التوتر الذي يزداد حدة بين الولايات المتحدة وإيران في أعقاب إجراء طهران تجارب على إطلاق صواريخ بالستية وما اعقبها من تطورات وعقوبات، اثار قلق ومخاوف الكثير حيث يرى بعض المراقبين ان تحذيرات وقرارات إدارة الرئيس الأميركي ترمب وردود الافعال الايرانية، يمكن ان تسهم بإشعال حرب خطيرة تهدد امن واستقرار المنطقة والعالم. حيث دخلت العلاقات بين واشنطن وطهران وكما نقلت بعض المصاد، نفقًا جديدًا من الصدام والسجال والتراشق السياسي والإعلامي. التوتر المشوب بالحذر بين البلدين فتح الباب للعديد من التكهنات والخيارات والسيناريوهات المتوقعة، لاسيما بعد الموقف العدائي للرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب من إيران، والذي تكشف خلال تصريحاته إبان حملته الرئاسية، وتجسد بصورة أكثر وضوحًا عقب دخوله البيت الأبيض، وتوقيعه على حزمة جديدة من العقوبات ضد طهران، التي تتهم ترامب بالعمل على إلغاء الاتفاق دولي الذي لا يزال يحظى بدعم غالبية الدول الأوروبية، فرضت ادارة ترامب العديد من العقوبات على إيران وهو ما قد يلحق بها ضرر كبير في وقت تسعى فيه لمعالجة بعض مشاكلها الاقتصادية.
كما ان الخطاب العدواني لواشنطن وكما يرى بالعض سيقوي صقور السياسة داخل طهران وسيضعف الرئيس الايراني المعتدل. وقد رفع البرلمان الإيراني حجم ميزانية برنامج الصواريخ والحرس الثوري. وصادقت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في ست تقارير لها على امتثال إيران لخطة العمل الشاملة المشتركة JCPOA. وأصبح نشاط إيران النووي أقل بشكل ملحوظ عن السنوات الثلاث الماضية. فيما يخص اخر تطورات هذا الملف فقد صوت مجلس الشورى (البرلمان الإيراني) لصالح تخصيص مبلغ 520 مليون دولار لتطوير البرنامج الصاروخي ردا على العقوبات الأمريكية الأخيرة. وصوت 240 نائبا من أصل 244 لصالح مشروع القانون. وجاء التصويت بعد أن فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة على إيران تستهدف برنامجها الصاروخي..
وقال نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عرقجي "مشروع القانون مدعوم من الحكومة ووزارة الخارجية واللجنة المشرفة على الاتفاقية النووية مع الولايات المتحدة". وكان عرقجي يشير إلى الاتفاقية التي وقعت عام 2015 مع قوى دولية من ضمنها الولايات المتحدة والتي وافقت إيران بموجبها على وضع قيود صارمة على برنامجها النووي. وقالت وكالة أنباء "إرنا" الإيرانية إن مشروع القانون يخصص 260 مليون دولار لتطوير البرنامج الصاروخي و 260 مليون دولار أخرى لجناح العمليات الخارجية للحرس الثوري المعروف باسم "قوات القدس".وقد ردد أعضاء البرلمان شعار "الموت لأمريكا" بعد إعلان نتيجة التصويت.
ايران تهدد
من جانب اخر حذَّر الرئيس الإيراني حسن روحاني، بأن بلاده قد تنسحب من الاتفاق النووي "خلال ساعات"، في حال واصلت الولايات المتحدة سياسة "العقوبات والضغوط". وقال روحاني في كلمة ألقاها في مجلس الشورى، ونقلها التلفزيون، إن "تجارب العقوبات والضغوط الفاشلة حملت الإدارات السابقة على الجلوس إلى طاولة المفاوضات". وأضاف: "إن أرادوا العودة إلى هذه التجربة، سوف نعود بالتأكيد خلال فترة قصيرة لا تعد بالأسابيع والأشهر، بل في غضون ساعات وأيام، إلى وضعنا السابق، ولكن بقوة أكبر بكثير".
وتابع روحاني في كلمته: "ترامب أثبت للعالم أنه "ليس شريكاً جيداً" بتهديده بإلغاء الاتفاق النووي الموقع عام 2015 بين إيران والدول الست الكبرى". وقال روحاني إنه "في الأشهر الأخيرة، شهد العالم على أن الولايات المتحدة، بالإضافة إلى مخالفتها المتواصلة والمتكررة لوعودها المدرجة في الاتفاق النووي، تجاهلت عدة اتفاقات دولية أخرى وأظهرت لحلفائها أن الولايات المتحدة ليست شريكاً جيداً ولا مفاوضاً موثوقاً".
وكانت واشنطن قد فرضت الشهر الماضي عقوبات على عدد من الشركات الإيرانية قالت إنها ضالعة في برنامج طهران للصواريخ الذاتية الدفع (الباليستية). وتقول طهران إن الإجراءات الأمريكية تخالف الاتفاق الذي توصلت إليه مع الدول الكبرى الست عام 2015، والذي خففت بموجبه العقوبات عليها مقابل وضع قيود على برنامجها النووي. وكان ترامب قد هدد غير مرة بإلغاء ما وصفه بـ"أسوأ اتفاق على الإطلاق"، لكنه تراجع الشهر الماضي عن أحد أهم وعوده الانتخابية المتمثل في الانسحاب من الاتفاق النووي.
مواصلة البرنامج
الى جانب ذلك قالت إيران إنها ستواصل برنامجها البالستي المثير للجدل "بطاقته الكاملة". وأفاد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي لتلفزيون "إذاعة الجمهورية الإسلامية في إيران" الرسمي "سنواصل برنامجنا الصاروخي البالستي بطاقته الكاملة،" مضيفا "ندين هذا التصرف العدائي وغير المقبول" من قبل الكونغرس الأمريكي القاضي بفرض عقوبات جديدة على طهران. وشددت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون اللهجة حيال إيران مطالبين طهران بالكف عن تجارب إطلاق الصواريخ البالستية، غداة اختبارها صاروخا لحمل الأقمار الصناعية إلى المدار.
ويتعرض الرئيس الايراني حسن روحاني لضغوط من واشنطن ومن المحافظين في طهران. بيد أن تهديده بالانسحاب من الاتفاق النووي يلحق الضرر بمصالحه، وهو أيضاً عبارة عن صرخة لطلب المساعدة، كما يرى ماتياس فون هاين في تعليقه. وأعداء الاتفاق النووي كثر، وهم ليسوا فقط في واشنطن وتل أبيب والرياض، ولكن أيضا هناك أعداء للاتفاق النووي في طهران. وأعداء إيران يتحركون بنشاط ضد الاتفاق النووي.
والمثير أن النشاط هذا زاد بشكل محموم بعد فوز روحاني بفارق كبير في الانتخابات الأخيرة في أيار/ مايو الماضي. حيث أنه منذ ذلك الحين تعمل المؤسسة الدينية المحافظة، برئاسة علي خامنئي على الحد من جهود روحاني وإحباط مساعيه ومساعي الغالبية العظمى من الإيرانيين نحو التقارب مع الغرب. وقد استثمر حسن روحاني في بداية ولايته الكثير من إمكانياته السياسية في التقارب مع الغرب والاتفاق النووي. والآن يتم منع إيران من جني ثمار هذا الاتفاق من إدارة في واشنطن التي تواجه طهران بفرض مزيد من العقوبات الجديدة والسعي بشتى الطرق لإفشال الاتفاق النووي والحديث بوضوح عن تغيير النظام في طهران.
سياسة العقوبات الأمريكية أدت أيضا إلى تراجع نشاط الشركات الأوروبية في إيران، بسبب العقوبات من جانب واشنطن. هذا ينطبق بشكل خاص على البنوك والمؤسسات المالية، والتي من دون مساعدتها، لا يمكن للتجارة أن تسير بشكل جيد، لعدم وجود التمويل. والنتيجة النهائية أن يتحول انفاق الشركات الأوروبية من بروكسل إلى واشنطن، بينما يبقى عودة إيران و اندماجها في الاقتصاد العالمي على قائمة الانتظار..
الرد على العقوبات
الى جانب ذلك تعهد نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في تصريح للتلفزيون الرسمي لبلاده بأن طهران سترد على العقوبات الجديدة التي فرضتها واشنطن على إيران، معتبرا أنها تشكل انتهاكا للاتفاق النووي الذي وقعته بلاده مع القوى العظمى. ويأتي هذا تزامنا مع البداية الرسمية للولاية الثانية والأخيرة للرئيس الإيراني حسن روحاني. وأعلنت إيران أن العقوبات الأمريكية الجديدة التي أقرها الكونغرس ضد إيران وروسيا وكوريا الشمالية ووقعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "انتهاك للاتفاق النووي"، وذلك بالتزامن مع تسلم الرئيس الإيراني حسن روحاني مهام ولايته الثانية.
وصادق المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي خلال احتفال رسمي على فوز روحاني في الانتخابات التي جرت في أيار/مايو، وهي خطوة رسمية وضرورية لبدء ولاية روحاني الثانية والأخيرة. ومن المتوقع أن يؤدي روحاني اليمين الدستورية السبت أمام البرلمان. ورغم فوزه الساحق، يواجه روحاني انتقادات في إيران، إذ إن المحافظين يتهمونه بتقديم تنازلات إلى القوى العظمى وبعدم الاكتراث بتحذيراتهم من الولايات المتحدة، عدوة إيران اللدودة.
وينص الاتفاق النووي الموقع بين طهران والقوى العظمى (الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا والصين) الذي تم التوصل إليه في تموز/يوليو 2015 على أن يقتصر البرنامج النووي الإيراني على الأغراض المدنية في مقابل رفع تدريجي للعقوبات الدولية عن إيران. وخلافا لإدارة باراك أوباما السابقة، اعتمدت إدارة دونالد ترامب موقفا عدائيا تجاه إيران وانتقدت الاتفاق النووي بشدة.
وتستهدف العقوبات الأمريكية الجديدة الحرس الثوري الإيراني وبرنامج الصواريخ البالستية ووضع حقوق الإنسان ودعم إيران لمجموعات مثل "حزب الله" اللبناني الذي تصنفه الولايات المتحدة "إرهابيا". واعتبر نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي "أن الاتفاق النووي تعرض للانتهاك وسنرد على ذلك بالطريقة المناسبة". والعلاقات الدبلوماسية بين إيران والولايات المتحدة مقطوعة منذ 1980.
وقال عراقجي إن "العقوبات الأمريكية تهدف إلى تخويف الشركات الكبيرة ومنعها من التعاون مع إيران لكننا نرى أن سياسة الدول الأوروبية ترسم في الاتجاه المعاكس". وفي نهاية تموز/يوليو، أقر مجلس الشيوخ الأمريكي بشبه إجماع بعد مجلس النواب، مشروع قانون فرض عقوبات جديدة على روسيا وإيران وكوريا الشمالية. ووقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأربعاء على هذا القانون. وأعلن عراقجي أن اللجنة العليا المكلفة مراقبة تطبيق الاتفاق النووي والتي تضم الرئيس الإيراني حسن روحاني ومسؤولين آخرين "أقرت 16 إجراء تتضمن سلسلة من الردود على الولايات المتحدة"، دون إعطاء تفاصيل حول هذه الإجراءات.
وتابع "بعد توقيع ترامب لقانون العقوبات على إيران، دخلنا مرحلة جديدة وسيضع البرلمان اللمسات الأخيرة على قانون للرد على القانون الأمريكي". وكان مجلس الشورى الإيراني قد بدأ درس مسودة قانون للرد على قانون العقوبات الذي أقره الكونغرس الأمريكي يهدف خصوصا إلى تعزيز البرنامج البالستي في البلاد، وفيلق القدس المكلف بالعمليات الخارجية وخصوصا في سوريا والعراق. وقال عراقجي محذرا "بما أنهم استهدفوا الحرس الثوري وفيلق القدس، فإن مجلس الشورى يدرس إجراءات لتعزيزهما".
واعتبرت المحللة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إيليه جيرانمايه أن إصدار قانون العقوبات بالتزامن مع تسلم روحاني مهامه "صدفة مؤسفة". وأضافت أن "الطريقة التي سيرد بها الأوروبيون أمر أساسي للغاية"، مشيرة إلى تطور العلاقات التجارية بين إيران والدول الأوروبية منذ توقيع الاتفاق النووي. وأكد روحاني خلال حفل تنصيبه، أن بلده الذي واجه لسنوات عدة العقوبات "لن يقبل أبدا بالعزلة". وقال الرئيس إن الاتفاق النووي "دليل على حسن نية إيران على الساحة الدولية".
ونصح خامنئي، صاحب الكلمة الأخيرة في الملفات الإيرانية الأساسية، روحاني "بالاهتمام بمشاكل الناس" وبتعميق العلاقات "مع العالم" و"بمقاومة المسيطرين بشدة"، خصوصا "الحكومة الأمريكية الأكثر عدوانية ووقاحة". وأكد أن "إيران اليوم أقوى من قبل رغم كل العقوبات والأعمال العدائية ضدها". وعلى المستوى الداخلي، رأى روحاني "أن زمن التوافق والتعاون بين الجميع (الإيرانيين) قد بدأ... وأمد اليد إلى كل الساعين من أجل عظمة البلاد". بحسب فرانس برس.
وبالإضافة إلى انتقادات المحافظين، يواجه روحاني انتقادات الإصلاحيين الذين يتهمونه بعدم منحهم حصة كافية في حكومته التي سيعرضها السبت على البرلمان. وينتقده البعض لعدم تسليم حقائب وزارية لنساء في حكومته. إلا أنه حظي في المقابل بدعم قادة الحرس الثوري الإيراني، الجهاز النافذ في الجمهورية الإسلامية، بعد فترة من التشنج بينهما في الأشهر الأخيرة.
اضف تعليق