مع استمرار الصراع في سوريا تتواصل المساعي الدولية لإنجاح محادثات السلام السورية، حيث يعتزم مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، وبعد اختتام الجولة السابعة إجراء جولة ثامنة من محادثات السلام السورية غير المباشرة في سبتمبر المقبل بين حكومة الرئيس بشار الأسد وقادة المعارضة، هذه المحادثات وكما قال المبعوث، لم تحدث فيها أي انفراجة أو انهيار ولم ينسحب أحد، وهو تقدم تدريجي. وأوضح أنه طلب من مبعوثي الأسد أن يكونوا مستعدين لبحث العملية السياسية في الدورة المقبلة في جنيف.
كما أشار دي ميستورا إلى التقدم الذي تحقق من خلال الدبلوماسية الدولية مثل الهدنة الموقتة في أجزاء من جنوب سوريا التي توسطت فيها كل من الأردن وروسيا والولايات المتحدة. وأعرب عن ترحيبه الشديد بدعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى تشكيل مجموعة اتصال تدعم خارطة طريق سياسية لسوريا بعد انتهاء حربها المستمرة منذ ست سنوات. ويرى بعض المراقبين ان محادثات السلام ربما تكون صعبة ومعقدة، بسبب اختلاف وجهات النظر وغياب الثقة وتعدد اطراف الصراع والدول الداعمة، التي تسعى الى تحقيق مصالحها الخاصة في هذا البلد.
وكانت المعارضة السورية( المنقسمة) اتهمت في وقت سابق الحكومة بعرقلة إحراز أي تقدم في محادثات السلام برعاية الأمم المتحدة التي بدأت في جنيف.وقال عضو وفد المعارضة السورية يحيى العريضي إن الجولة السابعة من المحادثات بدأت بتوقعات قليلة وانتهت أيضا بهذه الطريقة. وتهدف محادثات الأمم المتحدة إلى التوصل لاتفاق حول حكومة انتقالية ودستور جديد وإجراء انتخابات جديدة في البلاد التي دمرتها الحرب منذ عام 2011.
فرصة جيدة
وفيما يخص اخر تطورات هذا الملف قال مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا ستافان دي ميستورا إن اتفاقات عدم التصعيد في القتال في سوريا يمكن أن تسهل تسوية الصراع وتفضي إلى مرحلة لإرساء الاستقرار في البلاد لكن يجب أن تكون مثل هذه الاتفاقات إجراء مؤقتا وأن تتجنب التقسيم. وقال دي ميستورا إن مناقشات تجرى لتنفيذ وقف إطلاق النار في جنوب غرب سوريا بوساطة أمريكية روسية في أول مسعى أمريكي لصنع السلام في عهد الرئيس دونالد ترامب.
ومضى قائلا "عندما تتفق أساسا قوتان عظميان... على ذلك المستوى في محاولة إنجاح وقف إطلاق النار هذا، ففرصة حدوث هذا قوية". وأضاف أن الاتفاق الذي دخل حيز التنفيذ صامد بشكل كبير حتى الآن. كما أبدى دي ميستورا انطباعا إيجابيا تجاه محادثات وقف إطلاق النار التي عقدت في آستانة عاصمة قازاخستان ولم تتوصل لاتفاق على آلية لمراقبة اتفاق على عدم التصعيد أبرمته روسيا وإيران وتركيا، وقال إنها أنتجت الكثير من العمل "في الاتجاه الصحيح".
وقال دي ميستورا إن العالم ربما يشهد حاليا مرحلة التبسيط لأكثر الصراعات تعقيدا في الزمن المعاصر مضيفا أن عدم التصعيد في الحرب يجب أن تكون مرحلة انتقالية مؤقتة دون أن تقوض وحدة الأراضي السورية ويجب أن تؤدي سريعا لمرحلة الاستقرار. بحسب رويترز.
وقال "قد تصبح هذه أولوية فور تحرير الرقة" في إشارة إلى المعقل الرئيسي لتنظيم داعش في سوريا في شمال شرق البلاد. ولدى سؤاله عما إذا كانت الحرب تتجه نحو نهايتها بعد ما يقرب من ست سنوات ونصف السنة وبعد مقتل مئات الآلاف، قال دي ميستورا إن ظروفا عدة مهيأة الآن على الأرض وعلى الساحة الإقليمية والدولية. وتابع قائلا "توجد فرصة أكبر مما رأيناه في السابق لتحقيق تقدم". وخلال جولات المحادثات الست السابقة منذ أوائل 2016 لم تتوحد المعارضة قط في وفد واحد مما يعني أن دي ميستورا لا يمكنه عقد محادثات مباشرة بين الحكومة السورية ووفد موحد من المعارضة.
المصالح الدولية
الى جانب ذلك قال عضو بارز في المعارضة السورية إنه لا مقاتلي المعارضة ولا حكومة الرئيس بشار الأسد سيكون لهم أي نفوذ في صياغة حل سياسي ينهي الحرب الأهلية الدائرة منذ ست سنوات وأضاف أن الحل السياسي أصبح الآن رهينة المصالح الدولية. ومنذ استئناف المفاوضات العام الماضي كانت هناك عدة جولات بوساطة الأمم المتحدة شارك فيها ممثلون من الجانبين لكنها حققت تقدما ضئيلا.
وقال منذر ماخوس المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات "ليس هناك حل في الوقت الراهن. لم نتقدم قيد أنملة في (جنيف). ليس هناك لا حل سياسي ولا عسكري. حالة جمود كاملة". وتضم الهيئة العليا للمفاوضات جماعات سياسية وأخرى مسلحة وهي مدعومة من السعودية وتركيا ودول غربية. ومع ذلك تقلص نفوذها بعد أن استعادت القوات السورية مناطق مهمة فيما يركز التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة دعمه على الأرض للجماعات الكردية التي تقاتل تنظيم داعش.
وقال ماخوس إن الهيئة لن تتخلى عن محادثات جنيف إذ لا يزال من المهم أن تثبت استعدادها لإيجاد حل سياسي مقارنة بوفد الحكومة الذي يبذل قصارى جهده لعرقلة المحادثات. لكنه أقر أن الأمر لم يعد في يد السوريين. وأضاف "لا توجد قوة إرادة سورية الآن. تم تهميشها تماما. نحن رهائن للمصالح الإقليمية والدولية". وقال ماخوس، وهو أيضا مبعوث الهيئة إلى سوريا، إن أي انفراجة حقيقية لن تحدث إلا لو فرضت روسيا الداعم الرئيسي للأسد والولايات المتحدة وأوروبا ولاعبون إقليميون حلا يحقق الحد الأدنى من طموحات الشعب السوري. بحسب رويترز.
وطالبت الهيئة العليا للمفاوضات مرارا برحيل الأسد كجزء من أي حل. وقال ماخوس "لن يتخلى عنا (أنصارنا) لكن الأولويات تغيرت. مشكلة الأسد لم تعد أولوية لعدد من اللاعبين الإقليميين والدوليين". وتابع "السؤال الرئيسي هو: هل ستبقى سوريا موحدة بدون الأسد؟ لا أحد يستطيع القول أن بوسع الأسد البقاء لكن اليوم الموقف على الأرض هو الذي سيملي الشروط".
قبول الأسد
من جانب اخر قال أليكسي بورودافكين مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة في جنيف إن أمام المحادثات السورية التي ترعاها الأمم المتحدة فرصة لتحقيق تقدم لأن مطالب الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد تراجعت. وأضاف أن الجولة السابعة من المحادثات التي انتهت تمخضت عن نتائج إيجابية لاسيما في "تصحيح" نهج وفد الهيئة العليا للمفاوضات وهي تكتل المعارضة الرئيسي. وقال "جوهر هذا التصحيح هو أنه خلال هذه الجولة لم تطالب المعارضة قط باستقالة الرئيس بشار الأسد والحكومة السورية الشرعية فورا".
وأضاف أن الهيئة العليا للمفاوضات أدركت مع داعميها في العواصم الغربية والخليجية أن السلام يجب أن يحل أولا وبعدها يمكن التفاوض على إصلاحات سياسية. وكانت هيئة المفاوضات وداعموها الدوليون يطالبون دوما برحيل الأسد وهو ما قوبل برفض قاطع من روسيا التي ينظر لها على نطاق واسع على أنها تحافظ على توازن القوى في سوريا بسبب تدخلها العسكري وتحالفها مع الرئيس السوري.
لكن على مدى العام الأخير تكبدت المعارضة هزائم عسكرية على يد الجيش السوري وقوات أخرى مؤيدة للأسد، ولا يدعو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للإطاحة بالأسد على الفور. وتجنب مفاوضو الحكومة السورية خلال محادثات الأمم المتحدة مناقشة أي شكل من التحول السياسي مفضلين التركيز على مكافحة الإرهاب. ولم يجر وفد الحكومة بعد مفاوضات مباشرة مع المعارضة لعدم وجود وفد موحد يمثلها إذ تقول كل من الهيئة العليا للمفاوضات وجماعتين أخريين تعرفان باسم "منصة موسكو" و"منصة القاهرة" إنها هي الوفد الممثل للمعارضة.
وخلال الجولات السبع التي عقدت حتى الآن التقى وسيط الأمم المتحدة الخاص بسوريا ستافان دي ميستورا بكل طرف على حدة في مفاوضات مجهدة لم تنجح إلا في تحديد الموضوعات التي يجب مناقشتها وهي صياغة دستور جديد وإصلاح نظام الحكم وإجراء انتخابات جديدة ومحاربة الإرهاب. وعقد قادة وفود المعارضة الثلاثة اجتماعات لمحاولة التوصل إلى أرضية مشتركة مما زاد من آمال عقد مفاوضات مباشرة في الجولة القادمة من التفاوض المقررة في سبتمبر أيلول. وقال بورودافكين إن نجاح وفد موحد ممثل للمعارضة سيعتمد على استعداده للتوصل إلى حلول وسط مع فريق الأسد. بحسب رويترز.
وتابع قائلا "إذا كانوا مستعدين لإبرام اتفاقات مع وفد الحكومة هذا أمر أساسي. أما إذا انزلقوا مجددا... لتحذيرات وشروط مسبقة ليست واقعية فهذا لن ينجح. بل سيقود المفاوضات سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة إلى طريق مسدود". ودعا المندوب الروسي أيضا إلى تمثيل أوسع في المعارضة مشيرا إلى الأكراد كمثال واضح في هذا الصدد مضيفا أنهم مواطنون سوريون لهم نفوذهم السياسي والعسكري. لكنه قال إن الأمر يعود إلى دي ميستورا ليقرر كيفية وتوقيت إشراكهم في العملية السياسية.
اضف تعليق