اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وجبهة النصرة الذي دخل حيز التنفيذ في جرود عرسال، ما يزال محط العديد من وسائل الإعلام، حيث عدها بعض المراقبين تطور مهم وانجاز عسكري جديد لحركة حزب الله في هذه المنطقة، فقد بدأ حزب الله، بحسب بعض المصادر معاركه في جرود عرسال، في 19 يوليو/تموز الماضي، ضد مجموعات سورية مسلحة، أبرزها جبهة النصرة وتمكن من السيطرة على مواقع عدة، كانت تحت سيطرتها. وتلا ذلك اتفاق بين الحزب وجبهة النصرة، على تسليم جثث القتلى للطرفين كمرحلة أولى، ثم مرحلة ثانية تشمل خروج مسلحي جبهة النصرة، وعائلاتهم مقابل الإفراج عن أسرى حزب الله لدى الأولى. وبحسب تقرير لموقع ميدل إيست آي البريطاني، فلم يعد ينظر إلى حزب الله كحركة مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيل جنوب لبنان فقط، بل اصبح الآن يمثل خط دفاع أولي ضد التهديدات الإرهابية من الشرق أيضا. وكان الرئيس اللبناني ميشال عون أعلن في شباط / فبراير الماضي أن حزب الله هو جزء أساسي من دفاع لبنان.
من جانب اخر يرى بعض المراقبين ان ما حدث يمكن ان يسهم في خلق توتر وصراع داخلي في لبنان، خصوصا وان بعض الجهات تعارض تحركات حزب الله وتعتبر هذا الامر تهميش لدور الجيش اللبناني، الذي يجب ان يبقى صاحب النفوذ في تلك المنطقة. ووقد انتقد الخصوم السياسيون لحزب الله، ومن بينهم رئيس الوزراء سعد الحريري، دور الجماعة اللبنانية الشيعية في الصراع السوري. وقال الحريري إن تنسيق عودة اللاجئين من لبنان إلى سوريا يجب أن تتم فقط من خلال الأمم المتحدة. وكان الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله أكد في كلمة له أن قرار معركة جرود عرسال اتخذ، وهو ليس قراراً إيرانياً أو سورياً، وان توقيت المعركة ليس له علاقة بأي تطورات إقليمية أو عربية، معلناً أنّ المقاومة جاهزة لتسليم الأرض التي حررتها من الجماعات المسلّحة في الجرود إلى الجيش اللبناني. كذلك أهدى السيد حسن النصر إلى كل طوائف ومذاهب الأمة وخصوصاً السنّة الذين سقطوا ضحايا الإرهاب التكفيري.
الآلاف يغادرون
وفي هذا الشأن قال مصدر أمني في لبنان إن نحو ثمانية آلاف شخص سجلوا أسماءهم ليغادروا المنطقة الحدودية اللبنانية قرب بلدة عرسال متجهين إلى منطقة تسيطر عليها المعارضة في سوريا في إطار اتفاق محلي لوقف إطلاق النار بين جماعة حزب الله اللبنانية وجبهة النصرة. وبدأ سريان وقف إطلاق النار وسيشمل رحيل جميع مقاتلي جبهة النصرة من المنطقة المحيطة بعرسال برفقة أي مدنيين يرغبون في المغادرة معهم من مخيمات اللاجئين في المنطقة.
وبدأت أولى خطوات وقف إطلاق النار بتبادل جثث القتلى من الجانبين. ومن المقرر إطلاق سراح خمسة أسرى من حزب الله تحتجزهم جبهة النصرة في إطار الاتفاق. وكان لجبهة النصرة وتنظيم داعش وجود في منطقة جبلية قرب بلدة عرسال في شمال لبنان منذ سنوات في أخطر تداعيات الحرب الأهلية السورية. واستعاد حزب الله أغلب المناطق التي كانت تسيطر عليها جبهة النصرة خلال هجوم قصير قتل فيه نحو 150 من المتشددين وأكثر من 20 من مقاتلي حزب الله. ومن المتوقع أن يشن حزب الله، الذي لعب دورا مهما في الحرب الأهلية السورية دعما للرئيس بشار الأسد، هجوما على جيب أصغر حجما لتنظيم داعش قرب عرسال.
من جانب اخر أعلنت غرفة عمليات المقاومة الإسلامية عن انتهاء عملية تنظيف جرود عرسال اللبنانية وجرود فليطة في القلمون الغربي من الإرهاب المتمثل بجبهة النصرة فرع تنظيم القاعدة في بلاد الشام. وجاء في بيان صادر عن غرفة عمليات المقاومة أنه "تم تحقيق كل الأهداف المرسومة للعملية منذ بدايتها، فتحررت جرود عرسال اللبنانية وجرود فليطة السورية". وأضاف أنّ وجود جبهة النصرة انتهى في كامل الحدود اللبنانية، وجرى تطهير المنطقة من فرع تنظيم القاعدة.
وفي وقت بيّن فيه بيان المقاومة أنّ تحرير الجرود "أزال كامل التهديد العسكري للتنظيم الإرهابي عن الحدود الشرقية للبنان واجتث قاعدته الأساسية التي أطلقت من خلالها سياراته المفخخة وانتحاريوه إلى العمق اللبناني"، أكدّ أنّ إنهاء الوجود "الخبيث للإرهاب التكفيري" أثمر أيضاً تحريراً لأسرى المقاومة لدى النصرة واستعادة لأجساد الشهداء الذين سقطوا في معركة الدفاع عن لبنان وحريته و سيادته. وختم البيان بالقول "جاهزون دائماً لتنفيذ أي مهمة يطلبها الأمين العام في مواجهة ما تبقى من تهديد إرهابي تكفيري".
ماذا بعد التحرير
من جانب اخر وبعد أن نجح "حزب الله" وبحسب بعض المصادر، في تحرير جرود عرسال من عناصر جبهة "النصرة"، تطرح أسئلة في الأوساط الأمنية والعسكرية حول المرحلة التي ستلي هذا الإنجاز، نظراً إلى أن التداعيات ستكون كبيرة على الداخل اللبناني. من الناحية العسكرية، هناك شبه إجماع على أن الوجهة المقبلة لسير العمليات العسكرية من المفترض أن تكون جرود بلدتي القاع ورأس بعلبك، لتحريرها من عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي، لكن الجهة المنفذة ستكون الجيش اللبناني لا "حزب الله"، مع العلم أن الحزب سيبقى في موقع الجهوزية للتدخل بحال فرض سير المعركة هذا الأمر، حيث تشير مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن هناك قناعة تامة لدى المسؤولين اللبنانيين بأن فتح باب التفاوض مع التنظيم الإرهابي لا يمكن أن يتم إلا تحت الضغط، وتلفت إلى وجود ملفين أساسيين ينبغي التفاوض عليهما: الأول هو إنسحاب هؤلاء المسلحين من الجرود اللبنانية، والثاني هو تحرير العسكريين المخطوفين لديه من معركة عرسال الأولى في العام 2014.
في هذا السياق، لا تنفي هذه المصادر صعوبة هذه المهمة بالرغم من المعلومات عن وجود وسيط، لكنها تشدد على أن انطلاق العملية العسكرية قد يسهل هذا الأمر لا سيما إذا ما نجحت في تحقيق النتائج المرجوة منها، وتوضح أن التجربة في جرود عرسال مع جبهة "النصرة" هي أكبر دليل على ذلك، حيث كان مسؤولها يطرح شروطاً تعجيزية في المفاوضات التي كانت قائمة قبل المعركة الأخيرة، لكنه عاد إلى الرضوخ بعد أن أيقن بأن لا أفق أمامه إلا الإستسلام لإتفاق يؤمن الحد الأدنى من مطالبه، وترجح أن يتكرر الأمر نفسه مع عناصر "داعش"، بالرغم من تأكيدها بأن العقلية التي يدير بها التنظيم الأخير المفاوضات لن تكون سهلة على الإطلاق.
على صعيد متصل، تلفت المصادر نفسها إلى أن النتائج المترتبة على هذه الإنجازات العسكرية لا تلغي المخاوف الأمنية، حيث أن التنظيمات الإرهابية قد تسعى إلى الإنتقام من خلال محاولة إختراق الساحة المحلية، وتشير إلى أن التوقيفات المتكررة التي تقوم بها الأجهزة الأمنية تؤكد بأن هذه التنظيمات كانت تسعى إلى هذا الأمر على مدى السنوات السابقة، وبالتالي لبنان كان هدفاً لها منذ ما قبل العمليات العسكرية الأخيرة، لكنها تؤكد بأن الجهات الأمنية المعنية تأخذ هذا الأمر في الإعتبار وتتعامل معه من خلال رفع مستوى الإجراءات المتخذة.
على المستوى السياسي، تشير أوساط سياسية في قوى الثامن من آذار، عبر "النشرة"، إلى أنها منذ إنطلاق العملية العسكرية في جرود عرسال كانت تتوقع أن يكون لها تداعيات سياسية على المستوى المحلي، بسبب اصرار فريق سياسي على وضع نفسه في خانة "المنهزم"، في حين أن المعركة هي مع الجماعات الإرهابية التي تستهدف كل اللبنانيين دون إستثناء، وسبق لها أن خطفت وأعدمت عناصر من الجيش وقوى الأمن الداخلي، وتضيف: "هذا الفريق هو نفسه من كان يضع الخطوط الحمراء لمنع تخليص لبنان من هذه الجماعات على مدى الأشهر السابقة".
في المقابل، لا تتردد مصادر نيابية في قوى الرابع عشر من آذار، عبر "النشرة"، بالتأكيد أن ملف السلاح غير الشرعي والإستراتيجية الدفاعية يجب أن يعاد فتحه، وتوضح أن الدعوة إلى إلتئام طاولة الحوار من جديد لإستكمال البحث في هذا البند باتت أمراَ ضرورياً، لا سيما أن المنطقة ستكون على موعد مع تحولات كبرى في المرحلة المقبلة، لن يكون لبنان بعيداً عنها بسبب الدور الذي يقوم "حزب الله" على هذا الصعيد.
وتلفت هذه المصادر إلى أن العديد من الدول العربية، بالإضافة إلى الولايات المتحدة وبعض البلدان الأوروبية، لن تقبل بإستمرار الوضع على ما هو عليه وهي لن تتردد في ممارسات الضغوط، وبالتالي المطلوب إتخاذ إجراءات سريعة لحماية لبنان واللبنانيين، مع العلم أن أحداً لا يتوهم بأن يكون ذلك بالقوة العسكرية، وتضيف: "لذلك نجدد الدعوة إلى الحوار والتفاهم والإبتعاد عن لغة التخوين وإتهامات العمالة لأن المطلوب حماية الإستقرار المحلي أولاً وأخيراً".
اضف تعليق