حول قضايا فساد يشتبه بتورطه فيها، وهو الاتهام الذي رد عليه مسؤولون من الشرطة بالقول أن "لا أساس له" من الصحة ويرمي فقط إلى "تقويض القانون". وقالت مسؤولة في الشرطة مشترطة عدم الكشف عن هويتها إن "الشرطة تقوم بعملها طبقا للقانون ولن ترد على الاستفزازات الهجومية التي لا أساس لها من الصحة والتي تبلبل عملها وتقوض سيادة القانون".
وكانت القناة الثانية التلفزيونية الخاصة، قد أفادت أن نتانياهو سيخضع مجددا للاستجواب من قبل محققي الشرطة حول عدة قضايا، مما دفع برئيس الوزراء إلى الدفاع عن براءته مرة أخرى. وكتب نتانياهو على صفحته على موقع فيس بوك "عندما تولى قائد الشرطة (روني الشيخ) منصبه، تعهد بأنه لن تكون هناك أي تسريبات وأن الشرطة لن تقوم بتقديم توصيات" حول توجيه اتهامات. وأضاف "أصبحت التسريبات غير القانونية مثل تسونامي، وأصبح التعهد بعدم تقديم توصيات (حول اتهام محتمل) طي النسيان". وندد نتانياهو بما وصفه بـ"حملة إعلامية" تستهدفه.
على صعيد متصل قالت وزارة العدل الإسرائيلية إن المدعي العام يعتزم توجيه لائحة اتهام لسارة زوجة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للاشتباه باستغلالها أموال الدولة للحصول على وجبات طعام وخدمات طهاة بقيمة نحو 100 ألف دولار. وقال بيان الوزارة إن المدعي العام يدرس مقاضاة سارة نتنياهو بشأن مخالفات تشمل شراء أشياء بطريق التحايل والغش وخيانة الأمانة. وقال تعليق على صفحة رئيس الوزراء على فيسبوك ردا على تقارير وسائل الإعلام عن توقع إصدار المدعي العام أفيخاي مندلبليت لائحة اتهام إن هذه الادعاءات ضد سارة نتنياهو ”سخيفة وسيثبت عدم صحتها“.
ولم يتضح التأثير السياسي الذي سيتركه الإعلان على نتنياهو الذي يجري التحقيق معه هو شخصيا في قضيتي فساد. وتتضمن إحدى هاتين القضيتين، والمعروفة باسم القضية 1000، هدايا ربما يكون رئيس الوزراء وأسرته قد حصلوا عليها من رجال أعمال في حين أن القضية 2000 تتعلق بمحاولات مزعومة من نتنياهو للحصول على تغطية أفضل من ناشر إحدى الصحف الإسرائيلية. ويرأس نتنياهو حكومة ائتلافية مستقرة نسبيا وحقق الاقتصاد ازدهارا في عهده. ويحتشد حزب ليكود المحافظ خلفه في ظل عدم وجود منافسين واضحين له على زعامة الحزب رافضا دعوات للتنحي من جانب المعارضة التي تمثل يسار الوسط.
ويتمسك كذلك شركاء ليكود في الائتلاف من الأحزاب الدينية والقومية بنتنياهو في الوقت الحالي ولا يرون أي تهديد لأجندتهم مع وجوده على رأس الحكومة. وقال بيان لوزارة العدل إنه في قضية أطلقت عليها الوزارة اسم ”قضية وجبات الطعام“ زُعم أن سارة نتنياهو أثارت بمعاونة مساعد انطباعا زائفا فيما بين 2010 و2013 بعدم وجود طباخين في المقر الرسمي لإقامة رئيس الوزراء في حين أنه كان يوجد طباخون بالفعل. بحسب رويترز.
وقال البيان إن هذا جرى لتدبير تمويل حكومي لخدمات خارجية لإعداد الطعام كان سيتم تغطيتها في حالة عدم وجود طهاة. وقال بيان الوزارة ”بهذه الطريقة تم الحصول على 359 ألف شيقل (102399 دولارا) من الدولة قيمة مئات الوجبات من مطاعم وطهاة عن طريق التحايل“. وأمام سارة نتنياهو خيار شرح موقفها خلال جلسة مع المدعي العام .
شاهد إثبات
الى جانب ذلك أظهرت وثائق قضائية أن مساعدا سابقا لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وافق على الإدلاء بأقواله كشاهد إثبات في قضيتي كسب غير مشروع يجري استجواب نتنياهو فيهما كمشتبه به. ويأتي قرار آري هارو المدير السابق لمكتب نتنياهو بأن يدلي بأقواله كشاهد إثبات بموجب اتفاق تسوية يتعلق باتهامات بالفساد وجهت إليه في قضية منفصلة. ويعطي القرار بعدا جديدا للتحقيق الجاري مع نتنياهو منذ فترة طويلة.
ونفى نتنياهو ارتكاب أي مخالفات. وقال متحدث باسم أسرته إن رئيس الوزراء الذي يتولى المنصب لفترة رابعة سيقاوم ما وصفها بأنها "ملاحقة" تهدف لإبعاده عن السلطة. ووصف نتنياهو في رسالة مصورة بالفيديو على فيسبوك التطورات التي حدثت باعتبارها "فضيحة الأسبوع المحتومة". وأضاف "أود أن أقول لكم يا مواطني إسرائيل.. إنني لا أصغي إلى الضوضاء التي تجري في الخلفية. أنا مستمر في العمل من أجلكم".
وجاء في وثيقة قضائية إسرائيلية أن القضيتين تتعلقان "بالاشتباه بارتكاب جنايات الرشوة والاحتيال وخيانة الثقة" لكنها لم تحدد من ربما يواجه اتهامات بارتكاب الجرائم. وكان هارو مديرا لمكتب نتنياهو قبل أن يستقيل في 2015 وسط مزاعم بأنه أساء التعامل مع شؤون أعماله الخاصة. وجاء في الوثيقة القضائية أن هارو سيكون شاهد إثبات في القضية لكن يحظر عليه نشر أي تفاصيل عما سيقوله للمحققين أو سيشهد به. بحسب رويترز.
وبموجب اتفاق مع المحكمة وافق هارو على الاعتراف بالاحتيال وخيانة الثقة في قضية منفصلة. وسيحكم عليه بالسجن ستة أشهر وبالخدمة العامة ودفع غرامة 700 ألف شيقل (194 ألف دولار). وحتى إذا أدين نتنياهو في نهاية المطاف فإن القانون لا يلزمه بالاستقالة لكن معارضيه يدعونه لترك المنصب. وعلى مدى 11 عاما في السلطة صمد نتنياهو في وجه العديد من الفضائح وتحقيقات الشرطة. ومعدلات التأييد الشعبي له قوية بوجه عام حيث يتقدم على منافسيه المحتملين.
في السياق ذاته اوردت وسائل الاعلام الاسرائيلية ان الشرطة تقوم باستجواب وزير الداخلية ارييه درعي وزوجته، في اطار تحقيق كبير متعلق بتهم فساد. واكدت الشرطة الاسرائيلية من جهتها، انه يوجد تحقيق يجري حاليا متعلق "بمسؤول عام وزوجته" دون الادلاء بمزيد من التفاصيل. بينما اوردت الاذاعة العامة في تغريدة على موقع تويتر ان الوزير درعي، زعيم حزب شاس لليهود المتشددين، توجه مع زوجته يافا الى مكاتب وحدة الجرائم والفساد في الشرطة. وكان اطلق سراح درعي في العام 2002 بعد 22 شهرا في السجن اثر ادانته بتهم فساد.
وذكرت القناة التلفزيونية الثانية ان الزوجين يتم استجوابهما في غرفتين منفصلتين، وقالت صحيفة هارتس ان الشرطة تستجوب 14 مشتبها بهم اخرين في ذلك المدير العام لوزارة حكومية. واشارت هارتس انه من المتوقع ان يطلب من الزوجين درعي "من بين امور اخرى، شرح كيفية قيامه بتمويل العقارات التي اشتراها في السنوات الاخيرة، مثل منزله في قرية صفصاف" شمال اسرائيل.
واكدت الشرطة في بيان ان التحقيق يجري دون التعريف بهوية المشتبه بهم. وقال البيان "اوقفت الشرطة 14 شخصا من انحاء البلاد بشبهات الضلوع في تجاوزات ضريبية في مجال العقارات"، مشيرة ان التحقيقات بدأت في نيسان/ابريل 2016. وحزب شاس مشارك في الائتلاف الحكومي اليميني بقيادة بنيامين نتانياهو. وكان درعي شغل منصب وزير الداخلية في السابق بين 1988 و1993. وحكم عليه بالسجن في العام 2000 لثلاث سنوات بتهم تلقي رشاوى بقيمة 155 الف دولار والاحتيال. وتم خفض مدة سجنه بسبب "حسن السلوك".
مشروع للحماية
من جانب اخر أعلن مسؤول اسرائيلي ان حزب الليكود اليميني الذي يتزعمه رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو سيقدم مشروع قانون يمنع فتح تحقيق بحق رئيس حكومة طالما كان يتولى منصبه، فيما يخضع نتانياهو حاليا لتحقيقات حول شبهات تورطه بالفساد. ولن يطبق القانون على رئيس الوزراء الحالي بل على خلفه، ما اثار تكهنات لدى المعلقين حول امكانية قيام نتانياهو بتنظيم انتخابات مبكرة، ليتم اعادة انتخابه ويفلت بالتالي من الاتهامات.
ونقلت وسائل الاعلام عن خبراء قانونين ان مشروع القانون الذي اطلق عليه اسم "القانون الفرنسي"، نسبة الى الحماية القانونية التي يتمتع بها رئيس فرنسا، قد يواجه معارضة شديدة من المدعي القضائي للحكومي افيخاي ماندلبليت والاحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي اليميني. وأعرب النائب عن حزب الليكود ديفيد بيتان وهو رئيس الائتلاف في البرلمان، والمقرب من نتانياهو عن ثقته في مشروع القانون.
وقال في حديث للاذاعة العامة "سنقوم بتقديم مشروع القانون هذا وسيتم التصويت عليه قبل نهاية الدورة الحالية للبرلمان" بداية العام المقبل. ومن جهته، قال النائب دودو امساليم الذي قدم مشروع القانون، انه عرضه "دون القيام بمشاورات مسبقة مع رئيس الوزراء". وتابع "هل من الممكن على سبيل المثال تصور ان يخضع دونالد ترامب للتحقيق من اجل قصة متعلقة بالسيجار؟" في اشارة الى تلقي نتانياهو هدايا فاخرة من رجال اعمال اثرياء.
ويخضع نتانياهو للتحقيق في قضيتين منفصلتين، اذ يشتبه في الاولى في انه تلقى هدايا شخصية بشكل غير قانوني من أثرياء بينما يشتبه في الثانية بانه سعى الى عقد صفقة سرية مع ناشر صحيفة يديعوت أحرونوت يرجح انها لم تبصر النور وتقضي بان يحظى رئيس الوزراء بتغطيات ايجابية في الصحيفة مقابل خفضه عمليات صحيفة "اسرائيل اليوم" المنافس الرئيسي ليديعوت.
كما ان زوجته سارة تبلّغت في ايلول/سبتمبر الماضي بامكانية احالتها إلى المحاكمة بتهمة سوء استخدام الاموال العامة. كما ورد اسم محامي نتانياهو الشخصي في تحقيق للشرطة الاسرائيلية حول شراء اسرائيل ثلاث غواصات عسكرية من مجموعة "ثايسن كروب" الالمانية. وأعادت هذه المعلومات إثارة التكهنات حول احتمال استقالة نتانياهو وإجراء انتخابات مبكرة، الامر المعهود في اسرائيل. بحسب فرانس برس.
ويبلغ نتانياهو من العمر 67 عاما، وهو يتولى رئاسة الحكومة بصورة متواصلة منذ 2009 بعد ولاية اولى من 1996 إلى 1999، وقد سبق الاشتباه تكرارا في ضلوعه في قضايا فساد لكن لم يوجه اي اتهام رسمي اليه ابدا. ويؤكد نتانياهو دوما انه ليس متورّطا في ما يخالف القانون، ويتهم وسائل الإعلام واليسار بالتآمر عليه لإسقاطه.
اضف تعليق