لا يزال مستوى التوتر بين ايران وادارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب في تصاعد مستمر، ما يهدد بانفجار الاوضاع بين الطرفين والوصول الى نقطة اللاعودة او اشتعال حرب جديدة في الشرق الاوسط قد تكون عن طريق الوكلاء او بشكل مباشر، وكما يقال فان "اول الحرب سجال".
عراب فكرة الغاء الاتفاق النووي الايراني هو رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي استطاع تجنيد الكثير من ادارة ترامب الراغبة اصلا في تمزيق هذا الاتفاق منذ مدة، لكن تعدد الاطراف الدولية يجعل الاثار المترتبة على الغاء الصفقة النووية الايرانية كبيرة وخطيرة على مستوى الشرق الاوسط والعالم، وقد شهد الموقف الاوربي تذبذبا وعدم التوافق مع الجانب الامريكي، حيث تجمع الاراء الاوربية على مستوى المسؤولين والاسرائيلية على مستوى الخبراء بان الاتفاق غير متوازن لكن الغائه يمثل تهديدا كبيرا.
الاحتفالات الايرانية باسبوع الدفاع المقدس التي تصادف هذه الايام شهدت إطلاق صاروخ "خرمشهر" البالستي والذي يبلغ مداه 2000 كم، ويستطيع حمل رؤوس حربية متعددة، والذي عده قائد القوة الجوفضائية لحرس الثورة الإيرانية العميد أمير علي حاجي زادة، انجازا جديدا، حيث قامت وزارة الدفاع بصناعته لصالح الحرس الثوري، في تحد لتحذيرات الولايات المتحدة من أن تطوير الأسلحة الباليستية قد يدفعها للانسحاب من الاتفاق النووي.
وعلى اثر هذه التجربة الصاروخية رد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بقوله: "إن التجربة الصاروخية الجديدة التي أجرتها إيران تزيد من الشكوك في جدوى الاتفاق النووي الذي أبرمته الدول العظمى معها في "2015. وكتب ترامب تغريدة على تويتر "إيران اختبرت لتوها صاروخا باليستيا قادرا على بلوغ إسرائيل. إنهم يعملون أيضا مع كوريا الشمالية. فعليا ليس هناك اتفاق".
وبعد هذا التوتر الكبير بين الطرفين لا يمكن توقع صمود الاتفاق النووي الموقع بين ايران والدول العظمي، فترامب يعتبره غير موجود اصلا، كما انه قال الاربعاء الماضي انه اتخذ قرارا مهما بشان الاتفاق النووي لكنه ليس جاهزا للكشف عنه، ومن المقرر أن يبلغ ترامب الكونغرس في 15 تشرين الأول/ أكتوبر المقبل إذا كان يعتبر أن طهران تفي بالتزاماتها في إطار الاتفاق النووي. وفي حال اعتبر أنها لا تلتزم، فسيفتح ذلك المجال أمام عقوبات أمريكية جديدة بحق الجمهورية الإسلامية وقد ينتهي الأمر إلى انهيار الاتفاق.
نافذة حوار ساخنة
ورغم الاجواء المتورترة التي تحيط بالاتفاق النووي نتيجتها رفض الادارة الامريكية الدائم لهذا الاتفاق، الا ان نافذة الحوار لا تزال مفتوحة مع وجود دول اوربية ترى في انهياره تضيعا للجهود الدولية في كبح جماح طهران كما انه سوف يضع مصداقة الاتحاد الاوربي على المحك، فقد اقدم الاتحاد الأوروبي، على عقد اجتماع جمع الدول المعنية بالاتفاق اتاح اللقاء بين وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون بنظيره الإيراني محمد جواد ظريف للمرة الأولى على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك. الاجتماع خيمت عليه التصريحات النارية للرئيس دونالد ترامب، التي اعتبر فيها الاتفاق "إحدى أسوأ الصفقات في تاريخ الولايات المتحدة".
وقد أعربت المانيا وعواصم أوروبية أخرى عن قلقها البالغ إزاء التبعات السلبية المحتملة لأي انسحاب أمريكي من الاتفاق مع إيران، في وقت يسعى فيه المجتمع الدولي لإعادة كوريا الشمالية إلى طاولة الحوار لحملها على العدول عن برنامجها الصاروخي والنووي. وبهذا الصدد قال الخبير الاوربي ماكس هوفمان في تصريح لوسائل اعلام اوربية أنه "حينما يُشغِل دونالد ترامب نفسه بموضوعات السياسة الخارجية ككوريا الشمالية وإيران، فإن الرعب ينتاب شركاءه خصوصا الأوروبيين منهم".
اما وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، التي تترأس لجنة متابعة الاتفاق مع إيران أكدت بلغة دبلوماسية أن المشاركين في اجتماع نيويورك "اتفقوا على القول بأن كل الأطراف تحترم نص (الاتفاق) حتى الآن". وعبارة "حتى الآن" توحي بأن الوضع قد يتغير في أي لحظة، ما سيفتح الأبواب على المجهول.
وذكرت موغيريني الإدارة الأمريكية بأن "الاتفاق يسير جيدا... لدينا أصلا أزمة نووية ولا نريد الدخول في أزمة ثانية". إن أي انسحاب لترامب من الاتفاق النووي سيدفع الإدارة الأمريكية لفرض عقوبات على طهران، وهو ما ستمتنع عنه أوروبا بلا شك، ما سيزيد من تأزيم العلاقات الأطلسية المتوترة أصلا.
وأكد الدكتور مصطفى اللباد، خبير الشؤون الإيرانية ومدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية بالقاهرة، في تصريح لقناة DW أن "هناك نقطة التقاء بين الموقفين الأمريكي والأوروبي ويتمثل في منع إيران من امتلاك السلاح النووي". إلا أنه استطرد موضحا أن "تشكيك ترامب في الاتفاق مع إيران سيفتح الباب أمام التشكيك في مصداقية كل الاتفاقيات التي كان الاتحاد الأوروبي طرفا فيها. ثم إن الأمر يتعلق باتفاق متعدد الأطراف وليس اتفاقا ثنائيا بين إيران والولايات المتحدة".
وضع صعب للغاية
وعقب لقائه مع وزراء خارجية كل من الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، أكد وزير الخارجية الألماني زيغمار غابرييل الثلاثاء 20 سبتمبر/أيلول على الرغم من عدم وجود أي دلائل بعدم وفاء إيران بالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي المبرم معها من قبل الأسرة الدولة، ومع ذلك يقول غابرييل "علينا أن نكون بالغي القلق من أن يتم تدمير الاتفاق لأن الوضع الحالي هو أن الولايات المتحدة لا تعتبر الاتفاق كافيا".
وحسب غابريل فإن الأمريكيين منزعجون في حقيقة الأمر من الدور الإيراني في نزاعات مثل النزاع في اليمن ولبنان. وقال غابريل إنه كان هناك خلال اللقاء "رسالة واضحة" من الولايات المتحدة بأنها "ليست مستعدة للاستمرار في هذا الاتفاق". غير أن وزير الخارجية الألماني أكد أن هناك نية لبذل كل الجهود الممكنة خلال الأسابيع المقبلة لإنقاذ الاتفاق.
وحذر غابريل الولايات المتحدة في وقت سابق، الاربعاء الماضي، في نيويورك من إنهاء الاتفاق النووي مع إيران قائلا إن "تدمير الاتفاق النووي مع إيران سيكون انتكاسة كبيرة". وحسب غابريل فإن فسخ هذا الاتفاق "خطر كبير على السلام والاستقرار في المنطقة". وتحدث غابريل عما سماه "وضعا صعبا للغاية"، وقال: "أعتقد أن هذا الوضع يمكن أن يدفع بنا لصراعات ومخاطر كبيرة على الصعيد الدولي".
تذبذب المواقف الدولية
اما موقف فرنسا فقد كان متقلبا بعض الشيء، إذ قال الرئيس ايمانويل ماكرون في كلمته باجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن عدم احترام الاتفاق النووي مع إيران، سيكون دليلا على "انعدام المسؤولية"، في سياق رده على تصريحات الرئيس الامريكي المتكررة بشان الغاء الاتفاق النووي. وتابع قائلا: "أبلغت أمريكا وإيران أن عدم احترام الاتفاق النووي قد يؤدي إلى حريق في المنطقة".
ولكن الرئيس الفرنسي عاد وقال إنه ينبغي العمل بصورة جماعية للتصدي لبرنامج "إيران للصواريخ الباليستية"، واوضح ان "فرنسا تتمسك بالاتفاق النووي مع إيران، والذي يعد متينا، وقابلا للتحقق"، متابعا "رفض الاتفاق النووي دون إعطاء بدائل، هو خطأ كبير، ودليلا على انعدام المسؤولية". وأضاف ماكرون أن "المفاوضات تظل هي الحل الأساسي لكل الأزمات"، لافتا "أنا أريد أن أتمم هذا الاتفاق من خلال عمل يسمح بتقنين العمل الباليستي لإيران".
واكد ماكرون ان الاتفاق النووي الذي ابرمته الدول الكبرى مع ايران حول برنامجها النووي في 2015 لم يعد كافيا نظرا الى "التطورات الاقليمية" و"الضغوط المتزايدة التي تمارسها ايران في المنطقة". وقال خلال مؤتمر صحفي قال "نحن بحاجة الى اتفاق 2015، هل هو كاف كلا، نظرا الى التطورات الاقليمية والضغوط المتزايدة التي تمارسها ايران في المنطقة"، مشيرا ايضا الى "النشاط الايراني المتزايد على الصعيد البالستي" والحاجة الى "طمأنة دول المنطقة والولايات المتحدة".
تحذيرات اسرائيلية
وفي اسرائيل التي يقود رئيس وزرائها بنيامين نتياهو حملة تسقيط الاتفاق النووي؛ حذرت أوساط أمنية وإعلامية في تل أبيب من تداعيات توجه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى إلغاء الاتفاق النووي أو تعديله، تحت تأثير الضغط الذي يمارسه عليه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو. واعتبرت هذه الأوساط أن التوجه الأميركي- الإسرائيلي "غير واقعي، وسيخدم في النهاية التطلعات النووية" لطهران.
وقال الرئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان"، عاموس يادلين، إن المؤسسات الأمنية في كل من الولايات المتحدة وإسرائيل لا تفضلان إلغاء أو تعديل الاتفاق النووي، خشية أن يفضي هذا التطور إلى إعفاء إيران من الالتزامات التي تعهدت بها في الاتفاق، والتي أفضت إلى الإضرار بشكل كبير بالمشروع النووي الإيراني، بحسب موقع العربي الجديد.
وفي سلسلة تغريدات نشرها على حسابه على تويتر، يوم السبت، 23 ايلول سبتمبر وصف يادلين، الذي يرأس حاليا "مركز أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي، الحديث عن لإلغاء أو تعديل الاتفاق النووي بـ"الفانتازيا" غير الواقعية، على اعتبار أن هذا الاتفاق لم يوقع بين إيران والولايات المتحدة فقط، بل مع خمس من القوى العظمى في العالم. وشدد على أن خروج الولايات المتحدة من الاتفاق لا يلزم القوى العظمى الأخرى التي ستواصل الالتزام بالاتفاق، وستمضي قدما في توسيع تعاونها مع طهران.
واشار يادلين إلى أن خروج واشنطن من الاتفاق النووي يمكن أن يكون مفيدا فقط في حال كان ضمن إستراتيجية واضحة تهدف إلى قطع الطريق على طهران ومنعها من تطوير برنامجها النووي مستقبلا، بعد انقضاء مدة العمل بالاتفاق، وطالب القيادة الإسرائيلية بأن تعكف على إجراء حوار شامل مع الإدارة الأميركية لدراسة سبل محاصرة التطلعات النووية الإيرانية مستقبلا، محذرا من أن استغراق نتنياهو في إلقاء الخطب حول خطورة البرنامج النووي الإيراني لن تجدي نفعا.
انعزالية امريكا
من ناحيته، يرى معلق الشؤون العسكرية في قناة التلفزة الإسرائيلية العاشرة، ألون بن دافيد، أن إقرار المؤسسات الدولية والقوى العظمى المشاركة في الاتفاق، بوفاء إيران بالتزاماتها، يجعل من المستحيل أن تنجح الولايات المتحدة في تجنيد دعم دولي لإلغائه أو تعديله.
وفي تحليل نشرته صحيفة "معاريف"، يوم 22 ايلول سبتمبر، أشار بن دافيد إلى أن الإيرانيين حريصون على عدم تخصيب اليورانيوم بالكميات والتركيز الذي يتجاوز ما هو مسموح لهم في الاتفاق، محذرا من أنه في حال قامت الولايات المتحدة بفرض عقوبات جديدة على إيران فإن هذا يمكن أن يدفع طهران لاستئناف تطوير برنامجها النووي.
وأضاف بن دافيد: "في حال اكتشف الإيرانيون أن التزامهم بالاتفاق لن يضمن تحسين ظروفهم الاقتصادية فسينطلقون نحو تطوير القنبلة النووية"، محذرا من أن إسرائيل ستكتشف حينها أنها وحيدة في مواجهة إيران النووية.
وجزم بأن نتنياهو لن يكون بوسعه الشروع في مواجهة عسكرية ضد إيران في حال تمكنت بالفعل من التحول إلى قوة نووية. ولفت الأنظار إلى أن سلاح الجو الإسرائيلي يمكنه أن "يبيد المنشآت النووية الإيرانية، لكن ليس بوسعه حرمان الإيرانيين من التقنيات والقدرات العلمية التي طوروها في المجال النووي، والتي ستمكنهم من إعادة بناء ما تم تدميره في غضون عامين، والانطلاق نحو تطوير القنبلة النووية".
وحذر من أن أي هجوم إسرائيلي يستهدف المنشآت النووية الإيرانية سيمنح طهران فقط المسوغات لتطوير برنامجها النووي وإنتاج القنابل النووية، مشددا على أن الخيار الوحيد المتاح أمام إسرائيل هو العمل على إقناع الولايات المتحدة والقوى العظمى المشاركة في التوقيع على الاتفاق بتشديد الرقابة على المنشآت النووية الإيرانية، وتجنيد واشنطن للعمل على إبعاد الإيرانيين عن الحدود الشمالية لإسرائيل.
اضف تعليق