q

زيارة السيد مقتدى الصدر لكل من المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة، بدعوة مباشرة من حكام هذه الدول اصبحت اليوم محط اهتمام واسع داخل وخارج العراق، خصوصا وان الفترة الاخيرة قد شهدت ايضا زيارات متبادلة بين مسؤولين حكوميين عراقيين ونظرائهم في دول الخليج بعد سنوات من الفتور في العلاقات الثنائية، هذه التحركات المهمة كما يرى بعض المراقبين، ومنها زيارات زعيم التيار الصدري، من شأنها تسريع تقارب العراق مع محيطه العربي وخصوصا دول الخليج العربي، التي تحاول اعادة التوازن في علاقاته مع دول الجوار ورسم خارطة سياسية جديدة للمنطقة، التي تأثرت سلبا بالتوتّرات الطائفيّة والصراعات المذهبية والسياسية.

وزيارة الصدر لدولة الامارات وقبلها للملكة العربية السعودية بحسب مدير مكتب الصدر ابراهيم جابري، ستأتي بنتائج تذلل الكثير من الصعوبات في الدول العربية الملتهبة مثل البحرين واليمن. مؤكداً بأن الشأن العراقي كان حاضراً خلال زيارة الصدر حيث تم الاتفاق على محاربة الارهاب والحفاظ على هيبة الاسلام. كما أكد جابري، بأن الخطاب الديني السعودي المتشدد سيتغير خلال الاشهر المقبلة، في خطوة ايجابية حملتها زيارة الصدر للملكة العربية. مرجحاً قيام الصدر بزيارات لاحقة لدول أخرى في القريب العاجل.

هذه الزيارات وعلى الرغم مما تقدم اشعلت ايضاً كما نقلت بعض المصادر، موجة انتقادات واسعة من قبل بعض الجهات والشخصيات داخل وخارج العراق، التي اعتبرت هذه التحركات تجاهلاً غير مبرّر للمظالم التي تعاني منها الأقليّة الشيعيّة في المملكة وباقي دول الخليج الاخرى، فيما اعتبر البعض الاخر التحركات الخليجية الجديدة خطط مدروسة، لإيجاد حلفاء داخل العراق من اجل تأمين مصالحها والحد من النفوذ الايراني في هذا البلد، خصوصا وان زعيم التيار الصدري شخصية لها ثقلها المعروف وله قاعدة جماهيرية ثابتة الولاء في العراق. هذا بالإضافة الى ان هذا التيار له تمثيل سياسي مهم في الدولة العراقية وله ايضا جناح عسكري معروف شارك في دحر الارهاب ومقاومة الاحتلال الامريكي.

الإمارات بعد السعودية

وفي هذا الشأن أعلن المكتب الخاص لمقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري العراقي الشيعي، أنه توجه إلى الإمارات في زيارة رسمية، وذلك بعد زيارته إلى المملكة العربية السعودية، قبل أسبوعين. وذكر مكتب الصدر، في بيان مقتضب، أن مقتدى الصدر "توجه إلى الإمارات العربية المتحدة تلبية لدعوة رسمية منها وإرسال طائرة خاصة من قبلهم لنقله ذهاباً وإياباً". فيما قالت وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية إن ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد "استقبل الصدر واستعرض معه العلاقات الأخوية بين البلدين وعددا من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك".

وكان الصدر أعرب عن رغبته في إزالة التوتر الطائفي والسياسي من المنطقة، وذلك في مقابلة مع صحيفة "الشرق الأوسط" خلال زيارته للسعودية. وأفاد مكتب الصدر، في بيان، عن زيارته للسعودية ولقاء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للمرة الأولى، بأن الجانبين اتفقا على "تبني خطاب ديني وإعلامي معتدل يدعو للتعايش السلمي والتعاون والمصالح المشتركة بين البلدين والشعبين، إلى جانب مناقشة العلاقات الثنائية مع دول الجوار والتأكيد على استقرار المنطقة". بحسب CNN.

قال الصدر أن التشدد في اليمن وعدم التنازل تسبب في الوضع الإنساني الحالي الذي تعيشه البلاد. مؤكدا أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بشره بانتهاء الحرب في اليمن وسوريا وكافة المنطقة. جاء ذلك خلال رده على سؤال في حوار أجراه صحيفة الشرق الأوسط عن رأيه في تعنت الحوثيين ورفضهم مبادرات السلام المطروحة. وأشار الصدر إلى أن ما يهمه في اليمن الوضع الإنساني، خاصة مع تفشي الفقر والأمراض.

وقال: لو تنازلنا وتعاملنا بحكمة قليلاً لما وصل الأمر إلى هذا الحد في اليمن وغيره. وأضاف بأنه وجد أملاً كبيراً أثناء لقائه مع الأمير محمد بن سلمان، وهو قد قرر أن يعم السلام في اليمن، والبحرين، والعراق، وهناك تطلعات جديدة للسعودية، وبشر بها بانتهاء الحرب في اليمن، وفي سوريا وكافة المنطقة.

ونقلت وكالة أنباء الإمارات الرسمية (وام) عن محمد بن زايد قوله إنه يأمل في أن "يستعيد العراق دوره الذي يستحقه بين الدول العربية"، مضيفا أن "في رخاء العراق تعزيزا لأمن العرب". وتأتي زيارة الصدر للإمارات بعد رحلة نادرة له إلى السعودية في نهاية يوليو/تموز. وقال مكتب الصدر إن اجتماعاته مع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، أفضت إلى الاتفاق بينهما على بحث استثمارات سعودية محتملة في المناطق العراقية الشيعية في جنوب العراق. ووعدت السلطات السعودية أيضا ببحث افتتاح قنصلية لها في مدينة النجف. وأعلن الصدر أن السعودية قررت التبرع بـ10 ملايين دولار للحكومة العراقية لمساعدة العراقيين الذين أجبرتهم الحرب على النزوح عن منازلهم.

أهداف زيارة الصدر

على صعيد متصل نشر وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتية أنور قرقاش، عدداً من التغريدات تحتفي بزيارة الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر لبلاده، غداة استقبال ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد للصدر. وقال قرقاش: "التحرك الواعد تجاه العراق الذي يقوده الأمير محمد بن سلمان (ولي العهد السعودي)، بمشاركة الإمارات والبحرين، مثال على تأثير دول الخليج متى ما توحدت الرؤية والأهداف".

وربط الوزير الإماراتي بين لقاء بن زايد والصدر، وبين استقبال ولي العهد السعودي للصدر مؤخراً في الرياض، قائلاً "جزء من التواصل الخليجي مع العراق"، مردفاً "بدأنا كمجموعة مرحلة بناء الجسور والعمل الجماعي المخلص". وتأتي تلك التغريدات غداة زيارة وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة للعراق، التقى فيها نظيره العراقي إبراهيم الجعفري، ورئيس الجمهورية فؤاد معصوم، ورئيس الوزراء حيدر العبادي.

كما توالت على مدى الأسابيع الماضية الزيارات المتبادلة بين مسؤولين حكوميين عراقيين ونظرائهم في السعودية والإمارات والبحرين، بعد سنوات من الفتور في العلاقات الثنائية، كان من بينها زيارة وزير الداخلية العراقي قاسم الأعرجي للرياض. وكشف الأعرجي -في تصريحات إعلامية من طهران- بعضاً من أهداف هذه الزيارات، قائلاً إن السعودية طلبت من رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي التدخل لتخفيف التوتر بين الرياض وطهران، ومضيفاً أنه أثناء زيارته إلى السعودية طلب السعوديون منه ذلك أيضاً.

وأشار الأعرجي إلى أنه تم نقل وجهة النظر هذه إلى الجانب الإيراني، وأن إيران تنظر إليها بشكل إيجابي، موضحاً أنه نقل إلى الجانب السعودي من الإيراني أن الخطوة الأولى تتمثل في احترام السعودية للحجاج الإيرانيين والسماح لهم بزيارة مقبرة البقيع في المدينة المنورة، حيث وعد السعوديون بذلك بحسب قوله. ويأتي ذلك في الوقت التي تفرض فيه الدول الثلاث حصاراً اقتصادياً ودبلوماسياً على قطر منذ يونيو/ حزيران الماضي، بزعم وجود علاقات تقارب بينها وبين إيران التي تعتبرها السعودية خصماً لها، وأنها صاحبة أطماع في دول الخليج والمنطقة ككل. بحسب هافينغتون بوست عربي.

واعتبر قرقاش في تغريداته أن تصريح بن زايد، بعد لقائه مع "الصدر"، له "دلالاته مهمة"، مضيفاً "طموحنا أن نرى عراقاً عربياً مزدهراً مستقراً، التحدي كبير والجائزة أكبر". يشار إلى أن ولي عهد أبوظبي الذي يتولى أيضاً منصب نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، خلال لقائه الصدر، في قصر الشاطئ في العاصمة، أعرب عن تطلعه "لأن يلعب (العراق) دوره الطبيعي على الساحة العربية بما يعزز أمن واستقرار العالم العربي". ويتزعم "مقتدى"، التيار الصدري، الذي يشغل 34 مقعداً في البرلمان، فضلاً عن فصيل مسلح يحمل اسم "سرايا السلام"، وهو واحد من فصائل "الحشد الشعبي"، الذي يقاتل إلى جانب القوات العراقية ضد تنظيم "داعش".

البحرين والعراق

في السياق ذاته وصل وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة، إلى بغداد في زيارة رسمية، والتقى خلالها رئيس الجمهورية فؤاد معصوم ورئيس الوزراء حيدر العبادي ووزير الخارجية إبراهيم الجعفري. وفيما شدد العبادي، أثناء استقباله الوزير البحريني، على أهمية التكامل الإقليمي وتعزيز مصالح شعوب المنطقة، أكد آل خليفة، رغبة بلاده في توسيع العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية بين البلدين.

وتأتي الزيارة وبحسب بعض المصادر وسط انفتاح عربي غير مسبوق على العراق. وقد شهدت العلاقات العراقية - البحرينية بعض التوتر على خلفية تصريحات أدلى بها مسؤولون عراقيون عقب أحكام صدرت بحق مدانين بحرينيين. وبحث العبادي مع الوزير البحريني تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين في مختلف المجالات، والأوضاع في المنطقة ومحاربة الإرهاب، بحسب بيان صادر عن مكتب رئاسة الوزراء. وأشار البيان إلى أن العبادي أكد أهمية التكامل الإقليمي وتضافر جهود جميع دول المنطقة والعالم للتصدي لإرهاب (داعش) وتعزيز مصالح شعوب المنطقة. ودعا العبادي إلى الوقوف بوجه الاستقطاب الطائفي الذي يخدم الإرهاب.

وذكر البيان، أن الوزير البحريني قدّم باسم حكومة وشعب البحرين التهنئة إلى العبادي بتحرير الموصل والانتصارات المتحققة على عصابات داعش الإرهابية ووقوف البحرين مع العراق في حربه ضد الإرهاب، مؤكداً الرغبة بتوسيع العلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية بين البلدين. كما استقبل رئيس الجمهورية فؤاد معصوم في قصر السلام ببغداد، وزير الخارجية البحريني. وذكر بيان صادر عن رئاسة الجمهورية، أن الرئيس معصوم رحب في مستهل اللقاء بالزيارة التي تأتي ضمن سلسلة زيارات لمسؤولين عرب إلى العراق، وبحسب البيان، فإن معصوم أكد عمق العلاقات والوشائج الأخوية بين العراق والبحرين وضرورة اعتماد العمل المشترك البناء لتمتينها في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية، والسياحة بكل أنواعها.

كذلك جدد رغبة العراق في تطوير علاقات التعاون مع مملكة البحرين الشقيقة وباقي دول الخليج والعالم والمبنية على أساس المصالح المشتركة تحقيقاً لتطلعات شعوب المنطقة بالاستقرار والتقدم والرفاه. وأشار البيان إلى أن الوزير البحريني أكد للرئيس معصوم أن بلاده تتطلع إلى تعزيز العلاقات الثنائية وتوسيع رقعة التعاون بين البلدين الشقيقين من خلال اللجنة المشتركة، وأن زيارته ستفتح آفاقاً جديدة للتواصل والعمل المشترك.

من جهتها، شددت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب العراقي على أهمية زيارة الوزير البحريني، معتبراً أنها تؤكد انفتاح المحيط العربي على العراق. وقال عضو اللجنة حسن خضير الشويرد إن العراق بلد مؤسس للجامعة العربية، ولا يمكن له الانسلاخ عن جلده العروبي، وزيارة الوزير البحريني مهمة جداً، وأظن أنها تأتي في سياق ردم الفجوة الكبيرة التي تعرضت لها علاقات العراق مع أشقائه العرب. واعتبر الشويرد أن عودة العراق إلى حاضنته العربية تفضي إلى ديمومة وتكامل سياسي واقتصادي بين الإخوة الأشقاء، كما أنها تؤدي إلى خلق توازن إقليمي يصب في صالح شعوب المنطقة عموماً، وبرأيه، فإن التكامل السياسي والاقتصادي والأمني يخدم الجميع، ولعل الزيارات العربية الأخيرة إلى العراق تصب في هذا الاتجاه. وتسير علاقات العراق بمحيطه العربي بوتيرة متصاعدة خلال الأشهر الأخيرة، وتسعى الحكومة العراقية إلى تمتين علاقة العراق بالدول العربية والخليجية على وجه الخصوص.

اضف تعليق