تفاقم التوتر بين بغداد وأربيل بعد إجراء الاستفتاء الخاص بانفصال شمال العراق، حيث زادت بغداد وكما نقلت بعض المصادر، الضغط على حكومة مسعود بارزاني وطالبت بإلغاء الاقتراع على الاستقلال بينما حث البرلمان العراقي الحكومة المركزية على إرسال قوات للسيطرة على حقول النفط الحيوية الواقعة تحت سيطرة القوات الكردية. وفي تكثيف للجهود الرامية لفرض عزلة على المنطقة الخاضعة لسيطرة الاكراد في شمال العراق والتي أيدت الانفصال في استفتاء وأغضب الدول المجاورة طالبت بغداد الحكومات الأجنبية بإغلاق بعثاتها القنصلية في العاصمة الكردية أربيل.
وأظهرت النتائج النهائية للاستفتاء الذي شككت فيه العديد من الطراف ، 93 % ممن أدلوا بأصواتهم وافقوا على الاستقلال بينما رفضه سبعة في المئة منهم. وقالت المفوضية العليا للانتخابات والاستفتاء إن أكثر من 3.3 مليون ناخب يمثلون 72 % من الناخبين أدلوا بأصواتهم. وأثار الاستفتاء مخاوف من اندلاع صراع جديد في المنطقة. وتعارض إيران وتركيا أيضا أي تحرك نحو انفصال الأكراد عن العراق وبدأ جيشاهما مناورات مشتركة قرب حدودهما مع كردستان العراق في الأيام الماضية. وأجرى العراق وتركيا أيضا تدريبات عسكرية مشتركة.
وبدأت شركات الطيران الأجنبية في تعليق رحلاتها إلى المطارين الموجودين في شمال العراق بعد أن قالت سلطة الطيران المدني العراقية إن الرحلات الدولية إلى أربيل والسليمانية علقت في وقت سابق. ورفضت السلطات الكردية طلب بغداد إلغاء الاستفتاء كشرط للحوار وتسليم المطارين الدوليين في الإقليم. وقالت تركيا التي هددت بفرض عقوبات على الأكراد إن حدودها مع شمال العراق لا تزال مفتوحة لكنها يمكن ألا تستمر كذلك. ومع ذلك انخفض عدد الشاحنات المارة عبر الحدود. ومنذ 30 عاما تحارب تركيا التي تضم أكبر عدد من الأكراد تمردا في جنوب شرق البلاد الذي تسكنه أغلبية كردية وتخشى أنقرة من أن يتسبب استفتاء كردستان العراق في إشعال النزعة الانفصالية لديهم.
ويرى الأكراد الذين يديرون إقليما يتمتع بحكم شبه مستقل في العراق أن الاستفتاء يمثل خطوة تاريخية في مسعى استمر أجيالا لإقامة دولة للأكراد. ويقول العراق إن الاقتراع غير دستوري خاصة أنه لم يجر في المنطقة الكردية وحدها بل أجري أيضا في مناطق متنازع عليها تخضع لسيطرة الأكراد في شمال العراق. وعارضت الولايات المتحدة والدول الأوروبية الكبيرة وتركيا وإيران جارتا العراق الاستفتاء بقوة ووصفته بأنه سبب لزعزعة الاستقرار بينما لا تزال الأطراف كلها تحارب تنظيم داعش المتشدد.
وأعلن مسعود برزاني أن الأكراد أيدوا الاستقلال. وأغضبت النتيجة بغداد. وطالب البرلمان العراقي، في جلسة قاطعها النواب الأكراد، رئيس الوزراء حيدر العبادي بإرسال قوات إلى منطقة كركوك النفطية التي يهيمن عليها الأكراد والسيطرة على حقول النفط هناك. وكان مقاتلو البشمركة الأكراد سيطروا على منطقة كركوك متعددة الأعراق في عام 2014. وذكر القرار الصادر من مجلس النواب العراقي أن ”على الحكومة إعادة الحقول الشمالية في كركوك والمناطق المتنازع عليها لإشراف وسيطرة وزارة النفط الاتحادية“. ويعيش عرب وتركمان في المنطقة التي يقول الأكراد إن لهم حقوقا تاريخية فيها.
وأكراد العراق حلفاء مقربون للولايات المتحدة منذ أن وفرت واشنطن الحماية لهم من صدام حسين عام 1991. لكن الولايات المتحدة حثت مرارا الأكراد على تجنب اتخاذ إجراءات أحادية حتى لا تعرض استقرار العراق للخطر أو إثارة غضب تركيا. وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إنها ”تشعر بخيبة أمل شديدة“ من قرار إجراء الاستفتاء. وعبر الاتحاد الأوروبي عن أسفه لعدم استجابة الأكراد لنداءاته لعدم إجراء الاستفتاء.
عائدات نفط الشمال
أثار رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قضية تسلم الحكومة المركزية في بغداد لإيرادات حقول النفط في الشمال قائلا إن الأموال ستستخدم في دفع رواتب الموظفين المدنيين الأكراد. والسعي للسيطرة على إيرادات النفط في إلاقليم شبه المستقل أحد أركان استراتيجية العبادي بعد الاستفتاء الكردي على الاستقلال. وقالت حكومة مسعود في شمال العراق إنها تخطط لاستخدام هذا الاستفتاء، الذي وافق فيه المشاركون بغالبية كاسحة على الاستقلال عن العراق، كتفويض للسعي من أجل انفصال سلمي للإقليم الكردي عبر محادثات مع حكومة العبادي.
وقال العبادي، الذي يرفض إجراء أي محادثات مع الأكراد بشأن الاستقلال، على تويتر ”الحكومة الاتحادية مستعدة للسيطرة على عائدات النفط لدفع رواتب موظفي (إلاقليم) كاملة“. وليس من المتوقع صدور بيان آخر من الحكومة. ومن غير الواضح ما إذا كان لحكومة بغداد القدرة على السيطرة على إيرادات النفط في إقليم كردستان في شمال العراق الذي احتفظ لنفسه على مدى سنوات بالإيرادات ودفع الرواتب. وقال العبادي إن تركيا أبلغت العراق بأنها ستتعامل فقط مع حكومته فيما يتعلق بصادرات النفط الخام. ويجري تصدير النفط الخام الكردي إلى أسواق العالم من خلال خط أنابيب يصل إلى الساحل التركي على البحر المتوسط. وفرضت بغداد حظرا على الرحلات الجوية الدولية إلى الإقليم الكردي يوم الجمعة.
الدفاع عن الاكراد
في السياق ذاته تعهد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي "الدفاع" عن المواطنين الاكراد ضد اي هجوم محتمل على وقع أزمة بين الحكومة المركزية وحكومة اربيل نتجت من الاستفتاء على الاستقلال. وكتب العبادي على تويتر "سندافع عن المواطنين الاكراد كما ندافع عن جميع العراقيين ولن نسمح باي هجوم عليهم". وعن طبيعة "الهجوم" الذي اشار اليه العبادي، قال مستشار له طلب عدم كشف هويته ان المقصود هجوم "خارجي وكذلك داخلي". واضاف رئيس الوزراء مخاطبا المواطنين الاكراد "لن نسمح بالحاق الضرر بكم ونتقاسم خبزنا معا".
وجاءت تصريحات العبادي بعد اجراء تركيا مناورات عسكرية مع الجيش العراقي واعلان ايران انها تعتزم اجراء مناورات مماثلة مع القوات العراقية "على طول الحدود المشتركة". وكان هادي العامري رئيس منظمة بدر حذر من خطر اندلاع "حرب اهلية" بعد الاستفتاء. و قرر العراق وايران استخدام السلاح الاقتصادي للرد على استفتاء اقليم كردستان على الاستقلال بحيث اغلقت بغداد مجالها الجوي امام الرحلات الدولية فيما أعلنت طهران تجميد مبادلاتها النفطية مع الاقليم. بحسب فرانس برس.
من جهة اخرى قال أحمد الصافي ممثل آية الله علي السيستاني المرجع الأعلى لشيعة العراق إن السيستاني يعارض انفصال المنطقة الكردية في شمال العراق في أول تصريحات للزعيم الديني بشأن قرار الأكراد تأييد الانفصال في استفتاء. وكان الصافي يلقي خطبة الجمعة نيابة عن السيستاني في مدينة كربلاء جنوبي بغداد. وقال الصافي إن السيستاني يعتقد أن ”القيام بخطوات منفردة باتجاه التقسيم والانفصال ومحاولة جعل ذلك أمرا واقعا سيؤدي بما يستتبعه من ردود أفعال داخلية وخارجية إلى عواقب غير محمودة تمس بالدرجة الأساس حياة أعزائنا المواطنين الكرد“.
وذكر الصافي أن السيستاني يدعو حكومة إقليم كردستان العراقي ”إلى الرجوع للمسار الدستوري“ في سعيها لتقرير مصير الشعب الكردي. وهذه أول خطبة للسيستاني تتطرق للشأن السياسي منذ بداية عام 2016 في إشارة واضحة على الأهمية التي يوليها للأزمة بين بغداد وحكومة كردستان بعد استفتاء الاستقلال. وتوقف السيستاني عن الإدلاء بتصريحات سياسية مباشرة في فبراير شباط 2016 احتجاجا على الفساد المستشري داخل مؤسسات الحكومة. ومعظم الأكراد مسلمون سنة لكن شمال العراق يسكنه أيضا بعض الشيعة التركمان والعرب.
السلاح الاقتصادي
على صعيد متصل قرر العراق وايران استخدام السلاح الاقتصادي للرد على استفتاء اقليم كردستان على الاستقلال بحيث اغلقت بغداد مجالها الجوي امام الرحلات الدولية فيما أعلنت طهران تجميد مبادلاتها النفطية مع الاقليم. وبعدما صوتت أغلبية ساحقة في الاقليم (نحو 93%) لصالح الاستقلال في استفتاء مثير للجدل، قطعت كل الخطوط الجوية مع كردستان العراق الجمعة بأمر من السلطة المركزية في بغداد التي تطالب اربيل بالغاء التصويت كشرط مسبق لاي حوار.
والاستفتاء الذي واجه انتقادات شديدة في الخارج واجراه رئيس كردستان العراق مسعود بارزاني، يلقى معارضة شديدة من الدول المجاورة تركيا وسوريا وايران التي تضم اقليات كردية وتخشى ان يؤجج النزعة الانفصالية للاكراد في تلك الدول. وفي اطار الرد على الاستفتاء، حظرت ايران حتى اشعار آخر حركة شحن المنتجات النفطية من والى اقليم كردستان كما افادت وسائل الاعلام الرسمية الايرانية.
ونقل موقع التلفزيون الايراني عن مذكرة لوزارة النقل ان جميع شركات الشحن وسائقيها تلقوا أوامر بتجميد شحنات المنتجات النفطية المكررة بين ايران واقليم كردستان المجاور "حتى اشعار آخر"، تحت طائلة مواجهة "العواقب". وحملت مذكرة وزارة النقل التي تلقتها مختلف المنظمات ونقابات النقل تاريخ الاربعاء، بحسب نسخة نشرتها وكالة تسنيم الاخبارية. وقالت المذكرة "استنادا الى التطورات الاقليمية الأخيرة وعملا بأوامر مديرية الحدود في وزارة الداخلية، على شركات النقل الدولي وسائقيها الامتناع عن تحميل ونقل منتجات النفط من وإلى منطقة كردستان في العراق حتى إشعار آخر".
ويعتبر الفيول من الصادرات الايرانية الرئيسية إلى منطقة كردستان التي تتمتع بحكم ذاتي واستوردت 110 ملايين لتر من هذا الوقود من ايران العام الفائت، على ما أفاد التلفزيون الرسمي الايراني نقلا عن أرقام شركة النفط الوطنية. ويبلغ حجم التبادل في هذا المجال خمسة مليارات دولار سنويا بحسب التلفزيون الرسمي. من جهته يعتبر اقليم كردستان منتجا ومصدرا للنفط، ويعتمد عليه بشكل اساسي في موازنته.
وبين الدول المجاورة، تعتبر تركيا الاكثر قدرة على خنق كردستان اقتصاديا عبر النفط الامر الذي هدد به الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في الاونة الاخيرة وكرره السبت. وأكد اردوغان ان اقليم كردستان العراق "سيدفع ثمن" هذا الاستفتاء "غير المقبول" لكن بدون اعطاء توضيحات. وتحدث عن دور لاجهزة الاستخبارات الاسرائيلية "الموساد" في استفتاء كردستان العراق. ويتم تصدير بين 550 الف و600 الف برميل يوميا من نفط الاقليم عبر ميناء جيهان التركي (جنوب).
لكن لايران دورا ايضا بحيث ان الاكراد بحاجة اليها للتمكن من تصدير الفيول، والا فان "مصافيها لن تتمكن من مواصلة العمل" كما تقول ربى الحصري الخبيرة في النفط العراقي. وتضيف "في الحالة المعاكسة، على الاكراد ان يستوردوا الديزل لان مصافيهم لا تنتجه بشكل كاف". وعبر اريز عبد الله رئيس كتلة الاتحاد الوطني الكردستاني (بزعامة جلال طالباني) في البرلمان الكردي عن استغرابه "ردود الفعل العنيفة من جانب بغداد والدول المجاورة" وخصوصا ان الاستفتاء لم تتبعه اجراءات من جانب اربيل. وقال "كل اجراءات (الرد) التي اتخذت بعد 25 ايلول/سبتمبر مثل اغلاق مطارات او تجميد صادرات سيدفع ثمنها المواطنون". بحسب فرانس برس.
وقال الجنرال مسعود جزايري المتحدث باسم الجيش الايراني في مؤتمر صحافي "ستجري القوات المسلحة الايرانية في الايام المقبلة مناورات عسكرية مع وحدات تابعة للجيش العراقي على طول الحدود المشتركة". واضاف "تم التأكيد خلال الاجتماع على وحدة العراق وسلامة اراضيه وعدم شرعية الاستفتاء على الاستقلال في شمال العراق، كما تم اتخاذ القرارات اللازمة لضمان الامن على الحدود والترحيب بتمركز قوات الحكومة المركزية العراقية عند المعابر الحدودية". وسط هذه الاجواء، سارع العديد من الاجانب الى مغادرة كردستان قبل تعليق حظر الرحلات الدولية الى اجل غير مسمى. وهذا الحظر لا يشمل الرحلات الانسانية والعسكرية والدبلوماسية لكن منظمات غير حكومية اعلنت انها بدأت تواجه اولى تداعيات الازمة في اطار انساني يصبح اكثر صعوبة.
دعوة ماكرون
الى جانب ذلك قال مصدر في مكتب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قبل دعوة من ماكرون لزيارة باريس في الخامس من أكتوبر تشرين الأول لإجراء محادثات بشأن استفتاء إقليم كردستان على الاستقلال. وعرض ماكرون في وقت سابق المساعدة في تهدئة التوتر بين بغداد وحكومة كردستان بسبب الاستفتاء الذي أجري وحث على ضرورة تجنب أي تصعيد.
وأغلقت بغداد المجال الجوي لكردستان أمام الرحلات الدولية وتعهدت بالسيطرة على المنافذ الحدودية للإقليم. وفي بيان عقب اتصال هاتفي مع العبادي قال مكتب ماكرون إنه دعا العبادي إلى زيارة باريس وحث الجانبين على البقاء متحدين في أولويتهما المتمثلة في هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية وإرساء الاستقرار في العراق. وقال ماكرون في البيان ”ينبغي تجنب أي تصعيد“. واضاف البيان ”ذكر ... الرئيس بأهمية الحفاظ على وحدة وسلامة أراضي العراق مع الاعتراف بحقوق الشعب الكردي... يجب أن يبقى العراقيون متحدون في ظل أن الأولوية لقتال تنظيم الدولة الإسلامية واستقرار العراق“. بحسب رويترز.
من جانب اخر قال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إن دعوة وجهها إليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لزيارة فرنسا لا تتعلق بأزمة استفتاء إقليم كردستان العراق. وكان وزيرا الخارجية والدفاع الفرنسيان قد سلما العبادي الدعوة في 26 أغسطس آب خلال زيارتهما بغداد. وقال مكتب العبادي في بيان إن الدعوة ”لا علاقة لها بأزمة الاستفتاء غير الدستوري، حيث أن هدف الزيارة هو لتقوية العلاقات الثنائية ولتركيز الجهود لمحاربة الإرهاب في المنطقة“. وذكر مصدر في مكتب ماكرون أن العبادي قبل دعوة ماكرون بزيارة باريس في الخامس من أكتوبر تشرين الأول لتناول مسألة استفتاء الأكراد. وجاء في بيان العبادي ”لم يتم التطرق في المكالمة الأخيرة لرئيس الوزراء مع الرئيس الفرنسي مطلقا إلى ضرورة الاعتراف بحقوق الشعب الكردي“.
اضف تعليق