تعيش المكسيك وسط حالة من الفوضى وعدم الامن وزيادة ملحوظة في أعمال العنف بجميع ارجاء البلاد فقد حلت المكسيك المرتبة الثانية عالميا بعد سوريا في العام الماضي من حيث معدلات القتل بسبب الجرائم التي ترتكبها عصابات المخدرات وفق تقرير صادر عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية.
وأوضح التقرير أن النزاع السوري أدى الى مقتل ما يقارب 60 الف شخص خلال عام 2016 بينما ارتكبت في المكسيك 23 ألف جريمة قتل ويعتبر هذا العدد أعلى رقم منذ بدء ولاية الرئيس بينا نيتو في عام 2012. لكن السلطات في المكسيك رفضت ما جاء في التقرير وأوردت بيانا حكوميا جاء فيه أن "التقرير المذكور أورد أرقاما خاطئة تعكس تقديرات تستند إلى أساليب وأسس غير مجربة وغير واقعية".
يشكل العنف في المكسيك مشكلة اجتماعية وحقوقية خطيرة جدا منتشرة في البلاد، حيث يرى المختصون ان اعمال العنف المتفشية على نطاق واسع تقع تحت أسباب عدة منتشرة في البلد الذي أصبحت مشاهد العنف الوحشية ظاهرة طبيعية وتشهدها بشكل يومي تقريبا.
لعل أحد الأسباب المهمة التي أدت الى انتشار مظاهر العنف والجريمة في المكسيك هي انتشار المخدرات وعصابات تجارة المخدرات المنتشرة في المكسيك منذ عشر سنوات ومن ذلك الوقت أعلنت السلطات الحرب على المخدرات لكنها فشلت السلطات بمكافحة هذه الجريمة المتفشية بصورة كبيرة خاصة بعد انتشار تناول المخدرات في الولايات المتحدة ما دفع المزارعين إلى زيادة مزروعات الخشخاش زيادة كبيرة. وأصبح المحصول عاملا أساسيا في اقتصاد بعض ولايات المكسيك.
هذا ما زاد تكاثر العصابات الاجرامية داخل البلاد والحوادث الانتقامية التي باتت مؤخرا منتشرة بشكل لا يكاد يكون محتملا حيث ان اغلب السكان في القرى البعيدة اصبحوا يعيشون بحالة من الرعب والخوف بسبب الفوضى التي تسببت بها تلك العصبات الاجرامية والتي أيضا قامت بأخلاء كذا قرية من سكانها من جراء عمليات العنف البشعة التي يرتكبها افراد العصابات بحقهم.
بالإضافة الى ذلك تقوم مجاميع لها صلة بعصابات المخدرات في عمليات نهب متكررة لخطوط أنابيب نفطية مما يؤدي الى اشتباكات بين جيش المكسيك ولصوص النفط الذين يستخدمون في اغلب هجماتهم لسرقة النفط النساء والأطفال كدروع بشرية.
الدولة الأكثر دموية
احتلت المكسيك المركز الثاني عالميا من حيث الدول الأكثر دموية، وفقا لتقرير أعده المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية. وذكر التقرير أن ضحايا جرائم القتل في المكسيك بلغ 23 ألف شخص في عام 2016 بسبب جرائم المخدرات. وهو ثاني أكبر عدد للضحايا على المستوى العالمي خلف سوريا التي حلت في المركز الأول بنحو 60 ألف قتيل. وفق فرانس برس.
ازدياد معدل الجريمة
قال أنتونيو سامبايو، الباحث في المعهد المختص في شؤون الأمن والنزاعات ومقره لندن "من النادر جدا أن يصل العنف الإجرامي إلى مستوى قريب من النزاع المسلح. ولكن ذلك يحدث في المثلث الشمالي في أمريكا الوسطى (هندوراس وغواتيمالا، والسلفادور) وخصوصا في المكسيك".
وفيما شهدت الدول الثلاث في أمريكا الوسطى انخفاضا في الجرائم المرتكبة إلا أن معدل الجريمة ازداد بنسبة 11 بالمئة في المكسيك العام الماضي. وفق فرانس برس.
فشل الرئيس
عزا سامبايو ارتفاع مستوى العنف في المكسيك إلى إعلان الرئيس السابق فيليب كالديرون في كانون الأول/ديسمبر 2006 "الحرب على المخدرات" في محاولة للقضاء على العصابات.
ولكن "النزاع أدى إلى أوضاع مزرية في المكسيك حيث قتل 105 آلاف شخص في جرائم متعمدة منذ تلك الفترة حتى تشرين الثاني/نوفمبر 2012".
من جهته، اعتبر كالديرون أن استمرار ارتفاع معدل جرائم القتل يعود إلى فشل الرئيس المكسيكي الحالي أنريكي بينا نييتو في الإيفاء بوعده عدم استخدام السلاح في محاربة مهربي المخدرات. وفق فرانس برس.
الحرب على الافيون
يقول الجيش المكسيكي إن حربه على إنتاج الأفيون المتنامي الذي يغذي الطلب الأمريكي تزداد تعقيدا بفعل ظهور عصابات أصغر تتصارع على مساحات موحشة من الأرض لا وجود فيها لسلطة الدولة ومزروعة بأنواع من الخشخاش أقوى مفعولا.
وقد سيطرت العصابات على ولاية جيريرو في حرب من أجل السيطرة على حقول الخشخاش وحولت أودية جبلية يصعب الوصول إليها وينتشر فيها الفقر المدقع وكذلك منتجعات سياحية تشتهر بشواطئها إلى أكثر الأماكن دموية في المكسيك. قال الكولونيل ايزاك آرون خيسوس جارسيا الذي يدير قاعدة في مدينة سيوداد ألتاميرانو، إحدى أكثر مدن الولاية فوضى، لرويترز خلال عملية لتدمير زراعات الخشخاش في أعالي جبال جيريرو إن العنف ازداد قبل عامين عندما بدأت عصابة ثالثة تسمى لوس فياجرا حملة للسيطرة على مساحة من الأرض.
مقابر جماعية
تكتشف السلطات جثثا كل يوم تقريبا في الولاية بعضها ملقى على الطرق والبعض الآخر مدفون في مقابر جماعية. وفي سيوداد ألتاميرانو سقط رئيس البلدية قتيلا في العام الماضي كما قتل صحفي بالرصاص في مارس آذار في محطة لغسل السيارات.
ومن هذا الخط الأمامي في الحرب على الهيروين يرى خيسوس جارسيا صلة مباشرة بين بلوغ انتشار الهيروين في الولايات المتحدة مستويات قياسية كانت سببا في وفاة ما يقرب من 13 ألف شخص عام 2015 وبين العنف في الولاية المكسيكية.
وترسل الكتيبة الرابعة والثلاثين التي يقودها وكتائب أخرى فصائل من الجنود سيرا على الأقدام لتنفيذ مهام تستغرق الواحدة منها شهرا كل موسم. ويقيم الجنود معسكرات وينتشرون في أراض لا أمان فيها في إطار حملة تهدف لتدمير عشرات الآلاف من الحقول كل عام.
حرب ناهبي الوقود
باتت ولاية بويبلا في وسط المكسيك على أهبة الحرب إثر اشتباكات تدور بين العسكريين وناهبي الوقود أفضت إلى مقتل 10 أشخاص على خلفية انتشار سرقة المحروقات. هذه الولاية هي مهد ظاهرة غذت ثقافة محلية مع رواج أغنيات شعبية وانتشار لرموز دينية تحمل صفائح بنزين وأنابيب بلاستيكية.
وعمليات النهب هذه التي ترتكبها مجموعات إجرامية على صلة أحيانا بكارتلات المخدرات، تكلف شركة النفط الوطنية "بيميكس" حوالى ملياري دولار في السنة. وقد زادت حدة التوترات إثر نشر جنود في المنطقة التي يرتزق أو يستفيد جزء من سكانها من هذه التجارة. وفق فرانس برس.
وندد الرئيس إنريكه بينيا نييتو بأعمال العنف هذه، متعهدا مكافحة هذه الممارسات غير الشرعية من خلال "إستراتيجية متكاملة" تشمل عدة وزارات وقوى الأمن. وقد أدت زيادة سعر المحروقات التي أقرتها الحكومة المكسيكية في بداية العام وأججت تظاهرات قُمعت بالعنف أحيانا، إلى تكاثر هذا النوع من السرقات.
دروع بشرية مع النساء
يقول خوان مانويل "ينبغي أن أدفع قرابة 1400 بيزوس (73 دولارا تقريبا) لأملأ السيارة بالوقود بالكامل في المحطة ... لكن في وسعي أن أقوم بذلك في مقابل 500 بيزوس (26 دولارا)" في السوق الموازية. ويؤكد "الكل يعلم من البائع"، وفي حال كان الزبون وفيا "يدفع مبلغا أقل". وفق رويترز.
وتكرس مجموعات إجرامية على صلة أحيانا بكارتل زيتاس الشهير أو حتى عائلات برمتها وقتها لهذه الأنشطة غير الشرعية، فيحفرون الحفر ويثقبون القنوات ويضعون أنبوبا فيها لملء الصفائح. ويقوم بعض الأطفال بمراقبة الموقع للإنذار من اقتراب شرطيين أو عسكريين. وهم يتلقون في المقابل أجرا قد يصل إلى 500 دولار في الشهر وهو مبلغ كبير في المكسيك. وقد يقومون أيضا مقام دروع بشرية مع النساء عند حدوث اشتباكات مع الشرطة.
تواطئ المسؤولون
تندد لوز ماريا خيمينيس رئيسة جمعية بائعي الوقود بالتجزئة في المنطقة من جهتها "بمنافسة لا تُحتمل" للتجار الشرعيين الذين ينبغي لهم دفع "ضرائب ورواتب". وقد دفع هذا الوضع الكثير من محطات الوقود إلى إغلاق أبوابها، ما زاد الطلب في السوق السوداء.
وقد كشفت التحقيقات التي أُجريت في هذا الخصوص عن تواطؤ بعض المسؤولين المحليين. ومنذ تموز/يوليو 2015، يقبع رئيس قسم العمليات الخاصة للشرطة الوقائية في ولاية بويبلا ومديرها في السجن بتهمة التواطؤ على سرقة المحروقات.
وفي شباط/فبراير، أوقف شرطيان بلديان إثر مواكبة حمولة من 15 ألف ليتر من الوقود المسروق. وفي 2016، رصدت "بيميكس" 6873 فجوة أحدثت لأغراض السرقة في أنابيبها في البلد برمته وقامت بسدها. وفق رويترز.
قرية مهجورة
يبدو الزمن كأنه توقف في كويتسالكواتلان منذ صباح ذلك اليوم الدامي حين اقتحم مسلحون منازل في هذه القرية الزراعية المكسيكية الصغيرة وأطلقوا النار عشوائيا على قاطنيها. كان ذلك في السادس من كانون الثاني/يناير الماضي في هذه القرية المعزولة في جبال ولاية غيريرو (جنوب) حيث تزرع نبتات الخشاش الافيونية والماريجوانا. وفق فرانس 24.
في ذاك اليوم، وصل مسلحون الى المكان و"قتلوا ستة اشخاص" من دون ان ينبسوا ببنت شفة، على ما يروي سالومون لارا المزارع البالغ 61 عاما الذي قرر العودة الى منزله على رغم فقدانه ابنه البالغ 23 عاما واثنين من اشقائه. وقد فر السكان البالغ عددهم 80 شخصا في كويتسالكواتلان للاحتماء في منطقة زيتلالا القريبة تاركين وراءهم قرية مهجورة.
النزوح هربا من العنف
قد يخال كثيرون أن هذه المأساة تقتصر على البلدان الغارقة في الحروب، الا انها حقيقة يعيشها عشرات الاف المكسيكيين المرغمين على النزوح في داخل بلدهم هربا من العنف. وتفتقر الحكومة المكسيكية لبيانات بشأن حركات النزوح الداخلية هذه، وهو ما انتقدته اللجنة الوطنية لحقوق الانسان في ايار/مايو منددة بضعف الاهتمام الرسمي ازاء هذا الملف.
وأحصت هذه اللجنة ما يقرب من 1800 حالة غير أنها تعتقد بأن الرقم الحقيقي قد يتخطى الـ35 الفا. وبحسب مركز المراقبة لحركات النزوح الداخلية ومقره في جنيف، فر 287 الف مكسيكي من اعمال العنف بينهم ستة الاف في سنة 2015 وحدها. وفق فرانس برس.
ردود فعل انتقامية
وفي الملجأ المتواضع الذي وضعته السلطات في زيتلالا بتصرف النازحين من كويتسالكواتلان، ثمة 11 شخصا ينامون على فرش موضوعة على الارض. وتتم مراقبتهم بشكل دائم من جانب شرطيين يمنعونهم من الخروج منفردين. ويمتنع هؤلاء الاشخاص عن التحدث مع وكالة فرانس برس خشية التعرض لردود فعل انتقامية. حسب فرانس برس.
وتقول ماريا ايزابيل التي شهدت على جريمة قتل زوجها امام المنزل لوكالة فرانس برس "لا اريد التحدث عن هذا الموضوع من فضلكم. انا خائفة للغاية". أما باقي السكان ممن سئموا ملازمة المركز او الذين يعانون امراضا، فقد اختاروا مغادرة هذا الملجأ والعودة الى منازلهم في بعض الحالات.
اضف تعليق