يسعى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وكما يرى بعض المراقبين، الى اعتماد خطط وسياسات جديدة بهدف معالجة بعض المشكلات والأزمات في مصر، هذا بالإضافة الى تعزيز دور مصر الخارجي من خلال بناء تحالفات متعددة تعيد لمصر قوتها التي فقدتها بعد سقوط حكم مبارك وما أعقبها من تطورات سياسية في ظل حكم الإخوان، من جانب اخر ترى بعض الاطراف المعارضة ان الرئيس المصري الحالي يسعى ومن خلال بعض القوانين والتشريعات الجديدة، الى تثبيت ركائز الحكم والفوز بولاية اخرى، خصوصا وانه سعى الى إقصاء الخصوم كما عمد الى الدخول في تحالفات مع بعض القوى مقابل تنازلات كبيرة أضرت بمصلحة البلاد.
وقد دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال فعاليات النسخة الرابعة لمؤتمر الشباب، الذي عُقد نهاية شهر يوليو/تموز في محافظة الإسكندرية، لما سماه إشاعة فوبيا سقوط الدولة وإفشالها، قائلاً "نحتاج إلى خلق فوبيا إسقاط الدولة"، مضيفاً: "يجب أن نعترف أن ربنا أراد لنا التواجد في عصر نرى فيه تجارب حية أمامنا في دول محيطة بنا، كي تكون جرس إنذار للشعب المصري، ورد فعل المصريين ناجم عن فهم ووعي هذا الأمر". وهو ما اثار موجة جدل في الشارع المصري، حيث اكد البعض أن هذا الامر يأتي في إطار سياسة الترهيب والتخويف التي يعتمد عليها السيسي منذ انقلاب يوليو/تموز 2013 ووصوله إلى الحكم في 2014، للاستمرار في إغلاق المشهد السياسي، والتضييق على الأصوات المعارضة، بدعوى مواجهة الدولة أخطاراً ومؤامرات خارجية.
حازم الببلاوي وزير سابق، أكد بحسب بعض المصادر أن "الهدف الأساسي من دعوة السيسي هو قتل الصوت المعارض تماماً"، مضيفاً: "السيسي يسعى لإعادة عصور مضت بخنق أي صوت مختلف أو ناقد، تارة بترسانة قوانين خانقة للحريات، وتارة بالتشويه الإعلامي والقتل المعنوي، وتارة ثالثة بمثل تلك الدعوات المسمومة". مصادر مقربة من دوائر صناعة القرار المصري أكدت أن السبب الرئيسي وراء أجواء التخويف التي ينشرها النظام، هو بدء التحضيرات للولاية الثانية للسيسي مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المحددة في منتصف عام 2018.
مقامرة السيسي
في مقامرة لم يجرؤ أي من أسلافه على خوضها لإنقاذ الاقتصاد المُتعثِّر، خفض الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الدعم على الغذاء والوقود، وهو برنامجٌ طالما عطَّلَه الهدر والفساد، حسب تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال الأميركية. وقد هزَّ العلاج بالصدمات الاقتصادية، والذي اقترَنَ بتخفيضٍ حادٍ في قيمة العملة، الدولة الأعلى من حيث الكثافة السكانية بالعالم العربي. وارتفعت أسعار الوقود بنسبة 50٪ في يونيو/حزيران الماضي، وتضاعفت كذلك أسعار الغاز المنزلي وتجاوَزَ معدل التضخم السنوي الـ30٪.
ومع تقلُّص المدخرات وانكماش القوة الشرائية للمستهلكين، يُراهِن السيسي على أنَّ الثمار المُتوقَّعة -ومنها فرص العمل الجديدة، والاستثمار الأجنبي، والنمو- ستصل قبل أنَّ يتسبَّب الألم الاقتصادي في حدوث انفجار اجتماعي آخر بمصر، التي ألهمت ثورتها في عام 2011 الانتفاضات الأخرى فيما أصبح معروفاً باسم الربيع العربي. وقال أسامة هيكل، وهو مُشرِّعٌ قانوني مؤيد للحكومة ويشعر بالقلق إزاء التأثير الاجتماعي للتقشُّف: "يعاني الفقراء كثيراً، ويتحوَّل الناس من الطبقة المتوسطة إلى فقراء".
ومن جانبه، قارَنَ طارق قابيل، وزير التجارة والصناعة، الإصلاح الاقتصادي بالمضادات الحيوية، وقال في مقابلةٍ صحفية: "يجب أن تأخذ الجرعة كاملة. لا يمكنك أن تأخذ قرصاً واحداً وتتوقَّف". ويُعتَبَر خفض الدعم من بين الشروط التي وضعها صندوق النقد الدولي في اتفاقيةِ قرضٍ بقيمة 12 مليار دولار، تهدف إلى مساعدة مصر على استقرار اقتصادها، بعد سنوات من الاضطراب. ويصل دعم الطاقة والطعام إلى أكثر من 11 مليار دولار سنوياً، أي ما يعادل 18٪ من الميزانية الحالية لمصر، حتى بعد التخفيضات الأخيرة.
ويُعتَبَر الدعم مجرد عائقٍ واحدٍ من بين العوائق التي تقف أمام النمو الاقتصادي، الذي تباطأ في السنوات التي تلت الثورة؛ إذ تجعل قوانين العمل من شبه المستحيل فصل العُمال، ولا يمكن الاعتماد على النظام القضائي، كما تعيق البيروقراطية الحكومية بمصر المبادرة. وما يزيد الأمور تعقيداً هو أنَّ الجيش يدير بشكلٍ أساسي اقتصاداً موازياً خارج نطاق المساءلة. ووفقاً لوزير الخارجية السابق نبيل فهمي، وهو الآن أستاذٌ في الجامعة الأميركية بالقاهرة، فإنَّ خفض الدعم يدفع مصر إلى إصلاح التشوُّهات الاقتصادية، لكنَّه يحمل البلاد آلاماً ومخاطر، وتساءل قائلاً: "هل هناك ثمن لذلك؟ نعم، هناك ثمن. والمشكلة الآن هي: هل سيكون العائد كبيراً بما فيه الكفاية؟ وهل لدينا ما يكفي من الوقت حتى يبدأ مفعول العائد في الظهور؟".
ودشَّنَت الحكومة المصرية أيضاً استثماراتٍ في البنية التحتية بمجال الكهرباء والنقل، وكذلك دفعت بخططٍ لتسهيل فتح مشاريع ومصانع جديدة، فضلاً عن الحصول على الأراضي لاستخدامات الأعمال الحرة. وزادَ السيسي، وزير الدفاع السابق، من الدور، الكبير بالفعل، الذي تضطلع به القوات العسكرية في الاقتصاد المصري. وأثر الرئيس السبسي على تنفيذ ما يُعرف بمشروع قناة السويس الجديدة خلال عام واحد، رغم الشكوك في جدواه؛ إذ حذرت صحيفة "فايننشيال تايمز" البريطانية، آنذاك، من أنه رغم الفرحة العارمة التي غمرت المصريين لافتتاح قناة السويس الجديدة فإنه ما زالت هناك حالة من عدم اليقين حول الجدوى الاقتصادية لهذا المشروع، الذي عول عليه الرئيس عبد الفتاح السيسي في أن يكون أمل مصر الاقتصادي.
وأشارت إلى أن تنفيذ مشروع توسعة قناة السويس، الذي تكلف 8.6 مليار دولار ممولة بالكامل بـ"اكتتاب شعبي"، وتم ضغط الوقت للانتهاء منه في سنة واحدة بدلاً من 3 سنوات- كان إشارة على أن الرئيس عبد الفتاح السيسي يكافح لدحر حالة عدم اليقين السياسي التي تعيشها البلاد، والانتقادات الدولية لسجلها في مجال حقوق الإنسان، والاقتصاد البطيء غير القادر على إنتاج ما يكفي من الوظائف لتلبية احتياجات الأعداد المتزايدة من السكان.
وبعد عامين من افتتاحها، وطبقاً للإحصاءات الرسمية الصادرة عن القناة، ما تزال العائدات السنوية تسير في معدلاتها الطبيعية، دون تحقيق قفزات مفاجئة كما وعد المسؤولون؛ إذ تراجعت إيرادات القناة بنسبة 3.2 في المائة إلى 5.005 مليار دولار في عام 2016، مقابل 5.175 مليار في 2015. فيما ارتفعت إيرادات القناة خلال السبعة أشهر الأولى من العام الجاري 2017 (يناير/كانون الثاني- يوليو/تموز) بنسبة 2.1 في المائة إلى 2.938 مليار دولار مقابل 2.919 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام الماضي.
وقال خبراء لوكالة الأناضول، إن هناك زيادة طفيفة في عائدات قناة السويس منذ بدء العام الجاري، مع بدء تعافي حركة التجارة العالمية نسبياً، واتباع إدارة القناة السويس سياسات تسويقية ومنح تخفيضات لجذب الخطوط الملاحية. وإصلاحات السيسي الصعبة ليست إلا جزءاً من توجه إقليمي؛ إذ تسعى البلدان في جميع أنحاء الشرق الأوسط، حتى تلك الدول الملكية الغنية مثل الكويت، أيضاً إلى إجراء إصلاحات اقتصادية؛ لأنَّها تحاول خلق فرص عمل كافية لمواكبة التزايد في عدد سُكَّانها.
وعلى الجهة المقابلة للبحر الأحمر من مصر، يحاول ولي العهد السعودي الجديد، محمد بن سلمان، إجراء إصلاح طموح، وإن كان أقل ألماً؛ ليوقف اعتماد المملكة على النفط. وتحت الضغط، تراجع في أبريل/نيسان 2017 عن إجراءاتٍ تقشُّفيةٍ أُقرت في السابق، وسط صراع على الخلافة بالمملكة وتزايد القلق العام، حسب "وول ستريت جورنال". وأقصى السيسي، الذي يُقبِل على انتخاباتٍ رئاسيةٍ العام المقبل (2018)، معظم المعارضة السياسية والمعارضة المنظمة، منذ إطاحةِ وسجن أول رئيس مُنتخب بنزاهةٍ في مصر، وهو محمد مرسي، المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، في 2013.
وقد سُحِقَت وسائل الإعلام المصرية وجرى تطبيق حظرٍ على الوصول إلى مواقع مستقلة في الأشهر الماضية. وعرقل تشريعٌ جديدٌ عمل المنظمات غير الحكومية، مما يخفي النطاق الحقيقي للاستياء الشعبي. وقالت الحكومة إنَّ هناك حاجة إلى فرضِ قيودٍ لمكافحة الإرهاب والتطرُّف، وهو رأيٌ تتنازع عليه جماعات حقوق الإنسان وما تبقى من المعارضة. وقال عبد المنعم أبو الفتوح، السياسي الإسلامي المُعتدِل الذي حصل على 17٪ من الأصوات في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية بمصر عام 2012، إنَّ "الاستقرار الحالي يُعدُ استقراراً على طرفِ بركانٍ على وشك الانفجار. وعندما سينفجر، فلن يستطيع أحدٌ التنبؤ بشيء".
وأضاف أبو الفتوح: "إذا حدث ذلك، فإنَّ الثورة لن تقوم بها الطبقات الوسطى، مثلما حدث عام 2011. في ظل الظروف الراهنة، ما أخشى أن يحدث هو الفوضى. وإذا اندلعت الفوضى في مصر، فإن ذلك لا يُشكِّل تهديداً على المصريين فحسب؛ بل أيضاً على المنطقة كلها والغرب". ويصطف الملايين من المصريين يومياً أمام المخابز الحكومية لشراء 5 أرغفة من الخبز بأقل من سِنتين أميركيَّين، وهو جزءٌ بسيط من تكلفة القمح. ويمتد الدعم الغذائي إلى نحو 80٪ من الأسر المصرية، وقد تأسَّس هذا الدعم لأولِ مرةٍ كجزءٍ من تقنين الاستهلاك خلال الحرب العالمية الثانية.
ويزرع المزارعون في جميع أنحاء مصر محاصيلهم بمضخات المياه التي تعمل على الديزل، وحتى بعد الزيادة التي حدثت في شهر يونيو/حزيران، والتي بلغت 55٪، لا يزال سعر بيع الديزل لا يتعدَّى 77 سنتاً لما يقارب الـ4 لترات، أي أقل من ثلث أسعار التجزئة في الولايات المتحدة. وقال مسؤولون حكوميون إنَّ المنظومة تضرَّرت، على مدى عقودٍ من الزمن؛ نتيجة إعادة بيع المسؤولين الأغذية، والوقود، والغاز المدعومين، بشكلٍ غير قانوني، للمشترين في مصر وخارجها.
وفي عام 1977، حاول الرئيس المصري آنذاك، أنور السادات، معالجة مشاكل الدعم عندما بدأ فتح الاقتصاد والتخلي عن الإرث القومي الاشتراكي والقومي العربي الخاص بسلفه جمال عبد الناصر. وكجزءٍ من اتفاقيةِ قرضٍ مع صندوق النقد الدولي، أمر السادات بتخفيض الدعم على الخبز والسكر وزيت الطهي. وأدى الإعلان إلى احتجاجات جماهيرية شلَّت البلاد. وقُتل العشرات، وسرعان ما ألغى السادات قراره. وتعلَّم خليفته في الحكم، حسني مبارك، الدرس. فعلى مدار 3 عقود هي مدة حكمه، كان مبارك حذراً تجاه المساس بالدعم، حتى عندنا مضى قدماً في تنفيذ خطط الإصلاح الاقتصادي، مثل الخصخصة واتفاقات التجارة الحرة.
واندلعت ثورة يناير/كانون الثاني 2011 في مصر جزئياً؛ بسبب الفساد والمحسوبية، التي رافقت برنامج التحرير الاقتصادي لمبارك، ومال الشعور العام تجاه الحنين إلى السياسات الاشتراكية للرئيس جمال عبد الناصر. وزُجَّ بالعديدِ من رجال الأعمال الكبار في السجن، وأُبطِلَت صفقاتُ الخصخصة، وانهارت السياحة، التي تشكَّل قطاعاً هاماً في الاقتصاد، عندما عزف الوافدون المحتملون عن زيارة البلاد. ومع تقلُّص احتياطات النقد الأجنبي، الضروري لاستيراد السلع والخدمات، ساهم نقص الوقود والكهرباء المتاحة، في إعاقة النمو الاقتصادي بصورةٍ أكبر.
وبعد فوزه في الانتخابات الرئاسية عام 2012، وافَقَ مرسي متردِّداً على قرارات خفض الدعم وفرْض ضرائب جديدة خلال مفاوضاته مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرضٍ قيمته 4.8 مليار دولار. لكن الغضب الشعبي أجبره على التراجع عن مخططاته؛ ما قوَّضَ شعبيته، التي كانت تتقلَّص في الأصل؛ بسبب غلبة الطابع الإسلامي والمتعصب على الحكومة. وتَدخَّلَ الداعمون الإقليميون لمرسي، وهما قطر وتركيا بالأساس، لتمويل مصر بمليارات الدولارات.
وعَزَلَ السيسي مرسي في عام 2013 ولجأ إلى داعميه الإقليميين؛ وهم: الإمارات، والسعودية، والكويت. وقد زوَّدَت إمارات الخليج، المُتخوِّفة من انتشار عدوى الربيع العربي إليها والمتأهِّبة لوقف انتشار نفوذ الإخوان المسلمين في المنطقة، مصر بعشرات مليارات الدولارات لدعم اقتصادها. لكن خلال العام الماضي (2016)، توقَّفَ هذا التمويل أيضاً، وسط توتر العلاقات بين القاهرة والرياض. ومع تفاقم عجز الموازنة وتقلُّص احتياطات النقد الأجنبي، لم يعد أمام مصر الكثير من الخيارات سوى قبول العلاج المرير لصندوق النقد الدولي.
وأصدر السيسي قراراً بتعويم الجنيه المصري، الذي فقدَ نصف قيمته تقريباً أمام الدولار الأميركي فور تعويمه. ثم وقَّعَت حكومته اتفاقاً مع صندوق النقد في نوفمبر/تشرين الثاني؛ للحصول على قرضٍ قيمته 12 مليار دولار مقابل التعهُّد بخفض دعم الوقود والغذاء. وقال محسن خان، الزميل لدى المجلس الأطلسي والمدير السابق لقسم الشرق الأوسط ووسط آسيا في صندوق النقد الدولي: "لقد كانوا شجعاناً، لكنهم اضطروا إلى اتخاذ هذا الموقف الشجاع تحت ضغطٍ؛ فقد كانت الخيارات المتاحة أمامهم محدودة".
وتهدف الحكومة إلى التخلص التام من الدعم خلال 3 أو 5 سنوات، وفقاً لوزير التجارة والصناعة طارق قابيل. يقول الوزير: "إن القرار الصائب هو رفع الدعم تماماً. لكنك لا تستطيع فعل هذا اليوم؛ لأنك لن تُصحح أخطاء 40 عاماً في يومٍ واحد". وبدلاً من منح المصريين وقوداً وغذاءً مُدعَّمَين، تتجه الحكومة إلى منح الأفراد دعماً نقدياً بناءً على احتياجهم، وإقرار سياسات أشمل، مثل زيادة الحد الأدنى للأجور والمعاشات. وقال قابيل: "لا يمكن إتاحة الدعم كغطاءِ حمايةٍ لجميع السكان. البعض لا يستحق الدعم. سيسهم ترشيد النظام في توفير المال لإنفاقه على الصحة، والتعليم، ونمو القطاع الصناعي". بحسب هاف بوست.
وكان إقناع المصريين العاديين بهذه السياسات أمراً صعباً. في طابور أمام مخبزٍ حكومي بحي المعادي، أسهب سيد محمد سيد، الموظف الحكومي المتقاعد، في انتقاد هذه السياسات، بينما أبدى آخرون تأييدهم لما يقوله. وكانت الزيادة الأخيرة لمعاشه، البالغة 100 جنيه (ما يعادل 5.63 دولار)، بلا فائدةٍ بالنظر إلى مستوى التضخم في البلاد. وقال سيد: "لا ندري إلى متى سنتمكَّن من الصمود! ارتفعت أسعار كل شيء. وعلام نحصل مقابل هذه الأسعار المتصاعدة بحدة؟ لا شيء!".
الانتخابات الرئاسية
الى جانب ذلك يدعو بعض ممن ساعدوا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في الوصول إلى سدة الحكم إلى اختيار شخص آخر لخلافته في المنصب خلال الانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل، وهو ما يعكس تحولا في الرأي الغالب الذي يقول إنه يمثل ركيزة للاستقرار في البلاد. ورغم أن السيسي لم يعلن بعد ما إذا كان سيخوض الانتخابات المقررة في يونيو حزيران، فقد أبدى شخصان فقط إمكانية منافسته في الانتخابات. لكنهما قالا إن السيسي سيفوز على الأرجح مدعوما بحملة آخذة في التصاعد ضد خصومه.
وباتت الانتقادات التي يوجهها عدد من أقوى حلفاء السيسي السابقين بشأن تعامله مع ملفات الاقتصاد والأمن وقضية تعيين الحدود أمرا ملفتا للنظر في بلد يشكل فيه الخوف من الاضطرابات عاملا إضافيا يخنق المعارضة. وقال حازم عبد العظيم، وهو شخصية بارزة في حملة السيسي الانتخابية عام 2014 "لازم يمشي. مكنش صادق. محترمش الدستور أو القانون وفرط في الأرض و غرق البلد في ديون". ولم ترد الرئاسة على طلب للتعليق. ويرفض حلفاء السيسي الاتهامات الموجهة له بانتهاك الحقوق ويقولون إن الإجراءات التي يتخذها ضرورية من أجل الأمن في مواجهة هجمات المتشددين الإسلاميين. ويقول السيسي إن حكومته تعمل على إصلاح الاقتصاد وإعادته إلى مساره.
واعتبر العديد من المصريين اتفاقية تعيين الحدود البحرية التي أبرمها السيسي مع السعودية العام الماضي وتضمنت نقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير بالبحر الأحمر إلى المملكة إهانة للسيادة الوطنية. وتسببت الاتفاقية في اندلاع احتجاجات نادرة ولا تزال محلا للتنازع في ساحات القضاء. وفيما يتعلق بالأوضاع الداخلية، يعاني المصريون من ارتفاع معدلات التضخم ومن هجمات المتشددين المستمرة التي تقول الحكومة إنها تبرر سجنها لمعارضين وناشطين سياسيين وإغلاقها لوسائل إعلام معارضة.
وفاز السيسي بانتخابات الرئاسة التي أجريت عام 2014 باكتساح وذلك بعد عام من إعلانه حين كان وزيرا للدفاع عزل الرئيس السابق محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين. وتعهد السيسي بتحقيق النمو الاقتصادي والاستقرار وبشن حملة صارمة على المتشددين. ولا يزال يخشى معظم سكان مصر البالغ عددهم 92 مليونا من تحدي الوضع القائم بعد أن مروا خلال السنوات الماضية بتجارب مختلفة منها انتفاضة تطالب بالديمقراطية والعيش في ظل مجلس عسكري حاكم وحالة طوارئ طويلة.
وخلال عهد السيسي، سُجن آلاف المعارضين وأغلقت الحكومة وسائل إعلام مستقلة وفرضت الكثير من القيود على إجراء استطلاعات للرأي. وحذرت الحكومة المواطنين من المشاركة في استطلاعات الرأي بعد مرور شهر على إعلان المركز المصري لبحوث الرأي العام (بصيرة) المؤيد للحكومة تراجع شعبية السيسي بنسبة 14٪ العام الماضي.
وقال عبد العظيم إنه فقد الثقة في السيسي تدريجيا بسبب وعوده الاقتصادية الفاشلة وسياساته القمعية التي يقول إنها أسوأ من حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك. وأضاف أن نقل تبعية الجزيرتين إلى السعودية دفعه إلى التنديد بالسيسي على قناة الجزيرة التي يصفها مؤيدو السيسي بأنها بوق لجماعة الإخوان المسلمين. وقال عبد العظيم، الذي كان يرأس لجنة الشباب في حملة السيسي "أنا (كنت) محروق جدا... احنا بنتكلم علي أرض بتضيع". وأضاف "أنا ليا تحفظات علي الجزيرة لكن الراجل مسبلناش خرم إبرة نتنفس منه. أنا عايز الناس تسمع.. أنا هتكلم فين؟".
وقالت نور الهدى زكي، وهي كاتبة صحفية معروفة وكانت يوما ما أحد أبرز الشخصيات في حملة السيسي، إن فكرة تخلي مصر عن الجزيرتين كانت أشبه بصفعة على وجهها. وقالت "أنا حسيت أن في إهانة للقسم اللي الرئيس حلف عليه". وخلال فترة حكمه التي استمرت عاما واحدا، واجهت حكومة مرسي احتجاجات بسبب انقطاع التيار الكهربائي ونقص الوقود ومقاومة مؤسسات الدولة له. ووصل مرسي إلى السلطة في انتخابات أجريت عام 2012 بعد نحو عام ونصف من انتفاضة 2011 الشعبية.
وبعد عزل مرسي عام 2013، نال السيسي قائد الجيش إعجاب شريحة واسعة من الجماهير بزيه العسكري ونظارته الشمسية الداكنة وخطاباته البليغة. وكانت المحال تبيع حلوى مزينة بصورته. والآن تتزايد التحديات. فمصر تواجه جماعة متشددة موالية لتنظيم الدولة الإسلامية وتنشط في شمال شبه جزيرة سيناء. وكثفت هذه الجماعة هجماتها منذ عزل مرسي وقتلت المئات من قوات الجيش والشرطة. وركزت الجماعة، التي كانت تعرف باسم أنصار بيت المقدس قبل أن تغير اسمها إلى ولاية سيناء عام 2014، هجماتها في الشهور الأخيرة على المسيحيين في مناطق متفرقة من مصر وقتلت نحو 100 مسيحي منذ ديسمبر كانون الأول. وكان المسيحيون من أبرز المؤيدين للسيسي. بحسب رويترز.
وتقول جماعات لحقوق الإنسان إن الأمن يُستخدم ذريعة لحملة حكومية متصاعدة لإسكات المنتقدين. ومنذ 24 مايو أيار، قامت الحكومة بإغلاق 122 موقعا إخباريا على الأقل وفقا لمؤسسة حرية الفكر والتعبير، وهي منظمة غير حكومية تتابع المواقع المستهدفة. وشهدت تكاليف المعيشة ارتفاعا صاروخيا بالنسبة لمعظم المصريين بعد سنوات من الاضطراب السياسي، فضلا عن انخفاض قيمة الجنيه المصري وزيادة الضرائب وخفض الدعم الذي تقدمه الحكومة تطبيقا لبنود اتفاق قرض من صندوق النقد الدولي.
الدور في سوريا
على صعيد متصل نجحت مصر في انجاز اتفاقين لتهدئة الأوضاع في سوريا في فترة وجيزة، وذلك في ظل رضا من الأطراف المتصارعة، وقبول من الفاعلين الدوليين في الأزمة. لكن ما الذي وراء سعي مصر للانخراط في الملف السوري بعد غياب دام عدة سنوات؟ لاشك أن الموقف المصري تجاه القضية السورية قد اختلف بشكل جذري ما بين عهد الرئيس محمد مرسي والرئيس عبد الفتاح السيسي. فالرئيس مرسي قطع العلاقات الدبلوماسية مع نظام الأسد، بل ودعم بكافة الأشكال جميع التحركات التي من شأنها إسقاط حكمه، وقال إنه "لا مجال ولا مكان للنظام السوري الحالي في سوريا مستقبلا" معتبرا أنه "ارتكب جرائم ضد الإنسانية."
بينما كانت أهم تصريحات الرئيس السيسي هي أن "مصر تدعم الجيوش الوطنية في المنطقة العربية لحل الأزمات ولحفظ الأمن والاستقرار"، في رسالة لم يخطئها أحد بشأن دعم الجيش العربي السوري، ومن خلفه الرئيس بشار الأسد في الحرب ضد الجماعات الإسلامية المسلحة؛ ضماناً لوحدة الأراضي السورية. ومع بداية حكم السيسي لمصر، نأت الدبلوماسية المصرية بنفسها عن الانخراط بقوة في الملف السوري، وأخذت تراقب الوضع وتدرس مواقف الحلفاء، خصوصاً مع تنامي دور تركيا، العدو اللدود للنظام المصري الحالي، وسيطرتها بشكل كبير مع إيران على الكثير من الملفات المتعلقة بالأزمة السورية.
وبعد ترقب للموقف وخلافات مع السعودية بشأن بقاء بشار ونظامه من عدمه وتصويت في الأمم المتحدة أثار جدلاً شديداً، توسطت مصر وبمباركة سعودية وروسية في إبرام اتفاق الهدنة في الغوطة الشرقية ثم اتفاق الهدنة شمالي حمص فيما يبدو أنه محاولات مصرية حثيثة لتوسيع دورها في الأزمة السورية، بالتنسيق مع قوى إقليمية ودولية ما قد يعزز من رغبة الفاعلين في الملف السوري في تعظيم الدور المصري على حساب دور تركي أو إيراني يبدو أنه فشل حتى الآن في تهدئة الأوضاع على الأرض.
أحمد الجربا، رئيس تيار الغد السوري قال إن "اختيار مصر كدولة راعية لاتفاقيتي وقف إطلاق النار في الغوطة الشرقية وريف حمص الشمالي، كان نتيجة طبيعية وضرورية لدورها الفاعل باعتبارها الأكثر حرصا على حرمة الدم السوري." وأضاف أن "مصر لم تشارك بأي وسيلة من الوسائل في سفك الدماء، وتعتبر سوريا جزءا لا يتجزأ من تاريخها وسلامة أمنها القومي كما أنها أكثر الدول التزاماً بحل الأزمة السورية بالطرق السلمية ولم تشارك نهائياً في سفك الدماء بسوريا". الرئيس السوري بشار الأسد من جانبه يستريح لدور مصر الحالي، التي أعلنت أكثر من مرة مساندتها لوحدة الدولة السورية وتأييدها للجيوش الوطنية، حيث عقدت العديد من الاجتماعات بين القاهرة ودمشق، حضرتها وفود أمنية رفيعة المستوى من الدولتين لم يعلن عن أغلبها، كما قدّمت مصر مساعدات فنية وخبرات أمنية كبيرة لسوريا.
وقالت مصادر سياسية لصحيفة العرب- لم تسمها- إن قبول وارتياح دمشق لدور القاهرة كان الفيصل في نجاح اتفاق الغوطة ثم اتفاق حمص؛ لأن الأسد يدرك أن مصر حليف رئيسي له، ولديهما قواسم مشتركة تعزز أواصره، كما أن الإدراك التاريخي أن أمن مصر يبدأ من سوريا يسيطر على التقديرات الاستراتيجية للجيش المصري، لذلك يتم الدفاع بوسائل مختلفة عن عدم سقوط النظام السوري، خوفاً من انهيار مكونات الدولة، ووصول تداعياتها للعمق المصري. وأضاف نفس المصدر لصحيفة العرب أن لدى مصر اعتقاد جازم بأن سوريا هي مفتاح الدور الإقليمي لمصر، والنجاح في الوساطة يمكن أن يكون مقدمة لأدوار أخرى أكثر أهمية في المنطقة، وأن كل نجاح تحققه الدبلوماسية المصرية يعد مكسباً يساعد على توسيع نطاق الدور المصري.
ويقول مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة إن الحكومة المصرية بعد ثورة يناير 2011 مروراً بفترة المجلس العسكري والآن في ظل حكم الرئيس السيسي كان موقفها مسانداً للنظام السوري وترفض انقسام سوريا، وتؤيد بقاء الجيش السوري موحداً بصرف النظر عن بعض الخلافات مع نظام بشار الأسد، الذي ترى أنه يحارب تنظيمات إرهابية. ويستثنى السيد من ذلك فترة العام التي تولى فيه مرسي الحكم "لأنه كان يرى أن بعض القوى التي كانت تحارب الحكومة السورية هي قوى إسلامية والدكتور مرسي إسلامي ولذا كان هناك نوع من التعاطف مع هذه الحركات التي ترفع راية الإسلام السياسي ضد نظام الحكم السوري." ويتابع السيد "ربما كان هذا الموقف أحد الأسباب التي دعت القوات المسلحة إلى الاطاحة به بعد انتفاضة شعبية ضد حكمه"
ويوضح أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة أن ما جعل من مصر وسيطاً نزيها هو أن الحكومة المصرية لم تتورط في مساندة أي من الحركات التي تناهض حكم الأسد، خصوصاً الحركات الإسلامية المسلحة، وقد حاولت مصر مساندة بعض القوى السياسية المعارضة لنظام الأسد؛ لكنها كانت قوى معتدلة لا ترفع السلاح ولا ترفع راية الإسلام السياسي، يضيف مصطفى كامل السيد. ويؤكد السيد أن مصر تربطها علاقات جيدة إلى حد ما مع معظم الأطراف المنخرطة في الصراع بسوريا باستثناء الأطراف التي تدعمها كل من تركيا وإيران "وحتى بعد تولي الرئيس السيسي الحكم صدرت بعض تعبيرات الود والتقدير من جانب الرئيس الأسد تجاه مصر"
ومن جانبه قال رضوان زيادة الأكاديمي السوري والمدير التنفيذي للمركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية بواشنطن إنه لا يعتقد أن دور مصر مركزي في القضية السورية "لكنها في الأشهر الأخيرة أحبت أن تلعب دور تهدئة، وبسبب علاقاتها الجيدة مع روسيا ربما قررت الخارجية الروسية إتاحة هذا الدور لها بحيث تكون مصر فاعلة بشكل أو بآخر في القضية السورية." وأضاف زيادة "لا يمكن لمصر أن تتدخل بهذا الشكل دون موافقة الولايات المتحدة وروسيا المسيطرتين على المحاور الإقليمية والدولية الفاعلة في سوريا اليوم." ويبدو أن نشاط مصر والتحالف الثلاثي الخليجي – السعودية والامارات والبحرين – قد امتد ليصل نفوذه إلى سوريا، وأن الأمر لم يعد مقتصراً على مقاطعة قطر أو التضييق عليها في محيطها الإقليمي فقط وإنما امتد إلى الجهات التي تدعمها هي وتركيا في الداخل السوري، في تنسيق واضح واتفاق معلن بين الدول الأربعة، التي ما كانت اتفاقات التهدئة في سوريا لتتم دون وجود اتفاقات بينها في خلفية المشهد.
ويقول مصطفى كامل السيد إن هناك نوعاً من التطور حدث في مواقف الدول المنخرطة في النزاع، فالحكومة الروسية لا تريد اتساع نفوذ تركيا وإيران في سوريا ولذلك تسعى لإدخال أطراف أخرى في المشهد، كما أنها تخشى من نوايا تركيا في الملف السوري، ونظراً لحالة التوتر بين مصر وتركيا فمن مصلحة روسيا إدخال مصر إلى المشهد – ومن خلفها دول الحلف الخليجية الثلاثة. ويتابع أستاذ العلوم السياسية "بل إن حتى السعودية يبدو أن موقفها قد تغير من بقاء بشار الأسد وبالتالي فلم تعد مصر تخشى من تأثر علاقاتها القوية مع السعودية اذا ما دخلت في تسوية المشكلة السورية، كل هذه العوامل جعلت مصر مرشحة للدخول بقوة في بعض الترتيبات التي قد تفضي الى احتواء النزاع في سوريا."
وتحاول الدبلوماسية المصرية شيئا فشيئا الإمساك بزمام عدد من الملفات في سوريا، مع علمها اليقيني بأن ذلك سيزيد من التوترات مع تركيا، التي قد لا تصبر كثيراً على ما تراه تهديداً كردياً لأمنها، وهو ما قد يجبرها على التدخل الخشن في القضية السورية؛ رغم ما سيكون لذلك من تبعات. ويقول مصطفى كامل السيد: "ليس هناك أمل في تحسن العلاقات المصرية مع تركيا في المستقبل القريب ولذلك لم تنظر تركيا للدور المصري بعين الارتياح أو الرضا." ويتابع استاذ العلوم السياسية: "لكن الدور المصري إلى الآن يتمثل في تيسير الوصول إلى مناطق معينة وخفض التوترات في بعض المناطق الاخرى وهي مسألة وافقت عليها كل من تركيا وايران بالاتفاق مع روسيا".
ويتصور السيد أن تركيا تخشى من توسع دور مصر من الجانب اللوجيستي حاليا إلى دور سياسي أكبر فيما بعد، ويقول "لكن مصر لم تعبأ بهذا لانعدام الأمل في تحسن العلاقات بين الجانبين قريبا، وهذا الأمر مريح تماما للحكومة المصرية وأن ينظر إلى تدخلها باعتباره خصما من رصيد الدور التركي." أما فيما يتعلق بالعلاقات المصرية الإيرانية فيقول كامل السيد إنه لا يبدو واضحاً تماماً أنها على القدر نفسه من التوتر "لكن ما يخرج عن الجانب الإيراني تجاه مصر هو دائماً إشارات طيبة، رغم أنه من المؤكد أن إيران تدرس حالياً نتائج توسع الدور المصري في المشهد السوري وتأثيرات ذلك عليها، لكنه لن يكون أبداً بالقدر نفسه من القلق الموجود لدى تركيا"، يوضح السيد. بحسب DW.
من جهته قال رضوان زيادة إنه يستبعد تعاظم الدور المصري مما هو عليه حاليا ليصبح أكثر فعالية وتعقيدا في الملف السوري لأسباب تتعلق بالأوضاع الداخلية في مصر "التي بالتأكيد تؤثر على وجود سياسة خارجية فعالة وأيضاً على المستوى الرسمي والدولي مصر في حاجة إلى دول الخليج من أجل المساعدات الاقتصادية وبالتالي فهي لا تستطيع الخروج عن نطاق رغبات السعودية في سوريا." ويؤكد زيادة "بالتالي فمصر ستبقى محكومة بشكل أو بآخر على مستوى السياسة الخارجية بالدور السعودي."
اضف تعليق