تتصاعد حدة التوتر في منطقة الشرق الاوسط بصورة عامة وفي منطقة الخليج بصورة خاصة بعد ان القت التوترات الاقليمية والوضع الاقتصادي السيئ بضلاله على العلاقات الخليجية الخليجية وعلاقات هذه الاخيرة بدول الاقليم وخاصة ايران التي غالبا ما تتهم بانها تملك مشاريع توسعية على حساب مصالح جيرانها وهو ما تؤكد عليه مرارا الادارة الامريكية والامارات الخليجية.
أزمة دبلوماسية غير مسبوقة داخل مجلس التعاون الخليجي اقدمت خلالها السعودية والبحرين والامارات على قطع علاقاتها مع قطر، وحذت حذوها مصر واليمن وجزر المالديف وجزر القمر. حيث تتهم السعودية وحلفاؤها قطر بدعم الارهاب. واخذت الازمة صدى واسعا على مستوى الاقليم والعالم، وبين شد وجذب الا ان الامور من وجهة النظر القطرية لا تزال تحت السيطرة على الرغم من قلق البعض من المجهول، فالأمور الاقتصادية تحت السيطرة بفضل البضائع التركية والإيرانية، والجبهة الداخلية قوية ومتماسكة أكثر مما توقع الآخرون، هكذا رد وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني بدا مرتاحا عشية مرور أسبوعين على بدء الأزمة الخليجية وتوجيه تهم دعم الإرهاب للدوحة والترويج له.
وشددت الدوحة على الحل الدبلوماسي منذ بدء الأزمة حيث أن الحل السياسي هو الخيار الاستراتيجي هنا مع التأكيد على دعم الوساطة الكويتية التي تلخص مساعي جميع الدول في التهدئة وبدء حوار بناء وفق أسس واضحة ومتفق عليها، لكن هذا الحوار مستحيل تحت الحصار.
الدبلوماسية الخليجية تعيش اليوم منعطفا جديدا، فالخلاف مع قطر ليس كسابقه أبدا، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني أكد في تصريحات نقلها موقع روسيا اليوم أن خصوم الدوحة ينعتون جميع من لا يتفق معهم بصفة الإرهاب وهم ليسوا في موقع يؤهلهم لرشق الاتهامات، فالإرهاب يختلف عن الخصومة السياسية وهو تعبير عن الرجعية باستخدام العنف ضد المدنيين لتغيير الواقع .. وعليه تساءل آل ثاني لماذا حتى الآن لم تقدم أي أدلة أو حتى مطالب تحدث عنها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير ؟؟ مؤكدا في الوقت ذاته أن قطر رائدة في مكافحة الإرهاب سياسيا وعسكريا ولعبت دورا مهما في نزع فتيل العديد من النزاعات وإعادة إعمار الدول.
وزير الخارجية القطري وصف الحملة التصعيدية ضد قطر بالمفاجئة المبنية على جريمة قرصنة ومحاولة لمحاسبة قطر على 20 سنة من السياسة، حيث أن السلطة في الدوحة بحسب وزير خارجيتها مستهدفة بمخطط مبني على فبركات والأمر ليس صدفة ما يعني الخروج عن اتفاق الرياض عام 2014 والذي تبقى بنوده طي الكتمان. في الخارجية القطرية أكدوا لنا أن هذا الاتفاق يشدد على حل جميع الخلافات في إطار مجلس التعاون الخليجي بعيدا عن التدويل وأي عمل عدواني، هكذا يصفون هنا الحصار الذي يعتبرونه خروجا عن الأعراف المتفق عليها ..
وبحسب موقع روسيا اليوم يرى وزير الخارجية القطري إنه ليس بمكان لتقييم احتمال أي نجاح أو فشل دبلوماسي مؤكدا أن بلاده قادرة على تغيير الكثير من الهجوم الذي تتعرض له والعقاب الجماعي الذي يطالها متوقعا ما هو أكثر من التصعيد الإعلامي.
أما ما يخص العلاقات الدولية، فإنها لا تزال قوية مع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وغيرها من الدول رغم الخسائر التي لحقت بها بسبب الأزمة، وذلك في وقت لم تؤثر فيه تعقيدات المنطقة على العلاقات مع الكويت وسلطنة عمان وتركيا وإيران وربما العكس، فتركيا تتجه لتدشين قاعدة عسكرية في قطر وسط خلافات بدأت تطفو على السطح مع الرياض، في حين تبقى العلاقات مع إيران معقدة لكنها مبنية على مبدأ حسن الجوار، وعليه تساءل آل ثاني لماذا يفرضون على الدوحة حصارا بسبب علاقتها مع طهران ولا يتخذون ضد الأخيرة نفس الإجراءات؟؟ أوليست العلاقات الاقتصادية بين الإمارات وإيران أقوى من العلاقات بين قطر وإيران؟؟ أسئلة مشروعة تؤكد أن ما يشاع اليوم عن أزمة الخليج ليس إلا قمة جبل الجليد، فلا موضوع السياسة الخارجية القطرية المستقلة ولا موضوع توجهات قناة الجزيرة يبدوان مقنعين على الرغم من تأكيد وزير الخارجية القطري أن هذه الأمور مسائل داخلية وغير قابلة للطرح على طاولة التفاوض.
علاقات مميزة
وعلى الرغم من الانتقادات التي وجهها الرئيس الاميركي دونالد ترامب الى قطر، ترسل واشنطن إشارات تثبت أنها لن تتخلى عن الامارة الصغيرة، في وقت تتواصل الجهود الدبلوماسية المكثفة الخميس لايجاد حل لازمة الخليج. ووصلت سفينتان تابعتان للبحرية الاميركية الى مرفأ حمد جنوب الدوحة "للمشاركة في تمرين مشترك مع البحرية" القطرية، بحسب ما أعلنت وزارة الدفاع القطرية.
في واشنطن، وقّع وزير الدفاع الاميركي جيمس ماتيس ونظيره القطري خالد العطية الاربعاء اتفاقا تبيع بموجبه الولايات المتحدة قطر مقاتلات أف-15 مقابل 12 مليار دولار، بحسب ما أعلن البنتاغون. وقالت وزارة الدفاع الاميركية في بيان ان هذه الصفقة "ستمنح قطر تكنولوجيا متطورة وتعزز التعاون الامني" بين البلدين.
وكان ترامب أعلن تأييده للاجراءات ضد الدوحة، لكن الادارة الاميركية ما لبثت أن دعت الى حل الازمة بالحوار. ولطالما كان التعاون وثيقا بين قطر والولايات المتحدة التي تملك قاعدة عسكرية ضخمة في هذا البلد تضم نحو عشرة آلاف جندي اميركي يشاركون في الحرب على تنظيم الدولة الاسلامية. وقال بيان وزارة الدفاع الاميركية ان ماتيس والعطية بحثا قضايا أمنية في طليعتها مسألة مكافحة تنظيم الدولة الاسلامية، "وضرورة خفض حدة التوتر كي تتمكن كل الاطراف في الخليج من التركيز على الخطوات المقبلة لبلوغ اهدافها المشتركة".
من جهته اكد مسؤول عسكري قطري في ختام ثلاثة أيام من التدريبات العسكرية مع البحرية الأميركية وعلى خلفية استمرار الازمة بين الدوحة وعدد من دول الخليج ان العديد من الحلفاء الأوروبيين لقطر يطلبون اجراء تدريبات مشتركة. وقال قائد القوات البحرية القطرية محمد جاسم الكواري ان أربع قطع للبحرية الاميركية شاركت في التدريب المشترك والذي طلبته البحرية الاميركية "قبل بضعة اسابيع".
واوضح ان تدريبات جديدة تشارك فيها قطر وحلفاء آخرون ستتم قريبا وقال لوكالة فرانس برس ان "عددا من حلفائنا الاوروبيين يطلبون إجراء مناورات في مياهنا". وتجري التدريبات الأميركية القطرية أربع مرات سنويا قبالة سواحل الإمارة، بحسب الضابط الذي لفت الى ان البحرية القطرية أجرت هذه المناورات "في شكل طبيعي" رغم التوتر الدبلوماسي في الخليج.
وساطة سياسية
مع استمرار الازمة تنشط الدبلوماسية من دول عدة خشية تفاقم تداعيات الازمة على الصعد الاقتصادية والانسانية والسياسية. وتدافع قطر عن "استقلالية" قرارها وتندد بمحاولة لعزلها، في وقت تطلب منها السعودية وحلفاؤها التخلي عن دعم الاخوان المسلمين وحركة حماس، والابتعاد عن ايران. ومن ابرز الذين يحاولون القيام بوساطة بين الطرفين، أنقرة التي أوفدت وزير خارجيتها مولود تشاوش اوغلو الاربعاء الى الدوحة.
وقد توجه الخميس الى الكويت للبحث مع أميرها صباح الاحمد الصباح في سبل حل الازمة بين قطر والسعودية التي سيزورها الجمعة للقاء الملك سلمان. وقال تشاوش اوغلو بحسب ما نقلت عنه وكالة أنباء "الاناضول" التركية "يجب ان يتم تجاوز الازمة. يجب ان يتم تجاوزها عبر الحوار والسلام، وتركيا ستساهم في ذلك". والتقى الوزير التركي في الدوحة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ونظيره القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني.
وتقيم تركيا علاقات مميزة مع قطر الغنية بالغاز وتربطها بها علاقات تجارية مهمة. ومنذ بدء الازمة، برز الرئيس التركي رجب طيب اردوغان كمدافع عن قطر، رغم انه تجنب انتقاد السعودية التي تسعى تركيا الى تطوير علاقاتها معها.
من جانبها عبرت الامم المتحدة عن قلقها من التأثيرات المحتملة لعزل قطر دبلوماسيا، محذرة من أن ذلك قد يؤدي الى معاناة واسعة بين السكان خصوصا بسبب قرار الرياض وابوظبي والمنامة طرد الرعايا القطريين من اراضيها.
وفي الرباط، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مساء الاربعاء انه يواصل جهوده الدبلوماسية الرامية الى "خفض حدة التوتر" في الازمة الخليجية، مشيرا الى انه سيلتقي لهذه الغاية الاسبوع المقبل في باريس مسؤولا اماراتيا كبيرا. وقال خلال مؤتمر صحافي إثر لقائه العاهل المغربي الملك محمد السادس، انه سيتحدث "مجددا مع امير قطر".
لا للحرب
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قال إنه لا يتوقع أن تتسبب أزمة قطر مع عدد من دول الخليج العربية ومصر في نشوب حرب بالمنطقة. في وقت كان وزير الخارجية الألماني زيجمار جابرييل قال لصحيفة فرانكفورتر ألجماينه تسايتونج يوم السبت الماضي إن الأزمة قد تقود إلى حرب مضيفا أنه لا تزال هناك فرصة لنزع فتيل التوتر.
ونقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية في مصر مساء يوم الأربعاء عن السيسي قوله في حوار مع إذاعة (إيه.أر.دي) الألمانية "لا أتوقع اندلاع حرب". وقام السيسي بزيارة رسمية لبرلين مؤخرا. وأضاف السيسي "الدول على علم من خلال أجهزتها من هي الدول والمنظمات التي تقوم بتمويل الفكر المتطرف والجماعات الإرهابية ويجب أن يقف المجتمع الدولي ويعلي مصلحته العليا من خلال وضع آليات واضحة لكبح هذه الدول ومنع وصول الأموال إلى الجماعات المتطرفة".
وتابع "ليس لدي قلق في هذا الخصوص، حيث أن الضغوط تأتي كلها في محاولة لدفع هذه الدول حتى تمتنع عن تمويل الإرهاب. وهي نقطة انطلاق لو نجحت فستصبح رسالة للآخرين بأهمية إيقاف دعم المتطرفين وأرجو أن تنجح". وعلى صعيد متصل، قال وزير الخارجية المصري سامح شكري إن مصر تقوم بتحركات ضد قطر في الأمم المتحدة، لكنه لم يوضح طبيعة هذه التحركات. ونقلت الوكالة الرسمية عن شكري قوله "مصر تتحرك دون شك (في الأمم المتحدة)، ولا أستطيع أن أوضح أكثر من ذلك، ولكن سوف يظهر خلال الأيام القادمة أن هناك تحركا مؤثرا وسنستمر في استخدام كل قدراتنا للدفاع عن أمننا القومي".
اما سفير الإمارات العربية المتحدة لدى واشنطن فقد قال إنه لا يوجد جانب عسكري للخطوات التي اتخذتها قوى عربية ضد قطر التي تتهمها تلك الدول بدعم الإرهاب لكن من الممكن تطبيق المزيد من الضغط الاقتصادي. وأضاف السفير يوسف العتيبة للصحفيين في واشنطن "لا يوجد على الإطلاق جانب عسكري لأي شيء نفعله".
وتابع قائلا "لقد تحدثت والتقيت (بوزير الدفاع الأمريكي) الجنرال (جيم) ماتيس أربع مرات في الأسبوع الأخير وقدمنا لهم تأكيدات تامة بأن الخطوات التي اتخذناها لن تؤثر بأي حال من الأحوال على قاعدة العديد أو أي عمليات تدعم القاعدة أو تتعلق بها". وقال إن الإجراءات ضد قطر لا تهدف إلى نقل القاعدة لكن إذا طلب أحد فستكون الإمارات على استعداد للدخول في ذلك الحوار وأشار إلى اتفاق دفاعي أبرمته الولايات المتحدة والإمارات الشهر الماضي يتيح لواشنطن إرسال المزيد من القوات والعتاد إلى هناك.
وعندما سئل السفير عما إذا كان سيجري اتخاذ المزيد من الخطوات ضد قطر قال "حددنا 59 شخصا و12 كيانا.. وقد ترون على الأرجح تصنيفا لحساباتهم المصرفية وربما للبنوك نفسها. ولذلك سيكون هناك تصعيد للضغط الاقتصادي مجددا ما لم يحدث تغير في السياسة أو مفاوضات تقود إلى تغير في السياسة". وأضاف "كل دولة لها مجموعة خاصة من المطالب .. اشتراطاتها الخاصة.. ولذلك نحن نحاول أن نجمع ذلك في قائمة موحدة ومن المتوقع تسليمها للولايات المتحدة قريبا جدا". وقال إن المطالب تتعلق بشكل كبير بالمجالات الثلاثة المتعلقة بدعم الإرهاب والتدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول والهجمات من خلال منصات إعلامية مملوكة لقطر.
تأثيرات اقليمية
وقالت قطر إنها سحبت قواتها لحفظ السلام من على الحدود بين جيبوتي وإريتريا بعد أن أخذت الدولتان جانب السعودية وحلفائها في مواجهة مع قطر.
ولم تذكر وزارة الخارجية القطرية سببا لهذه الخطوة وقالت في بيان "دولة قطر كانت ولا تزال وسيطا دبلوماسيا نزيها في حل الأزمات والخلافات بين الدول الشقيقة والصديقة وستستمر كلاعب رئيسي في المجتمع الدولي". ولم تحدد عدد الجنود الذين يشملهم القرار لكنها قالت إنها أخطرت حكومة جيبوتي بسحب القوات. ووفقا لجماعة مراقبة تابعة للأمم المتحدة قالت قطر سابقا إنها نشرت نحو 200 جندي.
ونشرت قطر التي تتمتع بعلاقات وثيقة مع إريتريا مجموعة صغيرة من قوات حفظ السلام على الحدود بين الدولتين الجارتين في القرن الأفريقي عام 2010 بعد اندلاع اشتباكات بشأن أراض تنازعتا عليها في يونيو حزيران 2008. كما توسطت قطر في إبرام اتفاق سلام.
وخفضت جيبوتي تمثيلها الدبلوماسي لدى قطر الأسبوع الماضي قائلة إنها تتصرف "تضامنا مع التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب وعنف التطرف وأيضا مع دول الخليج والدول العربية". وقالت وزارة الإعلام في إريتريا إن قرار السعودية والإمارات والبحرين ومصر بقطع العلاقات كانت خطوة "على الطريق الصحيح".
وهذه ثاني قوة قطرية خارج البلاد تعود إليها منذ الشقاق الذي وقع بين دول الخليج. وعادت قوة قطرية كانت متمركزة في السعودية ضمن التحالف الذي تقوده الرياض للقتال في اليمن. وكانت تلك القوات متمركزة في جنوب السعودية لدعم الدفاعات السعودية ضد هجمات الحوثيين. وقالت السعودية إن الدوحة طردت من التحالف الذي تشكل في 2015 لقتال الحوثيين الذين يسيطرون على معظم الشمال اليمني.
اضف تعليق