المبادرة المصرية الجديدة لإنهاء الانقسام الفلسطيني بين حركتي حماس وفتح وتحقيق مصالحة وطنية، ماتزال وعلى الرغم من التطورات المهمة التي حدثت محط اهتمام اعلامي واسع، حيث اكد بعض الخبراء ان الازمات والصراعات المتفاقمة التي تشهدها المنطقة ستدفع الفصائل الفلسطينية الى إنهاء خلافاتها و فتح صفحة جديدة، خصوصا وان العديد من الدول الحليفة و الداعمة، قد انشغلت اليوم بمشكلات وازمات جديدة وتناست القضية الفلسطينية، الامر الذي اثر سلباً على خطط وتحركات بعض هذه الحركات ومنها حركت حماس، من جانب اخر يرى بعض المراقبين ان الوساطة المصرية جديدة سيكون مصيرها الفشل، ولاسباب كثيرة منها اختلاف وجهات النظر وتضارب المصالح بين فتح وحماس وباقي الفصائل الأخرى، يضاف الى ذلك ان اي مبادرة وتحرك لابد ان يضمن امن وسلامة اسرائيل.
وقد اعتبرت صحيفة ذا أتلانتيك الأميركية، أن المصالحة الفلسطينية بين حركتي حماس وفتح، التي يبدو أنها اقتربت من أن تصبح واقعاً، محكوم عليها بالفشل. وقالت الصحيفة الأميركية إن الحركتين كثيراً ما استجابتا لإرادة شعبهما، من خلال الإعلان عن اتفاقاتٍ مختلفة للتآلف. ولم يؤدِ أيٌ من هذه الاتفاقات إلى الوئام الوطني الفعلي؛ لذا فلا نعتقد أن إعلان حماس المفاجئ، بأنها قد حلَّت لجنتها الإدارية في غزة ووافقت على المصالحة، سيكون أكثر مصداقية من سابقيه، لعدة أسباب.
ومنها، أولاً: يتعلَّق الأمر بالشؤون المالية أكثر من الوحدة. وفي مارس/آذار، أعلنت "حماس" تشكيل اللجنة الإدارية، وهي هيئة شبه حكومية تتولى ظاهرياً مهام تشبه مهام الدولة بشكلٍ أكبر. وكان قادة "فتح" يتفاعلون مع الغضب، مُتهمين "حماس" بتشكيل حكومة ظل من شأنها "إدامة الانقسام بدلاً من تعزيز المصالحة". وبحسب الصحيفة الأميركية، فقد ردَّ محمود عباس، زعيم حركة فتح ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، باستعراضٍ غير مسبوقٍ للقوة. وأوقف تسديد مدفوعات قطاع غزة من الكهرباء؛ مما أدى إلى غرق المقاطعة الساحلية الفقيرة في الظلام، وخفَّض عباس رواتب موظفيه خارج العمل في السلطة الفلسطينية بغزة، وخفض المدفوعات لأسرى "حماس" في السجون الإسرائيلية، وأعلن أنَّ أكثر من 6000 من العاملين في السلطة الفلسطينية سيضطرون إلى التقاعد المُبكِّر. وكانت هذه العقوبات واسعة النطاق أصعب ما فرضه عباس على "حماس"، فضلاً عمَّا وقع على شعبه.
وتفرض اسرائيل منذ عشر سنوات حصارا جويا وبريا وبحريا على القطاع الذي يبلغ عدد سكانه نحو مليوني شخص. وشهد قطاع غزة المحاصر ثلاث حروب مدمرة بين العامين 2008 و2014 بين الجيش الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية منذ سيطرة حماس على القطاع العام 2007. ويعتمد أكثر من ثلثي سكان القطاع الفقير على المساعدات الانسانية.
حماس و الحكومة الفلسطينية
وفي هذا الشأن دعت حركة حماس الحكومة الفلسطينية برئاسة رامي الحمد الله إلى الإسراع باستلام مهامها في قطاع غزة في الوقت الذي لم تحدد فيه الحكومة موعدا لذلك. وقال فوزي برهوم المتحدث باسم الحركة في بيان صحفي ”فإن المطلوب من رئيس السلطة محمود عباس وحركة فتح السماح فوراً لحكومة الحمد الله بتحمل مهامها ومسؤولياتها كافة في غزة دون تعطيل أو تسويف“. وأضاف ”على أبو مازن (الرئيس عباس) اتخاذ خطوة عاجلة بإلغاء جميع قراراته وإجراءاته العقابية ضد أهلنا في القطاع“.
وقال يوسف المحمود المتحدث بإسم الحكومة الفلسطينية ”لم يتخذ قرار بعد بموعد ذهاب الحكومة إلى قطاع غزة لاستلام مهامها.“وأضاف ”أن لا موعدا محددا بعد لذلك“. وطالبت الحكومة الفلسطينية في بيان لها حركة حماس بتوضحيات حول بيانها حل اللجنة الإدارية التي تتولى إدارة القطاع. ورأى برهوم في عدم سرعة توجه الحكومة إلى قطاع غزة ”أمرا غير مبرر“.
وقال”نحن نقول بشكل مباشر لا مبرر لحركة فتح إلى الآن أن لا تطبق ما تم إعلانه في القاهرة برعاية مصرية“.
وأضاف أن ذلك تضمن ”إعلان حماس حل اللجنة الإدارية وقدوم الحكومة إلى قطاع غزة والموافقة على الانتخابات.“ وتابع قائلا ”ولكن ما بين هذه وتلك لا بد أن يقدم أبو مازن خطوة إلى الأمام تكشف عن حسن النوايا وهي إلغاء كافة الإجراءات الانتقامية ضد قطاع غزة.“ واتخذ الرئيس الفلسطيني سلسلة من الإجراءات الاقتصادية خلال الفترة الماضية شملت التوقف عن دفع ثمن الوقود لمحطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع إضافة إلى تخفيض نسبة مساهمة السلطة في ثمن الكهرباء التي تزود بها إسرائيل القطاع إضافة إلى إحالة آلاف الموظفين إلى التقاعد الإجباري.
وتعهد عباس أكثر من مرة بإلغاء هذه الإجراءات فور إلغاء حماس للجنة الإدارية التي شكلتها لإدارة قطاع غزة وتمكين الحكومة من استلام مهامها بشكل كامل في القطاع. وأوضح برهوم أن التأخير في تنفيذ ما تم الإتفاق عليه ”يضع علامات استفهام. كيف تتعامل حركة فتح وأبو مازن مع ما أعلن في القاهرة من قبل حركة حماس برعاية مصرية؟“ ونقلت الوكالة الرسمية عن الرئيس الفلسطيني عباس يوم الأحد بعد صدور بيان حماس وإعلانها حل اللجنة الإدارية والسماح لحكومة الحمد الله إستلام مهاما في قطاع غزة والموافقة على إجراء الإنتخابات العامة
ويرى العديد من الكتاب والمحللين أن هناك الكثير من العقبات التي تعترض تطبيق اتفاق المصالحة بين حركتي فتح وحماس وأن اللجنة الإدارية التي شكلتها حماس وكانت بمثابة حكومة ظل وأعلنت عن حلها لم تكن العقبة الوحيدة. ودعا هاني المصري المحلل السياسي إلى أخذ العبر من المحاولات السابقة المتكررة لتنفيذ المصالحة وإنهاء الانقسام الذي مضى عليه عشر سنوات منذ سيطرت حركة حماس على القطاع بعد أيام من القتال مع القوات الموالية لحركة فتح. وقال في تعليق له على صفحته على الفيسبوك ”إن تكرار القواعد والإجراءات السابقة التي حكمت جهود المصالحة وصفة مؤكدة لفشل جديد“. بحسب رويترز.
وهناك الكثير من القضايا الشائكة أمام تطبيق المصالحة منها قضايا أمنية تتمثل بالسيطرة على المعابر المؤدية لقطاع غزة وفرض الأمن في القطاع إضافة إلى وجود ما يقارب 35 ألف موظف عينتهم حماس خلال السنوات الماضية بحاجة إلى حل. وقال جمال محيسن عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ”إن قضية فرض الأمن حسب قانون السلطة الوطنية في قطاع غزة، وحل قضية الموظفين من أبرز العقبات التي ستواجه إتمام المصالحة.“ وأضاف في تصريحات بثتها الوكالة الرسمية أنه ”يمكن تجاوزها بعقلية الوحدة الوطنية وتغليب المصالح العليا لشعبنا“.
مصالحة اجتماعية
الى جانب ذلك بدأت لجنة المصالحة المجتمعية التي تشكلت نتيجة تفاهم بين حركة حماس وتيار النائب المفصول من حركة فتح محمد دحلان، بتعويض عائلات ضحايا الانقسام الفلسطيني،. وكان دحلان حتى 2007 رئيس جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني في غزة التي غادرها مع قوات فتح إثر المواجهات بين الفريقين التي انتهت بسيطرة حماس على قطاع غزة وطرد فتح منها. لكن دحلان طرد في 2011 من اللجنة المركزية لحركة فتح التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس وغادر الاراضي الفلسطينية.
وفي احتفال في مدينة غزة، قامت اللجنة التي تضم ممثلين عن جميع الفصائل االفلسطينية باستثناء حركة فتح، بتقديم شيك بقيمة 50 الف دولار كدية إسلامية لكل عائلة من عائلات 14 شخصا قتلوا خلال الانقسام منتصف عام 2007. وقالت والدة عماد ابو قادوس الذي كان قائدا ميدانيا في كتائب عز الدين القسام، الجناح المسلح لحماس، وقد قتل خلال اشتباكات الانقسام الدامي "كنت مع الثأر والانتقام لدم ابني، لكننا قبلنا اليوم الدية لاننا نريد انهاء الانقسام والحصار عن كل الشعب في غزة".
وقال المتحدث باسم لجنة التكافل الاجتماعي شريف النيرب ان"مجموع الحالات التي سيتم تعويضها يبلغ 730 حالة لعائلات سقط من افرادها قتلى وجرحى، بالاضافة الى تعويض آخرين تضررت ممتلكاتهم او منازلهم". وتتراوح قيمة التعويضات لكل عائلة بين 50 الى 150 مليون دولار تتولى دولة الامارات الداعمة لدحلان تقديمها، بحسب مسؤول في تيار دحلان فضل عدم الكشف عن اسمه. وتم في حزيران/يونيو التوصل الى تفاهمات بين دحلان وحركة حماس خلال اجتماعات عقدت في القاهرة وقضت بتعزيز العلاقات بين الطرفين بعد خصومة طويلة والتنسيق في حل العديد من الازمات في القطاع. بحسب فرانس برس.
وفي كلمة له خلال الاحتفال، قال النائب في المجلس التشريعي عن حركة حماس احمد بحر"بدانا تحقيق المصالحة الاجتماعية ونسعى الى تحقيق المصالحة الوطنية، وفد حركة حماس ابدى استعدادا كاملا لانجاح المصالحة وندعو حركة فتح للاستجابة لمقتضيات المصالحة". وقال النيرب "اليوم تم إنجاز عشرين ملف مصالحة اجتماعية. هناك إصرار من الجميع على إنجاز هذا الملف برغم المعوقات التي تفتعلها السلطة وأجهزة عباس". ويطرح اسم دحلان كمنافس محتمل للرئيس الفلسطيني. وتمارس السلطة الفلسطينية ضغوطا على حركة حماس عن طريق وقف التحويلات المالية الى القطاع الواقع تحت سيطرة حماس، وتخفيض رواتب موظفي السلطة في القطاع، وعدم دفع ثمن الكهرباء التي تزود بها اسرائيل القطاع، وغيرها من الخطوات.
حماس وايران
على صعيد متصل قالت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي إن إيران أظهرت ”وجهها الحقيقي“ من خلال إصلاح علاقاتها مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وعلى المجتمع الدولي محاسبتها. وقال يحيى السنوار القائد الجديد لحركة حماس في قطاع غزة إن طهران أصبحت من جديد أكبر داعم للحركة بالمال والسلاح بعد سنوات من التوتر بسبب الحرب الأهلية في سوريا. وأثارت حماس غضب إيران برفض دعم حليفها الرئيس السوري بشار الأسد في الحرب الأهلية الدائرة في سوريا منذ ست سنوات.
ووصفت هيلي تصريحات قيادي حماس بأنها ”اعتراف مذهل“. وتخضع إيران لحظر على الأسلحة باستثناءات يمنحها مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة لصادرات وواردات السلاح. وقالت هيلي في بيان ”إيران تظهر وجهها الحقيقي. على إيران أن تقرر ما إذا كانت ترغب في أن تكون عضوا في مجتمع من الدول يتوقع فيه أن تحترم التزاماتها الدولية أم أن تكون قائدة لحركة جهادية إرهابية. فلا يمكنها أن تكون كليهما“.بحسب رويترز.
وتابعت قائلة ”المجتمع الدولي تأخر كثيرا عن محاسبة إيران وفقا لذات المعايير التي تخضع لها الدول التي تعلي حقا قيمة السلام والأمن“. ولم تكشف حماس ولا إيران عن الحجم الكامل للدعم الإيراني. لكن دبلوماسيين بالمنطقة قالوا إن الدعم المالي الإيراني للحركة الإسلامية انخفض بشكل كبير في السنوات الأخيرة وأصبح موجها لكتائب القسام وليس للمؤسسات السياسية للحركة.
اضف تعليق