الأزمة الخليجية بين قطر والسعودية والإمارات والبحرين ومصر في تصاعد متسمر، كما يرى بعض المراقبين الذين أكدوا على ان الرياض، تسعى اليوم الى تشديد مواقفها من اجل اجبار قطر على الرضوخ لمطالبها وقراراتها، خصوصا وأنها قد اكدت الرياض في وقت سابق انها ستواصل ممارسة الضغوط على الدوحة حتى تستجيب الى مطالبها، حيث قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير "لا زلنا في (مسار) اتخاذ الاجراءات في هذا الشأن، وسنستمر على موقفنا الى حين تستجيب قطر لإرادة المجتمع الدولي في الكف عن دعم الارهاب والتطرف وتمويله". واضاف "عليها (قطر) ان تستجيب لهذه الطلبات لنفتح صفحة جديدة".
وفي الخامس من حزيران/يونيو، أعلنت المملكة السعودية والبحرين ودولة الامارات العربية المتحدة ومصر قطع العلاقات مع قطر وفرض عقوبات اقتصادية عليها، واتهمتها بدعم الارهاب. وتنفي قطر هذا الاتهام وتقول ان الدول الأربع تحاول التعدي على سيادتها. من جانب اخر يرى بعض المراقبين ان السعودية ربما تسعى ايضا اتباع سياسة جديدة ضد قطر، تتمثل بخلق جهات معارضة داخل هذا البلد من خلال دعم واحتضان بعض الامراء والشخصيات المعارضة في الاسرة الحاكمة، وهو ما قد يكون مقدمة لتغير النظام في قطر، التي قامت بتحركات مضادة وبناء تحالفات جديدة.
وفي هذا الشأن تستهدف الدول العربية المناوئة لقطر نقطة ضغط جديدة في خلافها مع الدوحة تتمثل في الأسرة الحاكمة وذلك بالسماح لوسائل الإعلام الرسمية بتصوير اثنين من الأمراء القطريين غير المعروفين يعيشان في الخارج على أنهما من رجال السياسة البارزين. واعتبر كثيرون الدعاية التي أحاطت بهما طعنا في هيبة القيادة القطرية الحالية. فقد أشادت وسائل الإعلام في السعودية والإمارات العربية المتحدة بالرجلين وبراعتهما في صنع القرار وقدرتهما على تسوية الخلاف.
ورغم إصرار السعودية والإمارات على أنهما لا تسعيان لتغيير النظام يبدو أن الدعاية تهدف إلى زيادة الضغط على الدوحة التي تتهمها الدولتان بالتدخل في شؤونهما الداخلية. وكانت السعودية والإمارات والبحرين ومصر قطعت علاقاتها السياسية والتجارية مع قطر في الخامس من يونيو حزيران واتهمتها بدعم الإرهاب والتقارب مع إيران. ونفت الدوحة تلك الاتهامات.
والرجلان المنتسبان لفرع من أسرة آل ثاني الحاكمة هما الشيخ عبد الله بن علي المقيم في لندن والذي يعيش الآن في الرياض وابن شقيقه الأصغر الشيخ سلطان بن سحيم. ويظهر الرجلان كثيرا الآن على القنوات التلفزيونية في السعودية والإمارات. وامتدح الاثنان العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وابنه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وطالب الاثنان بعقد اجتماع مع الأسرة الحاكمة في قطر لبحث الأزمة.
وقال الشيخ سلطان المقيم في باريس في بيان بثته قناة سكاي نيوز عربية ومقرها الإمارات ”لم يسبق لأهلنا في الخليج العربي وأشقائنا العرب أن نبذونا هذا النبذ وأغلقوا دوننا كل باب... بسبب سياسات الحكومة وتوجهاتها التي سمحت للدخلاء والحاقدين بالتغلغل في قطر وبث سمومهم في كل اتجاه حتى أوصلونا إلى حافة الكارثة“. رغم أن الأميرين لا يقدمان نفسهما صراحة كبديل لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني فإن المحللين يعتقدون أن ظهورهما المفاجئ يهدف لإضعاف موقفه وهي مهمة شاقة لرجلين لم يسمع بهما سوى قلة من القطريين حتى الفترة الأخيرة.
وقال جان مارك ريكلي رئيس قسم المخاطر العالمية في مركز جنيف للسياسة الأمنية ”لكي تنجح مثل هذه الاستراتيجية تحتاج لإيجاد بديل له قاعدة شعبية“. وهذا التحرك ملفت للنظر لأنه يختبر فيما يبدو أحد المحظورات في منطقة الخليج. فرغم أن عددا من الأسر الحاكمة في الخليج ومن بينها أسرة آل ثاني القطرية لها سجل في انقلابات القصور من النادر أن تتدخل أسر حاكمة من دول مجاورة في الشؤون الداخلية للأسر الأخرى خشية أن يكون ذلك حافزا للتدخل في شؤونها.
وقد فرضت الأزمة ضغوطا على الاقتصاد القطري وعلى إيرادات الشركات وأرغمت قطر على تغيير مسارات التجارة والنقل الجوي بما كبدها تكاليف باهظة بعد أن كانت الحركة تتم بيسر عبر أجواء الدول المجاورة ومياهها الإقليمية. وردت الدوحة بزيادة حجم تجارتها مع تركيا وإيران لتحقق بذلك مكاسب دبلوماسية لبلدين تتنافسان مع الرياض وحلفائها على النفوذ الإقليمي. وربما يكون رفض قطر الموافقة على 13 مطلبا منها إغلاق قناة الجزيرة الإخبارية وتقليص العلاقات مع طهران وطرد قيادات إسلامية من الدوحة قد دفع الدول الأربع لتوجيه أنظارها إلى الأسرة الحاكمة. بحسب رويترز.
وقال أيهم كامل من مجموعة أوراسيا الاستشارية ”البيئة التي تصبح فيها قطر شريكا دائما لإيران وتركيا ستعتبر مشكلة كبيرة للقيادة في الرياض وأبوظبي“. وأضاف ”الرباعية العربية مازالت تركز على الضغط على قطر للتسليم بأجزاء من المطالب الثلاثة عشر لكن التصلب القطري يشجع هذه الدول على النظر في خيارات أخرى“.
اجتماع وطني
من جانب اخر أصدر أحد أفراد العائلة الحاكمة في قطر بيانا دعا فيه الشعب والأسرة المالكة إلى اجتماع عائلي من أجل إنقاذ البلاد، خاصة في الظروف التي تخيم عليها والمقاطعة التي فرضتها عليها دول عربية أخرى. ودعا الشيخ عبد الله بن علي آل ثاني - في بيان نشره على حسابه على موقع تويتر - كبار أعضاء الأسرة الحاكمة و"الحكماء والعقلاء من أبناء الأسرة" إلى اجتماع يبحثون فيه كل ما يخص الأزمة، التي بلغت "حد التحريض المباشر على استقرار الخليج".
وعبر بن علي آل ثاني عن ألمه وهو "يرى الوضع يمضي إلى الأسوأ"، محذرا من بلوغ "مصير لا نريد الوصول إليه، كما هو حال دول دخلت في نفق المغامرة، وانتهت إلى الفوضى والخراب".
ووصف سعود القحطاني، المستشار في الديوان الملكي السعودي، بيان الشيخ عبد الله بن علي آل ثاني، بحسب وسائل إعلام سعودية، بأنه "بيان الكبار الذين يسعون لمصلحة بلادهم وأشقائهم". وأعربت قطر عن رغبتها في الجلوس إلى طاولة الحوار مع الدول العربية الأربع المقاطعة لها. وجاء هذا في اتصال هاتفي تلقاه ولي العهد السعودي الملك محمد بن سلمان من أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، بحسب وكالة الأنباء السعودية الرسمية.
لكن وكالة الأنباء القطرية الرسمية قالت إن أمير قطر أجرى الاتصال الهاتفي "بناء على تنسيق من الرئيس الأمريكي" دونالد ترامب. لكن السعودية علقت أي حوار بعد فترة وجيزة، متهمة وسائل إعلام قطرية بمحاولة تحريف الحقائق بشأن الاتصال الهاتفي. ويعد الشيخ عبدالله بن علي بن عبد الله آل ثاني أحد كبار أفراد الأسرة الحاكمة في قطر، إذ إن جده هو ثالث حكام قطر، الشيخ عبدالله بن جاسم آل ثاني، ووالده هو رابع حكام قطر الشيخ علي بن عبدالله آل ثاني، وشقيقه هو خامس حكام قطر الشيخ أحمد بن علي آل ثاني.
وحصل الشيخ عبد الله على درجة الدكتوراة في الهندسة المدنية من جامعة ساوث هامبتون في المملكة المتحدة، ودرس الهندسة في جامعة قطر. وهو حالياً عضو في مجلس إدارة شركة "ناقلات"، وهي الشركة الوطنية لشحن الغاز وحلقة الوصل الحيوية في سلسلة توريد الغاز الطبيعي المسال لدولة قطر.
قطر والحوار
على صعيد متصل جدد امير قطر الشيخ تميم بن حمد ال ثاني من الامم المتحدة دعوته لحوار غير مشروط مع الدول المقاطعة لبلاده، معتبرا ان زعزعة استقرار دولة ذات سيادة هو "احد اشكال الارهاب". وقال في خطابه امام الجمعية العامة للامم المتحدة نقلا عن حساب وزارة الخارجية القطرية على تويتر ان "وقف إنتاج الإرهاب والتطرف يتحقق بمعالجة جذوره الاجتماعية والسياسية".
واضاف الشيخ تميم متسائلا "زعزعة الاستقرار في دولة ذات سيادة...أليس هذا أحد تعريفات الإرهاب؟". واكد رفض بلاده التعامل مع ظاهرة الإرهاب وفقا ل "معايير مزدوجة". واتهم الشيخ تميم بن حمد دول المقاطعة بانها "لاحقت مواطني قطر والمقيمين على أراضيها لمجرد التعاطف مع الامارة". وقال ان بلاده تدبر شؤونها حاليا "بنجاح بفضل وجود معابر ليس لدول الحصار سيطرة عليها"، مؤكدا ان شعبه "يتعرض لحصار جائر ومستمر".
وندد بدول "تعتقد أن حيازتها للمال يؤهلها للضغط على دول أخرى وابتزازها". ودعا الشيخ تميم دول مجلس التعاون الخليجي لإجراء حوار مع ايران على أساس المصالح المشتركة. كذلك دعا في خطابه الى "إنهاء حالة الاقتتال والحرب في اليمن وتبني الحوار والحل السياسي"، ودعم جهود المبعوث الأممي اسماعيل ولد الشيخ احمد لإنهاء الأزمة. بحسب فرانس برس.
واعتبر ان الجهود السياسية حيال سوريا لا تزال "متعثرة بسبب تضارب المصالح الدولية"، مؤكدا ان "المطلوب هو العمل الجاد من أجل التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية". كذلك اعتبر امير قطر في خطابه ان إسرائيل "لا تزال تقف حائلا أمام تحقيق السلام الدائم والعادل"، مناشدا الفلسطينيين اتمام المصالحة وتوحيد المواقف.
وتستضيف قطر قاعدة العديد الجوية، أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط. أما الرئيس الأمريكي، الذي قال إنه مستعد للتوسط في أسوأ نزاع في عقود بين الدول العربية المتحالفة مع بلاده وبين قطر، فأفاد بأن لديه ”شعورا قويا للغاية“ بأن النزاع سيُحل ”سريعا جدا“.
طائرات بريطانية
الى جانب ذلك وقع وزير الدفاع القطري على خطاب نوايا لشراء 24 طائرة تايفون من مجموعة (بي.إيه.إي سيستمز) البريطانية للصناعات الدفاعية في إجراء قد يثير غضب الدول العربية المقاطعة للدوحة. وقالت وكالة الأنباء القطرية إن خطاب النوايا يشمل اعتزام الوزارة شراء 24 طائرة تايفون حديثة بكل معداتها.
وأوضحت الوكالة أن وزير الدولة لشؤون الدفاع خالد بن محمد العطية وقع على الاتفاق مع نظيره البريطاني مايكل فالون. وقالت وزارة الدفاع البريطانية في بيان ”سيكون هذا أول عقد دفاعي كبير مع قطر أحد الشركاء الإستراتيجيين للمملكة المتحدة“ مضيفة أن المحادثات بشأن الاتفاق استغرقت سنوات. وأضاف البيان ”نأمل أيضا أن يساعد هذا في تعزيز الأمن بالمنطقة عبر كل الحلفاء بالخليج“.
والطائرة يوروفايتر تايفون مشروع مشترك بين (بي.إيه.إي) وإيرباص الفرنسية وشركة فنميكانيكا الإيطالية ويوفر 40 ألف وظيفة تقريبا في بريطانيا. ولم يقدم أي من البيانين معلومات عن تكلفة الصفقة. وكانت الشركة البريطانية اتفقت في العام 2014 على بيع السعودية 72 طائرة تايفون في صفقة بقيمة 4.43 مليار جنيه إسترليني (6 مليارات دولار). وكان فالون قال إن الحكومة البريطانية ستساعد (بي.ئي.إي سيستمز) في بيع المزيد من طائرات تايفون بعقود حكومية. بحسب رويترز.
وتلقت الشركة عددا قليلا من الطلبيات على شراء تايفون العام الجاري مقارنة بالطائرة المنافسة رافال التي تنتجها داسو الفرنسية التي أبرمت اتفاقات مع مصر وقطر. ووقعت قطر أيضا على صفقة في يونيو حزيران لشراء طائرات إف-15 من شركة بوينج الأمريكية مقابل 12 مليار دولار وأبرمت صفقة بخمسة مليارات يورو (6 مليارات دولار) مع إيطاليا لشراء سبع سفن حربية.
اضف تعليق