لا تزال السلطات التركية بقيادة الرئيس رجب طيب اردوغان تواصل حملتها المستمرة لملاحقة المنتسبين لجماعة فتح الله غولن منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في الخامس عشر من يوليو/تموز من العام الماضي، يضاف الى ذلك تكثيف مساعيها من اجل ابعاد رجل الدين التركي غولن عن الولايات المتحدة الامريكية، وفي إطار هذه المساعي اكدت بعض المصادر وجود تحركات واتصالات تركية غير القانونية، مع شخصيات أمريكية مؤثرة من اجل تشويه صورة غولن والعمل على أبعادة مقبل صفقات مالية كبيرة يجري التحقيق في صحتها. وفيما يخص اخر تطورات هذا الملف فقد لمح الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى أن حكومته قد تفرج عن قس أمريكي محتجز إذا سلمت الولايات المتحدة رجل الدين فتح الله كولن الذي يعيش في بنسلفانيا وتتهمه أنقرة بالمسؤولية عن محاولة انقلاب عسكري العام الماضي.
وتسعى تركيا لكي تسلم واشنطن كولن وهو حليف سابق لإردوغان يُلقى على أنصاره مسؤولية محاولة الإطاحة بحكومة الرئيس التركي في يوليو تموز 2016. وينفي كولن أي دور له في محاولة الانقلاب التي قتل فيها 250 شخصا. واعتقل آلاف الأشخاص في حملة أعقبت محاولة الانقلاب بينهم المبشر المسيحي الأمريكي أندرو برونسون الذي كان يدير كنيسة صغيرة في إزمير على الساحل الغربي لتركيا.
وبرونسون محتجز منذ أكتوبر تشرين الأول الماضي. وتقول وسائل إعلام تركية إن التهم ضده تتضمن الانتماء لشبكة كولن، التي تعتبرها أنقرة منظمة إرهابية. وتقول الولايات المتحدة إن برونسون سجن دون وجه حق ودعت لإطلاق سراحه. وقال إردوغان: يقولون أعيدوا القس لنا. لديكم رجل دين أنتم أيضا. سلموه (كولن) لنا. ومن ثم سنحاكمه (برونسون) وسنعيده لكم. وأضاف أن القس ”لدينا يخضع للمحاكمة. رجل الدين لديكم لا يخضع (لمحاكمة). إنه يعيش في بنسلفانيا. وبوسعكم أن تسلموه بسهولة وعلى الفور“. ومنح مرسوم صدر في أغسطس آب إردوغان سلطة الموافقة على مبادلة أجانب محتجزين أو مدانين في تركيا بأتراك محتجزين في دول أخرى ”في حالات يفرضها الأمن القومي أو المصالح القومية“.
التفاوض لترحيل غولن
الى جانب ذلك أفادت وسائل إعلام أمريكية أن السلطات الأمريكية فتحت تحقيقا لمعرفة ما إذا كان مستشار الأمن القومي السابق للرئيس الأمريكي، مايكل فلين، قد ناقش صفقة لترحيل الداعية فتح الله غولن إلى تركيا مقابل الحصول على ملايين الدولارات. ويحقق المدعي الخاص روبرت مولر في اجتماع أجراه فلين مع مسؤولين أتراك كبار بعد أسابيع من فوز دونالد ترامب في السباق الرئاسي في 2016، بحسب ما أفادت تقارير لشبكة "إن بي سي" الإخبارية وصحيفة "وول ستريت جورنال".
وتشير معلومات التقارير الإعلامية الأمريكية إلى أن المجتمعين تناولوا تسديدا سريا لمبلغ 15 مليون دولار إذا قام فلين، بعد توليه منصبه، بترتيب عملية ترحيل غولن، الخصم اللدود للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ومساعدة رجل الأعمال التركي الإيراني رضا زراب المرتبط بأردوغان على الخروج من السجن. وأوردت شبكة "إن بي سي" وصحيفة "وول ستريت جورنال" معلومات نقلتاها عن عدد من الأشخاص المطلعين على التحقيق الذي يجريه مولر، الذي يتولى كذلك التحقيق في تواطؤ محتمل بين الفريق الانتخابي لدونالد ترامب وروسيا في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في العام 2016.
وبحسب المصادر، فقد استجوب مولر مؤخرا شهودا على الاجتماع الذي أجري في كانون الأول/ديسمبر 2016 بين مسؤولين أتراك وفلين في حانة "21 كلوب" الفخمة في نيويورك. وأوردت الصحيفة الأمريكية أنه "كان سيتم بموجب العرض المفترض، دفع مبلغ 15 مليون دولار إلى فلين ونجله مايكل فلين الابن لقاء تسليم فتح الله غولن إلى الحكومة التركية، بحسب أشخاص مطلعين على المحادثات التي أجراها فلين مع ممثلي الجانب التركي".
وقالت الصحيفة إنه لم يتضح إلى أي مدى كان الاقتراح ساريا، كما أوردت أنه ليس هنالك أي إشارة إلى دفع أي مبلغ. وتطرق النقاش إلى تفاصيل حول كيفية نقل غولن، الداعية الإسلامي المقيم في بنسلفانيا والذي لديه أتباع أتراك كثر، سرا بواسطة طائرة خاصة إلى سجن جزيرة إمرالي التركية. وأوردت "إن بي سي" أن المسؤولين الأتراك طلبوا من فلين ترتيب خروج زراب، الذي أوقف في ميامي في آذار/مارس 2016 بتهم مساعدة إيران على الالتفاف على العقوبات الأمريكية. وزراب موقوف منذ أكثر من عام، وهو يواجه عقوبة بالحبس تصل إلى 30 عاما إذا ما أدين بتهم خرق العقوبات وتبييض الأموال. بحسب فرانس برس.
ويحقق مولر الذي يتمتع بصلاحيات واسعة، في أنشطة فلين بصفته كبير مستشاري الأمن القومي لترامب. وتشمل تلك الأنشطة التواصل مرارا مع السفير الروسي في واشنطن حينها سيرغي كيسلياك، وموافقته المفترضة على تلقي مبالغ مالية قبل الانتخاب وبعده من أجل الضغط لمصلحة تركيا. وفلين جنرال متقاعد تولى سابقا رئاسة الاستخبارات العسكرية الأمريكية، وأصبح مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي بعد تولي ترامب مهام الرئاسة في 20 كانون الثاني/يناير 2017. واضطر فلين للاستقالة بعدها بثلاثة أسابيع على خلفية تواصله مع مسؤولين روس. ونفى فلين قيامه بأي عمل خاطئ. ولم يشأ محاميه الجمعة الإدلاء بأي تعليق.
تشويه سمعة غولن
في السياق ذاته عرض مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية السابق جيمس وولسي عندما كان مستشارا لحملة دونالد ترامب الانتخابية عقدا قيمته عشرة ملايين دولار على رجلي أعمال تركيين للمساعدة في تشويه سمعة رجل الدين التركي فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة. وقال ثلاثة أشخاص مطلعين على الأمر إن وولسي اجتمع بعد ثمانية أيام من انضمامه لحملة ترامب كمستشار لقضايا الأمن القومي وتحديدا يوم 20 سبتمبر أيلول 2016 مع رجلي الأعمال إيكيم ألبتكين وسيزجين باران كوركماز على الغداء في فندق بنينسولا في نيويورك.
واقترح وولسي وزوجته نانسي ميلر حملة ضغط وعلاقات عامة تستهدف كولن الذي يتهمه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بتدبير محاولة انقلاب عسكري في يوليو تموز العام الماضي ويطالب بتسليمه إلى تركيا لمحاكمته. وينفى كولن أي دور له في محاولة الانقلاب. وفي مذكرة بالبريد الإلكتروني، وضع وولسي وزوجته تفاصيل خطة ”للفت الانتباه إلى الداعية ودوره المحتمل في محاولة الانقلاب“ والتشجيع على فتح تحقيق رسمي في أنشطته.
وكان ألبتكين، وهو حليف لإردوغان، قد وافق بالفعل عبر إحدى شركاته على عقد قيمته 600 ألف دولار مع شركة مايكل فلين الاستشارية للتحري عن كولن. وكان فلين أيضا مستشارا لحملة ترامب وشغل لاحقا منصب مستشار الأمن القومي في إدارته قبل إقالته في فبراير شباط. ولم يرد البيت الأبيض على طلب للتعليق. وقال وولسي في لقاءات مع وسائل الإعلام إن فلين وآخرين تحدثوا مع وزيري الخارجية والطاقة التركيين خلال اجتماع في نيويورك في 19 سبتمبر أيلول 2016 عن فكرة السعي لإخراج كولن من الولايات المتحدة بحيث يعود إلى تركيا.
ونفى فلين عبر متحدث باسمه أنه ناقش مثل هذا الأمر. كما نفى ألبتكين كذلك وقال إن ما ذكره وولسي ”مثير للدهشة تماما“. وقال في تصريحات ”روايته محض خيال“. واقترح وولسي أولا مشروعا بقيمة عشرة ملايين دولار على رجل الأعمال كوركماز خلال اجتماع في كاليفورنيا في أغسطس آب 2016. وورد الاقتراح في رسالة بالبريد الإلكتروني من ميلر إلى وولسي في 18 أغسطس آب وهي رسالة طبعها وولسي وعرضها على كوركماز الذي أرسلها بدوره إلى ألبتكين.
ووجه كوركماز الدعوة إلى وولسي، الذي كان على سابق معرفة به منذ سنوات، لحضور الاجتماع وذلك وفقا لما ذكره اثنان مطلعان على الأمر. وقال كوركماز إنه يبحث عن شخص يمكنه التعامل مع مشروع للعلاقات العامة متصل بكولن. ولا تربط علاقات عمل كوركماز وألبتكين لكنهما كانا على معرفة سابقة من خلال مجموعة تجارية أمريكية تركية وفقا لاثنين على علم بالصلة بينهما. وأحجمت أنيل ليليك المتحدثة باسم شركة كوركماز عن التعليق. بحسب رويترز.
وجاء في المذكرة أن اقتراح وولسي وميلر اشتمل على الاستعانة بمسؤولين من واشنطن مثل جيف سيشنز عضو مجلس الشيوخ آنذاك، والذي يتولى حاليا منصب وزير العدل، في كتابة مقالات عن الوضع في تركيا والتواصل مع مشرعين نافذين مثل السناتور الجمهوري بوب كوركر والعمل على إظهار وولسي على شبكات فوكس نيوز وسي.إن.إن. وقالت المذكرة ”تكلفة هذا التواصل ستكون عشرة ملايين دولار“. ورأس وولسي السي.آي.إيه لعامين في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون وانضم لحملة ترامب في سبتمبر أيلول. وظل بفريق ترامب الانتقالي بعد فوزه بانتخابات الرئاسة في نوفمبر تشرين الثاني لكنه استقال في يناير كانون الثاني.
غولن والولايات المتحدة
من جهة اخرى اعلن الداعية التركي فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة والذي تتهمه أنقرة بأنه العقل المدبر للانقلاب الفاشل في 15 تموز/يوليو 2016 انه لا يؤمن بتسليمه الى تركيا وذلك في حديث لقناة فرانس 24. وقال غولن "لا اؤمن بهذا التهديد لانه مهما كان الرأي الشخصي (للرئيس الاميركي دونالد ترامب) لا اعتقد انه سيجازف بتشويه سمعة الولايات المتحدة في العالم والانصياع لمطالب الرئيس التركي غير المنطقية. بالتالي لست قلقا لهذا الاحتمال".
وتابع ان "أردوغان يحاول استخدام الانقلاب الفاشل لاضطهاد حركتي أكثر"، ودعا الى تشكيل لجنة تحقيق دولية تضم أعضاء في حلف شمال الاطلسي والمحكمة الجنائية الدولية والبرلمان الاوروبي". وقال غولن انه "يجب السماح لهم بفتح تحقيق، واذا عثروا على أي علاقة ولو بسيطة بي (وبمحاولة الانقلاب) سأقوم شخصيا بشراء تذكرة سفر لمغادرة هذا البلد".
من جانب اخر قال الداعية التركي فتح الله غولن إنه التقى برجل له صلة بالانقلاب على الرئيس رجب طيب أردوغان، ولكنه نفى أي تورط في العملية ذاتها. وكرر دعوته لتشكيل لجنة تحقيق دولية تضم أعضاء في البرلمان الأوروبي والمحكمة الجنائية الدولية والحلف الأطلسي. وقال: "لا أعرف منهم هؤلاء القادة وما هي رتبهم" العسكرية، وأضاف: "لا أشعر بأي قلق إزاء هكذا احتمال" (أي الترحيل إلى تركيا كما تطالب به أنقرة). كما قال إنه لم يكن "أبدا قريبا من" الرئيس التركي "ولا مناصرا له"، مشيرا إلى أن أردوغان "يسعى لتعزيز قوته من خلال اتهامنا بتدبير الانقلاب وملاحقتنا".
تهديدات مستمرة
في السياق ذاته حذرت منظمات حقوقية الخميس من أن نحو 300 تركي مهددين بالترحيل القسري من باكستان، داعين اسلام اباد الى حمايتهم. ويأتي هذا التحذير بعد قرابة اسبوعين على قيام اسلام اباد بترحيل المدرس التركي كاتشماز مسعود وزوجته وابنتيه، رغم حكم محكمة محلية بعدم جواز ذلك. واوقف رجال امن الاسرة في ايلول/سبتمبر الفائت وعصبوا اعينهم قبل اقتيادهم الى مكان مجهول ومن ثم ترحيلهم الى تركيا.
وحذرت الفدرالية الدولية لحقوق الانسان في بيان ان 285 تركيا في باكستان مهددين بالمصير ذاته داعية اسلام اباد الى حمايتهم من "الترحيل القسري والاعتقال التعسفي". وقال رئيس المنظمة ديمتريس كريستولوس في البيان إن "ترحيل الحكومة الباكستانية للاسرة التركية اطلق جرس انذار". وكان مسعود يشغل منصب المدير السابق لمدارس وكليات "باكتورك"، وهي مدارس خاصة مشهورة في باكستان يزعم انها تلقى دعما من الداعية التركي فتح الله غولن. وتتهم انقرة غولن بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة في صيف 2016، وهو ما ينفيه غولن بقوة.
وبالإضافة الى كاتشماز، يواجه 285 تركيا من المدرسين على صلة بمدارس "باكتورك" وأسرهم خطر الترحيل القسري منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2016. وأشارت الفدرالية إلى أنهم "يعيشون في خوف من مداهمات الشرطة الباكستانية واجهزة الاستخبارات". وقال مهدي حسن رئيس لجنة حقوق الانسان الباكستانية إن "باكستان خرقت تعهداتها الدولية ببساطة لارضاء الحكومة التركية. ينبغي على الحكومة الباكستانية تغيير سياستها فيما يتعلق بالـ285 تركي". بحسب فرانس برس.
ويقول حقوقيون ان تركيا نجحت بالفعل في ترحيل عدد من المدرسين المرتبطين بمدارس باكتورك من ماليزيا وبورما والسعودية. وفي تشرين الثاني/نوفمبر الفائت، رحلت باكستان عشرات المدرسين الاتراك المرتبطين بهذه المدارس بعد زيارة للرئيس التركي رجب طيب اردوغان. ما ادى الى تظاهرات محدودة في عدد من المدن الرئيسية.
اضف تعليق